من أين سيأتيني وله للكتابة ؟!!
فارع الشيباني
فارع الشيباني

"مسك الختام طفولة جميلة منتظره وفوضوية أجمل"

"نجاح حميد وجه منها" 

لم أكن آخر من يقرؤها ولكني ارتأيت أن أتأخر، لأن الكتابة في الراهن عهر قلمي وبغاء في شارع لا يتغير، إنها فلتة تجر نفسها من مهب إلى مهب أقسى وأعتى رياحاً في الضفة المقابلة!!

شعارها قف عند حدك “أنا أحسن منك” غير أني تجنبت حدتي وبدأت أقلب مكامن في طفولتي مكامن في فوضويتي حد تمام الملح! وجدتني بقايا حريق داخل ذاكرتي المتعبة، وبقايا جراح في مداميك كبدي التالفة، إنه سكري الآخر الذي آلمني كولادتي في فكاك أزرار قميصي وأشب لمواجهة أجيجهم المجاني ولا يضيع من قدمي الطريق ولو حاولوا تنصيب آخر لتمثيله! إنه يصلني كما قد وصلته ذات جوع يقوم بي الجرح مثقلاً كالنبوة وأنى لذكرياتي أن تقوم وقد ذهب بعضي ولم يعد رحيل “حميد” كنت أظنه أو لعله كان وجعي الأخير إلا أن راوية وأماني بنتي الكأسين الجيليين كانتا منتهي أبعادي في مكان الألم!! لم أكن مطففاً لأتذكر أن وضاح ابني وعبدالسلام الصلوي كانا ملء الكأس وهما يبتسمان ليلة الخميس وما تزال قطفة القات ندية على ثغريهما كلؤلؤة حبة الفل في فصها الغريق بالندى والولع، ليلة الخميس فقط رثيتهما حيين يرزقان وفي الجمعة القادمة شيعتهما عروسين نادحين بالخمرة والخضرة إلى مثواهما الأخير!!

من أين سيأتيني الوله للكتابة وأنا أتصفح “ قيلية وأمطر شاقولها ألف مخطر : للحبيب الأغر: اللي خطا من دجا الدار”.

لأديبنا الكبير عبدالملك السروري وقبل أن أرد عليه أقرأ نعيه المهيب وإلى مثواه الأخير!! من أين سيأتيني الرقص للكتابة وأنا أرتقب احتفالية الفرح والنشوة بمناقشة كتاب “ الرؤية والتخييل” في شعر ليلى الأخيلة مشروع تخرج رسالة الماجستير للكاتبة والناقدة الأدبية المرحومة” غيناء منصور الصلوي” التي تناولته برؤى حديثة ومجددة وعكفت عليه خمس سنوات وكنت المشرف عليها غير المباشر سهرنا عليه الليالي هاتفياً ومشاكسة واختلافا وتقليبا وإلغاء وتعمقا في وجهة النظر وبعد ليلة فقط يهاتفني القاضي ابن عمها “ غيناء” بالإنعاش مستشفى الثورة وعند الصباح يأتيني صوت مشحوب “غيناء” ماتت ـ ومن لم يعرف غيناء الطاهرة المغسولة بالماء والثلج والبرد سيخبرك عنها طهرها ومركز البحوث واحترام دكاترتها لها والمقالح.

حتى الدكتور الذي سطا على بعض منجزاتها ونشرها باسمه! أجل، غيناء كانت أكبر من دكتور وأكبر من ناقدة وأكثر من قارئة كانت لا تسأل عن معلومة إلا وهي ملمة بها حد الجنون المعرفي. أجل! قالت قبل يومين لن تستفيد ولن تحتفل بكتابها ولكن ستهديه للمكتبة ذهبت مغاضبة كل الأضواء والصخب في الدار الضيقة وهأنذا بعد شجبٍ وتنديدٍ وضربٍ وقهرٍ رجعت أتذكر أن الحياة لا تتوقف عند موت أحد أو رحيله أو انتقاله إلى المكان الأنظف.. “بالأمس مات صاحبي، عيناه جمرتان، بكيت فوق قبره بكى معي المكان”. 

