وقفات مع التدين الجائر
د. محمد معافى المهدلي
د. محمد معافى المهدلي

ليس اليهود فقط هم من جعلوا من \"الدين\" وسيلة للتكسب والاحتراف والارتزاق، ووسيلة للتدمير والإفساد العالمي، عبر التاريخ وفي شتى جوانب الحياة.

فاليهودية في أصلها دين السلام والمحبة والإخاء لولا أنها حرفت ثم نسخت بشريعة الإسلام، إلا أن اليهود قديماً وحديثاً جعلوا منها دينا للقتل والإرهاب والإفساد والاستكبار.

لاشك أن اليهود هم أساتذة هذا الفن ورجاله، والآخرون من أتباع الديانات بما فيها الإسلام إنما هم تلاميذ لليهود ومقلدة لهم.

ما دعاني إلى هذه المقدمة هو ما نراه ونجده من ثورات ضالة في كثير من بلدان العالم الإسلامي باسم الدين ونصرته، فيما واقع الحال يشهد أن ما يجري إنما هو ثورات بلشفية دموية جديدة ودمار أشبه بأيام ستالين ولينين، إلا أنه هذه المرة باسم الدين، أو باسم الإسلام، والإسلام منه براء.

إن ما يجري في العراق وصعدة اليمن والصومال على سبيل المثال، أليست معارك باسم الدين.

في الصومال حيت تهراق الدماء أنهاراً بين إخوة الدين كل منهم يدعي أنه على الحق، وأن الآخر إما عميل أميركي أو خائن أو متحلل من ربقة الدين، ومع غزارة الدم الصومالي لم يستح المتناحرون على أرض الصومال أن يقولوا إنّ رمضان المنصرم كان هو شهر الانتصارات بالنسبة لهم، دون أن يسأل أحد منهم نفسه نصرُ من على من؟!!.

نفس الصورة أو قريبا منها، تحدث على أرض اليمن، حيث أطلال صعدة، التي دكها الحكوميون والحوثيون على حد سواء، وتحولت إلى غبار وركام، فالحوثيون سكبوا ويسكبون الدماء أنهارا لأجل إمامة البطنين الحسن والحسين، زعموا، ويخوضون حربهم المقدسة ضد من يسمونهم النواصب، وأعداء آل البيت، وكما قال يحي الحوثي على قناة المستقلة أن الناصبي لا يصلى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين، ولا عهد له ولا ذمة، فيما اليمنيون جميعاً يصلون على النبي وعلى آله كل يوم بعدد صلواتهم في اليوم والليلة، ورغم ذلك يعتبرهم الحوثيون نواصب لآل البيت!!.

من جانبها السلطة في صنعاء لم تحترز عن الإسراف في إراقة الدماء، دفاعا عن ما يسمى بالشرعية الدستورية، فيما هي أول من ذبح الشرعية الدستورية بغير سكين وإلى غير قِبلة من أول يوم دعمت فيه الحوثيين، ومكنتهم من مفاصل الدولة وسلطاتها ومفاصل الجيش والأمن والداخلية، ومع غزارة الدماء من كلا الطرفين المتناحرين على أرض اليمن إلا أن مجلس النواب اليمني يقف عاجزاً عن عمل شيء يذكر، نحو إيقاف الحرب، إلا اللهم بتوجيه من الحكومة الموقرة.

قل هذا كذلك فيما يجري على أرض العراق من حرب عرقية ودينية وما يفعله الشيعة من تصفيات دموية للسنة في العراق، باسم نصرة آل البيت، والحسن والحسين، عليهما السلام، حتى أنه تناقلت الأخبار المتواترة أن كل من كان اسمه عمر أو أبو بكر، طفلا كان أو شيخاً، قتل أو ذبح كما تذبح الشاة!!.

فيما آيات إيران لم تحرك ساكناً ، بل هي من تبارك وتدعم وتناصر وتؤازر الإبادة الجماعية لأهل السنة في العراق، لأن الشيعة وآياتهم يعتقدون أن قتل أي سني هو خطوة إيجابية لتحقيق التمدد الشيعي، نحو المياه الدافئة في الجزيرة والخليج، والقضاء على ما يسمونه بالوهابية، وخطوة نحو الاستيلاء على مسجد مكة والمدينة، كما يعتقد الشيعة.

كل هذا الذي يجري من فساد وخراب لم يشهد له التاريخ مثيلا يُمارس باسم \"الدين\" ، وأي دين هذا !!.

هل هو الإسلام الذي أول آية فيه بسم الله الرحمن الرحيم، وفيه قوله تعالى : {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً ..}المائدة32 . حاشا وكلا، بل هو دين الشيطان ، لا دين الرحمن.

