|
لقد أدرك الإمام البناء مدى حاجة الأمة العربية والإسلامية إلى من يجدد لها أمريها الديني والدنيوي في القرن العشرين فانطلق بتهيئة وتوفيق من الله واضعا كتاب ربه وسنة نبيه في يمينه واحتياجات زمانه ومكانه ومجتمعه في يساره بثقة كاملة دون تردد أو توقف أو عودة للخلف وبتوازن وتكامل واعتدال في الأهداف والوسائل والنتائج في كل الجوانب والتخصصات الحياتية المتاحة محققا في فترة وجيزة هو ورعيله الأول رغم قلة عددهم وعدتهم شيئا لا بأس به من أهداف ووسائل دعوته فأقلق بذلك أعداء الأمة العربية والإسلامية خصوصا من أراحهم وأرقهم وصل إليه حالها آن ذاك ولفت أنظارهم إليه فأصبح وأصحابه وأنصاره تحت دائرة الضوء وهدفا مباشرا لهم فصوبوا جميعا سهامهم نحوه بكل شراسة ودون رحمة أو رأفة فأردوه شهيدا قبل أن تغوص في أعماق البحار سفينته وقبل أن يستكمل تشييد عمدان بنايته ولم يقف أولئك عند هذا الحد فحسب بل اتجهوا مباشرة إلى استئصال أتباعه وورثة دعوته قبل أن تصقل وتتبلور خبراتهم وتجاربهم الدعوية والواقعية وقبل أن يشتد عضده ويقوى عودهم فأذاقوهم من الشر والبلاء في أنفسهم وأهليهم في أموالهم وأعمالهم مالم يكن في حسبانهم أو يخطر ببالهم ودون أن يسمحوا لهم باستعادة أنفاسهم والتشافي من أمراضهم وترتيب أوراقهم ولملمة صفوفهم فمر الإخوان بفترات عصيبة وتحديات عدائية شاملة ناتجة إما عن عداء ديانات وايديولوجيات أو طرق وأفكار ونظريات لها جذور حضارية وثقافية وإما عداء خوف على زوال ملك أو ترتيبات أو تفاهمات أو تقاسمات أو تعاهدات وغيرها من المصالح المشتركة والمتبادلة تم التوافق عليها في الماضي أو سيتم في الحاضر والمستقبل بين أطراف عديدة على مستوى الدول والأقاليم والأقطاب الدولية وإما عداء خوفا على طقوس ومعتقدات وعادات وتقاليد وأعراف مبتدعة تم ترسميها وترسيخها في المجتمعات العربية والإسلامية على حين غفلة وجهل.
كل هذه التحديات والعداءات والعوائق واجهها الإخوان المسلمون وحيدين منفردين بصبر وثبات وشموخٍ وتحدٍ دون أن يداهنوا أو يتوسلوا أو يتراجعوا أو يتنازلوا قيد أنملة على حساب مبادئهم وقيمهم وطموحاتهم تجاه شعوبهم وأمتهم ودون أن تهتز ضمائر أي جهة أو تتحرك عواطف أي طرف محلي أو أقليمي أو دولي بغرض التدخل لمنع أو تخفيف ما يتعرض له الإخوان من انتهاكات فاضحة وحرب شعوا وحقد أعمى حتى وإن أبدى نظام أو زعيم تعاطفه نحوهم فمن باب العمل المسرحي الذي ظاهره الرحمة وباطنه العذاب أضف إلى تلك التحديات والعوائق التي واجهها الإخوان تحديات وعوائق أخرى مباشرة وغير مباشرة أثرت سلبا في سرعة انطلاقاتهم نحو النور والكمال وجني الثمار.أولها: تبعية حكام العرب والمسلمين للغرب حيث انعكست تلك التبعية على واقع أنظمتهم فتميزت بالظلم والقهر والاستبداد والإفقار والتجويع والتجهيل والتي ظهرت آثارها السلبية جليا على واقع شعوبهم . وثانيها: تعدد الولاءات في المجتمعات العربية والإسلامية تبعا لتعدد الأيدلوجيات والأفكار والطوائف والمذاهب والسياسات والمصالح . ورابعها: استفراد القطب الغربي بزعامة أمريكا في الهيمنة على العالم خصوصا بعد تفكك وضعف قطب التوازن والذي كان يمثله الاتحاد السوفيتي أنذاك حيث كان يخفف كثيرا من شدة وطأة الهجمة الغربية الشرسة ضد المسلمين.