طوفت في ذاكرتي ألفيتني وبين يدي أنا وذاكرتي واثنتي عشرة عيناً ونقيباً فجرتهم ولادة صعبة ونقية للقاصة الشابة ذات الثلاثين ربيعاً المبدعة “نجاح حميد عقلان الشامي، وخاصة عند قراءتي لمجموعتها القصصية التي أسمتها "قطرات روح" وقفت عندها وبي من الذهول ما بي وبعض فصوص الحلاوة والملح وتشدني العناوين لقراءتها ورسمت بعض الخطوط الرفيعة لأتذكر التجربة القادمة من رحم التعب إن لم تخن الذاكرة المتعبة ألفيتني صدق تجربة ليست قيئاً وإنما شعرية في “1” سلالم “2” طفولة “3” يحدث كثيراً “4” النيل “5” المنديل “6” الهاتف “7” موعد “8” فقاعات “9” لست حزينة “10” كفوف “11” أولى المفاجآت “12” تأملات.

 طالعنا النص "سلالم" بأقاصيد مضطربة الشجن وملتهبة الحس.

بتجربة طافحة بالقلق والألم والإصرار على البلوغ إلى ما هو مأمول داخل الفعل الفني المفتوح الخلاق، تجربة بدأها زين السقاف ورحل هو الآخر هناك تناصات شعورية بينها وبين زين السقاف تؤكدان بأن المعاناة واحدة وأن الشعور الإنساني تجاه الأشياء شعور موحد بمختلف ثقافته ومشاربه، ورغم تأكدي أن الكاتبة لم تقرأ للسقاف ولم يسعفها السقاف أن تتعرف عليه!!

1ـ الباب موصود أمام قلبي، مفتوح خلف قدمي، كان المصعد معطلاً كنت ما أزال أفتش عنه في ذاكرتي منذ زمانٍ طازج حاصرني حتى اللحظة.. سلم1.

2ـ محاصرة أنا بهذا الكم الهائل من الأرقام، التي تحشرني بين الأصغر والأكبر من (-)والذي يساوي لأصبح في النهاية مجرد رقم حسابي يقبل القسمة والجمع والطرح، لكنه غير قابل للضرب.. سلم2.

في هذين المقطعين من سلالم 4 ودون أن أستشهد بسلم 4،3 تجد فكرتين فكرة صادمة وفكرة مقاومة للفكرة الصادمة، أنا الغائب الذي لم تذكره الكاتبة؛ لأنه معروف من القرينة في أنا المتكلم "الفكرة المقاومة" وفي هذا الفعل وردة فعله تظهر الشبه اللوني وبتواجده تتشكل قيم الفكرة لطرحها واستيعابها.. ورغم أن فكرة الرفض لتصرفات الآخر بارزة إلا أن إظهاره يعني القبول بالآخر من حيث ذكره وببقائه داخل هذا التشكيل وسواء كان الإلغاء طرفاً في الصراع كفكرة صادمة إلا أن الفكرة القائمة المدلول القيمة هي الفعل الإيجابي بقبول ثباتي للفكرة المقاومة “الإيقاع اللوني” في هذا المحدود بالصراع هو نوعي يتشكل كلما كبر اللون النوعي مع الفكرة ذات التناول العمومي لحركة الأشياء ولأن الإيقاع يستوي بقيمة الصورة الكلية إذن الصورة هنا صورة كلية بوجود اللون والحركة ومجموعة الأصوات أي الصوت فالمكون للصورة الكلية والمركبة هي الصوت واللون والحركة التي هي مجموعة الأفعال تتعدد كلما تعددت الأحداث في الإيقاع اللوني والتشكيلي، كلما استدعتني قراءته هو هذا الرفض لمسمياتنا الكثيرة وأدعو القارئ معي ليشاركني رؤاه فيما يندر ويحصل. في العلائق الأخرى أجدني أقف عند هذه الإملاءات من الأسرة عند هذه العبارة في موضوع “طفولة”.

