متى ما قام الصحفي بدور الطبيب سيتعافى الوطن
د. حسن شمسان
د. حسن شمسان

إن الذي يريد أن تخفى الحقائق، وتغِيب الشفافية؛ لا شك أنه غير صادق فيما يدعيه من إرادة إصلاح الأوضاع في الوطن، وما مثله إلا كمثل الذي يدعي أبوة شخص مريض، ويزعم أنه يود أن يتعافى ولده من مرضه في حين أنه لا يسمح للطبيب المختص أن يخضعه للفحص وإجراء التحاليل اللازمة للكشف عن المرض وأسبابه، فيتم علاجها، أو استئصالها إن لم تستجيب للعاج أو الدواء. هذه هي أيسر الطرق وأسهلها في التعرف على أوجاع الجسد المريض، ثم التماس الدواء المناسب. أما حين يقف من يدعي أبوة الولد حاجزا وحائلا أمام أن يجرى لولده أي فتحص أو أي تحليل خوفا عليه من وخز الحقن تارة، وعدم جديته في تعافي ولده تارة أخرى؛ فإنه لا شك سيحكم على ذلك المريض بالموت ظلما؛ لأن المريض في هذه الحالة سيضل كما هو لم يتعافى ولن يتعافى حتى يترك للطبيب كامل الحرية في الفحص والتحري عن المرض واتخاذ ما يراه منسبا في معالجة مرضه، فقد يكون الدواء أو البتر. 

وجسد الوطن الآن مريض وتزداد حالته سوءا بعد سوء بمرور الأيام بل السنوات تلو السنوات، ومن يدعي الوطنية للوطن نراه يخل بحقه تمام، لأنه يرفض أن يخضع الوطن للتحري والتحقيق للبحث عن أسباب الفساد، أو المفسدين وللتعرف عن مواطن الخلل التي جعل جسد الوطن في تدهور، ومن يحاول أن يقترب ليرى أو يبحث عن شلالات الهدم وفيضانات الغرق.

كيف ندعي لأنفسنا حب الوطن، وحب اليمن، والخوف عليه ولا نعمل بما يثبت صحة حبنا، أو حتى ننل ثقة الآخرين بأننا فعلا حريصين على الوطن من الفرقة من التشتت من الاقتتال من (الصوملة والعرقنة) ؟ لم لا نترك للمتخصصين أن يبحثوا عن أسباب المرض؟ وعن أسباب الفساد وعن المفسدين ؟ لم لا نترك لهم أن يبحثوا عن من ينخر في جسد الوطن ؟ لم لا نفسح لهم المجال بل ونشد على أيديهم ونساندهم ونوفر لهم كامل الدعم في تحقيق ذلك؟

هم قادرون أن يكشفوا عن المجهول أو (المستخبي) لم لا يترك للصحفيين تلك المهمة، فهم الأجدر بها، إن أيد دولة تتمتع بحرية الصحافة، وحرية التحقيقات الصحفية (السلطة الرابعة) لا شك أنها متقدمة، لأنها تحد من انتشار الفساد، لأن أي فاسد لا شك أنه عندما يوضع تحت الرصد ، وتحت المجهر سوف يحجم عن ذلك. وما يدرينا لعل الصحفيين يريحونا جميعا السلطة والمعارضة من القاء القبض على ذلك المجهول الذي نجد جميع أوساط الشعب اليمني منزعجة منه من ؛ وأصبح محل ازدراء الجميع ومطلب الجميع في الكشف عن هويته؛ حيث أصبح حديث كل اليمنيين كيرهم وصغيرهم رجالهم ونساءهم عامتهم ومثقفيهم. فالرئيس يشتكي من الفساد والحكومة تشتكي منه، والمعارضة تشتكي، والحوثيون يشتكون، والحراك في الجنوب يشتكي، والشعب المقهور كله يشتكي؛ إذا أولئك كان الفساد وما زال يشكل لهم الفساد كابوسا، بل وأصبح أنشودتهم المفضلة عليه يمسون وفيه يصبحون وبين المساء والصباح بكابوسه المزعج يحلمون.

والمتأمل في ذلك يوشك أن يقول أو يكاد إن المفسدين ليسو من أهل الأرض، ما دام الكل يشتكي منهم، فهم أجسام فضائية غريبة [مثل تلك التي نراها في الأفلام الخيالية الأمريكية] تنزل إلى ارض الوطن ليلا والناس نيام فيفسدون في الأرض ولا يصلحون ثم يغادرون والناس جميعا بهم لا يشعرون، إذا فالأمر خرج عن نطاق أهل الأرض ؟

وعليه فما داعي النداءات تلو النداءات وحشر الناس في عقد المؤتمرات تلو المؤتمرات، والقمم تلو القمم، ما زال مصير الفساد والمفسدون مجهول الهوية، وعند ذلك لا شك أن كل المؤتمرات وكل القمم لن تجدي نفعا؛ لأن الحال سيضل ثابتا كما هو لم يتغير ولن يتغير لأننا ظللنا العنوان الصحيح وتهنا عنه، وأصبحنا دائما نتجه في العنوان الخطأ ونريد أن نصل إلى حلول سريعة للمشكلات. 

