الفجرُ الكاذب (صرخةُ ألم و رأيُ قلم)
ياسين عبد العزيز
ياسين عبد العزيز

في غمرةِ الأفراحِ بالمستقبلِ المنشودِ بعدَ النصرِ(1) نِمنَا

عكسَ أهلِ الكهفِ .. ؛ يُغرينا الأملْ ..

نِمنا فطالَ النومُ، وارتحلَ الزمانُ

وليلُنا لمْ يرتحلْ ..

لكنَّهُ

خلعَ العمامةَ،

وارتدى ما يشتهي الفجرُ الكذوبْ ..

وانسلَّ يحتنكُ العبادَ،

ويزرعُ الأحقادَ ألغاماً

على كلِّ الدروبْ ..

فهناكَ يُشعلُ جذوةً للنارِ - قدْ خُمدتْ بإيوانٍ -

يجوبُ بها الشمالَ بأجرةٍ .. عنهمْ ينوبْ ..

وهناكَ يزرعُها انفصالاً ..

باغتيالِ العدلِ .. أيقضَها جَنوبْ ..

عصبيةً حمقاءَ يُذكي روحَها بينَ القبائلِ ..؛ كي يسودْ ..

بلْ يحرثُ الفوضى ..

ويزرعُها سياطاً .. أحكمتْ فينا القيودْ ..

ويسدُّ بابَ الكهفِ ..؛ كي نبقى رقودْ ..

فمضى على أحلامِنا في الكهفِ _أيقاظاً_ عُقودْ ..

لولا شعاعُ الشمسِ والجوعُ الأليمُ لما أفقنا

أو تخيلنا بأنَّ الكهفَ للماضي يعودْ ..

آهٍ .. أفقتُ

أخذتُ أوراقَ النقودِ

خرجتُ ألتمسُ الطعامَ

وكلّ شيءٍ قد تغيرْ ..

آهٍ .. ذُهِلتُ .. وهالني ما كنتُ أحذرهُ .. وأنكرْ ..!

ماذا جرى؟ .. ما ذاكَ أسمعهُ وأُبصِرُهُ .. وأين أنا ؟ ..

وهلْ هذي المدينةُ ؟

أمْ أنا في غابةٍ

مُلئتْ قرودٌ .. بلْ وحوشٌ كالأسودِ ولا أسودْ ؟ ..

فصرختُ أُنكرُ ما أرى

متأملاً كلَّ الوجوهِ .. وما جرى

يا أيُّها الأحبابُ .. ماذا حلَّ في هذي المدينةْ ؟ ..

قلْ يا أبي .. قلْ يا أخي ..

قلْ يا بُنيَّ .. ويا ابنتي .. ماذا جرى؟ ..

يا جارُ .. يا ابنَ العمِّ .. يا أحبابُ .. يا أصحابُ

هيَّا أخبروني .. ما جرى ؟؟ ..

يا أيُّها الإنسانُ ..

يا أهلَ البصائرِ والقلوبِ الليناتِ

أتسمعونْ ؟؟

يا أيُّها الأحياءُ ..

يا أهلَ الضمائرِ والعقولِ النيراتِ .. بربكمْ ردوا عليَّ

أتبصرونْ ؟ .. أتشعرونَ ؟ .. أتدركونَ ؟ ..

ماذا جرى لِمَدينَتي ؟؟

أنا لستُ أُدركُ .. أو أعي شيئاً

فهلْ يا أيها الأحبابُ حقاً ما أحُسُّ .. وما أرى ؟ ..

أتراني في صحوٍ

وما يجري أراهُ على الحقيقةِ

أمْ أنا في وهمِ كابوسٍ رهيبٍ مرعبٍ ؟

-يا ليتهُ الكابوسُ-

لكنْ ما أراهُ هو الحقيقةُ لا مِرَا ..

فأغيبُ في (سٍ و جٍ)، أحتسي وجعي

لماذا ؟ .. كيفَ ؟ .. لكنْ .. ربما .. لا ..

لستُ أدري .. هلْ يكونُ .. وهل أكونْ ؟ ..

احترتُ في أمري .. ترى في أيِّ حالٍ صرتُ ؟ ..

لا أدري ..

تراني مَنْ أكونُ ؟ .. ومَنْ أنا ؟ ..

أأنا .. أنا ؟ ..

يا أرضُ .. يا إنسانُ .. يا تاريخُ ..

حقاً مَنْ أنا ؟ ..

مَنْ ذا يَمُصُّ دمي؟ ..

يُمزِّقُني؟ ..

يهشِّمُ أعظمي؟ ..

مَنْ يستبيحُ كرامتي؟ ..

مَنْ ذا يُسَمِّلُ أعيُني؟ ..

ويَقُصُّ ألسنتي؟ ..

ويَبتُرُ أَذرُعِي؟ ..

يَعْيَى السؤالُ بـ مَنْ ..؟ ومَنْ ..؟!!

فيهزّني صوتٌ من الأعماقِ يهتفُ قائلاً:مَن غيرُنا ؟!!!

مَنْ غيرُ أنتَ أبي .. وأنتَ أخي .. وغيرُ أنا ؟!! .. نعمْ

لا غيرنا أحدٌ .. نعمْ ..

أوليس بعضُ الشعبِ مثل الحوتِ يأكلُ بعضَهُ ؟؟!!

فتجيبُهُ دمعي: بلى .. هذي الحقيقةُ مُرةٌ ..

نحنُ اعتدينا بعضُنا يبغي على بعضٍ

نسينا أننا أبناءُ دينٍ واحدٍ

وبأننا إخوانُ يجمعُنا وطنْ ..

فأعودُ أصرخُ في الملأْ:

منْ غيرنا يا أيها الأحبابُ يحتضنُ الوطن ؟ ..

فإلى متى ننجرُّ خلفَ الليلِ

نهوي في سراديبِ الفتنْ ؟ ..

أولسنا أهلُ الحكمةِ الأَوْلَى بأَنْ نحيا بحبِّ الخيرِ

بالإيمانِ .. بالإيثارِ .. نجتثُّ الإحنْ ؟ ..

فمتى نثوبُ لرشدِنا ؟؟

لِمَ لا يعانقُ بعضُنا بعضاً ؟!!

ونُعلِنُها بصدقٍ توبةً .. ونقولُها :

لاااا للفسادِ .. ولاااا لحقدِ النارِ،

لاااا للجاهليةِ في تعصبها الذميمِ .. قبائلاً، ومذاهباً، أحزابَ، أو أطماعَ، لاااا

لاااا للسياسةِ في تعصُبها .. شمالاً أو جنوباً،

ألفُ لاااا للجهلِ، والإرهابِ،والفوضى

ونهتفُ للإخاءِ محبَّةً..

وكفى مِحَنْ ..

إنِّا نُحِبُكَ يا يَمَنْ ..

إنِّا نُحِبُكَ يا يَمَنْ ..

**

(1) النصر: المقصود به انتصار ثورة 26سبتمبر1962م


في الإثنين 11 يونيو-حزيران 2012 04:55:48 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://marebpress.net/articles.php?id=15992