هل تُسبق "المجاعة" باليمن بحسم عسكري يعيد مؤسسات الدولة؟

الجمعة 10 مارس - آذار 2017 الساعة 11 صباحاً / مأرب برس - لخليج أونلاين
عدد القراءات 2030

بعد أكثر من عامين على انقلابها المسلح، نجحت مليشيا الحوثي والمخلوع صالح في تدمير مقدرات البلاد والتأثير على مختلف مظاهر الحياة الطبيعية، وهو ما أوصل معظم مناطق اليمن إلى مستوى المجاعة.
ويصف اليمنيون مليشيا الانقلاب بـ"المافيا التي أهلكت الحرث والنسل ونهبت أموال الدولة لحساب قادتها"، وهي تحاول صنع مراكز قوى جديدة تعتمد على المال والسلاح المنهوبين؛ بهدف الحفاظ على مكانة لها في المستقبل، حتى وإن كانت مكانة "المافيا".
وعلى النقيض من ذلك، دفعت الحكومة الشرعية ثمناً باهظاً وهي تقود المعارك في الجبهات برؤية استراتيجية توصف بالـ"متأنية"؛ حفاظاً على أرواح المدنيين وممتلكاتهم، لكن التحدي الذي برز نتيجة تأخر عملية الحسم، وخلّف المجاعة والمرض، وأنهك حياة اليمنيين، فرض نفسه على الشرعية، باحثاً عن حلٍ يحفظ حياة المواطنين.
الخبير العسكري عبد الجبار سعيد، يرى أن الحروب غير النظامية التي تقودها المليشيا ضد الشرعية أطالت أمد المواجهات، وبدأت معها ملامح الجوع والمرض.
وأضاف سعيد، في تصريحه لـ"الخليج أونلاين"، إلى أن "الشرعية لم تنتهج سياسة الأرض المحروقة في عملياتها العسكرية؛ انطلاقاً من مسؤوليتها تجاه الشعب، كما أن الغطاء الجوي المقدم لها من التحالف مدروس بعناية فائقة، والأمر ذاته ينطبق على السلاح المتوسط والثقيل الذي لا تستخدمه قوات الشرعية، إلا وقت الحاجة له، ووفق خطط واضحة تأخذ في الحسبان حياة المدنيين وممتلكاتهم، وهو ما يعده بعض المتابعين تأخيراً لعملية الحسم العسكري، لكنه يظل نقطة إيجابية تحسب للشرعية ولا يعفيها من ضرورة تأمين المناطق المحررة، وتأهيلها لتكون مناطق آمنة ينتقل إليها سكان الجبهات المشتعلة حتى لا يتعرضوا لأي مجاعة أو أمراض أو تحديات تخلفها الحرب غير المدروسة".
واستدرك عبد الجبار سعيد قائلاً: "لكن المتابع لما تقوم به المليشيا يرى أنها تفر من المواجهات المباشرة وتلجأ إلى استخدام أسلحة متوسطة وثقيلة، ومنها القذائف والصواريخ، التي غالباً ما تكون عشوائية وتسقط على المدنيين وتهجرهم من منازلهم، كما أن سياستها في إدارة مؤسسات البلاد منذ الانقلاب أسهمت في ارتفاع معدلات البطالة وانتشار الفقر والجوع والمرض".
وأكد الخبير العسكري ضرورة ألا تتخلى الحكومة عن الخيار العسكري في هذا التوقيت، "حيث لم تُبدِ المليشيا حسن نية تجاه المفاوضات، ولذا فإن الحسم العسكري يجب أن يظل هدفاً قائماً على مختلف جبهات القتال، خصوصاً الجبهات التي سينعكس تحريرها إيجاباً على الشرعية، وإن رأت الحكومة أن ثمن الحسم العسكري باهظ فعليها أن ترتب مخيمات نزوح جاهزة للسكان لتتمكن من التحرك العسكري وفق ما تقتضيه الجبهات".
