آخر الاخبار

«مدرهة» الحجاج.. تراث يمني تُغيّبه الحرب

الثلاثاء 29 أغسطس-آب 2017 الساعة 11 مساءً / مأرب برس - علي عويضة / الأناضول
عدد القراءات 6274

ما إن تبدأ أفواج الحجاج اليمنيين بالتوجّه إلى بيت الله الحرام في مكة المكرمة، حتى يبدأ الأطفال، ومن خلفهم كبار السن، بنصب أعمدة “المدرهة” (أرجوحة)، وترديد أهازيج وأغانٍ، متمنّين للحجاج أن يتقبل الله منهم ويعيدهم سالمين.

و”المدرهة” من أشهر العادات والتقاليد اليمنية المرتبطة بموسم الحج، وخصوصا في منطقة “صنعاء القديمة” بالعاصمة، ويتم تركيبها في الحدائق العامة والمتنزهات وأحواش المنازل والبساتين المنتشرة في المنطقة.

وتقام “المدرهة” عن طريق نصب عمودين خشبيين أو حديديين، ثم توضع فوقهما خشبة ثالثة، يتدلى منها حبل توضع في وسطه خشبة صلبة، في انتظار استقبال من يتطلّع إلى ممارسة هذا الموروث اليمني.

 

** بين التاريخ والسياسة

 

في بداية ظهورها قبل مئات السنين، حظيت “المدرهة” بشهرة واسعة في “صنعاء القديمة”، أقدم مناطق العاصمة اليمنية وإحدى المدن التاريخية في العالم العربي، قبل أن تنتشر في الأرياف والقرى اليمنية، حسب دراسات تاريخية.

غير أنّ ارتدادات الحرب، الدائرة في اليمن منذ سنوات، أثّرت بشكل واضح على هذا التراث المحلي، وغيّرت بوصلة اهتمامات الناس، وشغلت الكثير منهم عن ممارسة طقوس اعتادوا عليها سنويا، مع حلول موسم الحج.

ويشهد اليمن، منذ عام 2014، حربا بين القوات الحكومية ومسلحي جماعة الحوثي والرئيس المخلوع علي صالح، ما استدعى تدخل تحالف عربي، تقوده الجارة السعودية، في العام التالي، ضد المسلحين المدعومين عسكريا من إيران، وخلفت الحرب أوضاعا إنسانية وصحية صعبة، فضلا عن تدهور حاد في اقتصاد هذا البلد العربي الفقير.

الكاتب والباحث في التاريخ اليمني، محمد الغربي عمران، قال إنّ “المدرهة، وهي مناسبة تراثية، تم، مؤخراً، توظيفها سياسياً بشكل أفقدها هدفها الرئيسي”.

عمران أضاف، في حديث للأناضول، أن “المدرهة كانت ترفق، قبل الحرب، بفعاليات ثقافية يحضرها الآلاف من اليمنيين مع بدء موسم الحج، ضمن تظاهرة ثقافية لإحياء هذا الموروث، بمشاركة لافتة للنساء”.

ولفت الباحث اليمني إلى أنه “تم خلال الأيام الماضية تنظيم تظاهرة المدرهة، غير أنه جرى توظيفها سياسياً، حيث ألقيت خلالها خطابات كراهية لا تخدم الناس البسطاء”.

وهو “توظيف” قال عمران إنه “لا يمنع إصرار اليمنيين على إحياء هذا الموروث على الصعيد الفردي، وخصوصا في صنعاء القديمة، حيث بإمكان المارة في أحيائها سماع أصوات البنات وهن يلعبن على المدرهة، ويردّدن أهازيجها المعروفة”.

ومضى قائلا إن “النساء في صنعاء القديمة يزين حبال المدرهة بالمشاقر (زهور محلية)، ويتم نصبها داخل أحواش المنازل الصنعانية وبساتين المدينة”.

ويسيطر مسلحو تحالف الحوثي وصالح على محافظات يمنية، بينها صنعاء منذ 21 سبتمبر/ أيلول 2014.

