ويكيليكس يطلق شارة الحرب الأمريكية الجديدة..!!
أحمد محمد عبدالغني
أحمد محمد عبدالغني

ظلت سرية المعلومات تمثل واحدة من أهم قواعد العمل السياسي والدبلوماسي بالنسبة لمعظم دول العالم، واتخذت الدول الكبرى نُظماً صارمة تجاه موضوع الكشف عن الوثائق والمراسلات والتقارير التي تعدها وتقدمها السفارات والأجهزة الاستخباراتية العاملة في الخارج، حيث تتراوح الفترات الزمنية المسموح بعدها نشر وتداول مثل تلك المعلومات، ما بين ثلاثين وخمسين سنة. الأمر الذي يؤكد أن قيام موقع ويكيليكس بالكشف عن هذا الكم الهائل من الوثائق السرية يمثل ضربة قاصمة للنظم والأعراف التي كانت سائدة..

وبغض النظر عن الكيفية التي مكنت ويكيليكس من الحصول على هذه الوثائق وأعطته فرصة الكشف عنها ونشرها وتسريبها، فهذا الحدث يعكس بجلاء طبيعة التوجه الأمريكي الجديد فيما يخص أسلوب التعاطي مع المعلومات والوثائق التي كانت تخضع لنظم وقوانين السرية..

وفي هذا السياق فإن هناك العديد من الأسئلة التي تطرح نفسها بإلحاح:

- هل انتهت سرية المعلومات..؟

- ما الذي تريده الولايات المتحدة الأمريكية من توجيه هذه الضربة القاصمة لنظم وأعراف ظلت سائدة لقرون..؟

- هل أراد الأمريكيون تأسيس منهج جديد في موضوع حفظ المعلومات وسريتها وتداولها، يتناسب مع التطورات التي أنتجتها السياسات الأمريكية على مستوى العالم..؟

- ما هو رد فعل الأنظمة والحكومات التي شملتها الوثائق المنشورة..؟

- وما هي ردود فعل القراء والناس بشكل عام داخل دول تلك الأنظمة والحكومات تجاه مضمون ومحتويات هذه الوثائق..؟

- كيف تعامل الرأي العام الأمريكي والأوروبي مع أسلوب نشر الوثائق وتسريبها، ومع المضمون والمحتويات أيضاً..؟

- هل كان حصول موقع ويكيليكس على الوثائق انتقائياً أم عشوائياً..؟

وفي كل الأحوال ليس ما قام به ويكيليكس هذا العام هو بداية ما يمكن تسميته (التوجه الأمريكي الجديد) في نشر الوثائق والمعلومات وتسريبها، فمنذ استكمال عملية احتلال العراق عام 2003م، أخذ الأمريكيون يسربون ويمررون الكثير من المعلومات الخطيرة المرتبطة بممارساتهم اللاأخلاقية واللاقانونية تجاه الشعب العراقي، كما هو الحال بالنسبة لقضايا التعذيب وقتل المدنيين واستخدام الأسلحة المحرمة دولياً، وانتهاك الحقوق والحريات العامة، وقد كان وزير الخارجية الأمريكية الأسبق كولن باول واضحاً حينما أعلن أن الـ(سي آي إيه) ضللت صانع القرار الأمريكي بشأن إمتلاك العراق للأسلحة النووية والجرثومية..

ورغم أن مثل تلك المعلومات تدين الأمريكين وتضعهم في موقف حرج وتقدمهم كمجرمين من منظور القانون الدولي، إلا أن عملية التسريبات ظلت متواصلة بطرق وأساليب متعددة، دون أن تجد من يوقفها ودون أن يستطيع المجتمع الدولي إتخاذ أية إجراءات ومواقف في حق السياسات الأمريكية..

وإذا كان معروف سلفاً أن الأجهزة الأمريكية سوف تستخدم عملية نشر مثل هذه الوثائق والمعلومات كأوراق ضغط ضد كل المعنيين بها، فإن الإصرار على مواصلة هذا التوجه يعني أن لدى الأمريكيين دراسات نفسية تجعلهم على قناعة بأن نشر المعلومات وإذاعتها على الملأ لن يكون له تأثير سلبي عليهم، فالمهم ليس نشر هذه الوثائق ولكن المهم هو كيف تتعامل مع المعلومات الواردة فيها، وكيف تستطيع توظيفها في الاتجاه الذي يخدم أهدافك..

