هل اليمن على أعتاب أزمة سياسية؟

يظن عدد غير قليل من المراقبين السياسيين أن اليمن دخل في طور أزمة سياسية حادة أو على وشك دخولها عشية الانتخابات الرئاسية والمحلية التي ستجري خلال النصف الأول من شهر سبتمبر/أيلول القادم والتي بدأ التحضير لها من بداية هذا العام، حيث ينص الدستور اليمني على أن العمليات الانتخابية تديرها لجنة عليا مستقلة يرشح مجلس النواب خمسة عشر شخصاً لعضويتها ويعين رئيس الجمهورية سبعة منهم بقرار منه على أن تكون مدة اللجنة ست سنوات، وعادة ما يتم اختيار أعضاء اللجنة بالتوافق بين الأحزاب الرئيسية إذ تضم اللجنة الحالية أربعة ممثلين للحزب الحاكم المؤتمر الشعبي العام باعتباره صاحب الأغلبية النيابية وممثلاً واحداً عن التجمع اليمني للإصلاح أكبر أحزاب المعارضة وممثلاً واحداً عن الحزب الاشتراكي اليمني ثاني أكبر أحزاب المعارضة وممثلاً واحداً عن مجموعة أحزاب المجلس الوطني للمعارضة الذي تنضوي في إطاره نحو عشرة أحزاب صغيرة قريبة من الحزب الحاكم.

اللجنة العليا للانتخابات كانت ولا تزال هذه المرة السبب الأساسي للخلاف القائم بين الحزب الحاكم وأحزاب المعارضة التي يتزعمها الإصلاح حيث تصر هذه الأخيرة على استبدال اللجنة الحالية بلجنة أخرى مناصفة بين الحزب الحاكم وبينها، وهو أمر يرفضه الحزب الحاكم الذي يعتبر المضي وراء مطلب المعارضة طعنا ليس فقط في مشروعية اللجنة الحالية التي تشكلت بالتوافق بل في النظام السياسي كله باعتبارها اللجنة التي أشرفت على الانتخابات النيابية عام 2003م وهي الانتخابات التي حظيت بأقل قدر من انتقادات المراقبين الدوليين مقارنة بسابقاتها. إضافة إلى أن الحزب الحاكم يعتقد أن أحزاب المعارضة تريد إحباط إجراء الانتخابات المحلية والرئاسية في موعدها المحدد من خلال مطلب تغيير لجنة الانتخابات فتدخل البلاد بذلك في أزمة دستورية ناتجة عن انتهاء ولاية الرئيس الحالي علي عبدالله صالح في 23 سبتمبر/أيلول واحتمال دخول البلاد في حالة فراغ سياسي ودستوري، وذلك بسبب أن إجراءات اختيار مرشحين لعضوية اللجنة العليا تحتاج إلى إجراءات مطولة لا تكفي معها الشهور الخمسة الباقية لإنجازها وإنجاز العمليات الانتخابية من تجديد لسجلات الناخبين والطعن فيها ثم إجراءات الترشيح وغيرها، ناهيك عن أن الحزب الحاكم يرفض مبدأ تقاسم عضوية اللجنة العليا للانتخابات مناصفة مع أحزاب المعارضة الرئيسية باعتبار ذلك في نظره رفضا صريحا من هذه الأحزاب لنتائج الانتخابات النيابية التي أعطت الحزب الحاكم أغلبية نيابية كبيرة تزيد على 70% بينما توزعت بقية المقاعد على أحزاب المعارضة والمستقلين، وهذا يعطيه الحق كاملا في أن يتمثل بأغلبية مقاعد لجنة الانتخابات.

