مأزق الإخوان في اليمن ومصر..التحدي الأكبر بعد الثورات
رياض الأحمدي
رياض الأحمدي

مشكلة الرأي العام في اليمن وعموم الوطن العربي، أنه لا يهتم بما يجب الاهتمام به، ويظل ممسكاً ببعض ما شاع وترسخ في لحظة سياسية سابقة، في حين أن اللحظة التاريخية قد سبقته، وقواعد تقييمها قد تغيرت، ناهيك عن أن العاطفة ومصادر التثقيف التي شكلت موقفه، هي نفسها لم تكن دقيقة.. وهو ما يمكن التعبير عنه بأنه مسابقة الزمن.. ومن يمسكون باللحظة هم من يكسبون الظروف. لذلك لازال الكثير ممسكاً بإسرائيل كعدو، ويحاول التكيف مع الحقيقة الجديدة التي اتضحت.. وهي أن إيران أكثر شراً ودماراً.

ولنأخذ مثالاً: كان الإخوان المسلمون في ثمانينات القرن الماضي، يعتقدون أن نظام النفاق الطائفي الذي قام في إيران يدافع عن الإسلام، وأن العراق بقيادة صدام حسين، كان يحارب باسم أمريكا، الآن وبعد أكثر من ثلاثة عقود، تأكد لمن كان يعتقد ذلك من الإخوان أن نظام إيران لا علاقة له بالإسلام إلا معاداته.. وأن من يحارب مدعوماً من أمريكا وإسرائيل هو إيران، ومن يراجع خطابات صدام حسين وأدبيات تلك المرحلة.. سيلاحظ أنها لا تختلف عن هذه الفترة، التي تدعي فيها أمريكا أنها مع الثوار في سوريا وهي صامتة عن نظام الأسد وحزب الله ومشاركة إيران العلنية.. وتأكد للإخوان بعد كل تلك السنوات أن مئات الآلاف من العرب والمسلمين قد ماتوا بنيران نظام الخميني الذي لم يطلق رصاصة باتجاه إسرائيل (باستثناء مسرحيات حزب الله).. وهذا موضوع آخر يحتاج إلى توسع..

لكن المهم هو أن الإخوان اكتشفوا أنهم كانوا متأخرين عن العراق ثلاثة عقود (مع الاعتراف بوجود أخطاء للجميع حينها)، فعمليا بدأ تصدير الثورة فور صعود الخميني، وكانت أسباب الحرب هي أسباب مشابهة لما يجري اليوم. والخطاب الذي يتحدث به الناس اليوم عن الدموية والطائفية الإيرانية هو ما كان العراق يقوله ذلك اليوم.. مع الاختلاف في بعض المفردات بين قومية وبين دينية لا تستحق الذكر.

كان معروفاً لدى العراق ولدى إخوان سوريا أن نظام الأسد منذ أول سنوات حكمه، يوالي إسرائيل، وهو جزء لا يتجزأ منها، ولكنه يتغطى بثوب آخر... واليوم يتحدث بعض الكتاب من ليبراليين وإسلاميين بغرابة وتعجب عن العلاقة بين بشار وإسرائيل.. ويتساءلون عن السر؟. مع أنه معروف لكل من كان ممسكاً باللحظة قبل أكثر من ثلاثين عاماً.. راجع خطاب صدام حسين وهو يقول: سقطت الجولان بدون رصاصة واحدة، وأرسلنا الجيش العراقي لإيقاف تقدم قوات العدو الصهيوني ومواجهتها فأصدر حافظ الأسد أمراً لها بالتوقف وأعلن عن اتفاق تهدئة.. "وعاد الجيش العراقي والمرارة في نفوسنا جميعا".!!

المهم، احتاج الإخوان، وغيرهم من القوى العربية المتأخرة، عقوداً ليواكبوا ويحسنوا علاقاتهم بالغرب ويثبتوا قدرتهم على التأقلم مع موازين العالم الحديث، ثم وصلوا لمرحلة الثورة على هذه الأنظمة، وكانوا ربما على رأس اللحظة، لكنهم قفزوا فجأة، ما جعلهم لا يتصورون طريقها وتحدياتها بالضبط.. ما يجعل الاكتشافات مستمرة.

