السعودية رفضت مقاربة أمريكية لتوظيف الصراع السني - الشيعي في خلافها مع إيران

الأحد 20 سبتمبر-أيلول 2009 الساعة 06 مساءً / مأرب برس - الأقتصادية
عدد القراءات 14215

أكد تقرير أمريكي أن السعودية رفضت بقوة مقاربة أمريكية تعتمد على إمكانية توظيف الصراع السني - الشيعي، وذلك بوضع السعودية وبقية دول الخليج في أحد أطراف المعادلة في حين توضع إيران على الطرف الآخر من المعادلة في محاولة أمريكية لاستغلال «عدم الاتفاق» السعودي - الإيراني.

وتناول التقرير الصادر عن مؤسسة راند الأمريكية العلاقات السعودية - الأمريكية منذ سقوط نظام الرئيس العراقي صدام حسين وما نتج عن ذلك من تعاون أو تنافس سعودي - إيراني وانعكاس ذلك على السياسة الأمريكية.

وقال التقرير إن الرفض السعودي جاء عندما حاول الرئيس الأمريكي باراك أوباما تسويق هذا الخطاب في زيارته الأخيرة للمنطقة.

ويؤكد التقرير أنه لا يمكن فهم ديناميكية العلاقات السعودية - الإيرانية من خلال تبني مقاربة التكتلات التي تضع السعودية على طرف وإيران على الطرف الآخر، فالعلاقات السعودية الإيرانية بالغة التعقيد. وتوصل التقرير إلى ضرورة إعادة النظر في المقاربة التقليدية التي تقوم على انطباع أن هناك انقساما سنيا - شيعيا.

ويصف التقرير السياق الاستراتيجي بعد احتلال العراق في عام 2003، والتغير الكبير الذي طرأ على موازين القوى التي كانت تحكم حراك منطقة الخليج مما أدى إلى بروز أسئلة كثيرة حول فعالية المقاربات الأمنية القديمة التي كانت سائدة في الخليج قبيل انهيار نظام صدام حسين وبروز توجه جديد للدول المكونة لمنظومة أمن الخليج في إعادة النظر في السياق الاستراتيجي برمته إذ بدأت هذه الدول دراسة الوضع والبدء في محادثات مع بعضها البعض ومع دول خارجية مؤثرة.

ويؤكد التقرير أنه وبالنظر إلى منطقة الخليج بشكل معمق نجد أن كلا من السعودية وإيران تظهران كلاعبين أساسيين في مرحلة التغير والتحول الاستراتيجي الكبير. وأكثر من ذلك يمكن القول إن التفاعل أو الحضور بين البلدين ألقى بظلاله على الحراك والأمن الإقليميين في الخليج والعراق ولبنان وفلسطين، ما انعكس بصورة أو بأخرى على الاستقرار الإقليمي وعلى مصالح الولايات المتحدة في الشرق الأوسط.

ويشير التقرير إلى أن هناك محاولات إيرانية لكسب الشارع العربي بتوظيف موقف لفظي مناصر للفلسطينيين ومتحديا لإسرائيل. وفي المقابل تتحسس إيران من العلاقات الأمريكية السعودية التي تعتبرها على حسابها، إضافة إلى كون السعودية البلد الذي يوازن القوة الإيرانية ويمنعها من السيطرة أو الهيمنة على الخليج، حيث توظف مزيجا من الدبلوماسية والقوة السلبية إن جاز التعبير.

ولا يمكن أيضا إغفال بعد آخر، ألا وهو البعد الطائفي في السياسة الإيرانية تحديدا وتوظيفها بعض المكونات العربية في خدمة سياساتها، وهذا الواقع يدفع الدول العربية أن تتحسس من الحرب الأيديولوجية الباردة التي تشنها إيران في العراق ولبنان وفلسطين وفي اليمن أخيرا، خاصة أن في إيران تيارا يتبني فكرة تصدير الثورة لمنطقة الخليج.

