عندما يشيطن رئيس الجمهورية!
د. عيدروس نصر ناصر
د. عيدروس نصر ناصر

لم يعتد كاتب هذه السطور الدفاع عن القادة السياسيين (والحكام منهم على وجه الخصوص) ما عدا قصائد أو مقالات الرثاء التي كتبها عمن توفاهم الله من أبطال وقادة ومبدعي اليمن وهو أمر أقل من الواجب الإنساني والأخلاقي، لكن ما ينشر هذه الأيام عن الرئيس عبد ربه منصور هادي يقتضي من أي كاتب يحترم عقله وعقول قرائه أن يدلي ولو ببعض القول  ليس مدحا للرئيس ولا طمعا في كسب رضاه، وشخصيا كان كاتب هذه السطور ممن انتقدوه بعد أول خطاب له، ولكن من باب إنصاف الحقيقة التي يريد البعض العبث بها كما اعتادوا العبث بكل شيء في هذا البلد على مدى ثلث قرن من عمر هذه الشعب المغلوب على أمره.

لقد تحول الرئيس عبد ربه منصور هادي فجأة من نائب رئيس للمؤتمر الشعبي العام وأمينه العام ومرشحه للرئاسة الجمهورية، إلى عدو لدود للشعب وإلى مارق تجب معاقبته، وخصم للوطن يجب زجره، ومخالف للانضباط الحزبي لحزبه ينبغي أن تتخذ بحقه أقصى العقوبات وأقساها، ورئيس مخطوف تجب استعادته من خاطفيه، وغيرها آلاف الأوصاف المسيئة للرجل الأول في البلد تلك الأوصاف التي لو قال أحدنا 1 % منها عن "الزعيم الرمز" لغيب وراء الشمس، وليست تجربة الكاتب المبدع عبد الكريم الخيواني، والقائد العسكري البطل أحمد سالم عبيد إلا نموذجان صغيران لهكذا حالات.

لا يمكن القول أن عبد ربه منصور هادي ملاكا مطهرا أو نبيا منزلا من السماء، وهو كسائر البشر يصيب ويخطئ ولم يقل عن نفسه، ولم يقل عنه أحد حتى ممن يحبونه أنه منزه من العيوب والأخطاء، وهو عندما يخطئ يستمع إلى المراجعة والنقد ويراجع قراراته ويعدلها، لكنه لا يمكن أن يغدو شيطانا رجيما على النحو الذي تقدمه وسائل أعلام حزبه والتابع منها لـ(لزعيم الرمز) على وجه الخصوص.

يمكن إدراك أسباب تلك الحملة الهيستيرية التي تمتلئ بها وسائل أعلام الرئيس السابق (وأنا لا أحبذ عبارة المخلوع، تقديرا لمشاعر الرجل) فالقائمون على هذه الوسائل وجدوا ليقنعوا الناس بأن الـ"زعيم الرمز" هو المنقذ وهو المخلص وهو الملاك الطاهر الذي لا يأتيه الخطأ من بين يديه ولا من خلفه وأن أي حديث عن عهده يجب أن ينطلق من مبدأ التبجيل والإشادة والتمجيد لـ"المنجزات العظيمة" و"المعجزات الأسطورية" و"الخوارق الاستثنائية" و"المآثر التاريخية" التي لم يأت الزمن بمثلها، وهم يستسهلون تصوير كل ما جرى في اليمن على مدى ثلث قرن على إنه حتميات تاريخية أتت من صناعة وابتكار وإبداعات هذا "الزعيم الرمز"، بدءا بسياسة الاغتيال التي لم يكن الحمدي ضحيتها الأولى مرورا بسياسة النهب التي لم يكن آخرها نهب أرض وثروات وتاريخ وثقافة الجنوب، وانتهاء بسياسة التوريث التي لم يكن اختراع قلع العداد واستزراع الحرس الجمهورية والأمن المركزي والأمن القومي إلا بعضا من جزئياتها، وطبعا لا يمكن أن ننسى سياسة إشعال الحروب التي ابتدأت في المناطق الوسطى ولم تتوقف بعد اجتياح الجنوب وتحويله إلى غنيمة حرب وخلفت صدعا وطنيا واجتماعيا يستعصى ردمه، ثم حروب صعدة الست التي خلفت شرخا وطنيا قد لا يلتئم على مدى عقود من التطبيب والتجميل النفسي والمادي والعمراني والتنموي، وهو ما لم يفكر فيه القائمون على هذا الإعلام إلا من خلال توزيع الاتهامات فيما بينهم وبين شركائهم في هذه الحروب المدمرة.

لقد فقد الجماعة أعصابهم وخرجوا من طورهم لأن الرئيس قال إن ما جرى في 2011م هو ثورة شبابية سلمية على نظام عائلي، . . . مفردتا "الثورة" و"النظام العائلي" هما من أفقد الجماعة رشدهم، وأخرجهم عن صوابهم وجعلهم يتصرفون كمن أصابه مس، . . هم لا ينكرون أنه كان نظاما عائليا لكن ما أغضبهم أن من يقول هذا رئيس الجمهورية، وهم أيضا لا ينكرون أن ما جرى في عام 2011 هو ثورة شبابية لكن من منح الحق لرئيس الجمهورية أن يسميها ثورة وهو من جاءت (هذه الثورة) ضد النظام الذي ينتمي إليه.

