المهرج " ميداري " و الـ 20 مليون ثعبان يمني
كاتب/لطفي شطاره
كاتب/لطفي شطاره

 

  في الهند يطلقون لقب " ميداري " على المهرج الذي ينفخ بمزماره في قارعة الطريق ليعزف لحنا مميزا على صندوق يضعه أمامه ليخرج منه ثعبان يميل بحركاته يمينا ويسارا ، وعلى أنغام الحان تبعث من مزمار المهرج ، يستمتع المارة المتفرجين الذين يرمون نقودا لـ " ميداري " تعبيرا عن إعجابهم بمهارة المهرج ، ويتعجبون على قدرته في ترويض ثعبان يستطيع أن يقتل أي إنسان بلدغة واحدة فما بالك بـ" ميداري " اليمن الذي حول أكثر من 20 مليون مواطن إلى ثعابين يؤكد أنه أستطاع ترويضهم خلال 28 قضاها لهذا الغرض وليس للتنمية وبناء الدولة التي ربطها بشخصه .

هذه العبارة يكررها الرئيس علي عبد الله صالح في كل مرة يأتي الحديث فيها عن الانتخابات الرئاسية وتطلع المعارضة الى تغيير وتداول سلمي للسلطة ، وكررها قبل بضعة أيام على قناة " العربية " عندما وصف الشعب في اليمن بالثعابين ، في أحد ردوده أكد فيه نصا بـأن " الحكم في اليمن كما يرقص الشخص على رؤوس الثعابين " ، وبالتالي قارن وضعه بوضع المهرج الهندي الذي يسمونه بـ" ميداري " الذي يزمر للثعبان مقابل إن يحصل على مال يعيش منه ، والرئيس يرقص على رؤوس 20 مليون ثعبان ليكسب أيضا من السلطة التي لا يستطيع التنازل عنها لـ "زمار " أخر أكثر كفاءة وأمهر عزفا ، رغم أنه " كذب " على الجميع لمدة 11 شهرا بعدم الترشح ، ولكنه تراجع عن قراره بعد أن زحف مليون ثعبان إلى عاصمة الثعابين التاريخية لتناشد وتتوسل " ميداري " اليمن بعدم التنازل عن " مزماره " ، وأن لا يترك حلبة " الرقص " حتى وأن كان هناك ما يقارب 19 مليون ثعبان سئموا وملوا من تكرار المهرج لنفسه ورقصاته القديمة التي لم تعد تنسجم مع إيقاعات العصر ، ومهما حاول " ميداري " أن يقنع معارضيه من الثعابين بأنه الأفضل والأصلح لهم ، خاصة وأنه أستشعر أخيرا أن هناك ثعابين جنوبية تريد الانفصال عن وحدة حولها نظام " ميداري " الى احتلال والذي يسعى ليس الى ترويض أكثر من 4 مليون ثعبان جنوبي ، بل ان شهيته انفتحت لابتلاعهم جميعا ، وهناك أيضا ثعابين كما قال تحن لأيام الإمامة و تريد العودة باليمن إلى دولة الثعابين قبل ثورة سبتمبر 62 في الشمال ، ناهيك عن تأكيداته بأن ثعابين صعده لا تزال تتمرد على مزماره وإيقاعات رقصاته ، واختصارا كما يقول " ميداري " اليمن أن الثعابين يجب أن تقبل به " مزمرا " ، وأنه يعد ثعابين اليمن بتصفية أي ثعبان يرفض قناعاته ، او يتمرد على نظامه حتى وأن أجمعت الغالبية العظمى من ثعابين اليمن على التمسك بحقها في اختيار " مزمرا " بديلا يستطيع أن يخرجها من الوضع الذي تعيشه منذ 28 عاما من رقص رتيب ولحن ممل لـ " ميداري " الذي جعل الثعابين في اليمن تعيش حالة كفاف . 

ولم يكتفي فخامته بتحويلنا إلى أفاعي وثعابين ، بل ظهر كأول رئيس عربي مميز في التناقض مع نفسه وبشكل علني ، ومن خلال شاشة إخبارية عربية لها ملايين من المشاهدين كشف الرئيس علي عبد الله صالح عن تناقضه مع نفسه مرتين وفي حديث تلفزيوني واحد ، فقد أظهرت المقابلة التي أجرتها معه قناة " العربية " قبل بضعة أيام ، حالة من الارتباك او ما نسميه بـ " اللف والدوران " لإستغباء مشاهدين يمنيين لم تعد تنطلي عليهم " مناورات التشبث بالسلطة " عبر كلام وحديث مشحون بشعارات وطنية منمقة ، طعمت بعبارات تخوين للآخرين وأطماعهم في الاستيلاء على السلطة " أحزاب اللقاء المشترك " .. بل أن عبارات فخامته كانت واضحة وصارمة بأن السلطة هي خط أحمر ولن يتنازل عنها مادام أنه لا يزال مسيطرا على الخيوط القوية والتي تجعله راقصا فوق ثعابين اليمن جميعا .