خامسها:حساسية المسلمين من الفكر الشيوعي الذي يقوم على أساس لا ديني (لا إله والحياة مادة ) وحساسيتهم أيضا من النظرية الاقتصادية التي من مبادئها الـتأميم علما أن هذه الحساسية المفتعلة بين الروس والمسلمين قد خفت كثيرا عندما اكشف المسلمون أنهم دفعوا لها دفعا من قبل أطراف محلية وإقليمية ودولية لها مصلحة في نشوئها وانتهت هذه الحساسية تماما أو كادت عقب ثورة البرستريكا1991م . سادسها : نظرة المسلمين إلى أصحاب الديانات السماوية كالديانة اليهودية والنصرانية مثلا حيث إن المسلمين ينظرون إليهم بنظرة أقل حساسية مقارنة بنظرتهم إلى الشيوعية لوجود علاقة سماوية بين تلك الأديان وبين دين الإسلام والواقع أثبت أن من يحكم النصارى ويتولى شئونهم و يحكم اليهود ويسير أمورهم ليس له علاقة بتلك الأديان لا من قريب ولا من بعيد بدليل أن ما يواجهه المسلمون من تآمر وعداء وحروب على كل المستويات وفي كل الجوانب من قبل أصحاب تلك الديانات السماوية وبالتحديد من قبل أنظمتهم أشد وأنكى مما يواجهونه من غيرهم . سابعها: الحروب التي جرت في المنطقة العربية والإسلامية سواء بين عرب وعرب أو بين عرب ومسلمين أو بين عرب وغير مسلمين أو بين مسلمين وغير مسلمين أو بين مسلمين ومسلمين وطبيعة وأسباب تلك الحروب وأهدافها وأطرافها والداعمين والمعارضين لها والمنتصر والمنهزم فيها والخاسر والمستفيد منها وآثارها على المدى القريب والبعيد . ثامنها :الجانب الاقتصادي لدى المسلمين وما هي مصادره ومدى قوته ومن المهيمن والمؤثر عليه وإلى أين تصدر منتوجاتهم ومن أين تستورد احتياجاتهم وما هي البلدان التي يهاجرون إليها بغرض العمل أو الدراسة أو التجارة أو السياحة أو للعيش والاستقرار أو اللجوء السياسي. تاسعها : ظهور التطرف الإسلامي في بعض دول العالم وما نتج عنه من حروب شاملة ضد الإسلام والمسلمين تحت ما يسمى الحرب على الإرهاب وما نتج عنه أيضا من تدخل سافر في الشئون الداخلية للدول العربية والإسلامية وما تبعه من انتهاكات ضد شعوبها .عاشرها :عدم وجود دولة للإخوان المسلمين ينطلقون من خلالها للإقليم والعالم أو على الأقل وجود دولة يشارك في حكمها الإخوان بشكل جزئي . الحادي عشر : عدم وجود حلفاء وأصدقاء للإخوان المسلمين سواء على مستوى دول دائمة العضوية في مجلس الأمن أو على الأقل من دول الصف الثاني والثالث في المجلس وإن وجدت بعض الادعاءات من قبل بعض الدول بصداقتها مع الإخوان فمن طرفٍ خفيٍ خائف لا يقدم ولا يؤخر هذه الضغوط والصعوبات والتحديات والعوائق التي واجهها الإخوان المسلمون أثناء مسيرتهم الدعوية أفقدتهم شيئا من توازنهم في بعض الجوانب منها
1- في ترتيب بعض أولويتهم الزمانية والمكانية
2- في كيفية التعامل بدقة مع الواقع المجتمعي الخاص والعام المحلي والإقليمي والدولي
3-في صنع علاقاتهم وسياساتهم الدولية 4
- في إيجاد حلفاء وأصدقاء وكذلك في تحديد وبشكل دقيق منهم القريبين منهم والبعيدين والبعيدين جدا
5- في تحديد مواعيد تحقيق الأهداف الإستراتيجية
6- في الدفاع عن أنفسهم وأنصارهم أمام الهجمة العدائية من قبل أعدائهم وخصومهم
7- في صناعة الأحدث الدفاعية والوقائية.
