21 سبتمبر انقلاب الدم.. صراع الهاشمية السياسية مع النظام الجمهوري في اليمن

السبت 21 سبتمبر-أيلول 2019 الساعة 08 صباحاً / مأرب برس-اخبار اليوم
عدد القراءات 4381



"دلل في الصبا وحمل إلى العرش غلاماً، وبنى عرشه من دماء الشعب، فانتهى يهدمهم حين تسامى، وغرس عمره في دمائهم، فما جنوا غير السجون وحماما، هنا أعذر الظلم وحمل الشعب الملاما، فهم من أرضعوه في المهد احتراما". 
من المفارقات في التاريخ اليمني الحديث هو تزامن ذكرى ثورة قامت ضد خدمة “المركز المقدس”، التي تؤمن بحق الولاية في "البطنين"، مع نكبة ثورة "مضادة" أعادت إنتاج هذه المراكز المقدسة في اليمن. 
يتزامن ذكرى ثورة الـ 26 سبتمبر 1962م، التي قامت للتحرر من الاستبداد الإمامي، وإقامة حكم جمهوري عادل، مزيلاً الفوارق والامتيازات بين الطبقات، مع ذكرى انقلاب "21 سبتمبر 2014"، الذي يحاول أن يعيد نظرية التفوق العرقي وإحياء الفوارق والامتيازات بين الطبقات المجتمعية باليمن. 
انقلاب يسعى إلى إلغاء مفهوم الدولة الوطني واستعادة النظرية الكهنوتية التي تدعي للحق الإلهي في الحكم المحصور في "البطنين"، مستغلاً حالة الجهل والأمية والطبع التقليدي القبلي للتجييش والحشد بدوافع متعددة تلتقي مع الأطماع وطابع الفيد والنهب من باب التبعية للإطماع الإيرانية. 
معضلة الانقلاب التي قادته جماعة الحوثي بالنكهة الطائفية والسياسية التي تكاد تكون العقدة التاريخية التي لا تنفك عن الحالة اليمنية منذ ما يزيد عن ألف ومائتي عام تقريباً. 
جاءت نتيجة بعض العوامل والانحرافات في مسار ثورة الـ 26 من سبتمبر، والتي كانت البدايات مع بما عرف بالمصالحة الوطنية التي رعتها المملكة العربية السعودية، بعد ثورة 26 سبتمبر 1962م، حينها كان من ضمن شروط تلك المصالحة، اقتسام السلطة مع بقاء النظام الحاكم جمهورياً وعودة الملكيين إلى اليمن كشركاء في السلطة. 
تلك المصالحة كانت من الأسباب الرئيسية في إعادة ملكيي الألفية الثانية "الحوثيين" ومن أبرز العوامل في نجاح الانقلاب الأسود على السلطات الشرعية في أيلول سبتمبر 2014، والتحول من عصابة مسلحة كانت تقطن جبال صعدة إلى سلطات للأمر الواقع في صنعاء تتحكم بمفاصل الدولة، متكئة على جذور اجتماعية وتنموية وسياسية وفكرية عنصرية وطائفية. 
أسباب عديدة أسفرت عن نجاح الانقضاض المبكر على ثورة 26سبتمبر بالتقسيط ونجاح انقلاب 21 من سبتمبر ومن أبرزها. 
*التقارب بين القوى القبلية الإقطاعية والملكيين السلاليين من جهة واتساع هوة الخلاف بين المكونات السياسية من جهة أخرى. 
*تصفية بعض قادة ثورة سبتمبر، الذين قادوا الثورة وخاصة أولئك المنتمين إلى جغرافيا المناطق الوسطى، والإخفاء القسري للكثير من القيادات الكبيرة التي لم يعرف مصيرها إلى هذه اللحظة. 
*الاغتيال الأثيم للرئيس إبراهيم الحمدي في أكتوبر 1977. 
*السماح بإعادة ترتيب البيت الهاشمي السياسي الطائفي وتنظيمه من جديد. 
*السماح لهذه الزمرة من التغلغل في القوات المسلحة والجهاز الأمني والجهاز الإداري للدولة والإعلام وكذا الجهاز الدبلوماسي. 
*التحالف بين النظام السياسي السابق بقيادة "علي عبدالله صالح"، مع الحوثيين في صعدة. 
