تحليل: نتنياهو سادس زعيم إسرائيلي يقرّ بتعبير الدولة الفلسطينية

السبت 20 يونيو-حزيران 2009 الساعة 08 مساءً / مأرب برس يو بي أي
عدد القراءات 5994

يعد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، سادس زعيم إسرائيلي يقرّ بتعبير 'الدولة الفلسطينية' وهذه هي المرة الأولى التي يقر فيها بذلك، لكن التحذيرات التي أطلقها أفرغت إقراره من أي مغزى. بالإضافة إلى ذلك، فإن الأحداث التي شهدتها الثيوقراطية الإيرانية التي توشك أن تصبح دولة نووية، وتمت فيها فبركة الانتخابات لصالح رئيس يحتقر الولايات المتحدة ولا يرى مكانا لإسرائيل في الشرق الأوسط، تتطلب حكمة جيوسياسية.

وأكثر من ذلك فإن مئات الآلاف من الشبان الايرانيين ـ غالبية السكان البالغ عددهم 70 مليون نسمة ولدوا بعد الثورة الاسلامية عام 1979 ـ احتجوا على الانتصار غير المتوازن للرئيس محمود أحمدي نجاد.

في المقابل فإن تسعة من رؤساء الولايات المتحدة طلبوا من إسرائيل الكف عن توسيع المستوطنات، غير ان الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة التي طمأنها الكونغرس الأمريكي اللين، مع غمزة وانحناءة من الرئيس بوش، تجاهلت التأنيب الطفولي الخفيف، وقامت بتوسيع المستوطنات.

وأوضح نتنياهو ان 'النمو الطبيعي' للمستوطنات في الضفة الغربية ـ أقل قليلاً من 300 ألف مستوطن في 160 مستوطنة ونحو 200 ألف في القدس الشرقية ـ سوف يستمر مع وصول عشرة آلاف طفل جديد في السنة الجديدة.

ولكن تفكيك هذه المستوطنات الذي هو شرط لا بد منه لقيام دولة فلسطينية لم يذكر حتى من قبل رئيس الولايات المتحدة باراك أوباما، ناهيك عن نتنياهو. أما وجود عاصمة فلسطينية في القدس الشرقية وهو شرط لا غنى عنه أيضاً، فإنه غير قابل للتفاوض بالنسبة للإسرائيليين، من اليسار إلى اليمين.

والشيء نفسه ينطبق على حق العودة لمئات الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم الأصلية في اسرائيل.

غير ان الكثير من المستوطنين في الضفة الغربية أمريكيو المولد والأغلبية الساحقة اختارت أن تكون رائدة في ما يعتبرونها أرض الأجداد في إسرائيل. وهذا يعني أنه حتى لو تفاوض الإسرائيليون والفلسطينيون على معاهدة سلام، فمن غير الممكن تنفيذها في الضفة الغربية المدموغة بالمستوطنات الإسرائيلية. وأوضح نتنياهو ان هذه الدولة الفلسطينية التي لا تزال في طورالأسطورة، إذا ما أصبحت حقيقة واقعة، لن يكون لها أية حقوق في مجالها الجوي أو قوات مسلحة، بل قوات مزودة بأسلحة خفيفة وبرجال شرطة.

ويشير بعض السفراء الأمريكيين السابقين في المنطقة إلى أن المفاوضات عندما تنطلق، يجب أن تبدأ برسم خطوط على الخريطة حيث يعتقد انه يجب تحديد الحدود المشتركة بين البلدين .

بالنسبة للإسرائيليين، فإن الحدود يجب أن تتبع جدار الفصل الذي يبلغ طوله 420 ميلاً وكلفته 2.5 مليار دولار والذي ما زال في طور البناء منذ العام 2002 ويتلوى كالأفعى داخل الأراضي الفلسطينية وخارجها على عمق 4 أميال.

لقد أبقت سياسة إسرائيل بضم الأراضي فضلاً عن جدار الفصل والمستوطنات والطرق الالتفافية للمستوطنين والمناطق العسكرية المغلقة، بين يدي الفلسطينيين 13' فقط من 255 ميلا مربعا من محافظة بيت لحم الفلسطينية. في حين أن هناك حوالي 175 ألف فلسطيني يعيشون في منطقة بيت لحم، وهناك أيضاً 86 ألف إسرائيلي بينهم وزير الخارجية افيغدور ليبرمان في 19 مستوطنة.

