|
نحو قرن من الزمن واليمنيون تواقون لهوية وطنية ، فلا غرابة فاليمن من أوائل البلدان الناشئة التي حاولت تأسيس دولة مستقِلّة عن الدول التي سيطرة على معظم البلدان العربية وانْعتقتّ بخروجها من سيطرة الإمبراطوريات التي سادت المنطقة لحقب متعاقبة من الزمن سواء العثمانيين او الدول الأوروبية ، وكانت بمقياس ذلك الزمن في المستويين الحضاري والاقتصادي قريبة من ظروف اغلب بلدان المشرق العربي وتحديدا بلدان الجزيرة العربية. وكانت أيضا من أوائل البلدان أنظمت للجامعة العربية والأمم المتحدة .
يكمن الإشكال بين اليمنيين شمالا وجنوباً منذ عقود هو الصراع والتهافت على المناصب حتى بين المكون الواحد والأسرة ذاتها ابتداء من آل حميد الدين وانتهاء بعشيه انشقاق المؤسسة العسكرية والتي كانت أحد أسباب أفول قيادة ثلث قرن مضت ، ومن ضمن أسباب زوال حكم الدولة المتوكلية في العهد الملكي هو اختلاف الأسرة وزاد ذلك بعد ثورة 48 عندما حدث الشرخ في كيان الأسرة الحاكمة فتمحور بين كتلة محمد البدر وعمه الحسن بن يحى والذي ابعد فيما بعد منفاه الاختياري سفيراُ للملكة اليمنية المتوكلية لدى الوفد الدائم في نيويورك فالمتنورين والذين سموا بالبدريين نسبة لنجل الإمام احمد بن يحى حميد الدين والذي كان يحظى بدعم وإعجاب الشباب المتنورين ومنهم الشهيد الزبيري والنعمان وكثير من المتنورين بينما كان الحسن يمثل الحرس القديم والتيار المتشدد مذهبيا وجامد فكريا وعرف ببخله وعنصريته الفجة ، وقد استفاد آل سعود من تلك الدروس التي آلت للثورة اليمنية والتي دخلت في مأزق صعب أشبه بما نعيشه اليوم مع الفارق بأن العوزّ الإقتصادي أكثر حدة من ألان إلا أن طبيعة الشعب آنذاك بعد خروجهم من مجتمع مغلق لم تكن الطبيعة الاستهلاكية قد تطبعت بهم ويكفيهم قوتهم وحياتهم البسيطة التي هي أشبه بما قبل منتصف القرن رغم أن أحداثها في بداية الستينيات...
كما ان من طبع بعض من أهل اليمن للأسف هو الارتزاق لمن يجود لهم سواء من أبناء جلدتهم ، وغيرهم ، ويحتمون ويرتهنون بالأجنبي إذا اقتضى الأمر ابتداء من سيف بن ذي يزن رغم وطنيته إلا انه بعد ان استعان بالفرس لخروج الأحباش فقد استقدم الفرس لاحتلال اليمن ولم ينقذهم من الإمبراطورية الساسانية سواء دخول اليمنيين الإسلام المتزامن مع بداية انهيار إمبراطوريتهم الفارسية.
وفي التاريخ الحديث عرف اليمنيون سنوات الفلتة بين الاحتلالين العثماني الأول والثاني فسادت الفوضى وكثر الأئمة في عصر واحد ، اضطر أعيان اليمن حينها بالاستنجاد بالعثمانيين بإرسال وفداً لمنشادة الباب العالي في الأستانة ليعودوا لاحتلال اليمن خيرا لهم من سنوات الفوضى ، وما أشبه اليوم بالبارحة فالذين يتباكون اليوم على ارتهان اليمن للأجنبي، مع انه لا حل غيره ربما إلا الصوملة لعل في ذلك رحمة لشعب يتغنى بحمل السلاح ويولد في منتصفة خنجر وشعب يمتلك ضعف نفوسهم أسلحة فتاكة..ولهذا فأن ارتهان اليمن من قبل نُخبة السياسية للأجنبي طوعاً وبإرادة أغلبية اليمنيين تقريباً ويعتبر بمقياس الظروف والزمن فضيلة سياسية لا جدال في ذلك! وذلك في مقابل القبول والتضحية بمبدأ الحصانة التي لم تقدر وتحترم للأسف .
وفي الحرب بين الملكيين والجمهوريين والتي استمرت سنوات بعد الثورة على عكس الانقلابات والثورات الجمهورية في مصر والعراق على سبيل المثال فقد تمت بين عشية وضحاها بينما الانقلاب في اليمن استمر بضع سنوات ! وكان بعض القبائل والمشايخ على حد قول بعض المؤرخين جمهوريين في النهار وملكيين في المساء وكانوا على استعداد لم يدفع أكثر..!
كان اليمن منتصف السبعينيات مهيئاً للولوج لفترة مدنية وبدأت مؤسسات الدولة تفرض هيبتها ولكن بسبب النفوذ القبلي المعروف فقد وأدت تلك التجربة للأسف وجاء عصر ازدهارا منذ نهاية السبعينيات وحتى ثورة الربيع العربي، كذلك الدولة الفتية في جنوب اليمن كانت رغم مركسيتها إلا أن الوزراء فيها كانوا أشبه بالأولياء الصالحين في تعاملهم مع أموال الدولة مقارنة بالمسئولين في عهد الوحدة ومن كل محافظات الجمهورية في الشمال والجنوب فقد تغيرت طباعهم بفضل سياسة الفترة التي أعقبت إعلان الوحدة.
