عندما نصحو ولا نجد الرئيس!
طارق فؤاد البنا
طارق فؤاد البنا

لا شك أن كثيرين منا قد تابعوا تفاصيل الكلمة التي ألقاها الرئيس الصالح مؤخراً ، ولا شك ايضاً أن بعضنا قد أشفق على الرجل لما رآه من تخبط في كلماته وحتى في حركاته ، وأشفقنا عليه أيضاً من ان يصل إلى مرحلة (جنون) القذافي ، خاصة بعد أن قال كما قال القذافي أنه لن يرحل وسيدافع عن كرسيه تحت مسمى (البلاد) إلى آخر قطرة دم ، وتقريباً بنفس مصطلحات مجنون ليبيا ، إلا أنه تفوق على القذافي في قوله أن من يدير هذه المظاهرات في بلاده هي (غرفة) في تل أبيب بإدارة المخابرات الأمريكية ، ولا أدري هل كان الرئيس بكامل وعيه وهو يقول هذا الكلام ، أم أصابه مس ، رغم يقيني أن الشياطين لا تتلبس بإخوانها ! .

لكن المضحك المبكي هو تشابه أساليب الزعماء في تخويف الناس من عواقب التغيير ، وأنهم هم (صمام) الأمان للبلد ، فإذا ما رحلوا فستنفجر البلد بمن فيها ، وستحدث الفوضى ، وسيحل الخراب والدمار ، وسيدخل الصهاينة والأمريكان ، وستنتشر المجاعة ، وستتقسم الدولة إلى أقسام مختلفة ، وغير ذلك من الأساليب التي عفا عليها الزمن ، ولو فكر أحدهم بعقله سيضحك على نفسه بعد أن رأى مصير من سبقوه رغم استعمالهم لنفس ذاك الأسلوب القدييييم !.

فقد كان الرئيس يهدد الشعب اليمني إذا حاولوا التغيير بـ(الصوملة) و (العرقنة) ، ولكن تدابير القدر جعلت للشعب منطقاً يرد به على كلام الرئيس ، فقد هددوه بـ(التونسة) و(المصرنة) ، لذا فهو لم يعمد إلى هذه المصطلحات في الآونة الأخيرة ، فاستعمل كلمات وأساليب جديدة ، حيث قال أنه لو رحل ، فستنقسم اليمن إلى أربع دول رغم أنه كان سابقاً يقول دولتان ، جنوبية وشمالية ، لكنها الآن مع شدة التخبط و(التشنج) أصبحت أربعاً . ومن يدري ربما يرتفع العدد في مزاد (الصالح) ليصل إلى (فضيحة) يفضحنا بها (صالحنا) على مستوى العالم ، وندخل موسوعة (جينيس) للأرقام القياسية في عدد الدويلات المنقسمة ، وكأنها تمثل ما قال عنه الرئيس سابقاً بـ( الكعكعة) المقطعة والتي أكلها الرئيس وأبناءه وأصهاره ومن أستطاع إليها سبيلاً .

ولكن ، أقول للرئيس نعم إذا رحلت عنا فسنتغير ، ستتغير اليمن كثيراً ، ستتغير بشكل كلي وجزئي ، حتى على مستوى الأفراد والتفاصيل الدقيقة في حياتهم ، ستتغير لأن التغير سنة من سنن الله في الكون ، ولا بد أن يون هذا التغيير للأفضل بعون الله ، ومن أهم جوانب التغيرات عندما نصحو ولا نجد الرئيس بيننا ما يلي : 

عندما نصحو ولا نجد الرئيس بيننا ستتغير اليمن ، ستعود كسابق عهدها (اليمن السعيد) بعد أن جعلها الفاسدون (أتعس) بلدان الأرض ، وسيعود الملايين من أبنائها المغتربين إلى أرضهم ودموعهم تملأ أعينهم وهم يسمعون (ارجع لحولك) بعد أن شردهم النظام الفاسد في دول العالم أجمع ، وجعلهم بلا حول ولا قوة ، وحينها سندرك أهميتنا ، وستعود قيمتنا إلى ما كنا عليه ، حيث كل الحضارات منبعها اليمن ، ومعظم الشعوب كانت تفتخر بأن منبعها وأصلها اليمن رغم إنكارها هذا الآن في عهد رئيسنا ، والسبب هو ما وصلنا اليه في كل المجالات وعلى مختلف الأصعدة ، فنحن نتصدر القوائم السوداء في كل المجالات السلبية ، ونحرز دائما الميدالية الذهبية فيها ، اما في الإيجابيات فنحن في القاع بعد أن كنا في (القمة) ، ونحن تحت الصفر بالسالب ، بعد أن كنا أعداداً حقيقة يشهد بفاعليتها التاريخ والزمان .