التحدي الواضح، وحسب التقرير، يفيد أن الانقسام السني - الشيعي هو وتر العلاقة لكنه ليس الدافع الرئيس في هذا التوتر، وعلى رغم أن لمثل هذا الانقسام صدى في الإقليم إلا أن التقرير يصر على أن هذا العامل ليس مهما كثيرا في تحديد النظرة السياسية لكل نظام. ومع هذا الإصرار يمكن القول إن العامل الطائفي هو أحد الاعتبارات لكل قيادة لكنه يبقى كأداة في السياسة الخارجية يمكن تشجيعه ويمكن كبته حسبما تقتضيه اللعبة الجيوسياسية والمناورات السياسية المتعلقة بتلك اللعبة.

وفي سياق التحليل، لا بد من الإشارة إلى الانقسامات بين النخب الحاكمة في إيران، إذ أن هناك تيارا يرى ضرورة الاستفادة من الخليج كمنطقة اقتصادية يمكن الإثراء منها عن طريق التعاون في حين هناك تيار يرى بضرورة الهيمنة ويفضل أساليب التهديد والتوعيد. وتبقى قضية الوجود الأمريكي في المنطقة نقطة خلاف مع السعودية التي ترى أن بقاء القوات الأمريكية في الخليج كان بسبب وجود مصادر تهديد لأمن الخليج.

ويتوصل التقرير إلى أنه ليس لإيران التأثير الكبير في شيعة العرب، ولا يمكن اعتبار شيعة العرب كأنهم أتباع أو وكلاء لإيران وهذه الخاصية تؤكد أن السياسة الرسمية العربية غير طائفية الأبعاد. وهنا يشير التقرير إلى نقطة في غاية الأهمية تتمثل في ضرورة أن يكون هناك سياسة استيعاب وليس إقصاء في منطقة الخليج العربي لشيعة العرب حتى لا تذهب الأجيال المقبلة إلى التطرف.

وفي ضوء ما تقدم، كيف يمكن قراءة العلاقات السعودية - الإيرانية؟ هنا يقدم التقرير عددا من النقاط. فمثلا، تنافست وتعاونت واشتبكت الدولتان في مناطق مختلفة من الشرق الأوسط، من هنا تتطور العلاقات بينهما كمزيج من المواجهة أحيانا والمصالحة البراجماتية في بعض الأحيان.

فالعراق، على سبيل المثال، هي منطقة احتكاك وتوتر لكن أيضا يمكن تطوير معادلة سعودية - إيرانية لإدارة التنافس فيها، فالسعودية لا ترتاح استراتيجيا من سيطرة طهران على بغداد وانسحاب القوات الأمريكية التي كانت تلعب دور الموازن، في حين تريد إيران إخراج القوات الأمريكية من العراق حتى تعاظم من نفوذها، وهو أمر مقلق للاستراتيجية السعودية، وبالتالي تحاول السعودية تنويع اتصالاتها مع مختلف القوى السياسية العراقية والتعاون مع جميع الطوائف للتأثير في مسار الأمور السياسية في العراق وحتى لا تنفرد إيران بالساحة العراقية.

ويوضح التقرير أنه لو أخذنا الموضوع الإيراني النووي لوجدنا السعودية وإيران حاولتا تنظيم التوتر حول الموضوع ذاته. فالسعودية يمكن أن ترى إدخال إيران السلاح النووي كخطر وجودي لا يمكن لها أن تسمح به دون حصولها على قوة الردع. من هنا تظهر السعودية ميلا لسياسة دول الاتحاد الأوروبي لمنع إيران من تطوير أسلحة نووية ولكنها تبتعد بنفسها عن ما يشاع من خطة أمريكية لضرب إيران عسكريا. في المقابل تحاول إيران التقليل من شأن الموضوع وتقوم وسائل الإعلام الإيرانية باقتباس تصريحات مسؤولين سعوديين بهذا الشأن المتعلق بالإمكانات النووية السلمية محاولة خلق انطباع أن السعودية تتفهم المشروع النووي السلمي الإيراني.

