الإعلام العربي الصهيوني في الميزان
السفير الدكتور/عبد الله الأشعل
السفير الدكتور/عبد الله الأشعل

هناك تيار رسمي وإعلامي في العالم العربي يقدِّم الزاد المباشر لموقف الإعلام الصهيوني ويركز بشكلٍ أساسي على حزب الله، ولم يعد أمرًا خافيًا على أحد أن بعض الحكام العرب ومن ورائهم أقلام وحناجر عربية ممن يدَّعون الانتماء إلى العالم العربي ويتحدثون باسمه يغطون عجزهم ببعض المواقف التي تخدم المشروع الصهيوني، فالثابت أن حزب الله يقود معركةً تعجز الكلمات عن وصفها، ولكنها في النهاية معركة حياة أو موت بالنسبة للكيان الصهيوني، كما قال شمعون بيريز، وهي بالنسبة لهذه المنطقة الخط الفاصل بين هيمنة المشروع الصهيوني الأمريكي أو استعادة العرب قدرتهم على تدبير أمور المنطقة بعيدًا عن التدخل الأجنبي.

هذه الحقيقة لا تخفى على أحد في الكيان وفي العالم العربي بل وفي العالم، ومع ذلك يسهل أن نرصد تيارًا في الإعلام العربي ظهر بعد نقد حزب الله وتحميله المسئوليةَ عما حدث، وسوف يحدث مما جاء في الخطاب الرسمي لبعض الدول العربية الكبرى، فأصبحت معركة هذا التيار مع حزب الله انتصارًا لموقف سياسي لهذه الدول.

وقد أحزنني حقًّا أن يضم هذا التيار عددًا من المثقفين الذين نعتز بهم، وكان الأولى أن يكونوا بالكلمة مع أمتهم وليس في معسكر العدو، ونظن أنها فتنة تشبه إلى حدٍّ ما تلك التي ضربت العقل العربي في الصميم، عندما غزا العراق الكويت، وكان من أهم نتائج هذا "الخبل العقلي" المساهمة في مشروع ضرب القومية العربية في هذا التيار، فباسم العروبة تم الغزو، وباسمها اندفع هؤلاء لتأييده، فكان من الطبيعي أن يثقَ بمن كان وراء حملة التحرير والغزو معًا وهو الولايات المتحدة، فتلقى الأمن الجماعي العربي ضربةً في الصميم منذ ذلك الوقت، والغريب أن بعض هذه الأقلام التي تكتب عادةً في غير السياسة كالفكر الإسلامي أظهرت مهارةً فائقةً وتجنيدًا معيبًا للكتابة في صحف متنافسة لا تسمح كل منها لكتابها بالنشر في الصحيفة الأخرى، ورسالتها كلها قدح في حزب الله وطعن في وطنيته، ولا أظن دولةً عربيةً كبيرةً تحترم نفسها وتحرص على ثوابت أمتها وهي في الصدارة منها عروبة وإسلامًا وفي وقت تشتد فيه الفتنة العاصفة بوحدة الأمة ضمن المشروع الصهيوني الأمريكي، يمكن أن تجازفَ بحماية هذا التيار الذي يهدف إلى تدمير حزب الله ونصرة الكيان الصهيوني عليه، وهي بالقطع رؤيةٌ ضعيفةٌ مدمرةٌ لمصالح الأمة.

وليس من شأني أن أصنفَ الأشخاصَ حكامًا وكتَّابًا وفق درجة الوطنية أو الإخلاص للقضية العربية والإسلامية؛ ولكنني أناقش بشكلٍ موضوعي وجهات النظر المناهضة لحزب الله.

رغم أن الشعوب في المنطقة أذكى من أن تتزلق إلى هذه الاجتهادات السياسية المنكرة خاصةً في الإعلام العربي، إلا أن رسالتي موجهةٌ بشكل مباشر إلى الإعلام العربي الصهيوني وإلى فرسانه الذين كُلِّف أحدهم- وهو من النكرات بالكتابة- يوميًّا بشكل محدد ضد حزب الله بوصفه من المتخصصين في هذا الباب من أبواب الفقه العربي الصهيوني، فيطلق يوميًا فتاواه في إحدى المطبوعات ذات الأثر في الصحافة العربية.

