الصدمة القاتلة .. قصة قصيرة
محمد مصطفى العمراني
محمد مصطفى العمراني
 

قصة قصيرة

عندما سمعت مسعدة عبد الكريم بأن موسم الحج قد أقترب قررت هذا العام أن تحقق أمنيتها بحج بيت الله وزيارة قبر الرسول صلى الله عليه وسلم ، تلك الأمنية التي ظلت تحلم بها طيلة عمرها .

طافت على إخوانها وحدثتهم عن رغبتها في الحج فقد قارب عمرها على الستين عاما ، وهي تخشى أن تموت ولم تحج وترى مكة والمدينة . - يا إخواني أريد بيع قطعة أرض من ميراثي ، يا تشتروا الأرض هذه يا تجيزوا لي البيع لأي مشتري.

اجتمعوا وتشاوروا وفكروا وقدروا ، وبعد نقاش طويل اتفقوا أخيرا على أن يعطوها قطعة الأرض الكبيرة في وادي نخلة لتبيعها .

قالت : - أريد أرض في وادي عنه . أجمعوا على أن أرض وادي نخلة مرغوبة أكثر من أرض عنه ، وأنها ستباع ب 5 مليون ريال على الأقل .

- تمام بعدكم يا إخواني ، أرض نخلة رضيت بها . جاء الفقيه وكتب إجازة من جميع اخوانها وأخواتها ببيعها أرض وادي نخلة . فقط تبقى توقيع شقيقها أستاذ الجامعة المقيم في صنعاء . قالت في نفسها

: - أخاف تأتي العراقيل من المتعلم المثقف ، الله يستر . كان عليها أن تسافر من إب إلى صنعاء . وطالما أنها تريد من أخيها التوقيع فلابد أن تذهب بهدية معتبرة . قامت بشراء خروف ، وثلاث علب عسل فاخر ، وثلاث علب سمن فاخر ، وصندوق جبن بلدي ، وكيس كبير من كيزان الذرة الصفراء " الرومي " ، ثم استأجرت سيارة وتوجهت إلى صنعاء .

رغم أن الخبر قد بلغ شقيقها في نفس اليوم الذي وقع اخوانه على إجازة البيع وتوقع وصولها الا أنه فضل أن يظهر وكأنه لا يعلم شيئا .!

بعد أيام بدأت تحدثه عن رغبتها في الحج وأنها تحتاج للمال ولذا ستضطر لبيع قطعة أرض من نصيبها .

تضايق عند ذكرها بيع الأرض ثم قال :

- يا مسعدة معك ثلاثة عيال في السعودية كل واحد يدفع مبلغ .. قاطعته

: - عيالي كل واحد معه بيت فيها عشرة أطفال بالكاد يشتغلوا بمصاريف أسرهم . - دعيني أفكر كم يوم وأرد لك خبر .

فوجئت بحديثه فسألته باستغراب : - تفكر بماذا ؟ -

أفكر كيف نعمل بهذه المشكلة . صمتت تنتطر نتيجة تفكيره العميق .! وبعد تفكير طويل أقترح على زوجته أن تبيع ذهبها ويشتري هو تلك الأرض من أخته . فوجئت زوجته بطلبه فأعلنت رفضها بيع ذهبها. همس لها :

- أنا معي فلوس كثيرة من عملي مع المنظمات الدولية ، لكننا سنمثل تمثيل أمامها ، ستأخذي ذهبك على أننا سنذهب لبيعه ، ثم نذهب للبنك ونسحب الفلوس وبعد ضعي ذهبك عند أمك ولما تسافر أختي رجعيه . -

اذا كان تمثيل موافقة . في المقيل قال لأخته :

- يا مسعدة أنا فكرت وقررت اشتري الأرض حتى لا تروح للغريب .

- هذا حل أفضل وأنت أولى بها من الغير . قاطعها : - لكن تبيعي لي الأرض بنصف الثمن . فوجئت بحديثه فسألته :

- أنت تمزح علي ؟ - لا لا أمزح عليك ، أتحدث معك بجدية . - خذ لك يا أخي 20% من سعر الأرض .

- نصف السعر والا لن أوقع .

صمتت وكادت تجهش بالبكاء لكنها تماسكت . وبعد ساعة من الصمت حاول أن يلطف الجو معها : - تذكري يا مسعدة لما كنتي زمان توقفي مع عبده مدهش بجوار بركة الماء أكثر من ساعة تتكلموا وأنا ساكت ولا عمري قد كلمت أبي ؟

- كان قد خطبني ، ولم يكن يلمسني ولا ألمسه ، كنا نتحدث من بعيد بكلام عادي . وأضافت : - ومع هذا كنت اشتري سكوتك بعشرين حبة بلس ، أقطفها لك ، وطول الليل تبيت جدتي معجبة

- الله يرحمها - وهي تنزع الشوك من يدي ، واليوم تعايرني مثل الأطفال .!

وتنهدت ثم ترحمت على زوجها الراحل عبده مدهش الذي عاش مخلصا لها حتى وفاته . في تلك الليلة قررت مسعدة أن لا تعود لذكر الأرض ، حتى لا تعكر مزاج شقيقها ، جعلت تذكره بقصص من أيام الطفولة البريئة وهو يتذكر ويضحك ، وقد راق له السمر معها ، حينها تمنى أن تعود تلك الأيام .

- كنت أتسوق سوق الاثنين وبجيبي 100 ريال ، اشتري كل مصاريف البيت وأعود ومعي فلوس منها .

كان الريال له قيمته والأشياء فيها بركة . بعد أيام ملت مسعدة من البقاء في صنعاء ، وقررت أن تضع حدا لمماطلة أخيها ، فليس أمامه الا أن يشتري الأرض بنفس السعر ، أو يجيز لها بيع الأرض لمن سيشتري. في ذلك الصباح وقفت له على الباب وقد جهزت حقيبتها لتسافر :

  • ما قلت يا أخي ؟ - قلت خير ، أين ستذهبين الان ؟
  • وأضاف : ما قد جلست معك كما تمنيت . - سأعود وأجلس عندك حتى تمل مني لكن ...

وقاطعها : - لكن ماذا ؟ - يا تشتري الأرض بسعرها يا تجيز لي البيعة .

انتفض حين سمع بكلمة الأرض كأنه أصيب بماس كهربائي فصرخ في وجهها :

- أنت سفيهة ، شاب شعرك وأنتي قليلة عقل ، لن أشتري منك ولن تبيعي أرضنا لأحد . ثم دفعها بقوة حتى كادت تسقط على الأرض وحينها غادرت منزله مع نجلها وهي تذرف دموعها ، وكلمات شقيقها تنغرس في قلبها كأنها سكين حاد ، فيما غادر شقيقها إلى ندوة عقدتها منظمة دولية عن المساواة بين الرجل والمرأة ليتحدث عن ضرورة نيل المرأة اليمنية لحقوقها الكاملة .!


في الجمعة 17 مارس - آذار 2023 06:09:58 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://marebpress.net/articles.php?id=46309