آخر الاخبار

طريق طهران لعلاقة مستقرة مع الرياض والمفتاح الرئيس لعودة العلاقات.. تقرير

الخميس 06 مايو 2021 الساعة 09 مساءً / مأرب برس-العربية
عدد القراءات 4530

بعد أن هاجمت مجموعة من المتظاهرين، المقار الدبلوماسية السعودية في إيران، العام 2016، أعلنت الرياض قطع علاقاتها الدبلوماسية مع طهران.

الاعتداءات التي قام بها عشرات المتشددين، لم تكن إلا "النقطة التي جعلت الكأس يفيض"، حيث سبقها بسنوات توتر في العلاقات بين البلدين، بسبب تراكم العديد من الملفات الخلافية دون وصول إلى اتفاق أو حل لها.

الخلاف العراقي!

الرئيس العراقي برهم صالح، تحدث في لقاء مع "معهد بيروت"، عن محادثات سعودية – إيرانية، استضافتها العاصمة بغداد، في خبر تناولت جزءاً من تفاصيله قناة "الحدث"، مع د.حسين علاوي مستشار رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، الذي قال إن دور بغداد يتمثل في استضافة الوفدين المشاركين، دون التدخل في التفاصيل.

العراق الذي تغير نظامه السياسي، بعد دخول القوات الأميركية العام 2003، وتسلم المعارضة العراقية الموالية في كثير من أحزابها للجمهورية الإسلامية الإيرانية، هذا النظام الذي يلعب الآن دور "الوسيط" بين السعودية وإيران، هو ذاته البلد الذي شكل مساحة اختلاف رئيسية بين الجارتين، وكان أحد عوامل توتر العلاقات.

فبعد أن شاركت بشكل رئيس مجموعة من أحزاب "الإسلام السياسي" في الحكم، وانتهجت سياسة في جزء منها ذات نزعة "طائفية"، وأيضاً "انتقامية"، أدى ذلك لتهميش قوى معتدلة، وأيضاً إبعاد مكونات مذهبية عن مفاصل الدولة، وتحميلهم وزر جرائم نظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين، في حين أن الحقيقة تقول إن "سنة العراق" طالهم اضطهاد حزب "البعث"، كما طال الشيعة، لأن البعثيين كانوا أصحاب موقف فكري - عنيف ودموي تجاه مخالفيهم، وإن حاول صدام حسين استخدام الدين في آخر سنوات حكمه، عبر ما عرف بـ"الحملة الإيمانية"، إلا أنه في انتهاكه لحقوق شعبه، لم يكن يفرق بين سني أو شيعي، وكان يقصي أي معارض له، لأي طائفة انتمى.

شهد العراق أعمال عنف طائفية، ونشاط لتنظيم "القاعدة"، وقتل وهجر العديد من العراقيين من مختلف المذاهب والأديان لأسباب طائفية. وهو ما جعل المملكة العربية السعودية تقف متوجسة من القادة العراقيين الجدد الذين تدعمهم إيران، خصوصاً أن عدداً منهم أطلق تصريحات سلبية ضد السعودية!

سياسات نجاد!

وسط هذه الأجواء غير المستقرة أمنياً وسياسياً، التي تراقبها السعودية، لما تشكله من خطر عليها، نتيجة تنامي قوة تنظيم "القاعدة"، واستقطابه مجموعة من الشباب السعودي المتشدد، زادت الهوة اتساعاً بين الرياض وطهران، خصوصاً أن الرئيس الإيراني أحمدي نجاد، الذي جاء للحكم العام 2005، لم يكمل سياسة سلفه محمد خاتمي، وابتعد كثيراً عن دبلوماسية الرئيس الراحل هاشمي رفسنجاني، مما أدى لفتور في العلاقات بين السعودية وإيران، رغم محاولات الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز احتواء الرئيس نجاد، إلا أن الأخير "تخلى عن جميع ما تم الاتفاق عليه بين هاشمي رفسنجاني والملك عبد الله بن عبد العزيز"، كما يقول غلام علي رجائي، المستشار السابق للرئيس هاشمي رفسنجاني.

