|
هل نعيش مرحلة لعنة الثورات العربية، وتصارع الإرادات حتى بين صانعي التغيير أنفسهم، فتحولات بعض بلدان الربيع العربي فتحت الباب لفصل وأد الثورات وأجهضت تجارب بإرادات (شعبية) قبل أن تأتي ثمارها! كما حدث في اليمن، ومن ثم في مصر وبصورة فاضحة وصارخة، وذلك من خلال ما عُرف بالمرحلة الانتقالية التي تلد فترة انتقالية أخرى فيضيق الأمل، وتتمدد حالات الإحباط والقنوط، فهل قُدر للعرب خياران، دكتاتوريات صارمة او ثورة عارمة، حيث يتراوح تاريخهم الحديث أما لسلطة العسكر والحزب والواحد أو تمجيد الزعامات والخضوع لسيطرة الفرد أو القبيلة والطائفة، او ثورات يشوبها الفوضى والعنف والتأمر من الداخل والخارج.
فقبل نحو عامين او يزيد بدأت ملامح الثورات العربية تتوالى، وقتها هلت بعض التباشير وآمال المقهورين المفعمة تنطلق بالأمل، والرجاء يحلق في آفاق التحولات المنتظرة، تزامن ذلك مع حراك شعبي غير مسبوق شهـــدتهُ بلدان ما عُرف بالربيع العربي، التي تباينت في مظلوميتها، تجمعها رغبة الانعتــاق من حكم الفرد او المجموعة، سواء كانت قبــلية أو حزباً او مجموعة عسكرية تتلحف بالجمهورية وتزعم الديمـــقراطية، ولكنها تمارس أفعال الملكيات الطاغية المطلقة، سواء بالسير نحو التوريث او احتكار مفاصل السلطة وتكميم الأفواه والعبث بمقدرات الوطن.. ويتساءل الكثيرون كيف لنا ان نؤمن باستقرار بلداننا ونحن نتفرق يوما بعد يوم داخل المجتمع الواحد، إما بمسمى سياسي او مذهبي ونحو ذلك، وكيف لنا ان نتفائل بنجاح الثورات ولدينا رواسب الماضي وأحقاد عدة قرون.
ويتساءل آخرون كيف لثورات الربيع العربي ان تنجح والنخب المعول عليها تنجر لأحقاد دينية ومذهبية لقرون خلت، وفي نفس الوقت يتغزلون بالديمقراطية وما بينهما جزمة العسكر، كذلك يتغنون بالحوار والمشاركة الشعبية، وهم في واقع الحال يقصون الآخر، سواء في اليمن منذ انبلاج وحدتها التي وأدت على يد صانعيها لأنهم دخلوها بحسابات شخصية نرجسية، الأمر نفسه في العراق وبلدان الربيع العربي الأخرى، يبدو أن العرب غير مؤهلين للديمقراطية، فرغم ارتفاع حالات الوعي مقارنة بمنتصف القرن العشرين، ولكن على ارض الواقع دخلت النخب لتجييش الشارع وغدا الشارع هو الحكم غير مدرك أن التيار الديني ربما باستطاعته استمالة الشارع أيضا وبنفس الطريقة..!
أحداث مصر التي أقصت أول رئيس مدني منتخب في تاريخها، جاءت بإرادة العسكر أولاً وتهليل الغوغاء بغطاء ما سمي بالشرعية الثورية! وبهذا فقد سنت سابقة وبداية لسلسلة من المأسي والمحن لا يعلم الا الله نهايتها.
أياً كان الأمر لتفاعل الأزمة المصرية، ففي نهاية المطاف الجميع يتفق على أن الشارع المصري الآن منقسم على نفسه بصورة حادة ومتزايدة تنذر بتداعي الوضع الأمني بصورة لم يسبق لها مثيل، وقد تــــتداعى لها بلدان أخرى، فهذه بداهة ليست ديمقراطية يتشـــدق بها البعــــض، إنما هي ديمقراطية نخب مستغربة مستقوية بالخارج، ومن هنا فمآل الأوضاع في مصر هي، إما التمديد لحكم العسكر او مجيء نخب تحت رماح المؤسسة العسكرية تماما، كما هو الأمر في الجزائر وتركيا قبل مجيء حزب العــدالة والتنمــــية، التي كانت من وقت لأخر تنقض على السلطة كان أخرها انقلاب الجنرال كنعان افرين مطلع الثمانينات.
من المفارقات أن الإعلام المصري والعربي يروج لما حدث بأنه ليس انقلابا، بينما صحف غربية يفترض أنها تكون في الخندق المعادي للإسلاميين تستعرض أحداث مصر بعقلانية وإنصاف يختلف كليا عما تتناوله أجهزة أعلام عربية هللت لجزمة العسكر، مشكلة العرب أن أعلامهم يخضع لنخب تروج لأفكار تظلل الرأي العام، كما ان الشعوب غدت تفكر بعقلية حكامها ولا يدركون حجم الفساد إلا بعد رحيل ذلك النظام .
إن ما جرى له آثار وتداعيات قد لا ندركها الآن ولكنها تؤثر في التفكير الجمعي للأمة، حيث عزز الانقلابيون نَفَس المتطرفين الذين يريدون التعامل مع الدول بمنطق القوة والسلاح، وهذا هو الذي حصل في الجزائر بعد سرقة نتائج صناديق الاقتراع، وقد بدأت مؤشرات ردود فعل عنيفة في مصر، وها هو الآن يحدث في سيناء وبصورة تصاعدية لم يسبق لها مثيل، وقد يتحالف السلفيون والقاعدة في مصر مع التيار المعتدل وما يسمى بالإخوان، ولا يتوقع ان تنعكس ردة الثورة في مصر على بعض أقطار بلدان الربيع العربي على الأقل في ما يخص الأمر باليمن، الذي له خصوصيته، كما ان ارث وثقافة العسكر لازالت راسخة في الفكر السياسي اليمني الحالي، فالنخبة الحاكمة ولدت من رحم المؤسسة العسكرية السابقة افتراضا، التي لازالت بأدواتها التنظيمية والإعلامية ولها أتباعها في المؤسستين العسكرية والمدنية التي تحن للجلاد، ولا زالت اليمن تدار بعقلية عسكرية فظة شكلاً وغير مؤثرة فعلياً، فالفوضى هي سيد الموقف ولا وجود فعلي للدولة منذ عقود.
ومن هنا فلا اليمن ولا ربما غيره أيضا سيتأثر ويحاكي أحداث مصر على الأقل في المستقبل المنظور، فاليمن له خصوصيته وتجربته بسلبيتها وايجابيتها، من هنا يعول سواد اليمنيين على الإجماع الدولي والإقليمي بالحرص على نجاح المبادرة التي أهم مفرداتها الحوار الوطني، الذي قطع شوطا لا بأس به، وهو على أعتاب أهم وأخطر مراحله والذي لو قُدر له ان يفضي لنهاية توافقية فذلك يعني التبشير بانبلاج الجمهورية الثانية التي تستند للحكم المدني وسيادة القانون لتعيد هيبة الدولة وقوتها، وبالــــتالي سينعكس ذلك بداهةً على كل مخرجاتها، وسيكون مفتاحاً لحل اغلب معضلات اليمن، سياسية كانت أو اقتصادية… وحينها فقط سيحترمنا الآخرون وسيكون لليمن شأن آخر، بل أن الآخرين سيطلبون ودنا فإصلاح الذات بداية لتقدير الآخرين فكما تكونوا يولى عليكم!
في الأربعاء 17 يوليو-تموز 2013 04:52:16 م