ـ هذه المرة تركت الشعر نهائياً. أقنعني تشجيع والدي وحبور والدتي بي أني لا أصلح للكتابة!! فاحترفت فناً آخر، بدأت أرسم ما تخيله عقلي، هذا المتن فيه نقد للآباء الذين يتدخلون بعالم أطفالهم حتى بمشاعرهم وخيالهم وحتى أنهم يوجهون ميولهم لغير ما يحسون ويتخيلون خاصة لو كان الطفل أنثى، وهذا النص الناقد يندرج في توجهه إلى النزوع النفسي وحتى النزوع النفسي نزوع حيواني خلاق وميال للفوضى.. باعتبار صحته النفسية الآهلة بالحضور الصحي الميولي الإتجاهي السلوكي، هذا الصراع داخل الخلاف المطلوب يعني ايقاعات، ذات تشكيلات فنية كما هو حاضر في مواضيع أخرى للكاتبة كموضوع “يحدث كثيراً، رسائل ويوم بالإنجليزي وغيره.. في موضوع “ يحدث كثيراً” فيه متن حكائي رهيب فقط مطلوب من الكاتبة القاصة إخضاعه للصراع وتحليته فيه؛ لأن المضاد لازم يظهر في اللاحد ويفسح له الطريق في أن يتحرك أيضاً الكاتب هو المتحدث الرسمي عن المتلقي العادي والقراءة الأخرى للناس وإظهار الفعل السلبي مهمة القصة والقاص؛ لأن الناس غالباً ما تخفي السلبي ومن ثم لا تقدر على مواجهته لمعالجته تجربة ناضجة مؤهلة بتجارب الآخر.. سأوافق لأني لا أستطيع أن أبقى بدونه.

ـ لن تكوني سعيدة، سيتحدث الآخرون عن تطفلك وجنونك ستلوك الأخريات سمعتك ولن تكوني إلا شبحاً يثير التقزز والريبة في نفوسهن.

هنا المتناول السردي بلغة السارد أو أن النص لحظناه متحركا لكن إذا شاهدنا وناقشنا ووقفنا عند حد الفعل أو الحركة “سأوافق”لحظناه انوتين محاورتين وثالثه مقتنصه اقتناصا خاطفا وهو أنا الغائبين((سيتحدث الآخرون))وعلى ماذا ستوافق!؟ وهذا استرجاع لمحاولات أفعال راودت السارد لم يفصح عنها الأنا أو أنا المتكلم هذا الخاص يسمى أسلوباً استرجاعياً في القصة القصيرة الحديثة والمتقدمة وهو نص ناقد فيه متونات لا تتوقف عند حد واحد من الرؤية والتخييل ولكن يحتاج للإشباع من الصراع وتحليته بكذا كتابة مغامرة ومقامرة كما تقول الكاتبة.. حاصرت سقف الغرفة ورأسها مرمي وراء ذاكرتها المتعبة، وهذا ما يحتاجه الزمن الدموي من الكتابات لغسل فصوله بالورس والحنة.

 لغة القصة والترقيم والتوليد البلاغي

1ـ لغة القصة عند الكاتبة هي لغة التوليد والتكثيف التي يحتاجها الفنان وهي سلاسة وطراوة وبساطة وتوظيف للمفرد.

2ـ لغة الترقيم كالفاصلة والتعجب والاستفهام والشرطة والنقط والإشارات ولغة البياض ولغة الفراغ والتقويس.

3ـ التوليد البلاغي وهو خلق واستحضار الصورة ورسمها بالكلمات خارج على ما هو معتاد في البلاغة كالمحسنات البلاغية والجمل الفعلية والاسمية والموضوع.. كما أن الموضوع يعتبر إبداعاً لوحده، وهو أهم ركائز القصة الحديثة وله تعريفات كثيرة في السير الروائية والقصصية كما قرأنا القصة أو الرواية أو أي جنس أدبي آخر حتى في الحوار والمنولي جاست والسيناريوهات في الصنعة السينمائية العالمية والموضوع الشكلي والثابت والمتغير نجد الموضوع أهم هذه الفنون المتحركة والمتنقلة إلى كل بيت عبر وسائلها كالمؤثرات الموسيقية والصوتية والصورية ولا أقصد هنا “الأكشن” طبعاً !!.

قرأنا في إحدى القصص العالمية لأجاثا كريستي قصة فيها قوة موضوع، عبارة عن حدث مكون من أربع شخصيات أدرجت في شخص واحد.