انتهج نجاد سياسة "شعبوية"، لم تواصل البناء على إرث الرؤساء السابقين له، بل انقلب عليها، في وقت حساس إقليمياً، زاوجها مع ضربٍ من "الغيبيات الدينية" التي لا تعدو كونها نوعاً من "الدروشة" لا تنسجم مع سلوك شخص يتسلم منصب رئاسة دولة مؤثرة إقليمياً كـ"إيران"

اعتبار أحمدي نجاد يتحملُ وزرَ تراجع مستوى العلاقات السعودية – الإيرانية، هو أمرٌ يؤكده غلام علي رجائي، في مقابلة أجراها العام 2017، وترجمت "العربية.نت" أجزاء منها، حيث يقول "اعتقادي أن أحمدي نجاد هو المسؤول عن الأخطاء، فبرغم استعراضاته، بلغت العلاقة بين الرياض وطهران أدنى مستوياتها"، مضيفاً "لو كنا رفعنا العلاقات إلى المستوى الذي خطط له هاشمي رفسنجاني، والذي كانت كلمته مسموعة لدى المسؤولين السعوديين، من المحتمل أننا سنشهد موقفاً مختلفاً من السعودية بشأن القضايا الإقليمية والدولية".

تمدد الحرس الثوري

مؤسسة "الحرس الثوري"، التي تتمتع بنفوذ عسكري واقتصادي وأمني وثقافي، ازداد نفوذها في عهد نجاد، وهو ما جعلها تطلع بمهام خارجية أكبر، وخصوصاً في العراق، عبر "فيلق القدس"، وزعيمه السابق اللواء قاسم سليماني، الذي اغتالته الولايات المتحدة في العراق، يناير 2020.

"الحرس الثوري"، عمل على دعم مجموعة من أذرعه العسكرية، في العراق، وتالياً في سوريا بُعيد "الربيع العربي" 2011، كما أسس لخلايا "إرهابية" في عدد من دول الخليج، وتحديداً السعودية والبحرين والكويت، وهو السلوكُ الذي يعد انتهاكاً للقوانين الدولية، وتدخلاً سافراً في شؤون دول الجوار.

سياسات "الحرس الثوري" التوسعية، لم تضر بعلاقات إيران مع جيرانها فحسب، بل أضرت بشريحة من المواطنين في هذه الدول، وساهم في خلخلة البنى الاجتماعية، التي هي في جزء منها تعاني تصدعات نتيجة "الخطابات المذهبية" التي تطلقها القوى المتطرفة.

أسس "الحرس الثوري" بعض الخلايا في البحرين والسعودية، ووفر لها دعماً لوجستياً ومالياً، والتدريب. حيث تلقى بعضها تدريباً في معسكرات تابعة لمليشيات موالية لإيران في العراق، ولذا، جاءت سياسات رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، واضحة وحازمة، كي تمنع هذا السلوك "التخريبي" الذي يمارسه "الحرس".

أوساط عليمة، تتحدث عن انزعاج شديد من "مرجعية النجف" بسبب سياسات "الحرس الثوري"، وتعتبرها "مقوضة لاستقرار العراق والخليج"، وأنها "سببت مشكلات للمواطنين الخليجيين الشيعة في دولهم"، وأنه "يجب على إيران أن تكف عن هذه السياسات، وتركن للحوار والعلاقات الحسنة مع جيرانها، ولا تتدخل في شؤون مواطني هذه الدول".

دعم الحلفاء!

دعم "المليشيات" في العراق، لم يكن السبب الوحيد لخلاف السعودية وإيران. فقبله، العام 2005، تأزمت العلاقات بسبب اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري، وتالياً أحداث 7 أيار 2008، عندما نزلت مجموعات مسلحة من "حزب الله" للعاصمة اللبنانية بيروت، وسيطرت على أجزاء منها.