نتج أيضا عن تلك التحديات والعوائق واختلال التوازن بعض السلبيات
1-الهروب نسبيا من الواقع العام وكثرة مشاكله ومعانته ومتطلباته إلى الواقع الخاص ومحدودية تبعاته
2-السير ببطء مع الرضاء بالقليل من الانجازات
3-الاهتمام بالجانب النظري والتنظيري على حساب الجانب العملي والتطبيقي
4-ضعف في تأهيل و توظيف طاقاتهم البشرية والاستفادة منها
5-الاهتمام بجوانب وتخصصات وإهمال جوانب وتخصصات أخرى
6-العشوائية في بعض الأعمال وعدم دقة في أخرى
7-الاكتفاء في بعض الأحيان بالتشخيص ووصف الحالة والانتظار لما سيأتي به القدر من علاج
8-انخفاض نسبة الثقة بمن حولهم
9- الاهتمام بالعموميات وعدم الخوض كثيرا في التفاصيل والجزئيات
10-اعتماد السلمية الزائدة في المواجه مع حكامهم رغم شدة أذيتهم وجبروتهم وطغيانهم وتعنتهم لهم.ومع هذا وذاك واصل الإخوان سيرهم حيثما وجدوا بخطاهم الثابتة ووسائلهم المتواضعة وباستقلاليتهم المعهودة دون أن تؤثر في مواصلة تقدمهم بشكل كبير كيد الكائدين وظلم الظالمين فقد واجهوا ظلما وعدوانا على مرئا ومسمع كل العالم لماذا ؟ لأنهم أصحاب رؤيا ومشروع حضاري لإنقاذ شعوبهم وأوطانهم لأنهم يريدون أن يعيدوا لأمتهم الحق المنهوب والكرامة الضائعة والقوة المطمورة والسيادة المصادرة والحرية المنتهكة لذا نقول لمن حارب أوشارك أو ساعد في حرب الإخوان من الداخل أو من والخارج لقد ارتكبتم خطأً تاريخيا شنيعا لأنكم لن تجدوا كالإخوان - حتى هذه اللحظة- سلمية وحوارا وواقعية واعتدالا وشفافية وحرية واستقلالا وقبولا واحتراما للآخر وحقوقه, ونقول لحكام العرب والمسلمين الذين أذاقوا شعوبهم صنوف الضيق والهم والغم لن تجدوا من سيناطح وبوسائل سلمية قهركم وظلمكم وفسادكم واستبدادكم وألاعيبكم ومخططاتكم ضد شعوبكم كالإخوان لن تجدوا من يستحيل شراء ولاءاتهم وسكوتهم ومن تقفون أمامهم ضعافا حيارى عاجزين مهزومين كالإخوان لن تجدوا من سيصبر على أذاكم ويتحمل عنجهيتكم وتعنتكم وتجاهلكم وبالمقابل من سيعفو عنكم ويفتح معكم صفحة جديدة إن أحسنتم نواياكم تجاه شعوبكم كالإخوان.
