كيف نجحت دولة قطر وما هي أسرار نموها كقوة صاعدة فاعلة في المنطقة ؟

الخميس 05 يناير-كانون الثاني 2017 الساعة 07 مساءً / مأ رب برس - خاص
عدد القراءات 3152

 

 

يستغرب الكثير من المراقبين عن سر الحضور الكبير لدولة صغيرة على الساحة السياسية عربيا وإقليميا , وبروز نجمها السياسي والشعبوي على الساحة العربية والإسلامية , لكن هذه النهوض الصاعد لهذه الدولة الصاعدة على سواعد قيادات شابة مستنيرة بأفق سياسي واسع يعتمد على عدة إستراتيجات , حيث وصف الدكتور جمال عبدالله الأستاذ بجامعة أكسفورد في بريطانيا ومؤلف كتاب «السياسة الخارجية القطرية.. روافعها واستراتيجياتها»، السياسة الخارجية لدولة قطر لأنها تركز على مبادئ ثابتة ومحددات دقيقة نص عليها الدستور، وأضاف أن المادة السابعة من هذا الدستور تنص على «تقوم السياسة الخارجية للدولة على مبدأ توطيد السلم والأمن الدوليين، عن طريق تشجيع فض المنازعات الدولية بالطرق السلمية، ودعم حق الشعوب في تقرير مصيرها، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، والتعاون مع الأمم المحبة للسلام».

وأكد الدكتور جمال عبدالله، في تصريحات خاصة لـ «العرب» أنه انطلاقاً من محددات السياسة الخارجية القطرية الواردة في الدستور فقد دأبت القيادة القطرية خلال العام 2016 على المضي قُدماً من أجل «توطيد الأمن والسلم الدوليين»، والذي يُعتبر بمثابة حجر الأساس لميثاق منظمة الأمم المتحدة الذي تم توقيعه في سان فرانسيسكو في يونيو عام 1945 بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية.

وأكد جمال أن السياسة الخارجية لدولة قطر ترتكز على 3 استراتيجيات رئيسة هي حسن الجوار، وتسعى الدوحة جاهدةً لنسج علاقات ودية يسودها الاحترام المتبادل مع محيطها الخليجي وكذلك مع القوى الإقليمية القريبة منها وأهمها تركيا وإيران؛ واستراتيجية التحالفات، من خلال اندماجها في تحالفات إقليمية ودولية فاعلة من أجل تعزيز الأمن في المنطقة ومحاربة التطرف والإرهاب؛ بالإضافة إلى استراتيجية بناء الصورة الذهنية، بتفعيل أدوات القوة الناعمة التي تملكها مثل الدبلوماسية والإعلام والرياضة والتعليم والثقافة والمساعدات الإنسانية وغيرها.

حقبة جديدة

وأضاف جمال أن عام 2016 شهد تحديداً في الـ27 يناير، تشكيل الحكومة القطرية الحالية والتي تضمنت تعيين الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني وزيراً للخارجية، في إشارة إلى بداية حقبةٍ جديدة في مسار السياسة الخارجية القطرية؛ حيث بدا ذلك جلياً من خلال إعادة تفعيل دور الوسيط الذي برعت فيه الدوحة خلال العقد الماضي، مع احتفاظها بحقها في لعبِ دور عسكري تحت مظلة تحالفات إقليمية ودولية للدفاع عن أمنها الوطني وتعزيز السلم العالمي إن اقتضت الحاجة إلى ذلك.

وأوضح «جمال» أن السياسة الخارجية القطرية دخلت مرحلة جديدة أسماها المفكر جوزيف ناي «بالقوة الذكية»، والتي يمكن تشخيصها بأنها مزيجٌ من تفعيل أدوات القوة الناعمة (الدبلوماسية) وأدوات القوة الصلبة (القوة العسكرية) معاً.

  الحوار مع إيران

وأشار جمال إلى أن دولة قطر جددت على لسان الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير قطر في خطابه أمام الدورة الـ71 للجمعية العامة للأمم المتحدة، في نيويورك دعوتها لاستضافة حوارٍ بناء بين دول الخليج من جهة وإيران من جهةٍ أخرى، إيماناً منها بأن الحوار بين الأطراف هو وسيلة لتقريب وجهات النظر وركن من أركان فض النزاعات بالطرق السلمية.