إنهم يأخذون على الرئيس عبدربه منصور هادي أنه كان نائبا للرئيس لمدة 17 عاما ولم يقل قط أن هناك خطأ أو أنه يجب تصويب هذا الخطأ، ونحن هنا لسنا بصدد تقييم دور الرئيس هادي عندما كان نائبا للرئيس لكن ما نعلمه أن علي عبد الله صالح، طوال فترة حكمه لم يكن يرغب في منح أي مسئول أو أي مؤسسة أي صلاحية ما لم يكن هو من يمنح هذه الصلاحية أو يمنعها، فلا النائب يمارس صلاحية نائب ولا رئيس الحكومة يمارس صلاحيات رئيس الحكومة ولا الوزراء يشتغلون مهماتهم ولا البرلمان يضطلع بدوره، ولا القضاء يمارس مهنة المقاضاة وإجبار الناس على الامتثال للقانون، وكلما هناك مجموعة من الموظفين لدى شخص واحد اسمه علي عبد الله صالح، مهما علت أو انخفضت مكانة هؤلاء الموظفين وألقابهم وربما كان المأخذ على عبد ربه منصور هادي هو إنه قبل أن يكون نائبا لرئيس هذه هي صفاته وهذا هو منهجه في العمل.

لقد اعتبروا حديث الرئيس هادي عن الثورة الشبابية السلمية والحكم العائلي استقالة علنية من المؤتمر الشعبي العام، وربما يكونون في هذا محقين فالحزب الوحيد الذي يهاجم الثورة الشبابية السلمية ويحرض على قتل المشاركين فيها ويتهمهم بأنهم يعملون لتنفيذ مؤامرة خارجية، والحزب الوحيد الذي يدافع عن الحكم العائلي وبذلت قياداته جهدا خرافيا لإقناع الشعب اليمن بأهمية خلع العداد، هذا الحزب الوحيد هو المؤتمر الشعبي العام، (دعكم من حلفائه من الأحزاب التي لا يزيد عدد أعضاء كل منها عن أصابع اليد الواحدة) ومن هنا يمكن تفسير اعتبارهم حديث هادي بأنه خروج عن ثوابت المؤتمر وتمرد على الانضباط الحزبي إذ كيف يكون أمينا عاما لحزب يدعو إلى توريث الحكم ويحرض على قتل المواطنين لأنهم طالبوا بحقوقهم، ثم ينتقد (الأمين العام) هذه المبادئ الرئيسية لحزبه.

إنهم قد فقدو أعصابهم لأنهم يريدون الرئيس هادي أن يكون موظفا لديهم كما ظل خلال ما قبل الثورة، وحتى وإن أتت به الثورة إلى موقعه كرئيس للجمهورية فإنهم لا ينسون أن يمنوا عليه بأنهم هم من أتى به إلى هذا الموقع وإنهم قادرون على اقتلاعه إن شاءوا متى شاءوا، وأطرف ما في حملتهم هذه هو حديثهم عن الانضباط الحزبي ومخالفة الرئيس هادي له، أي إنهم كانوا ينتظرون من الرئيس أن يأتي قبل كل قرار أو إجراء يتخذه أو خطاب يلقيه إلى اجتماع المركز الحزبي في السبعين ليستأذنهم في إصدار هذا القرار أو يعرض عليهم نص الخطاب ليجيزوه أو يعدلوه أو يرفضوه أما الدستور والقانون (وحتى المبادرة الخليجية التي تقدموا بها) فكل هذا هو ما دون الانضباط الحزبي والنظام الداخلي للمؤتمر.

الرئيس هادي لم يعلن الكفر ولم يرتكب ما يخالف الدستور والقانون أو حتى المبادرة الخليجية التي لم تحدد ماذا يجب وماذا لا يجب أن يقول رئيس الجمهورية، لكن الجماعة لم يصدقوا أنه صار من حق أحد أن يكشف لهم حقيقتهم حتى وإن كان هذا الـ(أحد) هو رئيس الجمهورية والأمين العام لحزبهم.

برقيات:

*غضب الرئيس السابق من تصريحات السفيرة البريطانية حول تعطيل التسوية السياسية في اليمن جاء ليؤكد أن السفيرة كانت على حق، حيث عدد البيان الصادر عن مكتب رئيس المؤتمر عددا من المخالفات والخروقات التي قال أن المؤتمر لم يرتكبها، ونسي عدت مخالفات مهمة لم يرتكبها قط، وهي الاعتداء على نشطاء الحراك السلمي الجنوبي وقتل المئات منهم، واستخدام الغازات السامة ضد شباب الثورة السلمية، وتسليم محافظة أبين لتنظيم القاعدة.

*حصل الزميل عبد الكريم جذبا النائب البرلماني عن محافظة صعدة على الدكتوراه في الفقه الإسلامي من جامعة صنعاء، ألف مبروك للزميل عبد الكريم مع أصدق التمنيات له بالصحة والسعادة والتوفيق وتسخير معارفه العلمية في خدمة قضايا الوطن وأهله.

*يقول الشاعر العربي أحمد مطر:

ربنا قال بأن الأرض ميراث الـتـقـاة

فاتقينا وعملنا الصالحات

والذين انغمسوا في الموبقات

سرقوا ميراثنا منا

ولم يبقوا لنا منه

سوى المعتقلات!

aidnn55@gmail.com


في الإثنين 30 سبتمبر-أيلول 2013 04:42:49 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://marebpress.net/articles.php?id=22234