وفي إطار الدراسات النفسية المتعلقة بردود الأفعال العامة يبدو أن الأمريكيين يرون أن نشر الوثائق أولاً بأول، يعطي فرصة دراسة تفاعلات الناس المرتبطين بالحدث زماناً ومكاناً، لأن عملية إخفاءها ونشرها بعد عقود يفقدها حيوية التأثير ويجعل الناس تتعامل معها كجزء من التاريخ وليس كجزء من واقع التطورات المرتبطة بحياتهم اللحظية..

موقف المعنيين بالوثائق:

لايبدو حتى الآن أن من شملتهم الوثائق المنشورة في ويكيليكس يمكن أن يتخذوا موقفاً مضاداً، فالأنظمة والحكام والقيادات المعنية – العربية بالذات – ربما ترى أن ما نُشر عنها هو جزء بسيط من فضائحها السياسية وغير السياسية، فهي لا تستطيع أن تنفي ما حدث أو تدين عملية النشر والتسريب، والصمت هو أفضل الوسائل بالنسبة لها، وهي بصمتها هذا قد تنتظر رد فعل الرأي العام في بلدانها، وكما يبدو أيضاً، فإن رد فعل الرأي العام لن يكون جديداً، لأن غالبية الشعوب أصبحت مشغولة بلقمة العيش، فهي مقيدة بهمومها اليومية التي صنعها الحكام أنفسهم، ومشغولة بأوضاع بلدانها وما وصلت إليه أحوالها من أزمات واحتقانات متعددة الأوجه والأشكال نتيجة سياسات هذه الأنظمة وهؤلاء الحكام، حيث يقف الرأي العام في حيرة من أمره وهو يستعرض خارطة المآسي وألوان المعاناة التي تأن من أثقالها الأوطان، وهنا قد ينظر الرأي العام إلى قائمة فضائح القادة كجزء مكمل أو فرع أساسي من فروع تلك الخارطة.

الموقف الدولي:

رغم الجدل القانوني والأخلاقي الذي أثاره قيام موقع ويكيليكس بنشر تلك الوثائق، إلاّ أن موافقة أبرز الصحف الأوروبية على النشر، يعني أن الأوروبيين مستعدين لتقبل خطوة حليفهم الأمريكي، وذلك بالنظر إلى أن ما يتعلق بهم يسير في الإطار الشكلي ولا يمس أمنهم القومي حتى الآن، وقد يكون هناك تعاون أمريكي أوروبي، فيما يخص دراسة ردود الفعل والآثار النفسية والاجتماعية، وما يترتب على هذه العملية من نتائج لحظية ومستقبلية، وبالتالي قدرة كل طرف على الاستفادة من تلك النتائج وتوظيفها الاستراتيجي طويل الأمد..

أما من الناحية الإجرائية فإن خطوة ويكيليكس الأمريكية، ستدفع الأوروبيين وبقية الأطراف الدولية للبحث من جديد في مفهوم سرية المعلومات وحدودها، وبالتالي إعادة النظر في القوانين والنظم واللوائح المعمول بها..

والسؤال الذي يطرح نفسه هنا أيضاً، هل ما قام به ويكيليكس يمكن أن يجر الأوروبيين وبقية الأطراف الدولية الفاعلة (روسيا – الصين) إلى التسابق في كشف ما لديها من الوثائق المتعلقة بنفس القضايا التي شملتها تسريبات ويكيليكس، وغيرها من المعلومات المتعلقة بالسياسات والأدوار الأمريكية.. وبالتالي هل سينجح الأمريكيون في جر تلك الأطراف إلى حرب عالمية جديدة، يمكن تسميتها معركة خلط الأوراق أو حرب المعلومات في القرن الواحد والعشرين..؟؟.


في الأربعاء 08 ديسمبر-كانون الأول 2010 09:07:00 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://marebpress.net/articles.php?id=8490