مسيرة الإصلاح في اليمن
عارف علي العمري
عارف علي العمري

في هذه الأيام يحتفل حزب التجمع اليمني للإصلاح بالذكرى الرابعة والعشرين لتأسيس الحزب الذي انطلق في الثالث عشر من سبتمبر 1990 العام الذي شهد ولادة العديد من الأحزاب السياسية وشهدت التعددية السياسية أوج عطائها الديمقراطي والتزامها بمعايير الوطنية وقواعد السياسة.

هناك عشرات الأحزاب التي تأسست في العام 1990م لكن بعضها ولد ميتاً والبعض الأخر انقرض بسبب عدم وجود رؤية سياسية ومشروع وطني من شانه أن يفرض وجود الحزب ويعزز بقائه , والبعض الأخر تعرض للتفريخ في ظل غياب صدق الانتماء الحزبي, ولكن الإصلاح بقي موحداً منذ ذلك اليوم واتسعت قاعدته شيء فشي ليصبح من اكبر الأحزاب اليمنية تواجداً في الساحة السياسية.

ثمة منعطفات خطيرة مر بها الحزب , وحفرت له عشرات بل مئات الحفر ليهوي في مستنقع العنف ويتحول أفراده إلى ميليشات عنف ولكن الحزب كان لدية من الحكمة مايكفي لتجاوز كل شباك الصيد المحلية والإقليمية وحتى الدولية ومع كل أزمة كان الحزب يخرج كطائر الفينق اشد قوة وأكثر حيوية.

على الرغم من المساعي الحزبية للأحزاب القوية التي كانت تستند إلى قوة المال والجيش والإعلام ورغبتها في التفرد بكل شيء, إلا أن الحزب لم يتزحزح عن النهج الديمقراطي أو يتراجع عنه , بالرغم من تراجع المقاعد البرلمانية له مع كل عملية انتخابية كانت تجري في اليمن.

وخلال أربعة وعشرين عاماً ظلت الأجندة الوطنية حاضرة بقوة في أدبيات الحزب وبياناته , وكانت مواقفه السياسية تحظى بتأييد شعبي كبير مما جعله يكسب كل يوماً مزيداً من الأنصار , وظل الإصلاح الضامن الوحيد لللحمة الوطنية والوحدة والرهان الأكبر الذي تحطمت عليه كل المشاريع التآمرية على الثورة , وكان في ذات الوقت القوة الاحتياطية التي ترفد الدولة بعوامل القوة وأسباب النصر.

خلال مسيرة الإصلاح شكل الحزب نموذج فريد من الشراكة في السلطة والقرار فمن شراكته الائتلافية مع المؤتمر الشعبي العام في مرحلة مابعد صيف 94م مروراً بتشكيل اللقاء المشترك , واللجنة التحضيرية للحوار الوطني , والمجلس الوطني الذي مثل المشترك وشركاءه , واتسم الحزب بقدرته الفائقة بالتعايش مع كافة الأحزاب التي مثلت القوى الاشتراكية والقومية والدينية , وكان العامل المشترك بين مراحل الشراكة كلها هو تنازل الإصلاح عن مصالح الحزب طمعاً في تحقيق مكاسب للوطن.

وبالرغم من ماكان يقدمه الحزب من خسائر وتضحيات في عدد من المنعطفات إلا انه كان يكرس قاعدة التضحية في المغرم والزهد في المغنم , وكانت زهده في المغنم ناتج عن وعي كبير ومسؤولية وطنية تجاه الشعب والوطن.

