يحيى.. متّ عزيزاً!
معاذ الخميسي
معاذ الخميسي

تأخذك الحياة دون أن تشعر إلى تفاصيل كثيرة فيها الحلو.. وفيها المرّ.. وفي زحمة المتاعب والمشاغل والهموم والغموم يكتشف الإنسان فجأة أنه أمام حالة حساب خاصة مع نفسه ومع ما مضى من عمره.. وما تبقى.

وأمس الأول كل من حضر تشييع جنازة فارس الإعلام اليمني الأخ والصديق والزميل يحيى علاو لابد وأنه اقترب كثيراً من كشف الحساب الخاص به.. وفتش في زوايا دنيا فانية وأخرى باقية.. وأدرك أن (تعبئة الرصيد) بشكل دائم مطلوب جداً حتى يكون أقرب من الفوز في دنياه وآخرته.

وليس أفضل من أن يحمل الرصيد أرقاماً كثيرة ومهمة من جهة اليمين وليس من اليسار..

وذلك الرصيد من الحب التلقائي.. والوفاء اللامتناهي الذي حصده نجم إعلامنا وفقيدنا يحيى علاو في دنياه هو المغنم الذي يتمناه كل شخص.. والفائدة التي لا يأتي بها مال ولا جاه ولا سلطان.

يحيى كان رجلاً بسيطاً متواضعاً.. طيباً.. محباً.. صادقاً.. سموحاً.. وفياً.. وإنساناً.. وأهم ما امتلكه في حياته حب الناس وقربه منهم ومن معاناتهم.. وحب الآخرة.. وحرصه على أن يسخر عمله وبرامجه لتقديم رسالة دعوية عرف من خلالها الكبار والصغار.. الرجال والنساء.. تفاسير آيات كثيرة في كتاب الله عز وجل.. ودلائل عظيمة للسيرة النبوية.. وهذا هو الفوز الآخر والمهم.. والمكسب الحقيقي الذي جناه يحيى في إطار اعمل لآخرتك كأنك تموت غداً!

وذلك الموكب الجنائزي العظيم.. والحضور الكبير.. هو تأكيد على أن (يحيى) كسب أشياء كثيرة أغلى من منصب سياسي.. وأهم من جاه أو سلطان.. وأفضل من كسب المال والقصور والعقارات والشركات.. وأكثر فائدة من امتلاك الخدم والحشم.

ذهب (يحيى) خفيفاً.. هدوءه يختزل حجم معاناته.. وصبره يطوي أسرار آلامه.. وابتسامته تزرع الأمل في قلوب أهله وأصدقائه.. وشموخه يكبر على انكساراته.. وعزة نفسه تقوى على جراحاته!!

غادرنا.. ونحن إليه بالتقصير أقرب.. وهو إلى الله بالخيرات والحسنات أسبق.. منحناه (الفرجة) فمنحنا في جنازته (العبرة) حين يكون اليوم الأخير شاهد حال لمن نجح ومن فشل.. ومن فاز.. ومن خسر!

ودعناه.. وبقينا محاصرين بصور هي أبلغ من أي حديث.. وأهم من أي سطور.. صور الوفاء والمحبة.. والتوفيق بعد شقاء وعناء وابتلاء!

فارقناه.. والكثيرون يسألون.. من أين لنا بيحيى علاو.. وكيف سيكون رمضان بعيداً عن فرسان الميدان.. وإطلالته البهية.. وكلماته العذبة.. وفواصله الجميلة.. وأسئلته المفيدة.. وسباقاته الشعبية.. وزياراته للمدن والسهول والأودية!

عمر من الحزن لا يكفي في رحيلك يا أعز الناس.. عشت عزيزاً.. ومت عزيزاً.. وستظل (عزتك) درساً يحكي كيف يموت (الإبداع) واقفاً.. شامخاً.. رأسه في السماء.

نم قرير العين.. يا ألمع وأبدع وأروع من علمنا الدروس.. حضوراً.. ولغة.. وثقافة.. وتميزاً.. وحباً.. وإنسانية.. وصبراً.. ومووووووتا!!

  moath1000@yahoo.com


في الجمعة 18 يونيو-حزيران 2010 06:52:59 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://marebpress.net/articles.php?id=7360