العام 2011 حدثت تظاهرات في مدن سورية مختلفة، تحتجُ على الأوضاع المعيشية، تلاها قمع عنيف لها، ودعم إيراني للنظام السوري، بالمقاتلين والسلاح والخبراء، هذه التطورات هي الأخرى ساهمت في زيادة التباين بين السعودية وإيران.

احتلال مليشيات "الحوثي" للعاصمة اليمنية صنعاء، وتالياً عملية "عاصفة الحزم" العام 2015، ودعم إيران للحوثيين سياسياً وعسكرياً، تغيرات دراماتيكية، جعلت الرياض تفقد ما تبقى من ثقة في طهران، خصوصاً أن الحدود الجنوبية للمملكة باتت مهددة من قبل مجاميع مسلحة حليفة للنظام الإيراني، وهو التهديد الذي من المستحيل أن تتهاون معه الرياض.

طريق السلام!

هذه الملفات الشائكة، هل تعني أن السلام مستحيل بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية؟ الجواب: لا، إنما الطريق طويلٌ وشاق، ويحتاج لحوار حقيقي وجاد ونوايا مدعومة بالأعمال.

هنالك حدود شمالية وجنوبية للسعودية، تهددها مليشيات مسلحة موالية لإيران. وهنالك هجمات وقعت ضد أهداف مدنية واقتصادية ومطارات سعودية. وكلها عمليات تمثل "خطراً على الأمن الوطني السعودي"، وليس مجرد اختلاف في وجهات النظر؛ والحكومة السعودية أكدت في أكثر من مناسبة أنها لن تتردد في الدفاع عن حدودها وأمنها.

ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، أكد في إبريل الماضي، أن "إيران دولة جارة، وكل ما نطمح أن يكون لدينا علاقة طيبة ومميزة مع إيران". من جهته أوضح المتحدث باسم الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زادة "استعداد إيران للحوار دوماً مع الدول الجارة، ومنها السعودية بأي مستوى وصيغة كانت".

مصادر تحدثت معها "العربية.نت"، أكدت على أن "طرفي المفاوضات يسيران بجدية تامة، وحريصان على التطور السريع والشامل لهذا الملف، الذي سينعكس على وضع المنطقة بأكملها".

دبلوماسي خليجي سابق، قال في تعليق له لـ"العربية.نت"، إن "الكرة الآن في ملعب إيران، بُعيد تصريحات ولي العهد الأمير محمد بن سلمان. فإما أن تكون إيران دولة تساهم في استقرار المنطقة، أو تكون دولة منبوذة مثل كوريا الشمالية"، مضيفاً "لا يعقل أن تكون إيران وحدها على حق، وجميع الدول الناقدة لسياساتها على خطأ. فمشاكل إيران ليست مع دول الخليج وحسب، بل مع دول عدة عربية وآسيوية وإفريقية وأوربية".

المفتاح الرئيس لعودة العلاقات السعودية – الإيرانية، هو "تغيير السلوك ووقف فكرة تصدير الثورة"، لأنه كما قال الأمير محمد بن سلمان في حواره "إشكاليتنا هي في التصرفات السلبية التي تقوم بها إيران، سواء برنامجها النووي، أو دعمها لميليشيات خارجة عن القانون في بعض دول المنطقة، أو برنامج صواريخها البالستية".

هذه النقاط الرئيسة عندما يتم بحثها، والتوصل لاتفاقيات دائمة وواضحة بشأنها، حينها يمكن أن تعود العلاقات كما كانت، بل بمقدورها أن تتطور بشكل أكبر لما فيه "نمو وازدهار" المنطقة كما قال الأمير محمد بن سلمان، لأن "السلام" هو الطريق للتنمية والتحديث، ويشكل مصلحة مشتركة للجميع.