تعز التي لم تعد حالمة !!
م.وائل المعمري
م.وائل المعمري

كنت على يقين وأنا أتابع مجريات ثورة الخامس والعشرين من يناير المصرية المباركة , أنه ستكون لهذه الثورة العظيمة امتداداتها على المستوى العربي لا محالة ,وكان يحدوني الأمل ونا أراقب هذا الحدث التاريخي الكبير متمنيآ بكل شوق أن نكون جزء من هذا المخاض المنتظر والإمتداد المنطقي والتأثر المحمود المبتغى .

وفي ليلة من ليالي العمر الفارقة في عمر الشعوب المقهورة ,كدنا نطير فرحآ ونحن نستمع لأنباء خلع طاغية مصر المأفون وإلى غير رجعة ..., وكما كانت وبدأت ثورات الربيع العربي فجأة وعلى حين غرة , تواصلت أحداث هذا الربيع البديع بأحداثة المفاجأة السارة والباعثة على الأمل وبنفس السياق الملفت ,ليلتها كان لنا في أرض السعيدة القديمة من أحداث ربيعنا المتألق بأحداثة السارة نصيب , فقد كانت تعز العزيزة مسرح هذا الحدث المحلي بإمتياز ,فهي لم تخرج لتبتهج كمثلاتها من مدن العال بسقوط هبل مصر وحسب , بل تميزت كعادتها وجعلت من هذه الفرحة أساسآ لعمل يبنى عليه في صناعة أفراح يمانية سيحكي عنها التاريخ دون كلل أو وجل أو إجحاف ...., نعم وبكل فخر...... لقد أبت تعز وأبرارها من الأبناء التواقين للحياة إلا أن يكونوا حاملي لواء الحرية ومشاعل التغيير .. , خرجوا ليختطوا لأنفسهم وبهم كذلك لوطنهم مسلكآ جديدآ لحياة حرية وكرامة وعزة وإباء ......

لم تكن تلك الليلة ليلة كباقي الليالي ,كما أن ماتلاها من ساعات كانت هي الأخرى إستثنائية بما حملته من أحداث وما تمخظ عنها من نتائج ,

ولكم أن تتخيلوا نفر من الفتية المؤمنين بظرورة السير على نهج الثورة الممتدة إشعاعاتها في الأفق , والمتطلعين لظرورة إنتهاز اللحظة التاريخية السانحة ,مجموعة بسيظة منهم قررت أن الثورة قد بدأت ,وعليه فإنهم قد إختاروا لأنفسهم أن يكونوا نواتها المثلى ووهجها الذي لا يجب أن يخفت , وبينما كان المحتفلون يستعدون للعودة لمنازلهم , كان هولاء الشباب يبحثون لأنفسهم عن أرصفة لتغدو سكنآ يفترشونه من أجل اليمن وعزته , معلنينها ومن الآن ساحة ثورة ..., وحينها إدركت أدوات قمع النظام أن الأمر لا يمكن السكوت عليه , فبدأت تلاحق هولاء الثوار منذ ساعات الفجر الأولى ,فترمي ببعضهم في أتون المعتقلات , وتضيق الخناق على البقية الأخرى ......, سجنوهم فخرجوا أكثر إصرارآ على المضي قدمآ ,طاردوهم فزادتهم تلك الأعمال الوحشية عنفوانآ, تأمروا عليهم فكانوا أكثر فطنة من جلاديهم ودهاقنة الظلام في سجون العائلة العفنة ,.....لم يجدوا بدآ من مجاراتهم على أن يرموا لهم طعم الإبعاد عن وسط المدينة ظنآ أن إبعادهم كفيل بعزلهم عن الناس ووأد مشروعهم الخلاق ,, ومكرت أجهزة صالح مكرآ ,ومكر الله والله خير الماكرين .......