 

** اختلاف يصنع خصوصية

 

ارتبطت “المدرهة” في اليمن بالزمن القديم، أيام الحج على ظهور الجمال والبغال؛ حيث كانت فترة الحج تستمر من 3 إلى 4 أشهر، دون وجود وسائل اتصال بين الحاج وأهله، ما جعل “المدرهة” وسيلتهم الوحيدة لبث أشواقهم وأمانيهم له بالعودة سالما.

ومن منطقة إلى أخرى، تختلف الأسماء التي تطلق على تلك الأعمدة الخشبية والأنابيب الحديدية، المنصوبة سنويا بالتزامن مع موسم الحج، تماما كما تختلف الأهازيج التي ترافقها.

ففي “تهامة” غربي اليمن، لا تقام “المدرهة” كثيراً، ويقام بدلاً عنها فعاليات دينية وخطب وأشعار، نظراً إلى الطبيعة “الصوفية” المهيمنة على المحافظة.

ويستخدم سكان العاصمة صنعاء والمناطق المحيطة بها اسم “المدرهة”، في حين يصطلح سكان المحافظات الشرقية على تسميتها بـ”المدرهية”.

الأغاني والأهازيج المرافقة لهذا الموروث تختلف بدورها من منطقة إلى أخرى، وفق عادات ولهجات وتقاليد كل واحدة منها.

في صنعاء مثلا يردد السكان “تواشيح دينية”، وهي أناشيد وأشعار مستوحاة من التراث “الزيدي” (منسوب إلى الإمام زيد بن علي).

وليحصل كل شخص على دوره في “المدرهية” يخضع الجميع لنظام خاص توارثه اليمنيون عبر الأجيال؛ حيث يخصص الصباح والعصر للأطفال ومن يحضرون مصحوبين بعدد من النساء، فيما يحصل الشباب والرجال مساء على نصيبهم من الحدث.

ويردّد اليمنيون أثناء لعب “المدرهة” أهازيج خاصة بموسم الحج، تكون في أغلبها أدعية للحجاج من أجل أن يحفظهم الله، وأن يتقبل منهم حجهم، وأن يعيدهم إلى ذويهم سالمين.

ومن بين الأهازيج والقصائد الشهيرة في صنعاء القديمة: “لو تبسروا (تنظرو) يا حاضرين، حين قال مع السلامة، لا.. والمسبح (المؤذن) قام صاح، وشل بالجلالة (ردد اسم الله)، صرَّ المكان من وحشته، ودمَّعوا جهاله (بكوا أطفاله)”.

أما في مأرب وبعض المحافظات الشرقية، فتردد أهازيج أخرى.

وبلغ عدد الحجاج اليمنيين هذا العام 20 ألف حاج، دخلوا الأراضي السعودية عبر منفذ “الوديعة” الحدودي بمحافظة حضرموت (شمال شرق)، وفق بيانات رسمية يمنية.

 

** الحرب تغيّب “المدرهة”

 

ومع أن “المدرهة” هي موروث يمني، إلا أن “الحرب أجبرت اليمنيين على التخلي عن الكثير من عاداتهم وتقاليدهم، وحالت دون إقامة الكثير من فعالياتهم الموسمية، ومن بينها المدرهة”، وفق نبيل محمد، وهو من منطقة “همدان” غرب صنعاء.

محمد (31 عاما) أضاف، في حديث للأناضول: “لم أر في منطقتي مدرهة في العاميْن الأخيرين”.

وهو غياب يعتبره محمد “نتاج للأوضاع السياسية والأمنية والاقتصادية” في البلاد، حيث تغيّرت اهتمامات الناس، وأضحى تحصيلهم لأساسيات حياتهم اليومية على رأس أولوياتهم، خاصة في ظل يومياتهم المثقلة بأوجاع القتال ومرارة الفقدان”.

وتسببت الحرب المتواصلة باليمن في مقتل وإصابة عشرات الآلاف، ونزوح قرابة ثلاثة ملايين شخص، وتدهور الأوضاع الإنسانية، حتى بات أكثر من 20 مليون يمني (من أصل حوالي 27.4 مليون نسمة) بحاجة إلى مساعدات إنسانية، وفق الأمم المتحدة.