حريق قادم من بلاد فارس النوادر
طلال أحمد باديان
طلال أحمد باديان

أرى حريقاً قادماً من بلاد فارس من النوادر التي تروى عن جحا أن ناساً قالو له: انظر إلى الحريق الضخم الذي يلتهم قريتك، ويأكل الأخضر واليابس فيها، ولايدع شيئاً على حاله التي كان عليها.فأجاب: لم تصل الحريق بعد إلى حارتي. فقالوا له معالي جحا، عفواً سيادة جحا حفظه الله سنداً ورمزاً وعوناً لرعيته:أما ترى الحريق يشتد أواره، وتتعاظم أخطاره، فبالله عليك ما الذي يمنعه من الوصول إلى حارتك؟ قال حتى ولو وصل إلى حارتي، فمنزلي في الجانب الأقصى منها.

إن الحريق الذي نتحدث عنه، وصل إلى بلداننا ومدننا وقرانا وأحيائنا ومنازلنا، وأحاط بنا من كل جانب،وليس بيننا من يأمن على نفسه وعرضه وماله ، إذا فكرنا بعقلية جحا المستهترة.

فما هو إذاً هذا الحريق القادم ؟ هل هو الحريق الصليبي الاستعماري الذي علا واستعلى؟، أم هو الحريق اليهودي الصهيوني الماسوني الجاثم في أمتنا منذ زمن ؟، أم هو الحريق العلماني الليبرالي؟، كلٌّ مما سبق قد أشعل جزءً من هذا الحريق ، وقد أدلى بدلوه، حتى انكشف أمره عند القاصي والداني؛ ولكنَّ ثمة حريق في اعتقادي هو الأخطر على الإطلاق؛ لأنه حارب المعتقدات في هذه الأمة المحمدية المباركة، ولأنه يتدثر دثار الإسلام ،ويتسربل بالشعارات البراقة التي طالما خدعت وضللت جماهير أمتنا،ومن جهة أخرى فله بيننا طابور خامس، له وجود فعال في عدد من البلدان العربية تتراوح نسبته بين 10% إلى 40% من عدد السكان؛ ألا وهو الحريق الصفوي الفارسي.

فالهدف الرئيسي من هذا الحريق هو تصدير الثورة الإيرانية الفارسية ـ التي جعلت لها من نظرية ولاية الفقيه ستاراً لها ـ،وهو أيضاً رئاسة العالم الإسلامي وتسييره من قم والنجف (بالريموت كنترول) ، وإقامة مايسمَّى بالهلال الشيعي، وقد كشف الرئيس الإيراني الأسبق أبو الحسن بني صدر أنًّ الخميني كان يخطط لإقامة حزام شيعي يبدأ من إيران والعراق وسوريا ولبنان، ثم ينطلق إلى دول الخليج العربي، ولذلك فهم يركّزون على اليمن والشام والعراق ودول الخليج باعتبار تلك الدول ـ من وجهة نظرهم ـ مهبط الوحي ومركز الدعوة، أما دول شرق أفريقيا ـ مصر وليبيا والمغرب وتونس والجزائر ـ فهم توابع سيذعنون إذا أذعنت تلك الدول.فقد قال أحد مشايخهم، الرافضي محمد الكناني ـ والغريب أنه تكلم بدون تقيّة ـ على فضائية قناة المستقلة ،: (... نحن نقول صراحة نحن الشيعة أهل البيت لدينا طموح عظيم ليس له حدود، نحن نسعى إلى التمدد على كل الآفاق، بعد القضاء على صدام أصبح لدينا العراق، وهناك مواقع جديدة نسعى إليها...، فالخليج هو الثاني والحوثيين الزيديين إخواننا سوف يكونوا الطوق الذي يمهد إلى امتدادنا في المنطقة ...، نحن أمة ، لدينا عقيدة واضحة وهي رئاسة الأمة الإسلامية بأكملها، رئاسة الأمة بقيادة المرجعية بالنجف وقم، الذي يعجبه يعجبه، والذي لايعجبه عليه أن يبلّط البحر...)، ففي 17/3/1979م أقاموا احتفالاً رسمياً وجماهيرياً في الأحواز بمناسبة انتصار ما أسموه بالثورة الإسلامية،كانت أهم فقراته خطبة ألقاها الدكتور محمد مهدي صادقي ومما قاله الخطيب:(... أصرح يا إخواني المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها أن مكة المكرمة حرم الله الآمن يحتلها شرذمة أشد من اليهود...) وختم خطبته قائلاً:(إننا سوف نرجع إلى فلسطيننا إلى مكتنا...إلى مدينتا نحكم القرآن في هذه البلاد المقدسة التي احتلت)، وفي إحدى خطب الجمعة ـ والتي يُكلَّف بها الخطيب مباشرة من المرشد خامنئي ـ خطب (آية الله) مصباح يزدي ـ مرجع التقليد للرئيس نجاد ـ وهو متكئ على مدفع رشاش بجانبه،فقال إن: (الشيعة يعتقدون أن دار الإسلام كلها يجب أن تنضوي تحت قيادة وزعامة إمام معصوم واحد...)، ويقصد بذلك قيادة ولاية الفقيه، وتعالى هتاف آلاف الحاضرين: الله أكبر.. خامنئي رهبر.. وارث بيجمبر (كلمات فارسية معناها: الله أكبر.. خامئني قائد.. وارث الرسول) .