فكيف لرئيس أن يصف شعبه بالثعابين و يريد أن يقنع من يحاوره أن النظام في اليمن ديمقراطي كما قال في مقابلة " العربية " ( الشعب اليمني هو الحكم كيف أداء الحكومة والسياسة الخارجية.. الأمن.. الاقتصاد ) .. رغم أني متأكد أن المذيعة نفسها سخرت في داخلها من كلام كهذا ، بل أن كل مشاهد عربي وليس يمني تابع لقاء فخامته مقتنع تماما أن الشعوب العربية ما تزال تعيش حقبة سيطرة " الديناصورات " التي تقول بعض الاكتشافات المثيرة التي توصل إليها العلماء والباحثين في عام 2002 أن هناك اضطرابا فلكيا حدث قبل خمسة وستين مليون سنة الأمر الذي أدى إلى اهتزاز مدارات كواكب المريخ والأرض وعطارد مما قد يكون سببا في انقراض الديناصورات عن الأرض .. أما الديناصورات الحاكمة في العالم العربي تحاول أن تتشبث وتقاوم الاهتزازات السياسية التي تعصف بالشرق الأوسط منذ أحداث سبتمبر 2001 ، تعي جيدا أن بقاؤها لن يدوم طويلا ، خاصة أن علامات تهاوي الديناصورات العربية قد بدأت في العراق وستستمر هذه الهزة العالمية حتى ينقرض أخر ديناصور عربي حاكم .

ولتأكيد أن اليمن التي تعيش عصر الديناصورات بهيئة " ميداري " هندي يتحكم بحياة 20 مليون ثعبان ، ويتفرد بكل قرارات الدولة ، بحيث أصبحت اليمن وملايينها في قبضة رجل واحد " علي عبد الله صالح " عمل خلال 28 عاما من حكمه على تكريس مفهوم يقبله الجميع بالترغيب او الترهيب ، يختصر في تعريف اليمن بأنه علي وعلي هو اليمن ، فأني اقتطف للقارئ الكريم نماذج من عناوين لأخبار وردت في مواقع إعلامية تابعه لحزب الديناصور الحاكم ، تؤكد أن كل شيء في اليمن يسير بأمر علي ، وتنفيذها مربوط بتوجيهات فخامته ، وأن جميع المسئولين في الدولة لا يعملون الا بإشارة أصبع من فخامته .  

 

 

* رئيس الجمهورية " يوجه " بإنشاء خمسة مراكز نموذجية لمرضى السرطان   ( دليل أن وزارة الصحة لا تخطط لا بتوجيهات فخامته )

·  رئيس الجمهورية " يوجه " بمنع مسيرة كبرى من مختلف المحافظات تطالبه بالعدول عن عدم ترشيحه في الانتخابات .

 ( ولكنه خرج في التالي يعلن عن تراجعه عن قراره الذي حافظ عليه 11 شهرا )

·  رئيس الجمهورية " يوجه " بإعطاء المزيد من الصلاحيات للمجالس المحلية ، وسرعة تسليمها إعتمادات المشاريع التي تزيد عن 60 مليون ريال .

 ( تأكيد صريح بمركزية مفرطة وقانون الحكم المحلي تحت سيطرة علي وغير مفعل )

·  رئيس الجمهورية " يوجه " الحكومة والبرلمان بسرعة البث في قوانين مكافحة الفساد والمناقصات والذمة. ( البرلمان والحكومة لا يعملان الا بتوجيهات علي )

·  رئيس الجمهورية " يوجه " بخفض رسوم الخدمات الهاتفية والبريدية و " دشن " مشاريع للاتصالات ب18,7 مليار ريال . ( دليل عن الفوضى وأنه لا توجد أسس اقتصادية تتحكم بالأسعار في السوق الا بتوجيهات فخامته ) .

  * رئيس الجمهورية " يوجه " بحل مشكلة الطلاب اليمنيين بالهند ومساواتهم بزملائهم في الدول المماثلة .

( تأكيد أنه لا سلطة لوزير الخارجية على السفارات ولا سلطة لوزير التعليم العالي على الدارسين في الخارج دون موافقة علي )  

 

* رئيس الجمهورية " يوجه " الاهتمام بالمنافذ وتقديم خدمات أفضل للمواطنين والزائرين ووضع آليات فعالة لمكافحة التهريب .

( إقرار بأن وزير الداخلية لا يستطيع القيام بخطوة بديهية كهذه وهي من صميم مهامه بدون توجيهات عليا من علي ).

* رئيس الجمهورية " يوجه " بصرف الدعامات الخاصة بمرضى القلب الباهظة الثمن مجانا للفقراء والمحتاجين .

( تأكيد على أن وزارة الصحة لا يمكنها أن تحسن أوضاع المستشفيات العامة وتجهيزها لتقديم العلاج للفقراء والمحتاجين الا بعد تكرم الرئيس علي بذلك ليكون صاحب الفضل على المرضى من الفقراء )

* رئيس الجمهورية " يوجه " الحكومة بسرعة توفير الطاقة الكهربائية لمحافظتي عدن وتعز .

( دليل أن وزير الكهرباء لا يقرر ولا ينفذ توفير الكهرباء للمواطنين، بل في انتظار توجيهات فخامته ) .