 1ـ المجنون 2ـ المسن 3ـ الأمي 4ـ الفلاح قصة اسمها “لو” نقلت صاحبتها إلى العالمية بسبب قوة الموضوع، كان أهم أحداثها بنت أحد الإقطاعيين قضت إجازتها في القرية كالعادة؛ إذ وجدت شخصا مسنا مجنونا فلاحا بسيطا وأميا أيضاً احتوته أجيراً؛ إذ جن بعد موت زوجته حتى أكلت عمره السنون وشعرت بالرجل كمجنون لا يخافها كونها ربة عمله إذن هو يحبها حباً حقيقياً وصادقاً لأنه بالطبع لا يتمتع بمراوغة العقال ولا ينظر لجمالها كونه “ الرسمية” والمرأة وفرشاة الأسنان، وشفرة الحلاقة ولا يتملقها ليربح فوق أجره وبالمقابل هو لازم.

يشعر بإنسانيته كمجنون كان عاقلاً وكمسن كان شاباً يافعاً وجميلاً وكأمي فطرته السليمة لا يبتذل موقفا ولا ينتهزه ألبتة.. أهتمت به اهتماماً لافتاً، ولما جاء موعد الرجوع إلى المدينة استدعت الغفر لاعتقاله وإقالته إلى القصر إذ تفاجئه البطلة بطلب الشراكة والزواج!! كسرت أقداح العرقية وجدران الإقطاع على رؤوسهم وأدمغتهم، كان موضوعاً مستفزاً وأريباً وهذا النوع من الكتابة المغامرة لم نجده في الكتابة العربية. إن عاد للمجنون عقله وللمسن حيويته وشبابه!!

شعرية القصة عند الكاتبة

نحن كما سبق نوهنا عن مفهوم التقدم والتغيير في ماهية الأشياء والتأثير في السبق الزمني والتأثير في المكان والخطوة أماما والصعود للأعلى درجة والسوبر حداثة في مواجهة الحداثة وما بعد الحداثة وما هو الكون وما يتغير وما لا يتغير وهذا كان هناك تغير كوني والمسافة والسرعة فإن التعبير عنها لازم أن تتغير ويبقى الكون هو الكون فالقصة والرواية لزاماً عليهما أن تتغيرا في سماتهما وفي سيميائية النص لانتقاله لازم أن تتغير من حيث اللغة والثقافة، كل شيء يتغير ولم تعد القصة مفصولة على الرواية ولم تكن أو تعد الرواية كذلك فالقصة والرواية كلاهما عمل شعري عام والمعبر عنه مولود شعري أيضاً وكل ولادة يتبعها وجع الطلق وآمالنا لا تموت نفاساً تحت أي قياس.

ـ فتلألأت في قلبي نجوماً وقلوباً وأشياء

ذراعي مغرقاً ما تبقى من الجسد الذابل

قلبي يتأبط غصن ياسمينة يخفق مجنوناً

لم يكبر قلبي الذي ظل مصلوباً

يقف على تينة نهدٍ تهدهده وعودك

ثورتي على قلبي أشد إيلاماً وبربرية

أشعلتها ضد أبرياء كانوا حواسك

وجهك فاكهتي..........

همسك يتشعب في داخلي كأفعى، ابتلعت نصفي الثمل

قطعت حبائل الشوق.

معزوفة لذيذة وسيمفونية شاقة لا حظناها من خلال العناوين والسردية وغنائية السرد والسرد الوصفي النقي الخلاق، نجد السرد داخل كل موضوع متحداً في أطروحاته وغليانه واسترجاعه واسترداده وفي جوقة من الصراع نجد أيضاً العودة إلى الاستذكار مضيئاً مداً وجزراً والرفض والحضور ويحدث كثيراً والنيل والهاتف مقتطفات من اثني عشر موضوعاً ليست كل التجربة عند القاصة.. فالقاصة لديها مجموعة قصصية تحمل عنوان “قطرات روح” ولديها مواضيع متناثرة وأشتات ولكن ما هو مستدرك أن القصة مجموعات أصوات، استعملت الكاتبة استخراج الوسط من تجذير الاثنين مضروباً في اثنين، الشيء وضده....يتبع.لنا لقاء مع الم أخر وللكاتبة موعد مستقبلي ينبئ عن كاتب أريب يشق حضوره بانشقاق التربة الصلبة ببزوغ النبته التي تصير ثمارا او سنابل ....يتبع الحلقة الثانية وموعدنا المتوالي ((جمعة وياسين سعيد نعمان )) كاتب روائي مدهش .


في الإثنين 01 إبريل-نيسان 2013 05:20:41 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://marebpress.net/articles.php?id=19787