سقوط «صخر»... أم سقوط «حزب»؟..
دكتور/عبد الله الفقيه
دكتور/عبد الله الفقيه

كثيرا ما يتحدث قادة المؤتمر عن ديمقراطية الحزب الحاكم وعن ممارساته الداخلية التي تعتبر من وجهة نظرهم أنموذجا يحتذى. فالشيخ سلطان البركاني الأمين العام المساعد للمؤتمر الشعبي العام لشئون الفكر والثقافة والإعلام قال ذات مرة مدافعا عن حزبه ومعرضا بالحزب الإشتراكي، أن المؤتمر «تربى على الديمقراطية ولم يكن يرشح في حضرموت ويفرز الصناديق في عدن ليعلن النتيجة التي يراها». فهل صحيح أن المؤتمر هو واحة الديمقراطية في البلاد؟ الجواب بالطبع «لا»! فالمؤتمر بعيد عن الديمقراطية بعد السماء عن الأرض. والمؤتمر في هذا شأنه شأن غيره من الأحزاب الحاكمة (والمعارضة) في العالم الثالث تكذب الكذبة فتصدقها. ومن الغريب أن البركاني وهو يعرض بالاشتراكيين قد كان في الواقع يعرض بحزبه.

فما أشبه الليلة بالبارحة وما أشبه المؤتمر (اليوم) باشتراكي (الأمس) في مسألة الديمقراطية (الديمقراطية المركزية عند الأول و الديمقراطية الفردية عند الثاني). وهناك مئات الأدلة على شمولية الحزب الحاكم.. ألا يكفي أن هذا الحزب قد تمدد فسد كل نوافذ الوطن وانه قد حول الوطن إلى إقطاعية واكل الأخضر واليابس ثم بدأ يأكل بعضه بعضا كما يفعل أكلة لحوم البشر؟ سيركز هذا المقال على حادثة واحدة تبين عداء المؤتمر الشعبي العام للديمقراطية وخوفه وهلعه منها وهي حادثة سقوط «صخر» بعد فوزه بنيابة رئيس البرلمان. وتعتبر الحادثة التي جرت على مرأى ومسمع الكثير من الناس ابرز الأدلة على شمولية الحزب الحاكم في إدارته لأجهزته الداخلية وفي إدارته للدولة.

فوز «صخر»

في يوم الاثنين الثالث عشر من فبراير 2006 نشر موقع المؤتمر نت خبرا صغيرا على صدر صفحته الأولى جاء فيه «بدأت كتلة المؤتمر الشعبي العام عصر اليوم إجراء انتخابات في إطارها لنواب رئيس مجلس النواب، تدعمهم في انتخابات المجلس بعد غدٍ الأربعاء،(....) وبعد انتهاء عملية الاقتراع الساعة السادسة مساءً باشرت اللجنة] المكلفة بالفرز[ بحضور مندوبي المرشحين بفرز الأصوات البالغة (178) من أصل أعضاء الكتلة الواصل عددهم (239)، فيما تغيب (61) عضواً.

وقد أسفرت النتائج عن احتفاظ يحيى الراعي بموقعه، حاصلاً على (143) صوتاً، وإلى جانبه فاز بنيابة رئيس مجلس النواب صخر الوجيه بـ(104) أصوات، ومحمد الشدادي (100) صوت، فيما لم يحالف الحظ جعفر باصالح، الحائز على (70) صوتاً والبعثي عبدالوهاب محمود الذي أدرج في انتخابات الكتلة، وحصل على (93) صوتاً.

سقوط «صخر»

نشر موقع الصحوة نت بتاريخ 15/2/2006 خبراً جاء فيه «عادت هيئة رئاسة مجلس النواب السابقة إلى إدارة مجلس النواب وتسيير أدائه لفترة جديدة حددت بسنتين في اللائحة الجديدة التي (...) بدأ مجلس النواب اليوم بتنفيذها بانتخاب هيئة الرئاسة بالاقتراع السري المباشر. وفيما فاز الشيخ عبدالله الأحمر برئاسة مجلس النواب بالإجماع بعد حصوله على 241 صوتا من ضمن 269 هم إجمالي من أدلوا بأصواتهم في اختيار رئيس المجلس الذي لم ينافسه أحد. وفاز كل من يحيى الراعي والدكتور عبدالوهاب محمود والدكتور جعفر باصالح بعضوية هيئة رئاسة المجلس بعد أن خسر صخر الوجيه النائب الوحيد الذي نافس هيئة الرئاسة السابقة على عضوية هيئة رئاسة المجلس.