 

 

هل اليمن بالفعل على أبواب أزمة سياسية؟ في الحقيقة إن مقومات أزمة سياسية غير متوافرة كليا مادام الحوار لا يزال جاريا من دون انقطاع بين الحزب الحاكم والمعارضة. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن أقصى ما يمكن أن تتجه إليه المعارضة هو مقاطعة الانتخابات في حال عدم تلبية أي من مطالبها وهذا القرار في حد ذاته لن يؤدي إلى أزمة بقدر ما سيجعل الانتخابات تمر هادئة بلا ضجيج سياسي أو إعلامي. ومع ذلك فقد رفض الحزبان المعارضان الرئيسيان (الإصلاح والاشتراكي) مبدأ المقاطعة من الأساس وأكدا حرصهما على المشاركة فيها ، وهذا متوقع جدا فالحزبان المعارضان اللذان توحي مواقفهما بالرغبة الجارفة على منافسة مرشح الحزب الحاكم في الانتخابات الرئاسية من أجل الضغط والمساومة يدركان جيدا أنهما لن ينافسا الرئيس صالح الذي سيجمع حزبه على ترشيحه خلال مؤتمره العام الاستثنائي في شهر مايو/ ايار القادم، وأن عينيهما أي الإصلاح والاشتراكي في الحقيقة على الانتخابات المحلية التي ستجرى في نفس الوقت بهدف الحصول على الأغلبية في المجالس المحلية في ما لا يقل عن ثلث المحافظات اليمنية الإثنتين والعشرين، فهناك التحدي الحقيقي الذي يريدان خوضه لتعزيز مكانتهما السياسية وقياس حجم شعبيتهما الحقيقي من خلال المحليات المعنية بالاحتكاك المباشر بالجمهور عبر الخدمات وإدارة الشؤون المحلية.

وكلما وصلت الحوارات بين الحزب الحاكم وأحزاب المعارضة إلى طريق مسدود تدخل الرئيس علي عبدالله صالح من موقعه كرئيس للبلاد مسؤول عن رعاية التجربة السياسية ليجمع الطرفين في لقاء بحضوره كان أهمها آخرها الذي تم قبل سفره إلى الصين وباكستان ووجه خلاله انتقادات علنية للأداء السياسي لحزبه الحاكم تم الإعلان عنها في وسائل الإعلام الرسمية وأثارت جدلا واسعا على الساحة السياسية اليمنية باعتبارها المرة الأولى التي يوجه فيها مثل هذا النقد العلني لحزبه خاصة أنه جاء مصحوبا بإشادته العلنية بتقديم أحزاب المعارضة مبادرة خاصة بضمانات نزاهة الانتخابات، رغم أنه أي الرئيس صالح أكد في هذا اللقاء نفسه تمسكه باستمرار اللجنة العليا الحالية للانتخابات بل واعتبرها خطا أحمر غير مقبول الحديث حول مشروعيتها.

وجاء الغياب الطويل لرئيس مجلس النواب وزعيم حزب الإصلاح المعارض الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر في السعودية للعلاج منذ شهر يناير/ كانون الثاني الماضي ليخلق قدرا من الإشاعات حول اعتكافه السياسي احتجاجا على ما يجري من تحضيرات للانتخابات ويوحي باحتمالات وقوع أزمة سياسية نظرا لثقل الرجل إلا أن الأكيد أن الشيخ الأحمر سبق له إعلان موقفه المؤيد لإعادة انتخاب صالح رئيسا للبلاد في سبتمبر القادم على خلاف حزبه وأنه يقضي فترة نقاهة علاجية فعلا ، إضافة إلى أنه تم التجديد له رئيسا للبرلمان من قبل الأغلبية الحاكمة رغم غيابه مما يؤكد عدم وجود أي خلافات بينه وبين الرئيس صالح، ولذلك يرى المراقبون أن الأجواء السياسية ستكون ساخنة بلا شك طوال الشهور الخمسة القادمة لكنها لن تبلغ مرحلة الانسداد السياسي في النهاية.


في الخميس 20 إبريل-نيسان 2006 03:51:40 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://marebpress.net/articles.php?id=158