انفراج الوضع السياسي يحتاج إلى قرار لا حوار!
رياض الأحمدي
رياض الأحمدي

تعب الناس من المماحكة السياسية، تعبوا من المعارضة، تعبوا من التطبيل الأعمى، تعبوا من جلد السلطة والمعارضة.. تعبوا من سب أنفسهم.. تعبوا من اليأس.. وتعبوا من الأمل في الحوار..

كثرت الأزمات في اليمن ، كبر الحوثي، كثر الفساد، كثرت القاعدة، السيادة اليمنية مهددة...أصبح الناس يأملون انفراجاً من نوع ما، أصبحوا يأملون كلمة طيبة، تقرب القلوب، وتصنع مخرجاً يترجم نفسه على أرض الواقع..

والكل بات يعرف ويعترف بوجود وضع مختل، وإن بدرجة متفاوتة.. ولذلك كان الحوار بين الحاكم وأحزاب المعارضة مدخلاً للخروج من هذا الوضع.. لكن هذا الحوار طال وأصبح مملاً.. و وما زال في مرحلة تسمى "التهيئة للحوار"!.

ولست بصدد من يعرقل الحوار؟ المؤتمر مذنب بالتأكيد، على الأقل لأنه سبب الوضع المختل، ولأن بيده زمام الأمور، وأحزاب المشترك ليست بريئة، إنما هناك خلل ما، في المدخل إلى هذا الحوار برمته، ناتج عن أمر معروف للجميع، وهو أن المؤتمر ليس واحداً والمشترك ليس واحداً..

تقسيم آخر:

لنضع التقسيم السياسي الأقرب إلى الواقع المعترف به في أغلب الحالات غير الرسمية، وهو أن المؤتمر ليس طرفاً، فالمتنفذين المستفيدين من خراب الوضع، والخاسرين بالحوار، الذين يعرقلون الحوار من جانب المؤتمر لأهداف أو لأخرى طرف، وعموم المصلحين والوطنيين المؤتمرين طرف ثاني، وطرف ثالث ليس مهتماً بالوضع ولا يشعر أن هناك ما يستحق الوقوف لأجله، والمشكلة بالنسبة لهم هي أن الإعلام يبالغ في الوضع.. الخ.

وعلى الجهة الأخرى ينقسم المشترك إلى ثلاثة أطراف، وهم: الأول، ويضم معظم الإصلاح وشخصيات وطنية من عموم المشترك، والطرف الثاني يضم بشكل رئيسي الاشتراكي صاحب التاريخ والمضغوط بمطالب الحراك وضرورة عدم الجري بعيداً عن ما يحدث في الجنوب.. وثالثهم وهم الأحزاب والشخصيات القريبة من المشروع الحوثي وهو طرف مستفيد من عرقلة الحوار..

وعلى هامش الحزبية والخلافات السياسية بين الأحزاب، سواء داخل الحزب الواحد، أم بين الحاكم والمعارضة، نشأت قوى سياسية مسلحة وأيدلوجية على الأرض أصبحت تنافس السلطة في السيطرة، وهي الحوثي ذو الأجندة الخارجية والمذهبية والسلالية الذي يقوى مع كل حرب، إلى أن تسلم مقاليد الحكم في أكثر من صعدة.. والحراك الذي تصاعد وتغلغل وأنتج ثقافة اجتماعية خاطئة لها أضرار بعيدة المدى، وغرد بعيداً عن العقل، وأصبح بعضه مسلحاً وبعضه مستعد للتسلح.. والقاعدة المرتبطة بحسابات الدول الغربية التي تعكس نفسها على الوضع السياسي والأمني والسيادي والاجتماعي للبلاد..

وهناك طرف كبير بعيداً عن هذه الأطراف وهو النخب الوطنية المستقلة، من سياسيين وإعلاميين، وأكاديميين، وغيرهم، وهؤلاء لا يفكرون بالأحزاب إنما بمصير الوطن ومستقبله ككل، وبإنسان هذا الوطن، ويراقبون الوضع بمسؤولية، ويسعون للتقريب بين الفرقاء السياسيين، ويقولون للمحسن أحسنت، وللمخطئ أخطأت.. وجهودهم مبعثرة لا يجمعها ناظم..

وما بين هؤلاء وهؤلاء يعيش المواطن المغلوب على أمره، ذلك الذي لا يريد المؤتمر ولا الإصلاح ولا الاشتراكي، ولا تهمه الانتخابات، ولا المظلومية السياسية لبعض النخبة، ولا يهمه مجلس النواب، ولا تشكيل الحكومة..

الشعب يريد آمناً واستقراراً وعدلاً وحياة كريمة، يريد تحقيق أهدافه في الحياة، يريد أن يرى بلده إلى الأفضل.. الشعب الذي لم ينتخب المؤتمر لأنه الأفضل، بل لأنه السلطة وبيده مقاليد الأمور.. ولسنا بحاجة لأن نزعم أن هناك خلل في تشكيل اللجنة العليا للانتخابات، أو أن المؤتمر قام بتزوير الانتخابات، لأن الشعب نفسه لا يزال جديداً على الديمقراطية وهو وإن كان يريد مصلحته، إلا أنه لا يعي الطريق الأفضل إلى لهذه المصلحة، وأغلبية أمور السياسة وحساباتها لا تهم حتى 30% من المواطنين..