وفي حين حصل الوجيه على 125 صوتا من إجمالي 273 شاركوا في عملية الاقتراع حصل يحيى الراعي على 197 صوتا وحصل القيادي البعثي د.عبدالوهاب محمود على 173 صوتا، والدكتور جعفر باصالح على 167 صوتا». ووفقا لموقع رأي نيوز فان الوجيه وفي أول تصريح له عقب الانتهاء من عملية الفرز قد قال أن النتيجة هي رغبة أعضاء مجلس النواب مباركاً للفائزين.

لم تكن نتيجة التصويت بمثابة سقوط للنائب صخر الوجيه. فالنائب الذي لم يتردد في مقارعة الفساد قد حصل -بحسب الخبر أعلاه- على أصوات 125 عضوا وهي بالتأكيد ليست أصوات أحزاب المعارضة لأن ما تملكه المعارضة من مقاعد لا يصل حتى إلى النصف من ذلك العدد ولكنها أصوات بعض زملائه في المؤتمر الذين انحازوا لقضايا الناس رغم توجيهات القيادات بإسقاط «صخر». وإذا كان فوز صخر، البرلماني المناهض للفساد، في الانتخابات الداخلية لكتلة الحاكم قد اقلق الدوائر العليا للحزب، فان حصول صخر على 125 صوتا لا بد وقد أثار الذعر لدى تلك الدوائر خصوصا وأن صخر- وبالتعاون مع مجموعة من زملائه- قد لعب دورا بارزا في إبطال عدة صفقات للفساد الكبير.

استقالة صخر

لم تكن مشكلة صخر هي قربه من الإصلاح أو بعده عن المؤتمر. فاللذان نجحا في الفوز بمنصبي نائب رئيس البرلمان لم يكونا أكثر قربا من المؤتمر منه. كانت مشكلته الأساسية تكمن في الفجوة التي تفصل بينه وبين قيادات حزبه وهي الفجوة المتعلقة بالموقف القانوني والأخلاقي من الفساد قبل أي شيء. كانت مشكلته هي أنه مهما حاول المسايرة وغض الطرف فانه يجد نفسه مرة أخرى يتخذ الموقف الذي ينحاز للدستور والقانون ومصلحة الناس، وهو الموقف الذي يغضب قادة حزبه.

وفي الوقت الذي غفر فيه صخر لحزبه الانقلاب على الديمقراطية لم يغفر الفساد لصخر «نزاهته». كان كاتب هذا المقال قد حاول الالتقاء بصخر للحديث عن قصة ترشحه لنيابة رئيس البرلمان في إطار مشروع لكتابة مقال عن الديمقراطية الداخلية في الحزب الحاكم لكن النائب الشجاع كان يحاول نسيان الموضوع حتى لا يثير حفيظة حزبه «الغارق في الفساد». ومع أن بعض أصدقاء صخر وزملائه في المجلس وشركائه في النضال أبدوا استعدادهم للجلوس مع الكاتب والحديث حول الموضوع إلاَّ أن الكاتب قرر صرف النظر عن الموضوع ولو مؤقتا. كان الكاتب يدرك أن أي إشادة بجهود صخر في مكافحة الفساد ستثير حفيظة الحزب الحاكم الذي يتخذ من الفساد فلسفة للحكم.

وكان صخر، الذي نادرا ما يفتح خط تلفونه السيار، مثل غيره من القلة من الشرفاء على تراب هذه الأرض، يحاول جاهدا ان

 يتجنب مسألة ان يصبح بطلا في حزب ينظر إلى «البطولة» التي لا يصدرها هو بقرار جمهوري على أنها نوع من الانقلاب على الشرعية والخيانة للبلاد. وليس هناك ما هو أكثر دلالة على موقف صخر الأخلاقي من الاستقالة التي قدمها مؤخرا لرئيس حزبه. ففي تلك الرسالة التي نشر موقع يمن نيوز مقتطفات منها في الثاني من أغسطس الجاري قال الوجيه لرئيس حزبه وبكل بساطة «أتقدم باستقالتي من المؤتمر الشعبي العام وذلك لاقتناعي بأن كثيراً من الممارسات التي تصدر عن المؤتمر تختلف عن قناعاتي وتوجهي». لا «فائدة!» ولا «أمل!» هذا هو مضمون رسالة صخر بالمختصر المفيد. والواضح من صياغة الاستقالة بأنها نهائية غير قابلة للاستئناف. فصخر الذي قضى 13 عاما في البرلمان ممثلا للمؤتمر الشعبي العام يبدو ومن خلال اختياره للكلمات وقد وصل إلى قناعة بأنه لا فائدة. فالحزب الذي وصفه الإرياني ذات يوم بأنه اكبر من حزب واصغر من وطن قد تم اختزاله في الأشهر الأخيرة في شخصين هما أمينه العام عبدالقادر باجمال وأمينه العام المساعد سلطان البركاني. أما الميثاق الوطني الذي مثل خلاصة لفكر اليمنيين عبر التاريخ فقد تم استبداله بصحيفتي «البلاد» و«الدستور» وبمواقع عديدة على الشبكة العالمية أبرزها «نبأ نيوز» و«الغد». وبقدرة قادر حل الإفك محل «الحكمة» والطعن في العروض محل الحجة القوية.