* السيطرة التامة من قبل الهاشمية السياسية على بعض أجهزة الدولة كالقضاء والإفتاء 
*عوامل خارجية من ضمنها التقارب الإيراني مع الحوثيين، من جهة، والتقارب مع الجوار الخليجي للقضاء على ثورة 11 فبراير 2011م، وما عرف بالربيع العربي. 
في هذه الورقة نحاول أن نستعرض أبرز ملامح الانقلاب الحوثي المصبوغ بنكه طائفية سياسية على السلطات الشرعية، في أيلول سبتمبر من عام 2014م، والذي لم ير النور إلى الواقع إلا من خلال إعادة إنتاج الصراع مع النظام الجمهوري الذي قضى على الدولة المتوكلية، ومحاولة اختراقه ونسف مبدئها "ثورة سبتمبر" ومعاداته في الخفاء، مستغلة حالة الفراغ السياسي والعسكري في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي. 
* اختراق النظام الجمهوري 
يقول الدكتور/ رياض الغلي- في بحث مطول له- إن " التنظيم السري للهاشمية السياسية"، استطاع- عقب اتفاق الجمهوريين والملكيين عام 1970م- من تعيين رئيس الوفد الملكي الذي قاد المفاوضات لثمانية أعوام منذ انطلاق الثورة في 1962 وحتى عام 1970- أحمد محمد محمد الشامي، عضواً بالمجلس الجمهوري. 
وعمل الشامي بعد عودته إلى صنعاء ،على إعادة ترتيب البيت الهاشمي الطائفي وتنظيمه، فشكّل (المجلس الأعلى لحكماء آل البيت) . 
ضمت التشكيلة الأولى للمجلس اثني عشر عضواً يمثل كل عضو أسرة من الأسر الهاشمية الزيدية البارزة أو ممثلاً عنها ويرأسه الشامي.. 
وعمل المجلس بشكل سري وكان يعقد أغلب اجتماعاته بالخارج، وكان اللواء/ يحيى المتوكل يقوم بمهام رئيس المجلس داخل اليمن، حيث عين مقرراً للمجلس. 
بعد قيام الوحدة اليمنية قرّر المجلس تشكيل ثلاثة أحزاب سياسية هي (الحق،واتحاد القوى الشعبية،والعمل). 
استطاع المجلس أن يحقق الكثير من الأهداف بصمت، فمن سيطرته على الجهاز القضائي إلى اختراق مؤسستي الأمن والجيش وحزب المؤتمر الشعبي العام وصولاً إلى اختراق الرئاسة اليمنية بعد حرب 1994م. 
وبحسب الغيلي، "انطلق الشامي في جهوده وسعيه إلى تكوين تنظيم سري للهاشمية السياسية من فكرة (الحق الإلهي) ونظراً للعدد الكبير من الأسر التي تدعي الانتساب إلى البيت الهاشمي في اليمن سواء كانت زيدية أو شافعية أو حنفية، فقد وضع معايير خاصة لاختيار التشكيلة الأولى لما سمي لاحقاً (المجلس الأعلى لحكماء آل البيت)" وهي: 
*أن يكون عضو المجلس هادوي المذهب جارودي المعتقد. 
*أن يكون من أهل العلم أو رجال القضاء او القيادات الفكرية والعسكرية. 
*أن يكون من أسرة هاشمية عريقة مشهورة بانتسابها للبيت الهاشمي. 
وضمت التشكيلة الأولى لمجلس حكماء آل البيت: 
*أحمد محمد الشامي رئيساً.. توفي عام 2005م 
*اللواء/ يحيى محمد المتوكل.. مقرراً اغتيل عام 2003م 
*علي عبد الكريم الفضيل شرف الدين عضوا توفي عام 2008م 
*المفكر/ إبراهيم بن علي الوزير عضواً جمّد عضويته بالمجلس عام 2004م 
*القاضي/ عبد القادر بن عبدالله عبد القادر، عضوا توفي عام 2004م 
*العلامة / مجد الدين المؤيدي عضوا. 
*بدر الدين أمير الدين الحوثي عضواً، انشق عن المجلس عام 1994م وسافر إلى إيران. 
*العلامة أحمد محمد زبارة، عضوا توفي عام 2000م. 
*العلامة / حمود عباس المؤيد ،عضوا اعتزل المجلس منذ عام 2004 لكنه لم يستبدل. 
*العلامة / محمد محمد المنصور ،عضوا لا زال عضواً بالمجلس. 