فعملياً، تسرعوا في مصر، فوقفوا وحدهم أمام تحديات المرحلة الانتقالية، تلك التي جعلت من مؤشرات عهد مبارك أكثر أمانا من بعض ما هو اليوم.. فالغرب الذي يضع في سياسته أمن إسرائيل، يعرف أن الإخوان يقدمون التنازلات تكتيكاً لحين الانتهاء من ترتيب البيت الداخلي والاستقرار بالحكم، ومن ثم سيتغير تعاملهم، لذلك هو يعلم أن الفترة الانتقالية هي الفرصة الذهبية للنجاة من القادم الذي لابد منه.. فيجري سيل من الضغوطات والألاعيب بعوامل القوة المستقبلية، من خلال تقسيم المقسم، واستغلال المعارضة الداخلية للضغط والمزيد من تدمير الجيوش، وصولاً إلى إفشال هذه المرحلة.. ومن ثم سيتحولون من مشروع دولة إلى أقلية مساهمة أو مدانة تحاكم من قبل الشعوب بتهمة التفريط بالأوطان..

ولنأخذ مثالاً موقف مرسي: ينتظر الانتهاء من الداخل لكي ينظر إلى شعب مسلم يتم ذبحه بأبشع الأساليب من قبل تحالف دولي إجرامي.. ويعرف هذا التحالف أن مرسي ينتظر الانتهاء من الداخل.. لذلك ستظل القلاقل في الداخل لأنها أمل الخارج المعادي الوحيد.. فلا هو كسب المعركة الداخلية ولا معركة المبادئ.. لدى مصر مليون ورقة سياسية تستطيع أن تلعبها من أجل سوريا وتتحول من ملعوب فيه بالداخل إلى لاعب بالخارج.

في اليمن، الإخوان ممثلون بالتجمع اليمني للإصلاح، وهم متقدمون في فهم المشروع الإيراني الإمامي مقارنة بنظرائهم، ثاروا وكانوا القوة التي لا تقارن، ثم تم إيصالهم إلى مؤتمر حوار في أحد فنادق العاصمة، كأقلية لا تتجاوز 10% من حيث التمثيل، وهم القوة الأولى المعول عليها والحاضرة في الشارع،.. بينما كانوا منشغلين بإثبات حسن النوايا والتزحلق إلى "العمل السياسي" بشكل غير مدروس.. ثم اكتشفوا لاحقاً، بعد أن تربعوا في مؤتمر الحوار، أنهم كانوا في وهم... وأن اليمن معرض للتقسيم...

وتعالوا لنقيس التحديات: إذا حدث التقسيم، سوف ينبذهم الشارع الانفصالي في صعدة وأقاليم الأطراف المنفصلة ، لأنهم لم يكونوا معه.. ولأن مشاريع التمزيق موالية لدوائر صهيونية وإيرانية لن ترضى عنهم حتى يتبعوا ملتهم.. وعامة الشعب اليمني الذي تعرض لخديعة تاريخية، لا سمح الله، سوف ينبذهم لأن الثورة التي كانوا قي مقدمتها أدت إلى سقوط وحدة الوطن، الثابت والمنجز الأول لدى كل شعوب العالم..

موقف التجمع اليمني للإصلاح الذي صحا وتنبه للخطر الحوثي والحراك الانفصالي، هو الآن في المكان السليم.. لكنه لم يزل على استحياء.. فهم عملياً لا زالوا مشاركين بالحوار الذي يتجه لتقسيم اليمن إلى أقاليم هي أقرب ما يكون إلى دويلات أو نواة دويلات تحتاج بعض السنين أو الشهور لكي تنفصل رسمياً. وإذا كنت لا تستطيع مواجهة مخرب خطوط الكهرباء، كيف سوف تستعيد أقليماً يستفتي ويعلن الانفصال!!..

ولا زال بيد الإصلاح إلى اليوم أن يقلب الطاولة على الجميع إذا خرج على كافة الالتزامات السياسية، ولجأ إلى الحصن الحصين المتمثل في المبادئ والأسس الوطنية وسنن التمكين.. وأعلن صراحة رفضه لكل ما يمكن أن يؤدي إلى تفتيت الدولة واتجه للاقتراب من الشعب وحشده إلى صفوفه، خصوصاً أن الناس يشعرون بالخطر والفلتان السياسي وأن الوطن بلا حارس .. فهناك قوى متناقضة تقود السفينة، كلٌ إلى ما تريد، لا قوة دولة تتقدم بالشعب إلى الأمام..