بالإضافة إلى ذلك فإن المياه الجوفية للضفة الغربية تمر تحت مستوطنات الضفة الغربية من الشمال إلى الجنوب، و90' من الجدار الفاصل يمر في الأراضي الفلسطينية وداخل الضفة الغربية ويطوق المدن والقرى الفلسطينية ويفصل المزارعين عن أرضهم والفلسطينيين عن أماكن عملهم.

لذلك فإن حل هذا المأزق من خلال مفاوضات قد يستغرق سنوات.

ويقول نتنياهو ان على محاوريه الفلسطينيين الإعتراف بإسرائيل كدولة يهودية، وتشكيل حكومة موحدة تبدي استعدادها للتفاوض مع إسرائيل.. ولكن مثل هذه الحكومة يجب أن تضم حركة حماس المتشددة التي تحكم غزة وتعمل في السر في جميع أنحاء الضفة الغربية، وهي لا تزال تريد تدمير اسرائيل. وبالتالي فإن حل الدولتين ليس سوى.. وهم.

في المقابل لدى إسرائيل مشكلة أكثر إلحاحاً وهي ظهور دولة نووية، هي إيران، يريد رئيسها أن تحل فلسطين محل إسرائيل في الشرق الأوسط، التي أجرت الشهر الماضي تجربة إطلاق صاروخ يبلغ مداه 1200 ميل ويعمل بالوقود الصلب وقادر على الوصول إلى معظم دول الشرق الأوسط.

وفي حين ان روسيا والصين منزعجتان فعلاً من سلوك كيم جونغ إيل النووي الغريب، لكنهما لم تظهرا بعد حذراً مماثلاً من إيران النووية.

وأثبتت دبلوماسية الجزرة والعصا عدم فعاليتها مع إيران التي ما زالت تهرب السلع سرا، وبشكل خاص عن طريق دبي حيث يعيش ويعمل حوالي 400 ألف إيراني.

ولكن إحدى العصيّ الغليظة التي تضمن إيذاء إيران هي اعتمادها على البنزين المستورد ـ 40' من الاحتياجات المحلية ـ لأنها لا تملك قدرة كافية على تكرير النفط، لكن هذا يتطلب شكلاً من أشكال الحصار من شأن إيران أن تراه مبررا للحرب مما يعني ان ذلك قد يتبعه وابل من الصواريخ الإيرانية ضد القوات الأمريكية وحلفاء الولايات المتحدة في الخليج.

بيد أن روسيا والصين تعارضان فرض عقوبات أكثر صرامة على النظام الإيراني، فطهران تستورد معدات عسكرية من موسكو، فيما وقعت الصين عقودا طويلة الآجال لقاء النفط الإيراني. أما ألمانيا فهي أهم شريك تجاري غربي لإيران ووقعت معها 1926 صفقة تجارية عام 2008 أي أكبر بنسبة 63' عن عام 2007. أما الصفقات الإيطالية مع إيران فتبلغ قيمتها 5 مليارات دولار.

لقد بدأت صفحة جديدة في الملحمة النووية الايرانية بمنطقة الخليج، فالمملكة العربية السعودية والكويت والإمارات العربية المتحدة تشارك الولايات المتحدة وإسرائيل تحذيرها من ولادة دولة نووية ذات ميول انتقامية سيحكمها للسنوات الأربع القادمة مدني مندفع واستعلائي ملتحٍ. فكل رئيس جديد منذ قيام الثورة قبل 30 عاما حظي بولايتين من المتعة مع المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي. والسنوات الأربع المقبلة التي سيحكم فيها محمود أحمدي نجاد شبه مضمونة لإنتاج قنبلة نووية أكثر مما هي مضمونة لينجح أوباما بتفادي حصول ذلك.

ومن الممكن أن تؤدي ثورة ناجحة للشباب الإيراني في شوارع طهران إلى إزاحة أحمدي نجاد من السلطة إلاّ ان الرجل الذي صوتوا لصالحه ليس معتدلا، فمير حسين موسوي كان رئيس الوزراء في إيران خلال أصعب سنوات الثورة الاسلامية (1981 ـ 1989) ، والتي شملت ثماني سنوات من الحرب مع العراق تحت حكم صدام حسين الذي قتل خلالها مليون شخص.

لكن موسوي كان متشدداً وحليفاً لصيقا بخامنئي، الذي هو الآن القائد الأعلى، حيث يقول بعض الخبراء الإيرانيين ان موسوي هو التوأم الايديولوجي لنجاد.. ولو كان أرستقراطيا ومتقدما.