*العلامة / محمد بن أحمد الكبسي: عضوا توفي عام 2013م. 
*علي أحمد العماد: عضوا لا زال عضوا بالمجلس. 
ويرى الدكتور الغيلي، أن التنظيم عمل على الدفع ببعض رموزه إلى هرم السلطة لتمكينهم من إدارة الملفات التي كلفوا بها بفعالية، فكانت أول وأقوى محاولة هي الدفع باللواء/ يحيى المتوكل إلى منصب الرئاسة من خلال التخطيط للانقلاب على القاضي/ عبد الرحمن الإرياني. 
تمكن التنظيم من إقناع بعض المشائخ وعلى رأسهم الشيخ/ سنان أبو لحوم والشيخ الغادر والشيخ مجاهد أبو شوارب بعد أن وصلوا إلى طريق مسدود مع القاضي الإرياني من إقناعهم بأن اللواء المتوكل هو الأنسب للمرحلة وكان ينقصهم فقط دعم الشيخ/ عبدالله بن حسين الأحمر الذي رفض المقترح بشدة قائلا: ” ونرجع نحبب الركب ” فسارع الشيخ الأحمر بدعم الجناح الآخر المتمثل في الحمدي ورفاقه لكي يقطع الطريق أمام الملكيين من العودة إلى السلطة من بوابة الجمهورية، وكان الانقلاب الأبيض على القاضي الإرياني رحمه الله. 
كما تمكن التنظيم سابقا بالدفع بأحد أعضائه إلى قيادة السلطة القضائية وتولي وزارة العدل ورئاسة المحكمة العليا من خلال القاضي/ عبدالقادر عبدالله. 
كان القاضي عبدالقادر أذكى من في المجلس وأكثرهم علماً وأقربهم إلى السنة والاعتدال غير أنه مكن السلالة من التغلغل في الجهاز القضائي بمساعدة العلامة المنصور وفي عهده أصبح الجهاز القضائي في يد التنظيم السري للهاشمية السياسية. 
استراتيجيات الهاشمية السياسية

*استراتيجية التغلغل: تمكن التنظيم من التغلغل في القوات المسلحة والجهاز الأمني والجهاز الإداري للدولة والإعلام وكذا الجهاز الدبلوماسي من خلال الجهود التي بذلها اللواء/ يحيى المتوكل ومن بعده علي الكحلاني وأحمد الكحلاني. 
*استراتيجية الاختراق: حيث استطاع التنظيم اختراق التنظيمات السياسية والجماعات الفكرية الفاعلة في الساحة 
*استراتيجية الكسب: من خلال شراء ولاء المشايخ والوجاهات الاجتماعية، وقد استطاع التنظيم شراء ولاء غالبية المشايخ والوجاهات السياسية والاجتماعية. 
*استراتيجية المصاهرة السياسية: من خلال السماح لبعض الأسر الهاشمية بتزويج غير الهاشميين إذا اقتضت المصلحة 
*استراتيجية التحكم والسيطرة: استطاع التنظيم إحكام السيطرة على جهاز القضاء والإفتاء والإقراء من خلال بعض رموزه 
*الحركة الحوثية 
تتغير المصطلحات والمسميات، من حين لآخر، كونها مفردات سياسية تتشكل حسب مقتضيات المرحلة، في المقابل تصبح العقيدة المتمثلة في الحق الإلهي في الولاية والمحصورة في البطنين ثابتة. 
أبجديات أيدلوجية تتبناها جماعة الحوثي، التي لطخت الرقعة الجغرافيا لليمن بدون استثناء وترابُها بحُمرة الدم، شغفاً بالسلطة وسعياً للاستيلاء على الحكم على أسس سلالية دينية. 
* النشأة 
مع نجاح الثورة الخمينية في إيران عام 1979 زاد النشاط التوسعي للفكر الشيعي في اليمن، وكان من رواد هذا النشاط، "صلاح أحمد فليتة" في محافظة صعدة والذي أنشأ في العام 1986 اتحاد الشباب، وفي العام 1988 تجدد النشاط بواسطة بعض الرموز الملكية التي نزحت إلى المملكة العربية السعودية عقب ثورة 1962 أي بعد سقوط دولة الأئمة وقيام الجمهورية، وكان من أبرزهم العلامة/ مجد الدين المؤيدي، والعلامة/ بدر الدين الحوثي، ويُعد الأخير الزعيم المؤسس للحركة الحوثية والأب الروحي لها. 