ولهذا ونتيجة قيادة الثلاثة العقود فقد كانت دولة الوحدة خلاصة ليس للأخذ بأفضل التجربتين بل اخذوا الأسوأ في كلا التجربتين وسميت مجازاً وحدة ! ، والمهم في ذلك الزمن هو الحفاظ على رأس الدولة وبقائه أكثر فترة ممكنة من أي شئ آخر!.
من اخطر المفاهيم التي عُلقت بالذهنية اليمنية هي عدم الثقة بالدولة وبالنظام والقانون وسادت ثقافة القبيلة بغطاء العسكرتارية لثلث قرن ، ولهذا فأن مأساة هذه الأيام تبدو نتيجة منطقية لتلك التركة الثقيلة ، فخلال ثلث قرن قلّ دخل المواطن اليمني إلى أقل من ربع القيمة الفعلية لمواجهة الحياة ، لأن ميزانية الدولة أنفقت أما هدراً لعبث قيادته لمراضاة شخصيات بعينها سواء بالمال او بالمناصب ، فظلا عن عدم التخطيط الحقيقي لنمو دولة ، فأنفق الكثير للجيش وفساده في الحروب العبثية بحيث كان ينفق له فقط بدون الأمن أكثر من ميزانية ثلاث أو أربع جهات مجتمعة كالتعليم والصحة والكهربا والمياه !
كذلك وبعد الوحدة تحديدا نهج الإعلام أسلوباً تخريبيا فاشلاً يجرنا لمفاهيم وأساليب الستينات والسبعينات غير مدرك بأن العولمة قد فرضه نفسها فيكابر بمفاهيم مغلوطة تلقى لها قبولا لدى أوساط الشعب الذي أكثرته من الأميين والبسطاء والذين تسودهم المفاهيم القبلية والعصبية المغذاة بصورة او بأخرى ، فالإعلام اليمني على مدى عشرون عاما وما يزيد حاول غسيل دماغ العامة بمفاهيم مغلوطة في صورة نهج ديمقراطي زائف ، إدراكاً منهم بأهمية سلاح الأعلام فقد قال الشهيد الزبيري في مأساة (واق الواق) بأنه في مسرحيته الافتراضية بأن الإعلاميين هم أكثر أهل النار حضورا لأنهم لكونهم يسيرون في تضليل الرأي العام بأسلوبهم السهل الممتنع سواء كانوا أبواقاً لسلطة او غير ذلك فليس بالضرورة ان الجانب السلبي للإعلام فقط من كان يسير في تمجيد الزعيم الضرورة ولكن تتحمل المعارضة وزراً لا يقل ضرراً.
وكان يفترض الاهتمام بمخرجات التعليم والصحة التي ينفق لها ملايين للمضطرين خارج بلادنا ، وإرساء ثقافة التسامح والوطنية الحقيقية دون تمجيد زعامات تماما كما فعلت بلدان تعد بمقاييس الثروات اقل من اليمن كالأردن التي اهتمت بالتعليم والصحة منذ الستينيات وهاهي تجني ثمار ذلك في سياحة صحية تدر عليها أموالاً طائِلة ، وكوادر مؤهلة تساهم في بناء بلدهم وتصدر للخارج بدلا من العمالة الغير مؤهلة . ذلك كان المفترض والمؤمل من سواد الشعب ، فهكذا تبنى الأمم!
ووفق هذا المفهوم يسير كثير من المفكرين ورجال القانون والتشريع وأولهم المثقفون من الأدباء والساسة وعلماء الاجتماع فقد قال ابن خلدون في مقدمته الشهيرة بأن الدولة كالإنسان تشب وتشيخ وفي آخر عهدها يقودها أراذل الناس!
فساد وركود في كل المؤسسات ولسان حال الشعب بأن اليمن بلدا جميلا ولكن للأسف يسكنها يمنيون !
والهم العربي يكاد يكون نفسه وإن اختلفت أساليبه في أكثر من بلد من بلدان الربيع العربي ففي العراق حرب طائفية شعراء ولكنها لم تصل إلى ضرب أبراج الكهرباء وأنابيب النفط! كذلك في سوريا .. ولكن يوعز الكثير بأن مشاكل البلدين تكمل في الطائفية المقيتة وغياب الديمقراطية . في حين يبدوا ان اليمنيين لهم مذهبهم في الفوضى تتجسد في غياب تشريعات قانونية صارمة ، فهم يتمتعون بديمقراطية لا حدود لها تصل الى درجة الفوضى أبرزها فتح باب التعبير الإعلامي على مصراعيه وهذه من بدعة الرئيس السابق الذي اعتمد على الأعلام في اللعب بعواطف عامة الشعب الذي يغلب عليه الأمية والعصبية والقبلية .
ولو تمت مقارنة ما عملته ما سُمى بالقاعدة في اليمن وما يسلكه المخربون على مدى نحو عامين من تخريب البنية التحتية فلا مجال للمقارنة ، فمشكلتنا ليست قاعدة بالدرجة الأولى ولكنها تخريب من داخل جسد الدولة التي يحكموا نصفها ويعارضون النصف الأخر!
في الجمعة 24 مايو 2013 07:18:36 م