عندما نصحو ولا نجد الرئيس سنستعيد ذاكرتنا المثقوبة جراء أعمال القرصنه السياسية على الحقوق والحريات في هذا الوطن ، رغم التشدق بوجود الديمقراطية ، وحرية الرأي والرأي الآخر ، والمن على أبناء الشعب بهذه (المكرمة) الرئاسية الزائفة ، والتحدث عنها آناء الليل واطراف النهار على الوجه الذي يرضي الحاكم المستبد !

عندما نصحو ولا نجد الرئيس سنجد أن هناك شيء اسمه (فيزا) لليمن ، بعد أن كنا نطلب (فيزة) من اليمن إلى أي دولة أخرى ، بسبب الأوضاع المأساوية التي يعيشها هذا الشعب المسكين ، والتي نعرف جميعاً من السبب في إيصالنا إلى هذه الرداءة على كل المستويات ، وحينها يمكن أن يكون اليمني (كفيل) بعد أن كان في عهد (الصالح) (مكفولاً) دائما ، ويصبح (مديراً) بعد أن أفنى سنين حياته رغم حمله لشهادة علمية كبيرة وهو يعمل في (الجولة) ، هذا إن وجد عملاً حتى في (الجولة) المشؤومة !.

عندما نصحو ولا نجد الرئيس سيتضح لنا كم كنا أغبياء ونحن صابرون على هذا الرئيس لـ33 عاماً ، وهو يمتص خيراتنا ، وياكل هو ومن معه حقوقنا المسلوبة ، وسندرك حينها كم نكره هذا الرئيس ، بعد أن نعرف حجم الفساد الذي كان يمارسه هو ومن معه ، رغم معرفتنا بكثير منه ، لكن أنا على يقين أن ما خفي كان أعظم ، ولنا في القذافي عظة وعبرة!

عندما نصحو ولا نجد الرئيس لن يكون هناك (متشعبطين) أراضي ، ولا مستحوذين على (التِبَابْ) المرتفعة ، وسنرى كل ذي حق يأخذ حقه ، بدون أن يكون هناك لشخص واحد مساحات أكبر من مساحات دول تفوقنا في كل شيء .

عندما نصحو ولا نجد الرئيس سنجد البنك المركزي هيئة مستقلة ،لا تصرف كل يوم 150 مليون ريال فقط كتغذية وبدل (تخزينة) للمربوطين في ميدان التحرير ، ولا تفتح أبوابها لتمويل مسيرات (الوهم) و(الزيف) التي يطلقها النظام للمناداة والهتاف بحياة الرئيس ، رغم علمهم أن كل أولئك لا يحبون الرئيس ، ولا يحبون النظام الفاسد ، وكل ما يهمهم هو (الغداء) الذي سيصرف لهم بطريقة مخجلة تشبه إعطاء الموز لمجموعة من القرود كما رأينا في وسائل الإعلام ، ومبلغ ألفين ريال لكل واحد منهم حق (التخزينة) ، وبعدها سيخرجون إلى الشوارع برغبة حقيقة صابرين على حر الشمس ينادون الشعب يريد إسقاط النظام !.

عندما نصحو ولا نجد الرئيس ستصبح (سنحان) مثلها مثل أي مدينة ومنطقة في اليمن ، ولن يعود الانتماء اليها مطلباً هاماً وشرطاً أساسياً لضرورة تقلد منصب كبير أو الحصول على وظيفة مرموقة ، وسيكون نصيبها من كل المشاريع والخدمات بنفس القدر الذي ستحصل عليه – مثلاً – مدينة القاعدة في إب ، والتي من يوم أن وعيت الحياة ، والداخل إليها يشتم رائحة المجاري التي تصرع الجني الأحمر ، طبعاً أحمر اللون وليس الأحمر نسبة إلى لقب الرئيس علي صالح الأحمر !.

عندما نصحو ولا نجد الرئيس سيعم الأمان ، ويسود الاطمئنان ، فلا يوجد هناك كروت كالقاعدة والإرهاب لتستعمل في الضغط على الدول الأخرى لتمويل الرصيد المتضخم ، ولتمويل مشاريع خاصة ربما تكشف عنها الأيام القادمة الكثير والكثير ، حينها فقط ستدركون ما هي نتائج المؤتمرات التي عقدها المانحين لأجل اليمن !