كانت فترة التسعينات هي الملهمة لظهور هذه الجماعة المتمردة نتيجة الانفتاح السياسي واتساع مساحة التعدد الثقافي والحزبي فظهرت بعض الأحزاب والتنظيمات السياسية، خصوصًا السرية منها إلى العلن. 
في العام 1992برز نجم حركة شبابية في صعدة تطلق على نفسها "منتدى الشباب المؤمن"، تتبنى المذهب الزيدي المعتدل، تحاول أن تنشر أفكاراً دعوية وثقافة ودينية وتخوض منافسة شرسة مع بعض التيارات الدينية التي كانت لها اليد العليا في المنطقة كـ "السلفية"، بقيادة، محمد يحيي سالم عزان، وعبد الكريم جدبان ومحمد بدر الدين الحوثي، وأحمد الرازحي وصالح هبرة. 
ظهور حركة الشباب المؤمن أثار مخاوف بعض رموز الوسط الزيدي في صعدة، مِن أن تحل بديلا عنهم، وتزيح مركزها الديني والاجتماعي، فاتهموا حركة الشباب المؤمن ورموزها بمخالفة أهل البيت والخروج عن المذهب الزيدي، ما جعل الشّباب المؤمن يعانون كثيرا من هجمة الأوساط التّقليدية عليهم. 
تلك الهجمات قوبلت باستغلال "بدر الدين الحوثي"، فأعلن وقوفه إلى صف حركة الشباب المؤمن في محاولة لاختراقها من خلال وقوفه في صف قيادات الحركة وتخفيف حدة الهجمات على رموزها. 
في عام 1996م تقدم بدر الدين الحوثي باستقالة جماعية مع أبنائه، معلناً انتهاء أي علاقة له بحزب الحق، على خلفية خلاف بينه وبين المرجع الزيدي "مجد الدين المؤيد"، والفشل الذي مني به الحزب في أول انتخابات تنافسية ديمقراطية باليمن بالحصول على مقعدين برلمانيين في محافظة صعدة من أصل 301 مقعد، كانا من نصيب "حسين بدر الدين الحوثي"، مؤسس جماعة الحوثي، ورفيقه "عبد الله عيضة الرزامي". 
وضمن الأهداف المرحلية للانقضاض على حركة الشباب المؤمن تفيد الشواهد التاريخية بإقدام أسرة "بدر الدين الحوثي" لتقديم استقالتها من حزب الحق واعتزال العمل السياسي وحث "بدر الدين الحوثي" الأب نجله "حسين بدر الدين الحوثي" بممارسة نشاطه السياسي من خلال الانضمام لعضوية منتدى الشباب المؤمن- و لم يكن من مؤسسيه - حيث بادر حسين الحوثي، بكل قوة إلى فرض وجهة نظره الخاصة على سير أنشطة المنتدى. 
تدخلات "حسين بدرالدين" المتزايد في نشاط المنتدى، بحكم قربته من الهيئة الإدارية، أشعل فتيل خلافات عميقة بين الشّباب المؤمن من جهة وبدرالدين الحوثي وأبنائه من جهة ثانية، وأدى إلى انقسام المنتدى إلى تيارات بزعامة، حسين الحوثي- الذي بات اليوم يُعرف بجماعة الحوثي- وتيار آخر بقيادة " محمد يحيي سالم عزان". 
وتمكن "حسين بدر الدين الحوثي"، من فرض نفسه على الشباب المؤمن بمساعدة أخيه محمد بدر الدين الذي كان أحد مؤسسي منتدى "الشباب المؤمن"، وقَبل الشباب المؤمن به إلى جانب عبد الله الرزامي ويحيى الحوثي وآخرين. 
* اختراق الشباب المؤمن 
في آخر عام 2000م، بدأ يتبلور المشروع الحوثي وترتسم ملامحه نتيجة انقسام أدبيات الحركة، وحالات الاستقطاب الحادة في جمهور الحركة مع طرح "حسين بدر الدين الحوثي" فكرة تغيير الأهداف، تغيير بعض المناهج، تغيير بعض الرؤى للحركة، والذي قوبل بالرفض القاطع من الأمين العام للحركة " محمد عزان". 