سقوط «حزب»

بعد ساعات من إعلان استقالة صخر طلع موقع المؤتمر نت بخبر قصير لا يزيد عدد كلماته عن 63 هذا نصه: «قال مصدر في هيئة الرقابة التنظيمية للمؤتمر الشعبي العام انه تم استدعاء عضو الكتلة البرلمانية للمؤتمر صخر الوجيه لأخذ أقواله حول مخالفاته المتكررة للائحة الداخلية للمؤتمر. وأشار المصدر إلى أن الوجيه ارتكب العديد من المخالفات التنظيمية التي تستوجب وفقا للائحة الداخلية اتخاذ الإجراءات المنصوص عليها دناها (يقصد أدناها) التجميد وأعلاها الفصل مشيرا إلى انه تم إبلاغ الوجيه بقرار التجميد الذي سيتبعه قرار الفصل»..

ولم يقتصر الأمر على الخبر الذي يسيء لكل عضو نزيه في الحزب الحاكم وفي المجتمع بشكل عام بل قام الحزب الحاكم، وفقا لخبر أورده موقع ناس برس بتاريخ 5/8/2006 بتوزيع منشور في الدائرة رقم 178 التي يمثلها النائب الوجيه يقول فيه: «لقد اتضح أن المدعو صخر الوجيه الذي انتخبتموه في الدائرة (178) ليمثلكم في البرلمان هو مدسوس عليكم وعلى المؤتمر... هو في حقيقة الأمر لا يمثلكم ولا يمثل تنظيمنا ولم يعد يمثل سوى نفسه الضعيفة من عقدة حب الظهور في حين يظهر حقده الدفين ضد الوطن والمؤتمر وقد كشف عن وجهه القبيح والمتلون». ويحث المنشور، الذي وزع وفقا لموقع «ناس برس» تحت جنح الليل ووجده الناس في الطرقات على اخذ الحيطة والحذر من «الدجال» وعلى سحب الثقة من «العميل الخائن المندس والشيوعي الملحد الذي لا يستحق أن ينتمي اليكم ولا إلى الوطن ولا المؤتمر الذي لا يقبل في صفوفه إلاَّ الشرفاء والأوفياء المخلصين لهذا الوطن وشعبه». ولم ينس المنشور ان يزج باسم رئيس الجمهورية ليوحي بان المنشور يعبر عن وجهة نظر الرئيس مع ما في ذلك من إساءة.

رد الفعل المؤتمري كارثي بكل ما تعنيه الكلمة من معنى وهو يسيء إلى المؤتمر والى قيادته أكثر مما يسيء لصخر. وإذا كان بالإمكان تبرير استقالة صخر من الحزب الحاكم على اعتبار أن مثل هذا الأمر يحدث باستمرار في الكثير من الأحزاب وفي مختلف الدول، فان ما لا يمكن تبريره هو رد الفعل المؤتمري الذي يظهر ان الحزب الحاكم يعيش أزمة عميقة، ربما أعمق مما يتصور أي محلل سياسي. وكاتب هذا المقال لا يتفق مع ما كتبه الصحفي اليمني المقيم في واشنطن في مسألة أن صخر وجه صفعة إلى المؤتمر. فاللطمة التي وجهت إلى الحزب الحاكم كان مصدرها قيادات الحزب الحاكم وعلى وجه التحديد تلك القيادات التي تقف وراء خبر المؤتمر نت ووراء المنشور «الفضيحة». ومع انه لا الخبر ولا المنشور يستحقان النقاش إلاَّ ان الكاتب يورد بعض الملاحظات هنا لبيان حالة فقد التوازن التي يعيشها الحاكم.

