|
لم أرى إجماعاً من قبل كالإجماع الذي حصل عند وفاة الشيخ محمَد صالح العلم ,فقد أجمع الكل بمختلف مشاربهم ومسؤولياتهم على أن رحيله يشكل خسارة كبرى على الوطن والأمة بشكل عام وأهل منطقته بشكل خاص. وحدث هذا الإجماع من أعلى مسئول في الدولة وصولاً إلى المواطن العادي، وتجاوز هذا التأثير خارج الوطن وليس ذلك بدعاً من القول في شخصية نادرة جمعت من الصفات قلما تجدها تجتمع لأحد فكان رحمه الله الضعيف عنده قوي حتى يرجع له حقه والقوي عنده ضعيف حتى يأخذ حقوق الآخرين منه. إن شجاعة وقوة وكرماً وحزماً مع تواضع ولين ورفق وسماحة جعلته ذلك المحبوب الذي بلغت شهرته الأفاق.
إن تتبع مآثر الفقيد وحياته يحتاج إلى أن تدون فيه المدونات لتعلم الأجيال التي تأتي من بعده أن هناك قيادات نادرة يجب أن يقتبس من حياتهم ما يكون لهم عونا في حل قضاياهم وإصلاح حياتهم.
وما كانت كلمات نائب رئيس الجمهورية الفريق الركن/ عبد ربه منصور هادي. جاءت من فراغ فلعله لخص أهم ما يميز هذا الراحل وقد قال في برقيته(( أن الفقيد المرحوم بإذن الله تعالى كان من الشخصيات الوحدوية البارزة ومن الذين يعملون بصمت في خدمة المجتمع في محافظة شبوة أو محيطها كما عرف عنه القيام بالإعمال الخيرة مهما كلفه ذلك. منوها إلى أن مبادرات الفقيد كانت عظيمة ومتعددة ولا ينتظر أي شكر أو مقابل لذلك)) فو الله إنه لصادق فما كان رحمة الله يتطلع إلى جاه أو مديح ولو أراده وهو أهل له لجاءه ولكنه ضل يعمل مخلصاً صامتاً في خدمة هذا المجتمع فكم من القضايا التي حلها ولم يعلمها إلى القليل وكم من الخير الذي جلبه إلى أسر وقبائل طالباً الأجر من الله سبحانه وتعالى ولهذا سنقف مع جانب من حياة الفقيد إبداعاته في الإصلاح الاجتماعي فقط . لأن استقصاء كل جوانب حياته قد يطول بنا الكلام والبحث.
إبداعاته في الإصلاح الاجتماعي
منذ أن عرفت الفقيد من قبل حوالي خمسة عشر عام وهو رائد في الإصلاح الإجتماعي النوعي المتميز فكان رحمه الله يتخصص في القضايا الأكثر صعوبة في الحل ويضع عليها لمسات الإبداع والابتكارات الجديدة قد تغيب عن بعض المصلحين . فكان من أوائل الدعاة في منطقته إلى الخير والعودة إلى الدين وتحكيم الشريعة فقد قدم جهداً كبيرا في ذلك، فكان له دور في العمل الخيري والإنساني فطالما سعى إلى خدمة الآخرين فكم من شاب محتاج كان سببا ً في أن حصل على وظيفة وكم من أسرة جلب إليها الخير وتحسنت أحوالها وأدخل على أهلها السرور والسعادة وكم من مظلوم وقف معه حتى أنصفه وكان لا يقدم هذا الخدمات لفئة مخصوصة وإنما قدمها للناس على وجه سواء ولا تستغرب أن تسمع في يوم وفاته من أحد الناس يقول(الآن كلاً ينتبه لنفسه ويحذر فإن العلم قد مات...) نعم لسان الكل العلم ترك فراغ كبير قد لا يسد.
أما عن إصلاح ذات البين وحل المشكلات الكبيرة فكان ذلك ميدانه الواسع وهو فارسه المتخصص في فك النزاع وإنها القضايا وحقن الدماء فلله دره من مبدع في هذا المجال ولعلي هنا أشير إلى أهم جوانب الإبداع التي كانت من ابتكاراته في حل القضايا وهي:- أولا :-كان يتصدى للقضايا الكبرى التي يعجز عنها الكل بما في ذلك الدولة ويتجلى الإبداع هنا في المبادرة التي يقدم عليها هذا العملاق فينظر إليه وكأنه مغامر وهذه قمة الإبداع والقوة.
ثانيا :-ً المتعارف عليه أن المصلح أو القاضي بين الناس يقف على مسافة متساوية بين الطرفين إلا إنه إذا أتضح له أن أحد الخصوم ظالماً وقف مع المظلوم وصدع بالحق بكل قوة وفي نفس الوقت يضل هو الحكم في القضية وهنا يظهر الإبداع في شخصية رحمه الله.
ثالثاً :- كان يتحمل كل التكاليف في إصلاح ذات البين من ماله الخاص بعكس المتعارف عليه أن يتحمل الأطراف التكاليف بل ويعطى للحاكم أو للمصلح ما يسمى بالأجرة إلا إنه اتخذ طريقاً شرعيا يبتغي الأجر من الله تعالى.
وبهذه الأساليب المبتكرة أسس الفقيد رحمه الله منهج جديد مستوحى من شرع الله في التعامل مع المشكلات وحل القضايا المستعصية في المجتمع وبناءً عليه أدعوا كل المصلحين أن يستفيدوا من هذا المنهج في حل القضايا بين الناس كما أدعو أن يقوم أحد الباحثين بجمع الخصال التي تميز بها المرحوم الفقيد والوسائل التي كان يستخدمها بصورة أعم ويتم تدوينها لتصبح مرجعاً هاماً لكل المصلحين الاجتماعيين. وإني أؤكد أن دراسة هذه الشخصية دراسة متكاملة من جميع الجوانب سوف يترك كم هائل من التجارب والمعلومات للأجيال القادمة وفي الأخير أسأل الله أن يتقبل الفقيد وأن يتجاوز عنه وأن يسكنه فسيح جناته وأرفع إلى أهله وذويه أبلغ التعازي والمواساة وإنا لله وإنا إليه راجعون.
في الجمعة 01 يناير-كانون الثاني 2010 05:42:11 م