زمن الحرب.. صحفي يمني يجمع النفايات بشوارع صنعاء

الجمعة 28 ديسمبر-كانون الأول 2018 الساعة 09 صباحاً / مأرب برس- محمد عبدالملك
عدد القراءات 2477

 

"أكره أن أكون قاتلا بالأحرف والكلمات، يحزنني كثيراً أن يكتب صحفي بناء على رغبة الوسيلة التي يعملُ فيها ولا يكترث للمجازر التي يشرعن لها من خلال تزوير الحقائق" بهذه الكلمات يرد الصحفي اليمني نبيل الشرعبي على سؤال عن الدافع جعله يترك الصحافة ممتهنا جمع النفايات بشوارع صنعاء مقابل أجر زهيد.
وكان الشرعبي قد فقد مطلع عام 2015 عمله الصحفي كمسؤول عن قسم الاقتصاد بصحيفة أخبار اليوم المحلية، إضافة إلى عمله مشرفا ومحررا في عدد من المواقع الإلكترونية، وانهالت عليه بعدها عروض من بعض الوسائل ولكنه قال إنه رفضها جميعا "لأنها جاءت من وسائل إعلام موجهة" وإنه فضل الانخراط في أعمال شاقة كنقل الأحجار والطوب وصولا لجمع النفايات وغيرها. 
يقول للجزيرة نت "رغم أن العائد المادي من جمع النفايات في الغالب لا يتعدى خلال اليوم ما يوازي خمسمئة ريال (أقل من دولار) لكنه مصدر دخل كريم لا بأس به ما دمت أعيش سعادة الالتزام بأخلاقيات المهنة وأرفض أن أكون واحداً من طابور طويل يغريهم المال أيا كان السقوط الذي يقعون فيه عندما تتدفق النقود إلى أياديهم".
قصة دامية
جمع النفايات والعيش من عوائدها بالنسبة له "عمل عظيم لأن الجانب الآخر الذي قد يقبل بالعمل فيه يتمحور في تعظيم نفايات البشر". ويضيف "أعتقد أن جمع النفايات الفعلية يسهم بالحفاظ على البيئة واستدامة الحياة، أما نفايات البشر فهي تهدد استدامة الحياة لأنها تؤجج الحرب".
وبالرغم من تنقله بين الأعمال الشاقة فإنه يقول إنه لم يجد فرصة للعمل أحيانا، حيث وجد نفسه مشرداً على أحد الأرصفة بصنعاء لأشهر طويلة، وعاش على ما يتحصل عليه من بيع الكراتين المهترئة التي كان يجمعها مع أحد أصدقائه والذي يعمل موظفاً بوزارة الصحة. 

فكر الشرعبي وصديقه بعدها بتوسيع أعمالهما إلى جمع قناني المياه المعدنية والمشروبات، وتمكنا من استئجار غرفة مع زميل لهما والاستقرار بالسكن والتحرك أكثر حتى جاء العام الثاني، وبدأت تشح مخلفات المياه والمشروبات، ودخلا مرة أخرى في ضائقة مالية بالغة الشدة لجآ خلالها للاستعانة بالصحفي فيصل عبد الحميد دبوان حيث عملا معا في بيع الخضار والثلج بصنعاء.

يصوم الشرعبي أغلب أيام الأسبوع لعجزه -كما يقول- عن توفير ثمن وجبات اليوم مكتفياً بوجبة واحدة، وفي الأيام التي يفطر فيها بوجبة أو وجبتي طعام يكون طعامه فيها الخبز والماء، ووفقا لحديثه فإنه لم يحدث أن تناول ثلاث وجبات منذ أكثر من عامين.
الانحياز هو الحل
ويتابع "كان الجميع من حولنا يعتبون علينا ويعيبون علينا ذلك ويقترحون علينا الانضمام إلى صف أحد طرفي الصراع، ونقابلهم بالرفض قائلين لهم نرفض أن نكون قتلة بالقلم".

وردا على سؤال عن سبب إصراره الاستمرار بهذا المسار، أجاب بعد تنهيدة عميقة "أحببت بلادي، وأحب أن أكرمها وأن أكون واحدا من عامة بؤسائها (..) وكصحفي أؤمن بأن من واجبي الإسهام في ترميم جراحات اليمن لا إنشاب مخالب الحرب فيها".

