شباب يبحث عن لماذا
دكتور/بكيل الولص
دكتور/بكيل الولص

يظن المترفون من الأوصياء إن شباب مأرب لا يألمون. بلى وربي يألمون ويكتمون، لكن البعض منهم نسي أو تناسى ما وعدهم الواعدون، وبعض الشباب يرجو من الله ما لا يدركه العارفون. إذاً، لماذا ينخدع شبابنا بسهولة؟ لماذا لا يسعى شبابنا بعد الحرية؟ لان البعض فضل التبعية كمصدر للرزق وأعماهم الطمع ونسوا إن الأرزاق بيد الرحيم القدير، والبعض تقبل حالة اليأس المبتكرة وانخدع بالأماني القادمة من مستثمري العواطف، بحسب الطلب مكانا وزمانا. أصبح الجميع الآن تحت تأثير الوهم وهالة الشخصيات وثقافة الدعايات وسطوة المال وجبروت الجهل وغلظة قلوب المستثمرين والتعصب وقليل من الخوف وكثير من التردد، ويحتمل أن الكثير لا يعلم إن الحرية أغلى من المال الذي يكنزون.

أيها الشباب، لابد أن تدركوا إن دروس الإحباط قد هبطت معنوياتكم وأوهنت قواكم فأصبحتم لهم تابعين. تنخدعون لأن من تتخذوهم خلاصكم يفسرون طيبتكم بالسذاجة، وينبئهم سكوتكم بالاستسلام، ويعلمون بأنكم ستتسابقون في إبلاغهم بماذا ستصنعون لهم وستتسآلون حتماً عن ماذا أنا صانع لكم، تصديقاً لقوله تعالى: "إن اللهَ لا يغير ما بقومٍ حتى يغيروا ما بأنفسهم وإذا أراد اللهُ بقومٍ سُوءاً فلا مرد له وما لهم من دونهِ من والٍ" (الرعد: 11). لماذا لا تعتبرون وتنشدون الخلاص بأنفسكم؟ لا شك إن الكثير منكم لا يعلم مصادر الداء والبلاء، والبعض لم يقتنع—حتى الآن—في سلك الطريق القويم. لماذا لا نرفع شعار "التغيير من اجل الحرية والخلاص" كشعار عام 2010؟ هل هذا ما نبحث عنه تحديداً؟ ستتضح الرؤية عما قريب.

في البداية سنحاول التعرف على كيف أن خصوصية المحافظة جعلت منها قبلة للطامعين وتجارة للمتآمرين، وسنرى كيف يستطيع الشباب المشاركة بفاعلية في تحديد مسار مستقبلهم والتأثير في محيطهم العام. إن لم نتجه نحو التغيير من الآن، فاصبروا على نتائج تقاعسكم ولن يرحمكم المستثمرون؛ اصبروا على الفقر والقهر، اصبروا على المعاناة واللامساواة، اصبروا على الجوع والدموع، اصبروا على البؤس ودمار النفوس موتاً ومرضاً، وستدركون إن عقوقكم الجاهل للنصائح الصادقة هو الضياع الشامل للحقوق الغائبة. باختصار، هويتكم وثقافتكم الأصيلة تتعرض للتكسير، وهو أمر لا يفهمه سوى علماء الاجتماع.

خصائص محافظة سباء

يظن المحللون من خارج محافظة مأرب إنني أسعى لتحويل المنطقة إلى كتلة من الكراهية، بمعنى تركيزهم على "ماذا" ومن الأولى لو يسالون "لماذا" أما "كيف" فهذه مسألة تعنيني وإني بها لخبير. هل ينتظرون مننا تكريس التبعية والعبودية؟ هذه هي السخافة الخالصة، فالشباب المتطلع للتغيير والمواجهة يحتاجون للقدوة الصالحة والقيادة الشابة. في الحقيقة أسعى لتحديد ملامح عامة لمشكلة متشعبة تهدد الكيان الاجتماعي بمأرب، وفي مقالات قادمة (لها الصبغة العلمية) سنقدم رؤية أولية عن الهوية والثقافة والتغيير الاجتماعي. فالقضية اخطر مما تتخيلون.

بدايةً نقترح أن يكون اسم المحافظة "سباء" وعاصمتها مأرب، كما هي المهرة "الغيضة"، أو شبوة "عتق" نظراً لما يربطها من علاقات تاريخية واجتماعية بشبوة وحضرموت. تعتبر هذه المحافظة محورية حيث تلتقي في حدودها الجغرافية والثقافية مع الخمس المحافظات المجاورة لها. هذه الخاصية جعلت منها منطقة مفتوحة بحكم طبيعتها الجبلية والصحراوية مما جعلها ملتقى للطرق التجارية والمواصلات وربما معبراً لمهربي الحشيش والمخدرات والخارجين على القانون.