قرار لا حوار:

واليوم، وبعد إعلان المؤتمر (الشبه مؤكد أن سيتراجع عنه) والمتعلق بتعليق الحوار والمضي في الانتخابات منفرداً حتى لا تقول المنظمات الغربية أنه الديمقراطية تراجعت في اليمن! ضارباً بكل ما يهم مستقبل اليمن واليمنيين عرض الحائط، لأن ذلك يعني استمرار الاحتقان والتدهور ومزيد من التنازلات السيادية للغرب والحوثي ... الخ..

ولا أدري كيف نحافظ على الديمقراطية في موعدها المحدد ونفرط بالسيادة وبهموم الشعب، ونكاد نفقد اليمن كاملاً.. ولا زالوا يهمون عدم التفريط بموعد الانتخابات؟! أهذه هي المسؤولية الوطنية يا مؤتمر؟

لماذا نخاف على الديمقراطية والحزبية التي أوصلتنا إلى هذا اليوم، وننسى أننا أصبحنا نخاف من سقوط الوطن برمته؟

ويبدو فعلاً أن الحوار من مداخله المعروفة خلال العامين الماضيين لم يصل إلى طريق، ليس للأسباب التي يذكرونها هم بشكل رئيسي، وإنما لأن الأطراف التي تتحكم بالوضع ليست تحت هذه المسميات السياسية "المؤتمر" و"المشترك"، فهناك أطراف متوزعة في جميع الأحزاب تسعى لإفشال الحوار، وأطراف تريد النجاح، وأطراف فاقدة السيطرة، وظروف سياسية إقليمية ودولية تتحكم بمسارات الحوار، بالإضافة إلى القوى المسلحة المتحكمة بالواقع..

ولو اقترحنا تفكك المشترك وخروج الإصلاح مثلاً للحوار منفرداً مع السلطة فهذه مغامرة سياسية لها احتمالات معقدة، لأن بإمكان الحاكم حينها أن يقدم لبقية المشترك ما يريدون ويقوم باحتوائهم، ويكون قد تخلص من كبيرهم ألا وهو الإصلاح..

ومن الجهة الأخرى أن يقوم رئيس المؤتمر مثلاً بإقصاء أهم المعرقلين للحوار من جهة المؤتمر والسلطة، ويمضي في الحوار، فهذا يحتمل مصاعب أيضاً، لأن بيدهم زمام الأمور في أكثر من مكان، وبذلك يكون الرئيس قد فقد جزءاً من مناصريه، وهذا الجزء بإمكانه أن يشعل معارضة رابعة، أو ينضم إلى المشترك.. ويكون الحوار ما زال في التهيئة..!

وخلاصة ما أريد الوصول إليه هو أن الوضع خارج سيطرة المتحاورين أنفسهم، ولا يحتاج إلى حوار بين الأحزاب، وإنما إلى قرار سياسي وطني يتم بالتنسيق مع الشرفاء والحريصين على مصلحة من جميع الأحزاب والمستقلين.. مربطه الأول بيد الرئيس علي عبدالله صالح يقضي بتجميد العمل الحزبي والمسميات السياسية المعروفة إلى أجل غير مسمى أو مسمى، وتشكيل هيئة وطنية بعيدة عن مسميات الأحزاب، تكلف بتشكيل حكومة وطنية، وتسير أمور البلاد والحوار.. بغض النظر عن التفاصيل.. المهم أن اليمن بحاجة إلى مخرج ولو على حساب تأجيل الحزبية برمتها.. إلى أن يصبح اليمن بلداً غير مهددٍ بالسقوط والتمزق.. و لا علاقة لها بتجميد العمل الحزبي والمسميات السياسية المعروفة،

وباعتقادي إن الوضع لا يحتاج إلى حوار، وإنما إلى قرار سياسي وطني يقضي بتجميد العمل الحزبي والمسميات السياسية المعروفة، لأن تفكك وتغلغلها في الجسد اليمني المصاب وكل ذلك نتيجة لحسابات السلطة الخاطئة السابقة واللاحقة.. فالحوثي وجد بفضل خطة داهية من المؤتمر لوقف الزحف الإصلاحي السياسي المعارض في صعدة، ثم نما وتكاثر بفضل حلول السلطة القاصرة وبفضل اختلاف وجهات نظر من يتحكمون بالبلاد باسم المؤتمر وكثير منهم بلا هدف وبعضهم تتفق أهدافه مع الحوثي.. وكذلك الحراك وجد بفضل غباء وتخلف السلطة وتصرفاتها بعد حرب 94، ثم نما وتكاثر بفعل حلولها القاصرة..

لأولئك الذين تصرفوا مع الوحدة بطريقة المنتصر، والوحدة بريئة من كل السلطة والمعارضة.. الوحدة نتاج طبيعي لجهود الثوار والأحرار اليمنيين وللنضال اليمني الكبير الخ..

 
في الجمعة 12 نوفمبر-تشرين الثاني 2010 07:52:16 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://marebpress.net/articles.php?id=8303