أولاً، لو كان خبر موقع الحزب الحاكم صحيحا لكان عليه أولا وقبل كل شيء أن يبين للقارئ طبيعة المخالفات التي ارتكبها النائب الوجيه لان الحديث عن مخالفات دون تحديد طبيعتها يجعل القارئ يعتقد ان النائب الوجيه ربما تحدث عن الفساد في الوقت الذي لا يريد فيه الحزب الحاكم ان يتحدث احد عن الفساد في هذه الأيام بالذات.

ثانياً، إذا كان لدى الحزب الحاكم لائحة داخلية يتم العمل بها فلماذا لم يتم التحقيق مع أي من الأشخاص المتورطين في بيع قطاع نفطي كامل تساوي قيمته 200 مليون دولار ب13 مليوناً فقط؟ ولماذا لم يتم التحقيق مع أي من الأشخاص الذين أرادوا التجديد لشركة هنت ومحاولة تضييع، وفقا للنائب علي عشال، مبلغ أربعة مليارات دولار على الخزينة العامة؟ ولماذا لم يتم التحقيق مع المتسببين في خسارة البلاد ملايين الدولارات عن طريق التلاعب في إجراءات مناقصة تشغيل ميناء عدن والعمل على إرسائها على طرف معين وبشروط مجحفة بحق الجمهورية اليمنية؟ هل هناك ما هو أفضع من هذه المخالفات؟

ثالثاً، إذا كان قادة الحزب الحاكم يتصرفون وفق اللوائح والقوانين فلماذا يوزعون منشورهم تحت جنح الظلام؟ وإذا كان الحزب الحاكم يمتلك ديمقراطية داخلية فلماذا يتصرف بهذه «النازية» مع عضو قدم استقالته؟ وإذا كان الحزب الحاكم هو في الواقع حزب وليس «شيئا آخر» فلماذا يلجأ إلى أساليب «المافيا» في إرهاب الأعضاء الذين يستقيلون منه؟ هل العضوية في الحزب الحاكم إجبارية إلى الحد الذي يتم فيه إهدار دم أي شخص يخرج من الحزب؟

رابعاً، هل وصلت السذاجة ببعض قيادات المؤتمر إلى الحد الذي يظنون فيه أنهم يستطيعون ان يحولوا القبيح إلى جميل والجميل إلى قبيح؟ ليت قيادة المؤتمر تجرب عرض صور باجمال والبركاني والوجيه على عينة عشوائية من الناس وسؤالهم عن الوجه الأكثر قبحا وسترى بنفسها ان أبناء الشعب اليمني ليسوا من السذاجة إلى الحد الذي يتمنونه وأنهم قادرون على تمييز الوجه الجميل من الوجه القبيح. وبإمكان قادة المؤتمر ان يستخدموا الصور الثلاث ويسالوا الناس من هو الأقرب لأن يكون عميلا وخائنا ومندسا إذا كان لا بد من الحديث عن العمالة والخيانة والاندساس.

خامساً، لا بد من تذكير المؤتمرين ان كانوا قد نسوا بان نظام الحكم في اليمن ما زال جمهوريا حتى اليوم وان دستور الجمهورية اليمنية لا يسمح بسحب الجنسية من يمني ولا يسمح بالنفي السياسي. وإذا كان المؤتمر يون يخططون للانقلاب على النظام الجمهوري فانه ينبغي عليهم ومن باب الكياسة ان لا يبدأوا مشاريع نزع الجنسية عن اليمنيين من الآن وقبل أن يتأكدوا من نجاح مشروعهم.. من صندوق البريد الأخ عبده الوصابي بعث برسالة تقول «إننا أبناء وصاب العالي نشتكي اليك بالحال المزري الذي يعيشه ابناؤنا المدرسون في المديرية من قبل المدعو أمين الصندوق لطف السدعي مرفق اليك بالأولويات والله العظيم قد ضبحنا». ثم بعث برسالة أخرى يقول «أحب ان أخبرك إني من أنصار وقيادات المؤتمر ومن اكبر المطبلين له، لكني اكتشفت نفسي إني كنت مخدوع وفي الزفة الاطرش، وقد قررت والله العظيم إني سأستقيل.. واحيي صخر الوجيه كثيراً... يبقى إني احترم وأحب الرئيس لشخصه لأسباب الوحدة... بس قسما ان قد قلبي منه مجغوث بسبب الفساد يا دكتور... عندنا في وصاب العالي أمين صندوق التربية جغثنا جغث وقرح قلوبنا له عشر سنوات قد اشتكينا لوما قرحت قلوبنا وما قدرنا له».

 استاذ العلوم السياسية جامعة صنعاء


في الخميس 10 أغسطس-آب 2006 11:05:04 ص

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://marebpress.net/articles.php?id=410