تأوي المحافظة تركيبة قبلية معقدة وتربطها صداقات مع مختلف القبائل المجاورة. لا نقول تحالفات، فلن ننتظر منهم الوفاء إذا أطبقت جحافل الجيش على مداخل المديريات وبدأ الجنود بذبح العجاوز والمعاقين. نأمل أن نكون دعاة للتسامح والسلام والانسجام الاجتماعي، والمطلوب بشدة وإلحاح النظر في أوضاعنا؛ هوية مأرب وأهلها تخضع للصهر، للأسف نحو الهاوية؛ إذا كان بقصد فهذا يطمئن أو بغير قصد فهذا أمر مخيف. عندما يكون بقصد نستطيع أن نواجهه بطرق شتى، أما إذا كان بدون قصد فيعني إن القائمين على رسم سياسة الوطن يقدمون البرامج الارتجالية التي ستخلق الهويات المتباينة والمختلفة في الجمهورية اليمنية.

تمثل محافظة سباء القاسم المشترك مع كامل المحافظات في الجمهورية، ولسنا عنصريين رغم سياسة الكراهية الموجهة ضدنا والتي بدأ الشباب يتذمرون منها. تعتبر مأرب المحافظة التاريخية والسياحية الأبرز تماماً كما هي زراعية واقتصادية كمنتج للنفط والغاز ومحور للمواصلات البرية ومحطة لإنتاج الكهرباء، ويتوقع نجاح الاستثمار بدرجة عالية في مجال التعدين والأحجار والرخام والأسمنت ومناجم الحديد بكميات هائلة. كل ذلك يدل على حتمية التغيير: نناقش موضوع كهذا في المقال القادم — "الهوية والخيال الاجتماعي: مأساة مأرب كمثال".

قيادتنا السياسية مع الحق

من خلال الخطوط العريضة التالية، يمكن تعزيز الوضع السياسي القائم في المحافظة. أولاً، إعادة هيكلة "ملتقى مأرب" والتزامه ببرنامج قوي يعكس متطلبات الشباب والمنطقة بما في ذلك رسم سياسة إصلاحية وتنموية للمحافظة والتجهيز للسيطرة على انتخابات المجالس المحلية القادمة. في حال فشل الملتقى اطلب من الشباب التعاون في تأسيس "منتدى شباب الخلاص" ونبدأ بتجهيز ملف المنتدى "مأساة مأرب: خمسون عاماً من العرق والدمع والدم" ولن نترك فيه ذريعة للإشاعات المغرضة والاتهامات الباطلة، مثل التمرد والتخريب. آنذاك سنسلك الخطوات القانونية لتسجيله وإشهاره. لن نطلب أكثر من رفع الوصاية وإيجاد تنمية لائقة والحصول على مواطنة متساوية وتأكيد خصوصية للهوية والثقافة ضمن المجتمع اليمني، ومن ثم تسليم نسخة للأخ رئيس الجمهورية ونسخة للأمن القومي (وهو المعني الأول بتردي الوضع في هذه المحافظة المتهاوية، وهو المسئول عن المخاطر التي تحيق بالأمن والاقتصاد).

في حال ضغط الدولة على الشباب المسالم واضطهاد الحريات بقوة السلاح، سنجد أنفسنا مجبرين للاعتذار إلى قيادتنا السياسية ونقوم بتسليم نسخة معدلة كوثيقة لمكتب الجامعة العربية ومكاتب الأمم المتحدة. في حال الفشل وساء الوضع بشكل محزن ومخيف سنرفع شعار "في سبيل الله من اجل الوطن والحياة الكريمة"، وغيره مما يعكس قضيتنا ومأساتنا المحزنة. في تلك المرحلة سيدرك العقلاء إن سوء الاختيار في المناصب القيادية هو الخطوة الأولى لتأسيس الفساد وضياع الوطن برمته. في تلك المرحلة سأفسر لكم معنى الآية الكريمة: "كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خيرٌ لكم وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شرٌ لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون" (البقرة: 216). لماذا نظلم أنفسنا لنرضي من لا يشفق علينا؟

عجاوزنا في سبيل التنمية

نضع أمثلة لنوعية المعاناة التي تهدد استقرار المحافظة وتنذر بحرب لا هوادة فيها. لقد سبب غياب المسئولية الحقة والكفاءات الفاعلة تفشي الفيد والنهب والفساد في المكاتب التنفيذية بحسب ما نسمعه من المواطنين ويدللون بالسيارات والبيوت وكثرة المرافقين كإشارة على التمسك بالوظيفة حتى الموت. لماذا لا تتركونها برضاكم قبل أن تفرض عليكم وأنتم صاغرون؟ السبب ببساطة، تسعى القيادة السياسية بجدية وصرامة لمحاربة الفساد العام: الفكري والمناطقي والعنصري والطفيلي (وشرح هذا طويل)، كما أن المجلس المحلي يسعى لتحسين صورته من خلال تقوية القضاء في مأرب، وتشديد الرقابة والمتابعة على المجالس المحلية بالمديريات وتدريبهم للارتقاء بالعمل، فالمواطنون يظنون أنهم يشكلون القاعدة الهشة في سلّم الفساد والبداية الفعلية في تدهور التنمية.

