|
الحكام العظام تنبّهوا مبكرا إلى أهمية المساواة في حفظ التوازن المطلوب بين شرائح المجتمع، وتنبّهوا أيضا إلى أهمية جعل المساواة، معيارا دقيقا في إدارة شؤون الناس و المساواة تعني في أبسط تعاريفها أنها نظرة المسئول إلى الرعية بعين واحدة لا تفرق بين هذا وذاك في شؤون الحياة كافة وهي بذلك طريق واضح للعدالة الشاملة كونها لا تتحدد بالكلام فقط، إنما الفعل على الأرض هو الذي يثبت واقعية المساواة وهو الذي يطوّر نتائحها نحو الأفضل على الدوام.
والمساواة عند تطبيقها تزعج المتنفذين الأقوياء وهم أولئك الذين يرون بأنهم أكبر وأهم من الآخرين وأحق منهم بالتفضيل سواء بالمناصب والأموال أو حتى الكلام وهذا الأمر ليس مخصوص بعصر ما ففي كل عصر يظهر فيه حكام عادلون في مجتمعاتهم يكون معيار المساواة محل رفض أولئك المتنفذين من يرون أنفسهم فوق البشر وبالتالي فإن العدل يقتضي انتهاج مبدأ المساواة مبدأ حياة لا يمكن تجاوزه مهما كانت قوة المعترضين على تطبيقه إذ من المعروف أن انتهاج هذا المبدأ يعني ضربا لمصالح ونفوذ الأقوياء والمتنفذين وهؤلاء لن يقبلوا بالتساوي مع عامة الناس وفقراء الشعب لكن الأمر ليس بأيديهم ولا يخضع لرغباتهم وطموحاتهم.
وبما أن قدوتنا وقائدنا رسول البشرية النبي الأمي محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم فقد بنى سياسته في أول عهد لبناء الدولة في المدينة المنورة على المساواة العادلة بين مختلف أفراد الأمّة في تقسيم أموال الأمّة التي هم فيها سواء عليهم بالسوية وبدا واضحا منذ البداية للجميع لاسيما لأولئك الذين يرغبون بتفضيلهم لذواتهم على الآخرين أن تطبيق المساواة كمنهج إسلامي إنساني يحفظ للجميع حقوقهم من دون غبن أو تجاوز خاصة ما يتعلق بتوزيع الأموال على المسلمين.
ولعل من أعظم وأهم العوامل التي آزرت سياسة النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم وعاضدت منهجه في المساواة وتطبيقها على المسلمين جميعا أنه بدأ بنفسه أولا، فكان القائد الأعلى للدولة الإسلامية لا يختلف في المنافع والأموال وما شابه عن أبسط الناس منزلة وقرر الصحابة من بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم مبدأ المسؤولية التضامنية لكل جيل من الأمة على صعيد الدولة والمجتمع معا انطلاقا من حديث السفينة الذي يعتبر: (مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم أستهموا في سفينة فصار بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها فقال الذين هم أسفلها لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا فشربنا ولم نؤذ من فوقنا، فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا وإن أخذوا على أيديهم، نجوا ونجوا جميعا).
وتأسيسا على مبدأ التضامن أكد الصحابة رضوان الله عليهم على حق المجتمع في مراقبة الدولة في التصرف في المال العام إلى حد أن عمر بن الخطاب وأبا ذر الغفاري لم يحبا أن يوصف المال العام بأنه مال الله وآثرا تسميته بمال المسلمين حيث قال أبو ذر لمعاوية \\\"ما يحملك على أن تسمي مال المسلمين مال الله\\\" فنزل معاوية على رأيه والحق أن أبا ذر يعلم أن المال مال الله ولكنه آثر استخدام المصطلح الذي يوحي بحق كل فرد في المال العام وفي الرقابة على إنفاقه في المصاريف الشرعية.
والهدف من توظيف الأموال الوصول بالمجتمع إلى حد الكفاية بحيث تستأصل في المجتمع الإسلامي ظاهرة الفقر النابعة من الفوارق الاجتماعية الكبيرة فعلى الرغم من أن الله فضل الناس بعضهم على بعض في الأرزاق إلا أنه جعل للفقير حقا معلوما في مال الغني بشكل يحقق التوازن في المجتمع تحت رعاية الدولة فمن تعليمات الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لمعاذ بن جبل لما بعثه إلى اليمن على الصدقة أن يأخذ من الأغنياء ويرد على الفقراء وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه لعماله: إذا أعطيتم فأغنوا يعني من الصدقة .
فالمجتمع مسئول مسؤولية تضامنية في إقامة التكافل الاجتماعي تطبيقا لقول الرسول صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم: (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا، ثم شبك بين أصابعه) ومن ثم فإن الفرد يكون مسؤولا عن المجتمع الذي يعيش فيه لأنه جزء منه والجزء لا ينفصل عن الكل والغاية العليا هي سعادة الكل قبل سعادة الجزء وسعادة المجتمع قبل سعادة الفرد .
ولا يعترف الإسلام بسعادة تقوم على شقاء الآخرين وعلى هذا الأساس أجمع الفقهاء على وجوب نفقة المعسر على قريبه الموسر وإن اختلفوا في مدى شمول الواجب لدرجات القرابة. وذهب ابن حزم إلى أنه يجب على الأغنياء في كل بلد أن يقوموا بكفاية فقرائهم إذا لم تكف الزكاة وأن يجبرهم السلطان على ذلك ويدعم ما ذهب إليه ابن حزم حديث الرسول-صلى الله عليه وسلم: (ما آمن بي من بات شبعان وجاره إلى جنبه جائع وهو يعلم)
وفي ضوء ما سبق يكون هدف تحقيق التكافل الاجتماعي بين أفراد المجتمع وكفالة أصحاب الحاجات والمعوزين على أساس الحق العام للأفراد في المشاركة والاستفادة من ثروات الطبيعة تطبيقا لقوله تعالى : (خلق لكم ما في الأرض جميعا)
في الجمعة 12 يوليو-تموز 2013 04:29:31 م