عندما نصحو ولا نجد الرئيس لن يكون هناك خوف على دولة الوحدة ، ولن تكون هناك دعاوي انفصال ، فالانفصالي ليس من يطالب بحريته ، ويطالب بأرضه المسلوبة ، ويبدي رأيه في الحياة بكل صدق ووضوح ، إنما الانفصالي من يشجع الفاسدين على فسادهم ، ويطمع النافذين في أراضي الجنوب المنهوبة ، ويسهل عمليات السرقة لمقدرات الجنوب كما هي سرقة مقدرات الشمال !

عندما نصحو ولا نجد الرئيس لن نحتاج إلى (هيئة) لمكافحة الفساد ، لأن الفساد سيكون قد غادرنا ، ولن نحتاج إلى هيئة رقابة ومحاسبة ، لأن كل شخص سيستشعر المسؤولية الملقاة على عاتقه ، وسيحمل هم الأمانة التي عجزت عن حملها الجبال ، وسيراقب نفسه في كل خطوة يقوم بها ، وسيحاسب نفسه على كل (فلس) من المال العام أهدره أو كان سبباً في إهداره !.

عندما نصحو ولا نجد الرئيس سيعمل الصحفيون بكل حرية ، ولن نراهم وهم يقبعون خلف قضبان السجون ، ولن تراهم والدماء تسيل من أجسادهم ، ولن نراهم وهم يتعرضون لعمليات إعتداءات متكررة وبأساليب مختلفة يتفنن الطغاة في ابتداعها ، بدلاً من أن يتفننوا في إدارة البلاد بالشكل الصحيح ، ولن يكون هناك عمليات اختطاف وإخفاء قسري لمن لا يرغب عنهم الحاكم ، ولن تُختطف النساء ويُزج بهن في السجون كما حدث مع الناشطة توكل كرمان !.

عندما نصحو ولا نجد الرئيس سيعقل مجانين بلادي الذين تمتلئ بهم الشوارع ، والسبب في ذلك أن نصف أولئك المجانين هم فقراء وعاطلين عن العمل ، وبعد الرحيل سيحصلون على فرصة لاستعادة العقل من خلال عمل كريم يضمن لهم عيشة مثل بقية خلق الله ، أما النصف الآخر فهم مجندون للأمن السياسي والأمن القومي ، أجبرتهم الدولة البوليسية على (الجنون) كي يسمعوا ما يقول الناس ، ويبادروا بكتابة التقارير التي كلما كانت شديدة كان المقابل أكثر (دسماً) وأعلى قيمة !!. 

عندما نصحو ولا نجد الرئيس سيعود الآباء إلى تسمية أبناءهم باسم (علي) بعد أن كرهوا هذا الاسم ، وحتى أن هذا الاسم جعلهم يقرؤون سيرة الخلفاء الراشدين دون أن يقرؤوا سيرة الخليفة (علي بن أبي طالب) كرم الله وجهه ، بعد أن جعلهم علي (حقنا) يصابون بتحسس من هذا الاسم ، ويصابون بعقدة مزمنة ستُحل بإذن الله بعد أن يرحل علي الذي لم يكرم الله وجهه !

عندما نصحو ولا نجد الرئيس سيفوز المنتخب اليمني بعد أن ذاق المر والعلقم في عهد الرئيس الصالح ، والسبب بسيط ، وهو أن الرئيس لا يولي على مقاليد الأمور إلا من يختاره قلبه ، لذا فرئيس اتحدا كرة القدم (شيخ) ، وكذلك الأعضاء المهمين مشايخ وأقارب وأعيان ، لذا ففرص الفوز للمنتخب ربما تحقق إذا كان هناك مسابقة في (الزوامل) التي يحفظها المشايخ ، وبالتالي سيعلموها البقية ، أما في كرة القدم فهذا محال ، وضرب من الخيال ، ولو صرفنا المليارت كما في خليجي 20 .