وتحدث عن أن التغيرات في حياته أجبرته على إنهاء ارتباطه بالفتاة التي كان قد تقدم لخطبتها، وأنه ورغم تركه للعمل الصحفي لم يسلم من الملاحقات والاعتقال، حيث تعرض للاعتقال خمس مرات خلال سنوات الحرب الأربع الماضية، كما قال. 

صحفيون يعانون
ولا تبدو قصة الشرعبي الوحيدة في واقع الصحفيين اليمنيين زمن الحرب والذين عاشوا تحولات في حياتهم منذ أن سيطرت جماعة أنصار الله (الحوثي) على العاصمة عام 2014، حيث تلا ذلك توقف أغلب المؤسسات الإعلامية الحكومية والأهلية.
ويشير الصحفي محمد أمين إلى أن هذه الأوضاع وما تلاها من اندلاع الحرب المستمرة دفعت العشرات من الصحفيين الذين كانوا يعملون بهذه المؤسسات للمعاناة، وانتهى الحال بصحفيين لبيع أثاث منازلهم في صنعاء والانتقال للعيش في قراهم الريفية أو إلى مدن أخرى، إضافة لعمل الكثيرين.
من الإبداع للبطالة
وبحسب أمين فقد سببت الحرب شتات الكثير من الصحفيين، كما أن هناك صحفيين كان لهم حضور إبداعي كبير ويشرفون على أبرز الصحف الثقافية وقد باتوا اليوم بلا عمل ودون مصدر دخل.

ويتابع أمين "هناك صحفيون مرضى يتوجعون بصمت ولا أحد يلتفت إليهم كما هو الحال مع نبيل الشرعبي، وقبله وليد الشرعبي الذي ظل في مستشفيات عدن يتلقى العلاج ولم يتلفت له أحد بعد إصابته جراء حادثة إحراق مقر العمل الذي كان يعمل فيه بالمدينة حيث كسرت قدماه وأصيب في عموده الفقري". 

ويرى أن ما يزيد الوضع حزنا دور نقابة الصحفيين التي يرى أنها لا تعمل على حماية منتسبيها الذين يعيشون أوضاعاً صعبة، ولا تسعى لتبني مشروع صندوق يكون عونا لهم في ظل الأوضاع التي يمر بها البلد.
دور النقابة 
من جهته يرى الأمين العام لنقابة الصحفيين محمد شبيطة أن النقابة قامت طوال الفترة الماضية وبسبب الظروف التي تمر بها البلاد بالتحرك لدى المنظمات العربية والدولية لطرح قضية الصحفيين الذين فقدوا أعمالهم.

ولفت شبيطة -في حديث للجزيرة نت- إلى أن إدارة النقابة تدرك ظروف منتسبيها في الداخل، وقد تم بالفعل طرح قضيتهم منذ 2015 على الاتحاد الدولي للصحفيين، لكن كل الإجابات التي وصلت للنقابة من كافة المنظمات تفيد بأنه ليس لديها بند يخص دعم الصحفيين في الداخل اليمني ماليا.

وعلى الصعيد المحلي، ذكر شبيطة أن النقابة ليس لديها ميزانية منذ عام 2014، كما أنها لم تعد تملك القدرة على دفع رواتب موظفيها، وأضاف "لقد طالبنا الحكومة بالتدخل لحل مشكلة المرتبات الخاصة بالصحفيين في مختلف المحافظات دون استثناء، وسمعنا أن وزير الإعلام ورئيس الوزراء السابق علي بن دغر وافقا على ذلك ورفعا توصية للرئيس عبد ربه منصور هادي الذي وجد أن هذا الاجراء يعني دعم الكثير من الصحفيين الذين يعملون مع الحوثيين بصنعاء ويعملون ضد الشرعية "فأوقف الأمر".

وحول الأرقام الفعلية لأعداد الصحفيين الذين توقفت أعمالهم ويعيشون ظروفا قاسية كحالة الشرعبي، قال شبيطة إن النقابة ليس لديها إحصاءات، وختم بالقول "الحقيقة تقول إن الجميع يعاني الفقر والعوز، وبالفعل هناك حالات صعبة جدا".

المصدر : الجزيرة

اكثر خبر قراءة أخبار اليمن