رحلة في بحور الصعاب ... يمنيون عائدون بأثقال الحزن وآخرون في خضم الصراع بحثا عن مستقبل أفضل

الإثنين 15 سبتمبر-أيلول 2008 الساعة 02 مساءً / مأرب برس – السياسية - يحيى جابر
عدد القراءات 4204

منذ أحداث سبتمبر عاد كثير من اليمنيين المهاجرين في الولايات المتحدة الأميركية إلى أرض الوطن بعد فشلهم في الحصول على حق الإقامة. 15 عاما تردد البعض منهم على أبواب المحامين عله ينجح في إقناع المحاكم أنه مواطن ينفذ مع ايير النظام والقانون الأميركي ثم يعود خائب اليدين.

اليمنيون وأميركا قصة مشتركة تبدأ بالبحث عن فرصة العيش بسلام وتنتهي إلى عالم الثراء أو عالم الإحباط. لكن جميع اليمنيين يحاولون أن يكونوا مواطنين صالحين في المهجر، فكيف يعيشون هناك وتعيش أسرهم هنا، خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر عام 2001؟

عودة خالية الوفاض

ماجد أحمد، 43 عاما، حصل على ما يعرف بـالـ"جرين كارت" (البطاقة الخضراء)، وهي الخطوة الأولى للحصول على إقامة دائمة ومن ثم الجنسية الأميركية. بعد 13 عاما غربة شعر ماجد أنه لم يحقق شيئا مما كان يحلم به. "سافرت إلى الولايات المتحدة الأميركية في العام 1996، وفي رأسي أهداف وأحلام كثيرة أريد أن أحققها في بلاد الحرية كما يسميها الجميع (أميركا)". كان يحلم ماجد بتكوين "رأس مال أعود به إلى وطني وأتمكن من خلاله من فتح شركة صناعية أو محلات تجارية أترزق منها أنا وعائلتي التي يصل عدد أفرادها إلى أكثر من 30 شخصا". وبحزن يقول ماجد إنه لم يحقق حلمه؛ "أميركا وضعت شروطا صعبة للإقامة والعمل فيها، وأحداث 11 سبتمبر 2001 زادت من التعقيد لتلك الشروط".

ويضيف: "من تلك الشروط أن تكون متزوجا بأميركية, ولديك بيت، وتدفع الضرائب، أو تكون معك فيزا عمل، أو ضمانة تجارية... وكل تلك الشروط لا يحصل عليها إلا القليل من اليمنيين، فمعظم من يسافر إلى الولايات المتحدة تكون تأشيرة دخوله على أساس أنه سائح أو رحلة عمل أو دراسة... وهي مبررات سرعان ما تنتهي".

ويشير إلى أنه بدأ بتجهيز ملف الإقامة والحصول على الجنسية الأميركية، من الأشهر الأولى لوصوله؛ "حتى لا يكون مصيري الترحيل كما حدث للكثير من اليمنيين والعرب، ممن ليس لديهم أوراق قانونية تثبت حقهم في الإقامة والعيش بسلام". ويقول: "لذلك كنت أعمل ليلا ونهارا للحصول على المال، حتى أتمكن من دفع معظمه إلى المحامين الذين وصل عددهم إلى خمسة محامين، بالذات بعد أن احتجزتني دائرة الهجرة الأميركية وأقرت ترحيلي". ويضيف: "كنت أرسل ما يتبقى من مال إلى زوجتي، التي تصرفه على أبنائي ومعظمهم أنهوا دراستهم الثانوية وأنا في الغربة".

بدأ ماجد رحلة البحث عن حقه في العيش بأميركا حتى تمكن. لكن مثل ماجد هناك مئات اليمنيين. "أنا آسَف على الكثير من الزملاء الذين تم ترحيلهم وكانت لهم أحلام يريدون تحقيقها ولم يستطيعوا! هناك الكثير، ألف شخص تقريبا، كانوا ضمن قائمة الباحثين عن السلام والإقامة في أميركا، ولم يفلح سوى 300 تقريبا".

عبد الرحيم راشد (مغترب في أميركا منذ 12 عاما) يقول: "أخذت مال والدتي واقترضت فلوسا من أصدقائي حتى جمعت 500 ألف ريال وهاجرت إلى أميركا وأنا أحلم بجمع الثروة". يضيف: "أخذني أحد معاريفي ووفر لي عملا بعد ثلاثة أيام، كعامل في سوبر ماركت بدوام 12 ساعة متواصلة". يتابع: "كانت سنة متعبة تحملتها بسبب الديون التي يجب سدادها عن والدي وتوفير مصاريف الأولاد الأربعة والزوجة". حصل عبدالرحيم على الـ"جرين كرت" في العام 2001 بعد خمس سنوات، لكنه يقول: "لي ستة أصدقاء دخلوا السجن، فيما تم ترحيل الآخرين من أميركا إلى اليمن إجباريا، بعد أن فرضت عليهم غرامات أفقدتهم ما كانوا يمتلكونه من أصول، كالسيارات والمتاجر والبيوت، وفي بعض الأحيان استدعت إلى الاقتراض، وهو ما يعني عودة إلى أرض الوطن فارغ اليدين".

ويرى آدم العديني أن عودة الكثيرين من المهجر فارغي الأيدي سببها "إجراءات السلطات الأميركية تجاه العرب، (خصوصا) بعد 2001, إضافة إلى تعرضهم لهجمات الزنوج في مقرات أعمالهم وتهديهم بالسلاح وأخذ كل ما بحوزتهم".

على طاولة الحكومة

وعن دور الحكومة اليمنية في حل مشاكل المغتربين في أميركا وباقي دول العالم، يقول وزير شؤون المغتربين، احمد مساعد حسين، إن مشاكل وقضايا المغتربين الداخلية والخارجية من أولويات اهتمامات وزارتنا في المرحلة المقبلة.