إن الأمر بكل بساطة - إذا أردنا فعلا إصلاح الأوضاع - يحتاج إلى شفافية، (وليس إلى المزيد منها)، ففي شعبنا وفي يمننا لا يوجد ولو مثقال ذرة من تلك الشفافية، فما زالت الحجب الكثيفة تغطيها، ولا يجرؤ أحد أن يقترب من تلك الحجب ليحاول البحث عما وراءها إلا ويمنع بوسائل شتى، التهديد تارة، والخطف تارة، والتغييب وراء قضبان السجون تارة، وتارة أخرى دسه في التراب.

إن من بيده فك الشفرة، والكشف عن المجهول هو النظام لسبب بسيط أن بيده القوة؛ فلا يخاف من أحد، فالمطلوب من النظام من الحكومة أن توفر الحماية للمتخصصين (للصحفيين) لكي يقوموا بمهمتهم على أحسن وجه، فالصحفيون برأيي هم بمثابة الأطباء للوطن العليل، فكما لا يمنكن أن يلتمس الأطباء الدواء الناجع للمريض إلا من خلال الكشف والفحص عن المرض وإجراء التحاليل، كذلك الوطن المتهالك يحتاج إلى من يفحصه بدقة متناهية، ويحتاج إلى عمل تحقيقات صحفية فهذه الأخيرة قد ثبت نجاحها في الدول المتقدمة والمتحضرة. والوطن بحاجة إلى متخصصين يغوصون في غياهب الظلام والفساد، ليكشفوا لنا عن سره، وحتى يتحقق لهم ذلك لا بد أن تتوفر لهم الحماية الكاملة من قبل الدولة حتى تضمن لهم النجاح في الكشف عن الداء وحتى يتيسر الدواء والذي يقمع الصفيين هو المستفيد الوحيد من بقاء الفساد على حالة، ولن يثق به الناس، ولن تتدفق الأموال حتى نثبت للعالم بأننا حريصين فعلا على أن ننتشل اليمن مما هو فيه فإذا لم نتمكن من الكشف عن هوية الفساد ولم نتح للمتخصصين ذلك فلا يمكن بأي حال للوطن أن يتعافى أو يتغير حاله.

وما تلك المؤتمرات التي تعقد مرة في لندن وأخرى في الرياض وثالثة في الإمارات إلا مثل الأطباء الذين يلتمسون الدواء بعيد عن المريض وعن حاله وعن أوجاعه، فهم يتخبطون وفي النهاية يضلون عن تحديد العلاج والحل المناسب، بل قد يحصل العكس تمام، يزيد من كمية الدواء التي تقوي المرض وتجعله ينفش ريشه، ويزداد الجسم العليل وهنا وضعفا.

فمتى ينبغي أن توضع الأمور في نصابها، ومتى ينبغي أن نبحث عن الحلول، وندخل إلى المرض من بوابة المرضى (لا بوابة الأصحاء) وندخل إلى الفقر من بوابة الفقراء (لا بوابة الأغنياء)، حتى نخرج بنتائج مجدية، وإلى متى سنضل نتعالى ونكابر. متى ستفكر الدول المانحة يوما ما لتضع الدواء بما يتناسب مع الداء، حتى يحدث مفعوله المرتقب والمنتظر ومتى ستعي يوما بأن هذه الطريقة في وضع الحلول إنما تزيد الطين بلة، والفجيعة مصيبة، والجروح نزيفا، والمرض استقواء على الجسم العليل.

إذا ما ضل الصحفيون (عيون الوطن) مغضوب عليهم من قبل الأنظمة، وأصبح النظام مصدر تهديد لا حماية؛ فهذا يعني أن الأنظمة تفقد ثقتها عند الآخرين، ولا تتمتع بمصداقية تجاه إرادة حصول الحلول الناجعة، كما أنها لن تنال ثقة الدول المانحة، ولعل تأخير تسليم أو تدفق الأموال إلى اليمن إلا بسب ما تلاحظه من قمع للسلطة الرابعة (الصحافة)، وهذا أكبر مؤشر على المصداقية لدى النظام في إرادة الإصلاح، فالصحفيون منبر مستقل، وقادر على القيام بمثل تكل مهمة، وقادرون على وضع النقاط على الحروف أو حل الكلمات المتقاطعة والملغزة في كشف هوية الفساد. وإذا ما ضل الصحفيون مغضوب عليهم لأنهم يحاولون البحث عن مكامن الداء في الجسد المريض ، لأنهم يحالون اقتحام الحجب والسدود المانعة الواقية الذي يعشعش تحتها الفساد ويفرخ.

إن الصحفي عندما يقوم بدور الطبيب سوف يتعافى الوطن وينهض على ساقيه وهذا هو شأن الدول المتحضرة ولا يخفى ذلك على أحد.


في الخميس 04 مارس - آذار 2010 12:18:58 ص

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://marebpress.net/articles.php?id=6618