 

ليعذرني بعض العلماء المخلصين أن أقول إن حرب العمائم فتكت بالأمة أعظم من فتك الأسلحة النووية والجرثومية، وحوّلت ديار الإسلام إلى برك من الدماء، إن عمائم كثيرة خاضت في دماء الأمة إلى الركب بل وإلى الأعناق، وركبت أمواج الفتاوى الشيطانية فهلكت وأهلكت وضلت وأضلت.

لا زالت جماعة جند الله في غزة ماثلة للعيان وما زالت جماعة الجهاد والقاعدة تملأ سمع الدنيا وبصرها، وما فعله هؤلاء بإخوانهم من أمة محمد يأبى الزمان أن يتجاوزه.

لقد سمعت الدنيا حديث العلامة حارث الضاري وآلامه وهو يتحدث عبر الفضائيات عن جماعة القاعدة في العراق وما فعلته بأهل السنة قبل غيرهم، وأنهم قتلوا بعضا من أقارب الشيخ يصل عددهم إلى الخمسين أو السبعين، فضلا عن أقارب غيره من أبناء العراق.

كل هذه المآسي باسم \"الدين\" !!.

تبدأ هذه الجرائم التي تقع باسم \"الدين\" بحروب فكرية ثم تنتهي بأنهار من الدماء والأشلاء وأكوام من جثث النساء والأطفال والشيوخ .

يبدأ رواد هذا الفكر بالحديث قائلين هل الأصل في العلاقة مع غير المسلم هي الحرب أو السلم؟! ، فإذا قلتَ كما يقول علماء الأمة وفقهاء العصر ، الأصل في العلاقة مع غير المسلم السلم لقوله تعالى: {فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْاْ إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً}النساء90 ، إلا المحارب منهم، وَصُموك بالنفاق والخذلان وأنه ليس في قلبك ذرة تزكية أو إيمان، وأنك متحلل من الدين وأنك جاهل وأنك لست من العلماء وأنك مثقف وعصراني، وأنك من رعاع الناس وأنك تستحق التجويع والحصار بأشكاله وأنواعه، وشهّر بك وأسيء إليك بكل وسيلة، وأبى هؤلاء أن يتعاملوا معك ولو تعامل الذميين والمستأمنين، لأن الأصل عندهم هو أن العلاقة مع الكافر علاقة حرب لا سلام، وأن هذا عندهم بات من مسائل الإجماع القديم، وأن من قال أن الأصل في العلاقة مع الكافر علاقة سلم إنما هو خاضع لثقافة الاستسلام والضعف والغربنة والأمركة..الخ، وسُحبت الآيات المتعلقة بالكفار المحاربين كقوله تعالى : {وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ}البقرة217 ، سحبت على واقع الكفار المسالمين أو الوثنيين المحايدين!!.

ثم يا رعاك الله بعد ذلك بدلا من القول أن الأصل في العلاقة مع الكافر هي الحرب أو السلم، صارت المسألة أو آلت إلى : هل الأصل في العلاقة مع المسلم هي الحرب أو الحرب!!، على نحو ما يفعله الحوثيون في صعدة من قتل الأبرياء الموحدين بدعوى الحرب على إسرائيل!!.

حسناً... فإذا انتقل هؤلاء القائلون بأن الأصل في العلاقة مع الآخر مسلما كان أو ذميا هي الحرب، إذا انتقلوا إلى بلاد الدولار والدرهم وتقيؤا نسائم الخليج وهواءه الفكري العليل تغيرت الفتاوى رأسا على عقب تبعاً لتغير الدينار والدرهم، فإذا سئل أحدهم ما أصل العلاقة بين المسلم والكافر؟ قال قائلهم بلسان الحال أو المقال العلاقة هي السلم ..وهل من قائل بغير هذا؟!!!.

إذن هذا الفكر الضال لم يأت في واقع الحال من فراغ، وإنما هناك مدارس ومشيخات فكرية تسانده وترعاه، وتوفر له الغطاء الشرعي والاجتماعي والعلمي، ربما كرد فعل للتطرف الغربي الصليبي، إلا أنه رد فعل غير شرعي.

وأحسب أنّ الصراط المستقيم في المسألة أن نعود إلى النبع الصافي كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وأن نعتمد في فهمهما على فهوم السلف الصالح رضوان الله تعالى عليهم، وأن نعود في مسائل العصر وقضاياه ومشكلاته إلى أقوال فقهاء العصر وعلمائه، وأن نعود في مسائل الحكم والسياسة إلى ما يقرره أهل التجربة والخبرة بالواقع ومتغيراته وحيثياته، وتقدير المصالح والمفاسد ، بعيدا عن الآراء العتيقة التي لا تناسب قضايا ومشكلات عصرنا أو الفتاوى الفردية الشاذة.

والله من وراء القصد، والحمد لله رب العالمين.


في الخميس 05 نوفمبر-تشرين الثاني 2009 10:45:41 ص

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://marebpress.net/articles.php?id=6011