الخطير هو أن الموقف الرسمي والإعلامي الصهيوني يعتمد تمامًا على الموقف العربي والإعلامي الرسمي، لذلك لن نمل حتى نعيد بعض الحكام والإعلاميين إلى حظيرة الحقيقة والمصلحة العربية العليا، ونحن نبتهل إلى حزب الله أن ينقذنا من الفتنة في هذه الأوقات العصيبة.

الثابت أيضًا أن حزب الله على قلةِ إمكاناته وقف أمام جبروت القوة الصهيوني للأسبوع الثالث وضرب المدن في الكيان وشل الحياة الاقتصادية والاجتماعية فيها، وألزم سكانها المخابئ منذ بدء المواجهة العسكرية، ورغم ضعف إمكانات حزب الله في مواجهة أكبر قوة عسكرية في المنطقة، فإنه (حزب الله) أنزل بهإ ما لم تتمكن جيوش عربية كبرى من المساس بالمدن الصهيونية، رغم استمرار ميزانيات التسلح العربية وتضخم مخازن الأسلحة.

 حزب الله

وسوف نناقش مقولات الإعلام العربي الصهيوني ضد حزب الله، المقولة الأولى هي أن حزب الله أنشأته إيران ويعمل وفق مخططاتها في المنطقة، والرد أنه إذا كانت إيران ساعدت على نشأة حزب الله بمناسبة الغزو الصهيوني لبيروت لمواجهة هذا الغزو لأول عاصمة عربية وتغاضت عنها الدول العربية التي فضلت الانزواء وفك الارتباط بالعالم العربي، فيجب أن نوجِّهَ الشكر لإيران، والمهم أن الحزب يحارب الكيانَ المحتل للأراضي اللبنانية، وهو حزب لبناني قلبًا وقالبًا، وأصبح هذا الحزب هو عقدةَ الصهاينة، وأصبح إصرارها على الخلاص منه هو هاجسها في الليل والنهار، ولذلك استصدرت من أجله القرار 1559، والأولى لقوات الصهاينة بدلاً من القضاء على حزب الله أن تنسحبَ من الأراضي اللبنانية، وأن تتركَ حزب الله لساحتِه الوطنية، على أساس أنه لم يطالب أحدًا بشيء يمس أحدًا أو جماعة داخل "إسرائيل"، ولذلك أعجبني موقف نبيه بري وهو يعلق على مؤتمر روما يوم 25/7/2006م وقراره بإبعاد حزب الله عن الجنوب اللبناني وإحلال قوة دولية محله، حيث أكد أن لبنان حر في أن يظل حزب الله في مكانه على الأرض اللبنانية، أما من يريد مساعدة الكيان على توقي حزب الله فعليه أن يُقيم على الجانب الصهيوني من الحدود ويمكنه أن يندمج في الجيش "الإسرائيلي".

المقولة الثانية هي أن حزب الله ينفِّذ أجندةً إيرانيةً سورية، وما الذي يضير أصحاب هذه المقولة ما دامت أجندة إيران وسوريا هي الدفاع عن لبنان ضد العدو الصهيوني، بعد أن انحسرت الدول العربية الرئيسة وانكفأت على الداخل، واتصالاً بهذه المقولة أن حزب الله بدأ الصراع الإيراني الأمريكي من لبنان، والعكس هو الصحيح إذا كانت العلاقة واردةً بين أحداث لبنان والصراع الأمريكي الإيراني، وهو أن الكيان هو الذي خطَّط لضرب حزب الله من ناحية انتقامًا لما أنزله الحزب به من مذلة في مايو 2000، ومن ناحية أخرى حتى يقضي على حليف لإيران يمكن أن ينضم إلى المواجهة العسكرية لو فكر الصهاينة في الصدام عسكريًّا مع إيران.