أيها الحكام بسبب هذه الصفات التي يتمتع بها الإخوان أعلنتم أنتم وشركاؤكم حربكم الضارية والخاسرة ضدهم وبسبب هذه الصفات التي يتمتع بها الإخوان خرجت الشعوب العربية في ثورات الربيع السلمية الشعبية العارمة التي فاجأت وأدهشت العالم تأييدا ونصرة للإخوان ولكل الأحرار من جهة ومن جهة أخرى خرجت ضدكم متحدين كل جبروتكم وطغيانكم مضحين بكل غال في سبيل الإطاحة بكم وفعلا لقد أطاحوا بكم غير مأسوف عليكم . لهذا نتوقع من الإخوان المسلمين عقب ثورات الربيع العربي أن يكونوا عند حسن ظن شعوبهم بهم خاصة بعد حصولهم على ثقتهم وتأييدهم المطلق وأن ينطلقوا بأنفاس ونفوس جديدة وبثقة مطلقة بأعضائهم وأنصارهم ومجتمعاتهم من حولهم وأن يضعوا أسس ومعايير جديدة لاختيار حلفائهم وأصدقائهم الدوليين والإقليميين وأن يخرجوا من شبه عزلتهم لينفتحوا على مجتمعات وشعوب العالم أكثر من ذي قبل وأن يسلكوا آفاقا مغايرة لصنع سياسات وعلاقات جديدة مع دول وأقطاب ذات موقع وتأثير دولي وبالمناسبة لقد أسعدنا كثيرا ذهاب الرئيس المصري محمد مرسي إلى إيران والصين وروسيا والبرازيل كما أسعدنا أيضا زيارة الرئيس الإيراني أحمدي نجاد إلى جمهورية مصر العربية وكذلك زيارة الرئيس اليمني عبده ربه منصور هادي إلى روسيا كما نتوقع أيضا من الإخوان عقب ثورات الربيع العربي وأن يرفعوا سقف حرية الكلمة والرأي والمشاركة وأن يضعوا حدا للتآمر والتحريض والتشويه والانتهاك والقمع والتنكيل ضدهم وضد أنصارهم وشعوبهم نتوقع من الإخوان المسلمين عقب ثورات الربيع العربي أن يعرفوا بأنفسهم بأخلاقهم بمبادئهم بسلوكهم بأهدافهم بوسائلهم بمشروعهم بإسلامهم مباشرة لدى شعوب وحكام العالم وأن يزيلوا ما علق بأذهانهم وعقولهم ومخيلاتهم ومشاعرهم من سلوك وتصورات وأفكار سلبية وإشاعات وتهم جائرة مغرضة ضد الإسلام والمسلمين عموما وضد الإخوان المسلمين خصوصا فنحن لا نشك بأن معظم الشعوب في العالم الغير مسلمة بل وبعض المسلمين فيها بمجرد أن يسمعوا عن المسلمين والإخوان تذهب عقولهم ومخيلاتهم مباشرة إلى أسامة بن لادن والظواهري وغيرهم من تنظيم القاعدة الإرهابي وبعض المتشددين الآخرين
فعلى الإخوان وغيرهم من أصحاب التنوير العلمي والتكنولوجي والثقافي أن يعرفوا تلك المجتمعات بأن تلك المجاميع القليلة لا يمثلون المسلمين بأي حال من الأحوال إنما يمثلون أنفسهم لا أقلً ولا أكثر.نتوقع أيضا من الإخوان عقب ثورات الربيع العربي أن يضعوا حدا لخطاباتهم العاطفية التي اعتادوا عليها لدغدغة عواطف ومشاعر المجتمعات بغرض الوقوف معهم ضد جلاديهم منم الحكام الظلمة والمستبدين وينطلقون إلى عواطف ومشاعر الجماهير من خلال العمل الجاد صحيح كان الناس يعذرون الإخوان قبل ثورات الربيع لكونهم مهمشين مضطهدين محاربين من قبل أعداء وخصوم الشعوب العربية والإسلامية على الصعيدين الداخلي والخارجي لكن عقب ثورات الربيع العربي لا عذر لهم ولا حجة في التباطؤ وإرسال الأعذار والمبررات عن القيام بواجباتهم كما ينبغي تجاه شعوبهم.نحن لا ننكر بأن التحديات في وجه الإخوان المسلمين مازالت مستمرة وقائمة لكن ليست بالشكل الذي عرفناه قبل ثورات الربيع العربي.
في الأحد 12 مايو 2013 04:50:20 م