ولفت جمال إلى أن قطر سعت خلال العام 2016 إلى توطيد علاقاتها الاستراتيجية مع تركيا، وذلك من خلال الزيارات العديدة التي قام بها حضرة صاحب السمو أمير البلاد المفدى إلى تركيا، وتلك التي قام بها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى الدوحة، وكذلك الاجتماعات التي عقدها الجانبان على أعلى المستويات، وكان آخرها الاجتماع الذي عُقد في تركيا بين زعيمي البلدين وحضره وفد عالي المستوى من كلا الطرفين في الـ18 ديسمبر 2016، والذي صادف ذكرى اليوم الوطني لدولة قطر. ولفت إلى أن قطر وقفت داعمة للرئيس التركي أوردغان خلال محاولة الانقلاب العكسري الفاشلة في منتصف شهر يوليو من العام الماضي.

علاقات جيدة مع موسكو

وأوضح جمال أنه على الرغم من اختلاف موقف دولة قطر مع الموقف الروسي فيما يتعلق بالملف السوري، إلا أن الدوحة حافظت على علاقاتها الجيدة مع موسكو حيث تم توقيع اتفاقية للتعاون العسكري بين البلدين على هامش المنتدى العسكري التقني الدولي «الجيش (أرميا) 2016» الذي نظمته وزارة الدفاع الروسية في كوبينكا بالقرب من العاصمة الروسية موسكو.

وأشار إلى الصفقة الضخمة التي أبرمها مؤخراً جهاز قطر للاستثمار «الصندوق السيادي لدولة قطر» من جهة والحكومة الروسية من جهةٍ أخرى لبيع حصة قدرها %19.5 في شركة روسنفت الروسية المتخصصة في مجال الطاقة، ومن المنتظر أن يدر الاتفاق في الخزينة الروسية ما مقداره 710 مليارات روبل أي ما يعادل 11.66 مليار دولار.

إيجابيات ضخمة

وتابع أن الدوحة حققت إيجابيات ضخمة فيما يتعلق بعلاقاتها بجوارها الإقليمي، فقد شهدت العلاقات القطرية الخليجية خلال العام 2016 توطيداً لهذه العلاقات القائمة منذ عقود والتي عززها إنشاء مجلس التعاون لدول الخليج العربية قبل أكثر من 35 سنة.

وتطرق «جمال» إلى زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، إلى الدوحة في إطار جولته الخليجية التي بدأها قبل انعقاد الدورة الـ37 للقمة الخليجية في العاصمة البحرينية المنامة في 6 ديسمبر الماضي، وقال «إن هذه الزيارة شملت دولة إمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين ودولة الكويت، وبدا جلياً من خلال حفاوة الاستقبال للملك سلمان خلال زيارته لدولة قطر، مدى عُمق العلاقة التي تجمع قيادة البلدين، وكذلك متانة العلاقات الأخوية التي تجمع شعبي البلدين.

جهود إنسانية

وأشار جمال إلى ما يحسب لقطر استمرارها في تقديم الدعم والإعانات الإنسانية إلى المنكوبين في أرجاء العالم، لا سيما أولئك المتضررين من الحروب خاصة بسوريا وما خلفته من ملايين المهجّرين واللاجئين في عددٍ من دول الجوار لا سيما في الأردن ولبنان وتركيا.

إلغاء الكفالة أوقف الحملة الممنهجة ضد الدوحة

تطرق الأستاذ بجامعة أكسفورد إلى دخول قانون الوافدين حيز التنفيذ في ديسمبر 2016، بعد إلغاء نظام الكفالة واستبداله بنظام عقود العمل الذي أُريد له أن يُنصف كلا الطرفين (صاحب العمل من جهة والعامل من جهةٍ أخرى)؛ وقال "إن هذه الخطوة تأتي في إطار محاولات قطر الدؤوبة للمضي قدماً في تحقيق رؤيتها الوطنية 2030 القائمة أساساً على مبدأ التنمية، لافتاً إلى أن التنمية البشرية أحد المحاور الأربعة الرئيسة لمبدأ التنمية المراد تحقيقها في الرؤية الوطنية.

وأوضح أنه رغم الإشارة إلى تفعيل هذا القانون يوحي بأنه شانٌ داخلي، إلا أنه يعكس بُعداً لسياسة دولة قطر الخارجية لا سيما بعد تعرضها لحملةٍ إعلاميةٍ ممنهجة خلال السنوات الـ5 الماضية، منذ أن فازت الدوحة باستضافة تنظيم فعاليات مونديال كأس العالم لكرة القدم 2022، ونالتها اتهامات عديدة بعدم احترامها لحقوق العمَّال لديها لا سيما أولئك اللذين يسهمون في بناء المنشآت الرياضية في الدولة، موضحاً أن تعديلات القانون تعد بمثابة رسالة إلى العالم الخارجي وخطوة على طريق تطبيق المعايير الدولية في مجال العمل.