   * رئيس الجمهورية " يوجه " بشراء باص لطلاب مدرسة الشيزي العبرية في منطقة ريدة .

( تأكيد بأن وزير التربية والتعليم لا يملك صلاحية شراء باص الا بعد مصادقة الرئيس علي ورأفة قلبه ) .

* رئيس الجمهورية " يوجه " الحكومة بسرعة تسوية مرتبات موظفي الدولة طبقا لهيكل الأجور .

( اعتراف أن الحكومة لا تعمل ولا تسرع بعملها الا بتوجيهات الرئيس علي )

* رئيس الجمهورية " يوجه " بتنفيذ مشروعات عسكرية بـ 15 مليار ريال .

( لا توجد خطط لدى وزير ووزارة الدفاع لمشاريع عسكرية الا بتوجيهات الرئيس ) .

* رئيس الجمهورية " يوجه " بتشكيل لجنة لتقدير أضرار السيول في لحج

( لا يتحرك مسئول لممارسة مهامه ولا محافظ يهتم بشؤون محافظته الا بعد توجيهات فخامته حتى في تشكيل لجنة محلية صغيرة ) .

* رئيس الجمهورية " يوجه " بسرعة بناء مساكن جديدة بدلا عن التي تهدمت في قرية الظفير .

( اعتراف لعدم وجود خطط حكومية لمواجهة الكوارث التي لا تحل الا بتدخل الرئيس شخصيا )

* رئيس الجمهورية " يوجه " بإنزال نسبة 30 في المائة من أسهم يمن موبايل للاكتتاب .

( دليل بأن قواعد اقتصاد السوق لا يحددها العرض والطلب ، بل تدخل فخامته هو المعيار الوحيد ).

* رئيس الجمهورية " يوجه " في خطابة بمناسبة عيد الفطر المبارك على ضرورة التسامح والتآخي وترسيخ الوحدة الوطنية.

( تناقض صريح .. فمن أعطى التوجيهات بقمع ومنع ومحاربة لقاءات المصالحة الجنوبية – الجنوبية والداعية للتسامح وطي صفحات الماضي أيضا ) .

* رئيس الجمهورية " يوجه " الهيئة العامة للمناطق الحرة بتقديم رؤية إنشاء مناطق حرة جديدة.

( تأكيد أن الحكومة لا تفكر بتحسين الاقتصاد إلا بعد توجيهات الرئيس ، ولكن قبل إنشاء مناطق حرة جديدة أين هي المنطقة الحرة في عدن وهي أكذوبة عمرها من الوحدة ؟ ) .

* الرئيس " يوجه " بإعادة رحلات جوية إلى مطار عدن الدولي

( اعتراف بأنه لن تقلع او تهبط رحلة جوية إلى الخارج من مطار عدن بدون موافقة فخامته )

هذه هي اليمن التي جعل الرئيس صالح من نفسه نسخة شبيهة ل لزعيم الكوري الشمالي كيم جونج ايل  ، الذي مستعد أن يدمر بلده ويجوع شعبه ويموت ملايين الكوريين بسبب الفقر في سبيل إشباع رغباته .. وهذه هي الديمقراطية كما رسخت بمفهوم فخامته منذ 28 عاما التي يحتفل بها اليوم 17 يوليو .. وهذا هو المنطق الذي يرى فيه رئيس الدولة المعارضة وحوشا كاسرة تريد دخول القصر لنهبه.. لان كرسي الحكم ليس سهلا كما قال في حديثه المتلفز .. ولكن السؤال الكبير الذي يبحث عن إجابة هو لماذا إذن إصرار فخامته على تضليل العالم وإستغباء 20 مليون ثعبان يمني بانتخابات رئاسية ستنفق فيها مليارات الريالات ، ونتائجها لا تقوم على احترام قواعد الديمقراطية ، ولن تقود المعارضة إلى قصر الحكم حتى وأن حققت المفاجأة ، اذا كانت تصريحات الرئيس واضحة وصريحة وعبر قناة " العربية " بأنه لن يسلم السلطة حتى وإن فاز مرشح أخر ، عندما قال أن المعارضة بحاجة إلى وقت ليؤهلوا أنفسهم .. وأن الحكم في اليمن صعب أشبه بمن يرقص فوق رؤوس ثعابين .. ولن يجيد الرقص إلا أمثاله لأنه " فلته من فلتات " القرن الماضي ونسخة لن تتكرر وديناصور لن ينقرض .. فيا ثعابين اليمن اتحدوا.. " ميداري " لن يترككم وسيرقص على رؤوسكم سبع سنوات أخر .. فالفرصة ربما تكون من ثعبان جنوبي استهان به ديناصور اليمن.. ولكن لدغة تاريخه منه قد تغير وجه التاريخ في اليمن الذي شوهه 28 عاما من حكم راقص ومزمر حولنا إلى ثعابين وجعل من نفسه ديناصور .


في الثلاثاء 18 يوليو-تموز 2006 08:37:31 ص

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://marebpress.net/articles.php?id=344