وبحسب وثائق مسربة لقيادات سابقة في حركة الشباب المؤمن فإن " حسين بدر الدين الحوثي" تفرّغ في عام 2001م، لقيادة التنظيم الجديد وتحوّل على إثرها اسم المنتدى كمدلول ثقافي فكري، إلى مدلوله السياسي فأصبح "تنظيم الشباب المؤمن"، وبرز والده "بدر الدين الحوثي" كمرجعية عليا للتنظيم، وقام بتشكيل مسار سياسي روحي داخل حركة الشباب المؤمن. 
إلى ذلك طالب حسين الحوثي وفي أواخر عام 2001 بإلغاء "منتدى الشباب المؤمن" وأعلن رفض منهجه وأهدافه، بعدما وجد أنه لا يمضي في الاتجاه الذي يريد، وأخذ في تسجيل محاضراته وتفريغها في ملازم دراسية، واعتبرها بديلاً عن مناهج "الشباب المؤمن". 
ثم أعلن عام 2002م، عن توجه سياسي ممزوج بخلفية تاريخية دينية في ضوء المذهب الزيدي، تدعو إلى مقاومة المشروع الغربي في المنطقة، من خلال إحياء مفاهيم دينية ذات بعد ديني، أبرزها مفهوم «الولاية»، وهو تعبير عن استعادة دور «أهل البيت» في مرجعية الأمَّة فكرياً، وقيادتها سياسياً، وذهب في اتجاه آخر انتهى به إلى مواجهة الدولة عسكريا، وهو الأمر الذي لا تزال تداعياته قائمة إلى يومنا هذا. 
حروب "غامضة" 
مع استكمال مشروع السطو على حركة الشباب المؤمن تغير مسارها وفق أجندت إقليمية دخل حسين بدر الدين الحوثي في صراع عسكري مع الدولة في عام 2004م، واستمر حتى عام بين 2010م. 
وبحسب مراقبين في الشأن اليمني، فإن الحملة العسكرية التي شنتها الدولة ضد جماعة الحوثي في صعدة كانت عبثية ومفتعلة من الحكومة اليمنية في ذلك الوقت والجماعة الناشئة، تحت مبررات واهية تسعى إلى خلق توازنات مذهبية جديدة في الشمال اليمني بحسب النظرية التي يتبنها حسين الحوثي. 
أما بالنسبة للرئيس السابق/ علي عبدالله صالح فإن الاتهامات- التي اتخذت ذريعة لتلك الحروب المدمرة- كانت تهدف بالأساس إلى ابتزاز الخارج وتخويفه من تمدد الحوثيين وإسقاط الجمهورية وإعادة الملكية. 
أما داخليا، فكان صالح يتخذ هذه الحروب كغطاء للهروب من واقع الفوضى والفساد الذي عم البلاد واستشرى في كل مفاصله والذي كان هو مظلة له كما يصفه مراقبون. 
الحروب التي شنّها الرئيس السابق صالح على صعدة كانت تهدف أيضاً إلى استنزاف المعسكر الشمالي الممثل في الفرق الأولى مدرع بقيادة الجنرال/ علي محسن وبعض القبائل في محافظة عمران. 
تفيد تقارير إعلامية بأنه منذ اندلاع المواجهات بين الحوثيين والدولة في 2004، دخلت إيران كداعم لوجستي رئيسي للحوثيين، وتشكلت استراتيجية ذكية، تقوم على خطط لتفتيت الوضع الاجتماعي واختراقه، وإضعاف معنويات المؤسسة العسكرية والنفاذ إليها، والتوسع التدريجي على الأرض مع كل حرب، وامتلاك العتاد والجنود لتشكيل جيش منظم. 
* جبل دخان 
ولم يكن أحد يحسب أن اندلاع المواجهات المسلحة بين الدولة اليمنية المركزية، وجماعة الحوثيين في محافظة صعدة شمال اليمن بادئ الأمر في 20 يونيو/ حزيران 2004م ستتواصل لسنوات، وأن تتجاوز حدودها إلى تخوم المملكة العربية السعودية، بل وجرها طرفًاً في الحرب السادسة الدائرة منذ ما يزيد على ثلاثة أشهر لتكتسب بذلك بعدًا إقليميًّا إن لم يكن دوليًّا. 
