وقفة مع الحبيشي وكتب التراث
علي محمد الخميسي
علي محمد الخميسي

المقالة الأخيرة للأستاذ احمد الحبيشي المعنونة ب( إنهم يسعون إلى أسلمه رواسب الجاهلية ) أثارت فضولي كثيرا ودفعتني كقارئ لإبداء رأي قد يكون مغاير أو مؤيد لكل أو بعض ما ذهب إليه الأستاذ الحبيشي والذي أتابع الكثير من كتاباته خاصة الفكرية منها وهي نفس الكتابات التي أثارت بعضا من الجدل خاصة في أوساط بعض التيارات الإسلامية المخالفة لطرحة وآراءه الفكرية بل إن البعض من هؤلاء يتهمونه دائما بمهاجمة العلماء ونشر الأفكار العلمانية و اتهامات أخرى لا تليق بنا كيمنيين أبناء وطن واحد وشعب واحد شهد له الله من فوق سبع سماوات بالطيبة وشهد له أيضا رسوله الكريم بالإيمان والحكمة , وبالتالي أحمد الحبيشي الذي لا يعرفني ولا اعرفه شخصيا كاتب وباحث شجاع ومفكر يمني يحاول عبر الكثير من الكتابات التي قد نتفق أو نختلف معها كسر قاعدة المألوف أو المحظور النقدي الذي يتبناه الفكر الآخر الذي يختلف معه.......وبالتالي أتمنى فقط أن نحسن الظن ببعضنا مهما اختلفنا في الطرح أو الآراء الاجتهادية وان يكون الحوار والنقاش الهادئ هو سبيلنا ونهجنا الدائم للتعامل مع الآخر مصداقا لقوله تعالى :

({ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ }النحل125) .....وقولة عز وجل : ({فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ }آل عمران159 .

كتب التراث الإسلامي التي تملأ مكاتبنا وجامعاتنا ومساجدنا بل والكثير من مدارسنا الدينية اعتقد أنها تحتاج اليوم إلى غربلة وتمحيص وتفنيد بل واخرج الغث منها خاصة ما تعارض أو اصطدم مع نصوص القرآن الكريم وصحيح السنة النبوية المطهرة , وفي المقابل نحتاج كجهات أكاديمية وجهات حكومية إلى ابتكار طرق ووسائل حديثة للتعلم ونشر الفكر الوسطي المستنير في أوساط المتعلمين والدعاة على اختلاف مذاهبهم وكذلك نشر التوعية الدينية السمحة وعمل مناظرات تليفزيونية تبين للدارسين والباحثين والمهتمين الكثير من الحقائق الغائبة وتساعد على تبادل الأفكار وتقريب وجهات النظر وترد على الشبهات وتدحض الأفكار أو الاجتهادات البشرية التي تتعارض مع جوهر الدين ونصوص القرآن وصحيح السنة , فهناك العديد من كتب التراث التي تحتاج اليوم إلى مناقشة وإعادة النظر في بعض ما احتوته من اجتهادات تتعارض كما أسلفنا مع صحيح وجوهر الدين بل ومع المنطق والعقل والطبائع الإنسانية الفطرية , فديننا كما نؤمن جميعا دين العقل والفطرة والمصلحة الإنسانية وبالتالي ما تعارض مع هذا العقل " المكرم من الله " أو المنطق أو الفطرة الانسانية يتعارض كليا مع جوهر وعظمة الإسلام الذي أخرجه الله عز وجل للناس أجمعين لصلاح دنياهم وآخرتهم .

وإخراج ما يفيد من الآراء الاجتهادية من كتبنا التراثية مسألة مطلوبة ولا جدال فيها خاصة إذا كانت هذه الاجتهادات تتوافق مع نصوص القرآن وصحيح السنة ومصالح المسلمين في كل زمان أو مكان وبالتالي الابتعاد ما أمكن عن تلك الآراء أو الاجتهادات التي خرجت في زمانها وظروفها الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية أمر مفيد وبديهي , فلا يعقل أن نظل في دائرة مغلقة تسيطر على فكرنا وسلوكنا بفعل بعض الاجتهادات الدينية القديمة التي يتمسك بها البعض اليوم بالرغم من كونها قد ظهرت في وقتها وظروفها وزمانها أي ما قبل مئات السنين وبالتالي لا يمكن بديهيا تطبيقها على مجتمعاتنا الإسلامية المعاصرة بفعل الاختلافات الجوهرية والتباينات الشاسعة بين أحوال وظروف الأمس البعيد وأحوال وظروف حاضرنا الاجتماعي والثقافي والاقتصادي والسياسي والعلمي , وهذا لا يعني كما قد يذهب إليه البعض مخالفة تعاليم ديننا أو إتباع الهوى كالأخذ من الدين والشريعة ما يوافق هوانا أو نزواتنا أو مصالحنا الأنانية , أو أننا هنا نحاول الطعن في محتوى هذه الكتب لا سمح الله بل ما اقصده فقط هو التمحيص والتهذيب والمراجعة للآراء الاجتهادية وليس للنصوص الثابتة فما هو ثابت من الدين والشريعة لا خلاف عليه ولا جدال فيه خاصة أننا نؤمن بحق أن شريعتنا الإسلامية السمحة صالحه لكل زمان ومكان , وبالتالي التمسك بل والتعصب الأعمى لبعض الآراء أو الاجتهادات التي تناولها بعض العلماء الأوائل في زمانهم ليست من الدين في شئ بل ليست مبادئ ثابتة يتعبد بها أو كلام مقدس لا يجب الوقوف عنده أو مخالفته خاصة إذا تعارضت هذه الآراء أو الاجتهادات مع نصوص القرآن وسنة المصطفى علية الصلاة والسلام ومنطق الحياة وسلوك البشر الإنساني , بالإضافة إلى أن علماءنا الأفاضل ككل سواء كانوا من الأولين أو المعاصرين أو القادمين هم في النهاية بشر قد يصيبوا أو يخطأوا , ولم نسمع أن احد منهم قد ادعى العصمة أو امتلاك الحقيقة الكاملة .

*في تناوله قادمة ستكون لنا وقفة أخرى إن شاء الله مع موضوع الأصولية في الإسلام وكيف تحولت إلى سلوك ظاهري واقتداء سطحي يتعارض مع الغاية المعلنة للكثير من الجماعات أو التيارات الأصولية التي تدعي أنها فقط تعمل على إحياء أصول الدين .

ali.alkhamesy@gmail.com


في الإثنين 17 مايو 2010 04:25:06 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://marebpress.net/articles.php?id=7122