 

إن الشرارة الأولى لهذا الحريق بدأت منذ إعلان الثورة الإيرانية الفارسية في إيران عام1979م،حيث بدأت الحرائق تنتشر في المشرق والمغرب، وتضطرم نارها بين الفينة والأخرى، ففي17/7/179م نشرت الصحف المحلية الإيرانية مقابلة مع (آية الله) صادق روحاني طالب فيها بضم البحرين إلى إيران، ومن ذلك الحين يعتقد الإيرانيون على مختلف أنظمتهم واتجاهاتهم وأحزابهم بأن البحرين جزء لا يتجزأ من أرض فارس، وفي1983م قاموا باختطاف طائرة كويتية وعلى متنها قرابة 500 راكب، وتوجهوا بها إلى مطار مشهد في إيران، ونفذ المجرمون من حزب الدعوة وما يسمى بحزب الله عمليات في عامي 1985و1986م في أماكن عامة من الكويت،وفي عام 1407هـ تحولت مظاهرات البراءة من المشركين إلى معركة دامية تصدت لها قوات الأمن السعودي وبعض الحجاج السنة، وفي 9/4/2003م سقطت بغداد بأيدي القوات الأمريكية وحلفائها دون قتال يستحق الذكر، فكان لأحفاد العلقمي ـ تتمثل في المليشيات الشيعية كقوات بدر، وجيش المهدي، والمخابرات الإيرانية ـ دوراً كبيراً في المجازر التي وقعت لأهل السنة ومن ذلك انتهاك أعراض النساء، وقتل الآلآف من العراقيين السنة، ،ولم يعد أمر التدخل الإيراني في شئون اليمن ودعمها اللوجيستي للتمرد والإرهاب في محافظة صعدة والمناطق المجاورة للحدود اليمنية بخافٍ على أحد، ناهيك عن ما فعله التحالف النصيري الشيعي من المجازر في أحياء ومخيمات وقرى أهل السنة في لبنان ، وإبادة عشرات الآلآف من اللبنانيين والفلسطينيين،وعن الأراضي العربية التي ابتلعتها إيران قديماً ومنها مدينة الأحواز،وجزيرة (هنجام) القريبة من رأس الخيمة، وجزيرة (صرى) الواقعة بين أبوظبي والشارقة، وجزيرة (الغنم) التابعة لعُمان .

من خلال السرد التاريخي الموجز لبعض أحداث الفتن والجرائم التي حدثت عقب إعلان الثورة في إيران إلى يومنا هذا، يتبين لك من الذي أشعل فتيل الطائفية ،وكيف انتشرت حرائق الفتن في دول المنطقة، وتلك الحرائق ليست قاصرة على بلد دون آخر والمتتبع لأنشطتهم يجد لهم حضوراً قوياً في البلاد العربية كلها، وفي أفريقيا، وشرق آسيا وجنوبها الشرقي، وفي أوربا وأمريكا،ويتبعون وسائل شتى في نشر دعوتهم، فمنها الكتاب، والبعثات الدراسية، والمساعدات الدراسية وغير ذلك.

وأخيراً: فها أنا أُطلِقُها صيحة نذير كما أطلقها نصرُ بن يسار ـ والي بني مروان في خراسان ـ عندما كتب إلى مروان بن محمد يحذره وينذره من خطر قادم، وكان مما قاله في قصيدته:

أرى تحتَ الرمادِ وميضَ نار فيوشك أن يكونَ لهَا ضِرامُ فإنَّ النارَ بالعيدان تذكى وإن الحربَ مبدؤُها كلامُ فإن لم يُطْفِهَا عقلاءُ قومٍ يكون وقودهَا جثثٌ وهامُ أقول من التَّعجبِ ليتَ شعرِي أأيقاظٌ أُميَّة أم نيامُ؟!.


في الأربعاء 30 سبتمبر-أيلول 2009 05:46:19 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://marebpress.net/articles.php?id=5858