ويرى التقرير أن العلاقات الإيرانية - السعودية في منطقة المشرق العربي هي علاقات فيها صدام في المصالح والثقافات والأدوار والحضور، وهذا واضح في كل من فلسطين ولبنان. ولو أخذنا حرب لبنان لعام 2006، التي حاولت إيران توظيفها، لوجدنا أنها كانت مصدر حرج للدول العربية المعتدلة، وعلى رأسها السعودية. وقد خلقت هذه الحرب توترا بين الدول العربية ذاتها، وهنا نشير إلى دور سورية. فإيران في هذا المحور بالتحديد تلعب دور المخرب لأنها تريد أن تستعمل كل الأوراق بما فيها «حماس» و»حزب الله» لتخريب أي توجه لعملية السلام في سياق استراتيجيتها الكبرى في التنافس والتفاهم مع أمريكا. أما السعودية فهي ترى في مبادرتها ومبادرة السلام العربية الطريق الوحيد للحفاظ على الاستقرار الإقليمي، في حين تحاول إيران ما استطاعت عن طريق «حزب الله»، سورية، و»حماس» خلط الأوراق واستثمار الوقت خدمة لمشروعها النووي. ويختتم التقرير بتوصيات حول كيف ينعكس هذا على السياسة الأمريكية وماذا على أمريكا أن تقوم به؟ فلا يبدو - حسب التقرير - أن السعودية ستوافق على بعض المقترحات الأمريكية لتلعب السعودية كجزء من استراتيجية أمريكا في التعامل مع إيران، فالسعودية تتبع مقاربة متوازنة تحتوي على عناصر من التعاون والمرونة، ومن ثم فإن النظرة الأمريكية التي تنظر للسعودية كمخلب أو كتابع للاستراتيجية الأمريكية ليست نظرة واقعية تعكس التفكير السعودي وبخاصة في ظل طغيان حالة من عدم التيقن والثقة بالاستراتيجية الأمريكية نحو إيران. ولهذا ينتقد التقرير بعض الأصوات في واشنطن التي تطالب السعودية بمواجهة الصين وأوروبا لتقطع الروابط الاقتصادية مع إيران.

في المقابل، وكما يشير التقرير، فإن ثمة بعض التحليلات في الرياض ترى أن تلعب الرياض دور الوسيط بين إيران، ويوصي التقرير بأن تسعى الولايات المتحدة لتشجيع السعودية لفتح حوار مع إيران في وقت تحاول فيها أمريكا المساعدة في حل مواطن التوتر بينهما، وبخاصة في الصراع العربي - الإسرائيلي، وهذا يعتمد على تخفيف حدة التصعيد في الخطاب الأمريكي نحو إيران وتشجيع أمريكا لدول الخليج على التداخل مع إيران، وتقديم أمريكا حلولا حقيقية للقضية الفلسطينية.

ويوصي التقرير أيضا أن تقوم السعودية بمبادرات على صعيد الصراع العربي – الإسرائيلي، لأن طهران ليست مصدر التهديد العسكري التقليدي ولكنها دولة تحاول تهميش مكانة السعودية ودورها في القضايا العربية وتحديدا في فلسطين. وفي النهاية يرى التقرير أن هناك حاجة إلى تدخل أمريكي لطمأنة إيران من التدخل الخارجي لأن إيران حساسة تاريخيا للتدخل الأجنبي في أراضيها، ويمكن لأمريكا المساعدة في التقليل من حدة البعد الطائفي في العلاقة السياسة الإيرانية، وخاصة أن البُعد الطائفي في السياسة السعودية غير موجود كمنهجية، وأن وجوده يأتي انعكاسا للتحدي الخارجي. وهذا يتطلب إيجاد مؤسسات لأمن الخليج تعترف بدور إيران لكنها تطمئن دول الخليج على عدم تمكين إيران من الهيمنة على المنطقة.