فحين تعرضت الوحدة للخطر في صيف 94م كان شباب الإصلاح يتقدمون الصفوف الأولى ويسطرون أروع ملاحم التضحية والفداء في سبيل الوحدة ولم يشترط الإصلاح حينها أي مطالب شخصية مقابل الدفاع عن الوطن , وكان أول مغادر من السلطة في عام 97م, وعندما بدء الهامش الديمقراطي يضيق شيء فشيء وأخذت الأحزاب طريقها في التفريخ والاختفاء بادر الإصلاح إلى إنقاذ التعددية السياسية من براثين الدكتاتورية وأسس في 2003م تكتل اللقاء المشترك الذي أعاد الحياة إلى العملية السياسية برمتها, وعندما كانت ملامح التوريث تطل برأسها من جديد في تشابه كبير مع واقع الملكية التي انتفض اليمنيون ضدها في ستينيات القرن الماضي خرج الإصلاح ومعه أحزاب اللقاء المشترك في مطلع 2011 في هبة شعبية للحفاظ على ماتبقى من ملامح الجمهورية والتي تحولت بدورها إلى ثورة شعبية أطاحت بشبح التوريث على أمل أن تؤسس ليمن جديد قائم على الشراكة في السلطة والثروة , وعندما كانت الأحزاب تستعد للمشاركة في حكومة الوفاق الوطني على قاعدة التضحية في الميدان كان الإصلاح الأوفر حظاً إذ فاقت نسبة من استشهدوا من أعضاءه وأنصاره في ثورة الشباب يفوق التسعين في المائة إلا انه لم يستند إلى تلك القاعدة وتنازل عن كثير من الحقائب الوزارية واستطاع أن يضرب أروع قيم الشراكة في الحكومة , في الوقت الذي أقصى الطرف الأخر كافة حلفائه من الحكومة باستثناء وزارة واحدة فقط , وعندما كانت مقاعد الحوار توزع غض الإصلاح الطرف وأخذت جماعات العنف مقاعد اكبر من حجمها وكان الإصلاح يغض الطرف بهدف ان يكون مؤتمر الحوار الوطني الشامل بداية لتلك الجماعات للانخراط في العمل السياسي بعيداً عن عمليات القتل والتدمير الممنهج.

واليوم تتعرض الحكومة والدولة لتهديد مباشر وتجتاج العاصمة صنعاء موجة رعب , وتتلقى محافظة الجوف حمم الموت من قبل ميليشيات الحوثي ويتعرض أبناء عمران لعمليات تنكيل بهدف تأهيلهم ودمجهم في ثقافة العبودية التي تحرروا منها, ويبرز الإصلاح بخطابه الواعي ليدعوا إلى تجسيد قيم المحبة ونبذ العنف , وتتجسد مواقفه الأصيلة في المبادرة إلى الاصطفاف الوطني الذي دعا إليه الرئيس هادي.

وفي العيد الرابع والعشرين للذكرى تأسيس الإصلاح استطيع القول انه لا خوف على الوحدة والديمقراطية والثورة مادام الإصلاح موجود , ولامجال لمشاريع العنف والفوضى والتطرف مادام رجال الإصلاح يواجهون تلك المشاريع بأرقى أساليب السلمية وانضج تجارب الحياة, وبقوة الإصلاح تظل الدولة قوية فالإصلاح هو الرديف الأول للدولة والجيش والمخزون الاستراتيجي لتقلبات الزمن في هذا البلد المغلوب على أمره.

أعضاء الإصلاح اليوم قد لاتعجبهم كثيراً الحكمة الزائدة للقيادة في كثير من الأحداث, إلا أن الإصلاح وأعضاءه محظوظين أكثر من غيرهم من أعضاء الأحزاب الأخرى بقيادة حكيمة تدرك المخاطر وتستوعب المتغيرات وتتعامل مع الأحداث وفق لصوت العقل والحكمة بعيداً عن الإفراط والتفريط.

ثمة مخاطر اليوم يتعرض لها الإصلاح وأخطار تحيط به من كل حدب وصوب ومؤامرات كبيرة وكبيرة جداً تحاك ضده , ولكن تظل المواقف الرزينة والتروي في اتخاذ القرار هي مايستطيع الإصلاح من خلاله تجاوز كل تلك الأخطار.


في الأربعاء 17 سبتمبر-أيلول 2014 12:45:45 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://marebpress.net/articles.php?id=40352