في 5/ تشرين الثاني/نوفمبر2009، دخلت المواجهات العسكرية بين الحكومة اليمنية، والمتمردين الحوثيين مرحلة جديدة وحساسة بدخول السعودية طرفًا في المواجهات، على خلفية اعتداء المتمردين على أراضٍ سعودية بمحاذاة الحدود مع اليمن، وقتل ضابط وإصابة عدد آخر، ثم استمرار الاشتباكات المتقطعة. 
وتمكن المتمردون الحوثيون من السيطرة على جبل الدخان على خلفية اتهامات للسعودية بدعم الجيش اليمني، وإتاحة استخدام الأراضي السعودية كقاعدة لعمليات القوات الحكومية اليمنية، ضد معاقل الحوثيين الحدودية. 
في فبراير 2010، انتهت هذه الحرب بين الدولة اليمنية، والمتمردين الحوثيين، لتكون إيران قد تمكنت من تأسيس ذراعها الطولى على الحدود الجنوبية للمملكة، استطاعت تغيير قواعد الصراع مع عدوها الإقليمي في المنطقة "السعودية"، على رقعة الجغرافية اليمنية. 
* الثورة الشبابية
قبيل عام على قيام الثورة الشبابية الشعبية السلمية، كانت المؤشرات الدولية تقول إن اليمن في طريقها للفشل، وأنها أصبحت تهدد أمن واستقرار المحيط الإقليمي والعالم، لكن ما لم يدركه البعض أن الحزب الحاكم المؤتمر الشعبي العام النافذ في الدولة أصبح مخترقا ومتحكما فيه من قبل لوبيات داعمة للحوثيين، حتى أن تقريراً رسمياً أعلن عن بعض محتوياته في الصحافة أثناء الحروب مع الحوثيين، قد أطلق على الحزب الحاكم مسمى (المؤتمر الشيعي العام) في إشارة لتأثير الحوثيين ذو التوجهات الطائفية على قراراته. 
وقبيل الثورة التي أسقطت بعض من أركان نظام صالح في 2011م ، كان الحوثيون قد ابتلعوا جزءاً من ذلك النظام خلال العامين السابقين. 
بين 2004 و2010 برر المتمردين الحوثيون تحركاتهم بحجج ومظالم، ولأجلها خاضت الحركة ست حروب مع الدولة بين 2004 و2010، وحين جاءت الثورة الشبابية السلمية في عام 2011م، استوعبتهم، في محاولة لتحويل نضالهم المسلح إلى نضال سلمي. 
لكن ذلك لم يحدث، حيث استغلت الحركة الثَّورة السلمية والفترة الانتقالية وضعف مؤسسات الدولة فيها للانقضاض على الدولة اليمنية وإسقاط العاصمة وتهديد دول الجوار والإقليم، بدعم إيراني وخليجي. 
إدراك مسبق من قبل الجماعة الحوثية، أن الثورة الشبابية التي جاءت ضمن الربيع العربي ستقطع عليهم طريق السيطرة على الدولة، وأنها قد تنسف حلمهم المتنامي في عودة الحكم الأمامي إليهم الذي فقدوه بعد ثورة 26 سبتمبر في 1962م. 
في المقابل الإدراك الحوثي جاء نتيجة تدرك الهاشمية السياسية أن نظاما مثل نظام الأئمة الذي حكمت من خلاله اليمن لقرون يجب إعادته بقوة السلاح، وإن ظلت فاعلة في أي نظام بدون المجاهرة بالعداء لمبادئ الجمهورية. 
يقول مركز "أبعاد" للدراسات والبحوث، في تقرير عن " مسارات الحركة الحوثية"، إن استراتيجية الحوثي في اليمن لا تنفصم عن الاستراتيجية الإيرانية في المنطقة، لكن الربيع العربي والثورة الشبابية الشعبية السلمية في اليمن أحرجت المشروع المسلح للحوثيين، كما أبطأت من المشروع الاستراتيجي التوسعي لإيران. 
ومثل ما كانت تنوي إيران ابتلاع هذه الثورات بالحديث عن أنها "امتداد للثورة الإسلامية"، كان الحوثيون يعملون لذهاب البلد إلى صراع مسلح، ليرهقوا قواه المؤثرة سياسياً واجتماعياً ويفككوا بنية الجيش العسكرية المفككة أصلا ليتمكنوا من السيطرة على البلاد بسهولة وهو ما فعلوه خلال ثلاث سنوات من الحرب ضد المجتمع اليمني.

 
اكثر خبر قراءة أخبار اليمن