عندما نصحو ولا نجد الرئيس سيدخل يحي الراعي مدرسة لمحو الأمية ، وسيردد مع أمثاله : ألف ، باء ، تاء ، ..الخ ، وسيتعلم عبده الجندي الصدق بعد أن احترف الكذب في اللجنة العليا (للانتحابات) ، وسيعود سلطان البركاني إلى بلاده ليعمل مزارعاً (للمانجو) بعد أن مارس دائماً دور (التين الشوكي) في إيلام الشعب ، وبالتأكيد حينها لن يستطيع أن يفكر بـ(قلع) المانجو ، كما قلع العداد الرئاسي ، وسيدعو (اللهم اسقني من حوض الشعب) بعد ان دعا الله أن يسقيه من حوض الرئيس ، وسيعود حمود عباد إلى المنبر من جديد لكي يخطب ، بعد أن رأى الرئيس أنه الشخص المناسب بوظيفة وزير الشباب والرياضة ، ويا له من اختيار ينم عن عبقرية فذة ، فالتخصصان متشابهان جداً والفرق لا يؤثر على المخرجات المرجوة من سعادة الوزير ، ولن يضطر رشاد العليمي إلى الكذب على الشعب بشأن قصف الأراضي اليمنية من قبل أمريكا كما فعل في عهد الرئيس ، وسيقول الأستاذ عبدالعزيز عبدالغني (عبده مرحبا) سيقول لا لأول مرة في حياته ، وسيبكي حين ينطقها فرحاً ، فالذكرى الأولى دائما ما تكون سعيدة ، ولن يضطر عبده ربه منصور هادي إلى نقل تحيات فخامته إلى سائر المحافظات كعادته !.

عندما نصحو ولا نجد الرئيس ستعود الكفاءات الوطنية إلى أماكنها الصحيحة ، سيعود عبدالقادر هلال وخالد الرويشان...وغيرهم ، وسيعود بقية الشرفاء إلى الواجهة بعد أن همشهم النظام الحاكم لأنهم أخلصوا في عملهم وسعوا إلى الإتقان بكل ما استطاعوا ، ولم يقبلوا بالفساد والاستبداد والانحناء والانبطاح !.

عندما نصحو ولا نجد الرئيس سيعود مهجرو الجعاشن إلى بلادهم ، وسيسقط الشاعر الخالي من المشاعر ، والشيخ الذي لا يجوز حتى توليته على نفسه لأنه سيظلمها كثيراً ، وستختفي أيضاً سجون المشائخ في كل المحافظات ، وستنتهي قصة (العبودية) التي كشفت الصحف جزءاً من تفاصيلها قبل أشهر معدودة ، وستنتهي الثارات القبلية ، وستمحى النزعات الطائفية والمذهبية من الوجود ، وسيتوحد الجميع تحت راية اليمن ، وليس راية الرئيس !.

عندما نصحو ولا نجد الرئيس سنشاهد الفضائية اليمنية التي تتلقى تمويلها من أبناء هذا الشعب وليس من مال أحد حتى تدندن بحبه دائماً ، وتتغزل به بشكل سافر ، وكلما مر من يوم وهي تبالغ في تمجيده حتى توصله لمرحلة اللا عودة والتي يشعر فيها أنه (إله) والجميع يطيعه ويخافه ، وبالتالي لن تضطر هذه الفاضية – عفواً الفضائية – إلى تخصيص ثلاثة أرباع نشرة الأخبار للحديث عن أحجار الأساس ومقصات الافتتاح ، والحديث عن زياراته وتنقلاته ومغامراته ومبادراته لحل مشاكل العالم أجمع !.

عندما نصحو ولا نجد الرئيس سنرتاح ، وسنشعر بالهدوء والسكينة بعد أن كان السبب الأكبر في إقلاقنا عبر وسائل شتى يعرفها هو جيداً ، وحتى لمصلحته هو ، فسيرتاح الرئيس ، لأنه سيتخلص من الثعابين التي ظل يرقص على جراحها لأكثر من 33 سنة ، سيتخلص من الثعابين التي طوعها هو وجعل نفسه (الكوبرا) التي لا يستطيع أحد الاقتراب منها ولا الحديث عنها ، وبالتالي فإن رحيل الرئيس فيه المصلحة للجميع .

لذا ، فالخيارت المتاحة بعد الأحداث المتسارعة الأخيرة ، وبعد انفراط عقد الزعماء ، تلخص الحل في أمرين اثينين ، وتتيح أمامنا خيارين وحيدين ، فإما أن نصحو ولا نجد الرئيس ، وإما ان يصحو الرئيس ولا يجد الشعب بفعل سياسته التي لا يمكن أن نسميها سياسه ، وإنما هي عبارة عن (لَعِبْ جُهَال) !!

tarekal.banna@yahoo.com


في الإثنين 07 مارس - آذار 2011 04:03:58 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://marebpress.net/articles.php?id=9364