ولا زال الرأي العام في بعض قواعد الإصلاح والأحزاب الوطنية الأخرى.. متأخرين، يحاولون التأقلم من تحديات اللحظة الجديدة، عالقين في اللحظات السابقة، فالبعض مثلاً، يتحدث عن أن النظام السابق يستخدم الحوثيين.. لأن الصورة الذهنية المطبوعة تكررت وتراكمت على حيلة ومكر النظام السابق.. وهو لا يعرف أن اللحظة التي نعيشها الآن قد تغيرت مقاييسها وأبعادها.. فالحوثي يستخدم بقايا النظام السابق وليس العكس، باعتبار أن صالح ومن معه من عائلة وشلة سياسية تعيش لحظات الغروب وتنفق ما علق بيدها من مال وقوة.. بينما الحوثي مشروع حكم سلالي طائفي لديه جذور تمتد مئات السنين وعقيدة عنصرية طائفية وخبرة متراكمة في الوصول إلى الحكم على جثث اليمنيين..

لننتقل إلى خلاصة:

هذا الانتقاد ليس لتثبيط المسير، بل للمراجعة والتنبيه والتذكير بطبيعة الأخطاء، للقوة الأبرز على الساحة العربية والإسلامية التي تتعرض لمنعطفات خطرة وتحديات غير مسبوقة..

فالمطلوب من مرسي هو أن يدرك أن سياسته الناعمة مع إيران، تجلب عليه غضب الله، وتجعله يكتشف متأخراً، ما اكتشفه قبله العالم، وهو أن مكر النظام الطائفي الإيراني وعداواته للإسلام والمسلمين لا تقف عند حد.

وعليه أن ينتقل من ملعوب على صفه الداخلي إلى لاعب خارجي يجعل العالم يسعى إلى مراضاته، والشعب يصطف إلى جواره..

والمطلوب من الإصلاح هو التنبه إلى أن المرحلة لم تعد تحتمل التأخير ولا التعريف، عليه من الآن، أن يتحرك ويرفض رفضاً قاطعاً أي مهزلة لتقسيم البلاد في لحظة ضعف..

قد تتعرض جميع المدن السورية للذبح على طريقة القصير، وهذا خيار محتمل، وهناك قاتل كبير، ليس مجرد مستبد محلي، بل تحالف دولي صهيوإيراني.. مستعد لإبادة بلد بأكمله واستبدال سكانه.. فين حين كان الإخوان في مصر غارقين في تفاصيلهم اليومية وإخوان اليمن غارقين في استيعاب اللحظة الجديدة والبحث عن طرق لشرحها.. ومن ثم البدء.. ماذا تبقى؟ ولن ينجح مخطط إبادة الشعب السوري إلا إذا تورط الإخوان أكثر في اليمن ومصر. بحيث لا تقوم دولة من دول الربيع، ولو قامت فهي دولة قوى تابعة لا دولة قوية تستطيع فعل شيء..

هذه أمور تحتاج إلى وقوف عميق، لأنها مرحلة متقدمة من التحديات، وهي مواجهة الاستبداد العالمي بعد القضاء على الاستبداد المحلي الذي ما زالت عروقه تنبض بسبب المد الخارجي .. والحل مع كل هذا الخطر، هو العودة إلى المبادئ والأسس، والتخلي عن الالتزامات والتكتيكات السياسية المجربة، نبذ كل العصبيات والمصطلحات المزيفة والطارئة، والتقوّي بالشعوب لا بالتنظيمات... بإثبات القوة لا العجز.. لو كان هذا المسلسل السياسي الإثباتي الضياعي يجدي ويصل إلى طريق، لما احتاج خاتم الأنبياء والمرسلين إلى المواجهة مع الكفر، ولكان دعا إلى مؤتمر حوار بحيث يتنازل عن نصف الإسلام ويتنازلون عن نصف الشرك...!!

في السابق كان الإخوان ملاحقين من الأنظمة الفاسدة، وإذا فشلت ثورتهم وأدت إلى تقسيم البلاد فإنهم سيكونون ملاحقين من قبل الناس... ومن سجون الأنظمة إلى مشانق الشعوب. ولا زال الأمل كبيراً بالله أن يصحوا المتأخرون!.


في الثلاثاء 11 يونيو-حزيران 2013 04:36:15 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://marebpress.net/articles.php?id=20823