حقوقيون يرون أن الجهود الإنسانية للحكومة يجب أن تتوسع لتشمل جميع المناطق المأهولة بالسكان، حتى وإن كانت ما تزال تحت سيطرة الانقلابيين، فالعديد من المناطق التي لم تُحرر بعد، يعاني سكانها أشد المعاناة من جراء البطالة والفقر والجوع والمرض وانقطاع مرتبات الموظفين، وشهدت مناطق سيطرة الانقلابيين محاولات انتحار لموظفين، أحدهم رسام كاريكاتير في مؤسسة الثورة للصحافة، وغيره الكثير، في حين سقط المدرس بإحدى مدارس مدينة الحديدة، محمد القحيمي، ميتاً في الشارع وهو في رحلة البحث عن لقمة العيش لأطفاله.
الباحث في الشؤون السياسية عبد الله اليوسفي، يرى أن مكاتب المنظمات الأممية في اليمن "تهول الأمر فيما يتعلق بالأمن الغذائي، ومن يطّلع على الوضع بجد أن الواقع مختلف تماماً، ويدرك لماذا يكرر اليمنيون عبارة (شكراً سلمان)".
ويضيف اليوسفي، في تصريح لـ"الخليج أونلاين"، أن "فساد فرق الأمم المتحدة في اليمن، وجشعهم، هو خلف التهويل والمبالغة، ففي حين تعلن الحاجة إلى أكثر من مليار و800 مليون دولار، تكتشف أنه لا يصل من تلك المبالغ سوى 20% تقريباً، والمبالغ الأخرى تذهب للعاملين عليها".
اليوسفي يرى أن الحكومة هي المسؤول الأول عن جميع الملفات، ومن ضمنها الإنسانية، "ولكن المسؤولية لا تعني القفز على الواقع، وتحميل الحكومة تبعات تركة ثقيلة، كما أن الإنجاز في مراحل التحولات يكون بطيئاً، والتحديات أكبر من الإمكانيات، وعلى الرغم من ذلك فإن الحكومة بدأت بتحريك ملفات مهمة، وحلحلة عدد من الأمور المعقدة، كما أن الرئيس هادي حقق قفزة نوعية في حشد التمويل لإعادة الإعمار".
وشدد اليوسفي على ضرورة أن تركز الحكومة على معالجة الوضع ومشاكله الكبرى بعيداً عن التفاصيل الصغيرة، وأن تكون التنمية الحقيقية أولويتها في المرحلة المقبلة، سواء على المستويين الأمني والعسكري، أو المستويات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
الحكومة الشرعية تقوم بأدوار على مختلف المستويات، وهي تسابق الزمن لإنهاء الانقلاب واستعادة مؤسسات الدولة قبل حدوث كارثة إنسانية تفوق قدراتها التي تبدو محدودة أمام حجم الإنفاق على الجبهات العسكرية والمؤسسات الأمنية والمدنية، لكنها تبقى بحاجة إلى الجهود الشعبية والرسمية مجتمعة للدفع بعجلة التحرير واستعادة المؤسسات.
- دعوة لاصطفاف وطني
وفي الإطار دعا الأمين العام للتنظيم الناصري، عبد الله نعمان، إلى تشكيل اصطفاف وطني من جميع القوى والمكونات السياسية والاجتماعية المؤيدة للشرعية؛ من أجل استكمال مهمة استعادة الدولة.
واعتبر نعمان أن الاصطفاف الوطني سيسهم في بلورة وإقرار رؤية وطنية جامعة لاستكمال تحرير المناطق التي ما تزال تحت سيطرة الانقلابيين، وإنجاز هدف استعادة الدولة عبر المسارين السياسي والعسكري، وإعادة بناء مؤسسات الدولة عبر برنامج لإدارة المناطق المحررة، وتثبيت أمنها واستقرارها، وتوفير الخدمات والاحتياجات الضرورية للمواطنين، والبدء بتنفيذ برنامج لإعمار ما هدمته الحرب، وإنعاش الاقتصاد، وإعادة الفاعلية لأجهزة السلطة المحلية والمركزية.