يعمل المحافظ حالياً على محاربة غلاء الأسعار بمأرب وإيجاد الرقابة الصارمة على المبيدات الزراعية ومنع تسويق القات المشبع بالكيماويات المميتة القائم على جهل المواطن وصحته. تقوم هيئة تطوير (أو تخدير) المناطق الشرقية على احتوى انتشار التلوث المريع وغور المياه الجوفية الفظيع اللذين نتجا عن استفحال الجفاف واستكشافات النفط وضخه وتكريره مما أدى إلى هلاك عشرات المزارع وتعطيل مئات الأيدي العاملة وبؤس ألاف الأسر، مقابل الحراسة وقيادة السيارات. التصريح بمثل هذا ليس من باب التهكم ولكن من باب المسئولية ورجال مأرب إذا توحدوا ستعرف كيف تضمن حقوقها إذا تقاعس النائمون، وسنحمي عجاوزنا لتتحف الشباب بالأساطير القديمة والقصص الشعبية المتوارثة.

إن لم نرَ التغيير الايجابي فأنتم تخضعون للعقاب والعبودية المنظَمة. لا خيار أمامكم سوى التحرر من التبعية لمشايخنا الكرام فالقيادة السياسية تطن إننا عبيداً لهم ولهذا تتعامل مع المشايخ لا مع الشباب والتنمية والعدالة وتوزيع الوظائف والمناصب. في الحقيقة يساعدون على تنفيذ برامج لا يدركون نتائجها، والبعض أصبح من التابعين للجيل الصغير من الحكام الجدد. سيتم التضحية بشعب وثقافة وهوية من اجل حفنة من المال الحرام. لا يعني ترك التبعية عدم احترامنا لهم، بل نؤكد لهم وللقيادة السياسية رفضنا لكل التجارب الفاشلة وتطلعنا للمشاركة في تحديد المصير. الاحترام الاجتماعي لا يعني التبعية السياسية، ويجب أن يدركوا إن ثقتنا بهم لا تعني الوصاية علينا.

أرجو استيعاب المثال التالي: الانتخابات قادمة وستكون المؤشر الفعلي لدرجة التحرر أو التبعية، حيث والموالين للنظام يراهنون على تبعيتكم لهم وكذلك هو الحال مع أقطاب المعارضة الذين يستثمرون مشاعركم، والكل يتاجر بجهلكم. لماذا لا تدركون واقعكم المرير، وانظروا فيما انتم فاعلون؟ هل التبعية والسلام والاستسلام والحياة المحتقرة والعيش الرخيص أو التنمية وقهر الظلم والظلام والهوية السامية؟ لا لعبودية المؤتمر ولا لتبعية المشترك، لا لمن أقوالهم تناقض أفعالهم حتى ولو زعموا إنهم مستقلون. نعم للخلاص والحرية من اجل التنمية والمصلحة الوطنية، نعم لمن يخاف الله ويعمل على خير المواطن. تذكروا خطاب فخامته عندما قال أن الشباب جيش اليمن وليضربون بيد من حديد كل أشكال التخريب والوصاية والإرهاب والفساد. على ذلك، لن نستجدي أحدا في حقوقنا، ولن نقول حقنا 5% أو 10%، بل حقنا تنمية عادلة ومواطنة متساوية ومحاربة المخاطر المختلفة ومصادرها، سواءً كلف ذلك 1% من خيرات مأرب أو كلف 80%، أو كلف ذلك قتل العجاوز وتنصيب الخيام.

الحصاد

يؤسفنا القول إن مأرب إلى الهاوية، لكننا لا نعلم هل هي سائرة بخطى متسارعة حثيثة أو حركة متهادية بطيئة. السؤال هو: من ينقذ مأرب من الهاوية؟ هل فخامة الأخ المشير علي عبد الله صالح رئيس الجمهورية بعون الله أم وحدة شباب مأرب بعون اللطيف الخبير؟ في الحقيقة الاثنان معاً مادام الله معنا، ونقولها علناً لكل العاقلين، لا طمعاً في خير فخامته ولا رهباً من مافيا الدولة أو أوصياء المحافظة، لكنها قناعة العقل المجرب والمنطق السليم. نسأل المولى عز وجل السداد وأن يحفظ بلادنا من كل سوء وأن يطيل في أعمار عجاوزنا ويهدي كبارنا ومشايخنا. اللهم إنك تعلم إننا كالأيتام وقد أكلت حكوماتنا مال اليتيم بالقهر واعتبرونا ضيوفاً بالحيلة ولم يوفوا بالعهد ولم يحكمونا بمسئولية، نسأل وجهك الكريم استدراجهم من حيث لا يعلمون. أكثروا من الدعاء فللمظلوم دعوة مستجابة، واعلموا إن الحق كالفلين لا يغرق.


في السبت 12 ديسمبر-كانون الأول 2009 11:35:43 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://marebpress.net/articles.php?id=6184