ويرى أن "من الضرورة إعادة النظر في التعامل مع قضايا الاغتراب والتعاطي معها وفقاً للتطورات الحديثة بالإضافة إلى رعاية القوى العاملة في الخارج".

ويقول الوزير: "سيتم حصر جميع المشاكل والصعوبات التي تواجه المغتربين بغية تقديم العون ومساعدتهم على حلها، وإحياء جسور التواصل بين الوزارة والمغتربين". ويؤكد على أهمية الإسراع في وضع آلية عمل فاعلة للفترة المقبلة".

وتحضر وزارة المغتربين هذه الأيام للمؤتمر العام الثالث للمغتربين "لوضع أطر صحيحة للمعالجات التي يجب اتخاذها إزاء مشاكل المغتربين اليمنيين في المهجر".

تكاتف وتفاؤل وإصرار.. ثم ثراء

كيف يعيش اليمنيون في أميركا؟ تحاصرك تساؤلات كثيرة بمجرد تتبع محاولات اليمنيين السفر إلى هناك.

هل ينصهرون ويتأقلمون مع المجتمع الاميركي؟ وما هي المشكلات التي تعانيها أسرهم في اليمن جراء غربة عائلها سنوات.

عبدالكريم العزاني (يمني مهاجر في الولايات المتحدة) يقول: "اليمنيون في حقيقة الأمر متكاتفون جدا في الغربة، فعندما يصل أي يمني إلى أميركا يقومون باحتضانه والسماح له بالإقامة معهم وتوفير المأكل والمشرب والبحث عن عمل له، وعند حصوله على العمل يبدأ بعد ذلك بدفع نصيبه من الإيجار والصرفة، أو الانتقال إلى مكان آخر".

أما عن الأعمال التي ينشط فيها اليمنيون هناك فيقول صادق الحمراني: "معظم اليمنيين يعملون في بداية الأمر كعمال في محلات تجارية ضخمة، أو محطات بترولية، أو مطاعم، ومن لديه خبرة في الميكانيك ومعه لغة قد يعمل في ورشة لإصلاح السيارات.

ويضيف: "لكن الأمر يتغير لمن أراد أن يغير حاله من عامل إلى صاحب محل، فمن اجتهد ووفر المال ونجح في الحصول على الجنسية الأميركية يستطيع أن يفتح محلا خاصا, لتتغير حياته بالكامل وينتقل إلى عالم جديد على أول درجة من درجات سلم الثراء".

ويقول الحمراني: "هناك الكثير من اليمنيين المهاجرين في أميركا استطاعوا فتح محلات تجارية كبيرة في مختلف الولايات الأميركية".

يمني في البيت.. أميركي في العمل

وعن العادات والتقاليد التي يحملها اليمنيون معهم إلى أميركا يؤكد حسين السنباني احتفاظ كثير من اليمنيين بعاداتهم وتقاليدهم لأنفسهم أو عند اجتماعاتهم ولقاءاتهم الخاصة فقط. ويضيف: "أما في الحياة الطبيعية وأثناء العمل فهم يتحولون إلى أميركيين حتى يستطيعوا التعايش مع هذا الوضع". ويقول إن هناك تفاوتا في مدى انصهار الثقافة والعادات اليمنية بالأميركية، "فالغالب أن اليمنيين يندهشون وينغمسون ويحبون الحياة الأميركية بما تحمله من نظام وحرية إلى درجة أن بعضهم عند عودته إلى اليمن يصاب بالإحباط حين يشعر أنه عاد إلى مجتمع لا يعير النظام والقانون أي اهتمام ومازال يتمسك بتقاليد عتيقة". ويقول: "ما يؤخذ في العادات والتقاليد في المجتمع اليمني والعربي بشكل عام من إيجابيات هو التماسك الأسري, وهو ما لا يحظى به المجتمع الأميركي".

أسرة المغترب.. ألم مستمر

وفيما يخص الفراغ الذي يتركه المغترب على أبنائه وأهله وأسرته، يقول والد حسين السنباني: "ظلينا طوال فترة غيابه نتألم، ونعاني ألم الفراق وفقدان فلذة كبدنا". إن لغياب الأب المغترب انعكاسات على الأبناء سلبية وأحيانا في حالات نادرة إيجابية، فتظهر حالات ضعف الشخصية لدى الأبناء وعدم الاهتمام بالدراسة، والتمرد على الأسرة، وفي حالات أخرى يصبح العكس هو الصحيح وهناك من الأبناء من يشعر بتضحية الأب المغترب.

يقول الدكتور جمال شرف (أخصائي أمراض نفسية): "غياب الأب عن تربية أبنائه في جميع الأحوال يخلف مشاكل نفسية وفسيولوجية، تسهم في ضعف شخصية الأولاد وعدم القدرة على التركيز والمذاكرة، والتمرد على الأسرة، وقد تتطور إلى مسألة الانتقام من المجتمع الذي حرمه من أبيه". ويشير إلى أن السبب في ضعف شخصية أبناء المغتربين هي عدم احتكاك الابن مع الأب، "يفقد الكثير من الصفات التي كان يجب أن يكتسبها من والده، فمثلا اقتباسه طرق التعامل مع المجتمع الذي يعيشه، في حين يكون قربه من أمه هو الأكثر، مما يدفعه إلى أن يكون أكثر رقة، بالإضافة إلى إحساسه بالنقص والحرمان من عاطفة الأبوة، وقوة الأب الحامية له في أي مشكلة قد يتعرض لها".

إقراء أيضاً
اكثر خبر قراءة يمنيون في المهجر