«الإجراءات الأحادية الحوثية »... إدمان يبدد الوقت ويرسّخ الانقلاب

الجمعة 29 نوفمبر-تشرين الثاني 2019 الساعة 10 صباحاً / مأرب برس-متابعات
عدد القراءات 2147

  

درجت الجماعة الحوثية منذ ظهورها على مسرح الأحداث في اليمن وتدحرجها من صعدة شمالا للانقلاب على الشرعية وإسقاط العاصمة صنعاء، وصولا إلى اللحظة الراهنة على اتباع أكثر من تكتيك وأداة للمناورة وكسب الوقت ويأتي في مقدمها إدمان الجماعة على الإجراءات الأحادية في المسار التفاوضي.

يعتقد سياسيون ومراقبون يمنيون أن الجماعة الموالية لإيران، اتخذت من هذا الإدمان على التدابير الأحادية الجانب وسيلة للوصول إلى منطقة رمادية، لتخدير المجتمع الدولي بأنها تريد الالتزام، وفي الوقت نفسه ملاذا للتملص من تنفيذ الاتفاقات مع الحكومة اليمنية (الشرعية) أو الالتزام بقرارات مجلس الأمن ذات الصلة بالأزمة اليمنية.
وباعتبار اتفاق «استوكهولم» أول اختبار حقيقي لمصداقية الجماعة منذ مشاورات السويد نهاية العام 2018 والذي أثبت عدم رغبتها لإنجاز مقدمات السلام، كانت الفرصة المناسبة لتلجأ الجماعة إلى «تكتيك» الإجراءات الأحادية، من خلال إعلانها الانسحاب الأحادي الصوري من موانئ الحديدة الثلاثة، وهي الحيلة التي لم تنطل على الشرعية أو التحالف الداعم لها لكنها منحت الجماعة الكثير من الوقت للمناورة وإعادة ترتيب صفوفها ومن ثم إرباك المساعي الأممية لاستكمال تطبيق الاتفاق المتعثر.
هذه الاستراتيجية الحوثية لم تتوقف أبدا، فبعد أن زعمت أنها هي التي قامت بتنفيذ أوسع الهجمات على المنشآت السعودية التابعة لشركة أرامكو، سارعت إلى عرض مبادرة أحادية تهدف إلى امتصاص الغضب الدولي والإقليمي الناتج عن هذه الهجمات عبر إعلانها عن مبادرة لوقف الهجمات من جانب واحد وهو العرض الذي لقي على الفور تعليقا أمميا متفائلا.
ورغم أن «اتفاق استوكهولم» كان أحد فروعه الثلاثة خاصا بتبادل الأسرى والمختطفين بين الجماعة والحكومة الشرعية إلا أن الجماعة عرقلت كل الخطوات الرامية إلى تنفيذه، ولجأت إلى تقديم مبادرة أحادية أطلقت خلالها نحو 270 مختطفا (وليس أسرى أو مقاتلين) من المدنيين في معتقلاتها، ثم سخرت أدواتها الإعلامية للتسويق لهذا الإجراء الأحادي بصفته رسالة على مصداقية الجماعة ورغبتها لتنفيذ الاتفاق وإلقاء اللوم على الحكومة الشرعية.
وحتى بعد نجاح رئيس البعثة الأممية في الحديدة الجنرال الهندي أبيجهيت غوها في تنفيذ نشر خمس نقاط مشتركة لمراقبة وقف إطلاق النار، لم يرق للجماعة البناء على هذا التقدم المشترك فذهبت من اليوم التالي في استحداث مواقع عسكرية قرب النقاط وحفر الخنادق قبل أن تلجأ أخيرا إلى شن هجمات واسعة على القوات المشتركة ومقر الفريق الحكومي في مدينة المخا، في سياق سعي الجماعة لإفشال التقدم الطفيف.
هذه الاستراتيجية الحوثية، بقدر ما تعتقد الجماعة أنها نجحت في منحها المزيد من الوقت، أثبت للمراقبين المحليين والدوليين النوايا الخفية التي تنطلق منها الجماعة لإطالة أمد الحرب والاستمرار في تجريف الهوية اليمنية في مناطق سيطرتها ابتداء من التعليم ثم الاقتصاد وصولا إلى مراتب متقدمة من عملية «حوثنة المجتمع» مع ما يعنيه ذلك من تثبيت أقدام الجماعة وترسيخها في الأجزاء الشمالية البلاد.
ولعل تصريحات قادة الجماعة الأخيرة تثبت من غير شك أنها ليست مستعدة للسلام ولا لتحقيق أي اتفاق شامل ينهي الانقلاب ويعيد المسار الانتقالي في اليمن إلى وضعه الطبيعي، فهي تعلن صراحة أنها ترضخ لقرار مجلس الأمن 2216 وأنها تتمسك بوقف العمليات العسكرية لتحالف دعم الشرعية وفتح الأجواء اليمنية والموانئ أمامها والاعتراف بها كسلطة أمر واقع والتسليم بشروطها هي وليس بشروط الشرعية أو المجتمع الدولي.
وفي هذا السياق صرح وزير دفاع الجماعة محمد العاطفي أمس(الخميس) مطلقا تهديدات جديدة تتناقض مع ما كانت الجماعة أعلنته من سعي للتهدئة الأحادية، حيث قال «إن الحرب الحقيقية» بين الجماعة وبين تحالف دعم الشرعية الذي تقوده السعودية لم تبدأ بعد.
ولم يقتصر التهديد فقط باستئناف الهجمات الإرهابية على الأعيان المدنية السعودية فقط، ولكنه شمل أيضا كما يفهم من تصريحات العاطفي التي نقلتها عنه الوسائل الرسمية للجماعة التهديد باستهداف الاقتصاد العالمي والأمن القومي الإقليمي، حيث لوح باستهداف الملاحة البحرية في البحر الأحمر زاعما أن الأمن القومي العالمي وخاصة في الجانب الاقتصادي مرهون بمنح جماعته أمنها الاقتصادي، مشيرا إلى «أن المصالح القومية الدولية وخاصة الاقتصادية ستتضرر أكثر مما يتصوره البعض» في حال استمرت العمليات العسكرية ضد جماعته.