والحق أن ملحمة صمود الحزب كشفت الكيان، وأصبحت هذه المواجهة غير المباشرة بين الحزب والصهاينة صورةً مصغرةً مفيدةً للدراسة لأي مواجهة إيرانية صهيونية، يتصل بمقولة العلاقة بين إيران وسوريا بالحزب أن الإعلام العربي الصهيوني يردد مقولة بوش وبلير، وهي ضرورة إبعاد سوريا عن الحزب وعزل إيران، وأن هذا الثالوث هو معسكر الشر بلغة بوش، وأنه يجب قطع المساعدات العسكرية التي تقدمها إيران للحزب. بل إن المسئولين في الحزب وإيران ينفون بشدة هذه المساعدات، هذه المقولة تدعو للاستغراب؛ إذ لماذا تفخر أمريكا وبريطانيا بتزويد تل أبيب بالقنابل الذكية لتقتل اللبنانيين، بينما ينكر على الحزب وهو الطرف المقاتل الآخر المدافع عن الحق ضد الطاغوت أن يحصل على المساعدات، إن ثالوث الشر هو الثالوث المعتدي، وهو الثالوث الأمريكي الصهيوني البريطاني، وهو نفس الثالوث الذي دمر العراق ويتربص بالمصالح العربية، وقد أوضح السيد حسن نصر الله أن خطةً صهيونيةً متكاملةً كانت جاهزةً وأن خطف الجنديين عجَّل بتنفيذها، فتدمير لبنان كان مبيتًا على أية حال. 

المقولة الثالثة، هي أن حزب الله أخطأ التقدير، سواء توقيت معركة خطف الجنديين أو في تقدير رد الفعل الصهيوني أو في تقدير طبيعة المواجهة، وهذه المقولة بجوانبها المختلفة ثبت خطؤها بعد أن أعلن حزب الله والسيد نبيه بري، وكذلك الساسة الصهاينة والتصريحات الأمريكية بأن هناك خطةً جاهزة، يرى حزب الله أنها كانت ستنفذ ضد الحزب وحده قبل أن تمتد إلى لبنان والمنطقة، بينما يصر الصهاينة على أن خطتهم وعملهم لا يرتبط بخطف الجنديَّيْن ولم يكن ضروريًّا أن يكون رد الفعل متناسبًا مع الخطف وإنما هو يتناسب مع حجم الصراع وحجم الخطر. 

المقولة الرابعة، أن حزب الله عندما يرفض قبول شروط نزع سلاحه طوعًا وتسليمها للصهاينة والتسليم باستمرار احتلال مزارع شبعًا إنما يعرِّض ما بقي من لبنان للتدمير.

فالحزب أناني في موقفه، وهذه المقولة تغفل تمامًا أن حزب الله هو رمز المقاومة العربية والإسلامية، وأن الحزب تمكَّن من تجاوز الانقسام الطائفي والسياسي اللبناني والعربي.

 

المقولة الخامسة، هي أن الحزب شيعي وأن نصره نصرٌ للشيعة، وهذه المقولة هابطةٌ؛ لأنها تدخل في إطار المؤامرة الأمريكية الصهيونية التي وجدت آذانًا صاغيةً في العراق، وتروِّج لها للأسف بعض الحكومات العربية التي سيطر عليها هاجس الصراع الإيراني الأمريكي وحرصها على نصرة أمريكا ضد إيران وفاء لمخططها لتمزيق المنطقة العربية. 

وأخيرًا، أدَّى حزب الله واجبه إزاء هذه الأمة وحارب وحدة حربًا لا تكافؤ فيها من أي جانب، ونصره نصر للعرب والمسلمين وهزيمة للمشروع الصهيوني وللمتنطعين من حكام وكتاب من سوف يجرفهم طوفان الحق في هذه المنطقة التي عرفت فصولاً وصنوفًا من التآمر الوطني والأجنبي على مقدراتها ولله عاقبة الأمور  

 


في الثلاثاء 01 أغسطس-آب 2006 10:22:09 ص

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://marebpress.net/articles.php?id=388