أرسلوهم إلى منطقة صافر ,بعيدآ عن وسط المدينة ,فذهبوا وذهبت تتلاحم معهم أحلام تعز في التغيير وإسقاط النظام , ومن خلفها اليمن قاطبة , بدأوا في التجمع في صافر ,فأرسلوا إليهم بلاطجة لا يتورعون عن فعل شئ من أجل المال مادام هناك من يدفع لهم ريالات العار المغمسة بالذل , وساعدهم يومها رجال أمن لا يمكن أن نطلق عليهم سوى أشباه رجال لا تربطهم بالوطن وثوابته أي روابط , أستقبل هولاء الشباب كل أحجار هولاء التي ألقيت عليهم بصدور عارية وأجساد منهكة أعيتها المعتقلات والسهر في أرصفة وأزقة المدينة .., فكان أن تعب البلاطجة وأعوانهم ولم يتعب الأبطال ولا اهتزت معنوياتهم ..., وفي خضم كل هذه الجزئيات والتفاصيل الدقيقة ومحافظ المحافظة يشرف على كل هذه الأعمال الدنيئة بنفسه ,ويأمر حسب مطلعين على خفايا الأمور بتشديد الخناق عليهم ووأد مشروعهم في مهده ., أرسل إليهم من نكل بهم على الدوام , فسرقوا مكبر الصوت اليدوي الوحيد وخيمة صغيرة إستعانوا بها ليناموا فيها بالتناوب ,لكنهم استمروا حتى جاء موعدنا مع القدر , ودفع أولى فواتير الحرية الحمراء المضرجة بدماء أطهار تعز الأبرار ,يومها كانت جمعة البداية في الثامن عشر من شهر فبراير 2011م .

في ذلك اليوم قرر شباب الثورة إقامة أول جمعة لهم في ساحة الحرية بتعز ,فجن جنون الطغاة وأذنابهم ,ليقرروا إقامة جمعتهم أسفل فندق سوفتيل ,وبينما كان الثوار يبحثون عن بديل لمكبر الصوت المسروق فلا يجدون ,كانت ملايين الريالات تتدفق من بنك الشعب المركزي بتعز على إعتصام السلطة ومتزلفيها من المنافقين والمنتفعين , وكانت النتيجة التي لم يحسبوا لها حسابآ ....فبينما عجت ساحة الحرية بعشرات الآلاف من المصلين والمعتصمين , إنفظت جموع اللاهثين على موائدهم بعد آخر لقمة ذل تناولونها , وكان لهذا أيظآ وقعة ومدلولاته التي لم تغب عنهم ولا عن حساباتهم ,فقرروا أن يهاجموا الساحة وبكل قوة ظنآ منهم أن وسيلة كهذه قد تكون الأنجع من بين الوسائل لتفريق جمع الشعب الثائر والإنكفاء بعيدآ عن ثورته , فهاجمونا بالقنابل الهجومية التدميرية ,فقتلوا وجرحوا الكثير يومها ,لكنهم لم يكونوا يدركون أنهم حينها إنما كانوا يحكمون على أنفسهم الخسيسة وأسيادهم بالفناء والقتل الأبدي ,يومها كان ألتفاف النساء والرجال حول مشروع اليمن الجديد وثورته ملفتآ للإنتباه إلى الحد الذي لم يعتقده أحد ولم يحسب حسابه كل دهاة السياسة ودهاقنة الأنظمة المستبدة العفنة .., ورافق كل ذلك أيظآ من أحداث متغيرات عدة وثابت واحد , وهو أن القاتل والمدبر والصامت عن كل هذه الأحداث من كان يفترض به حماية أبناء تعز لا فتلهم , ألا وهو محافظ محافظة تعز حمود خالد الصوفي , وأستمرت تراجيديا الأحداث في تعز بعدها بأيام حيث استمر مسلسل القتل والإختطاف والتعذيب للثوار وبشكل ممنهج وخبيث, حتى بدأت تثار أخبار من هنا وهناك ومفادها أن حمود خالد مع الثورة لكنه ينتظر الوقت المناسب ليسجل موقفه الإيجابي والملتحم معها ,وبينما ونحن نستمع لإشعات كذه كنا أيظآ نسمع تأمرآ وندركه منه ليل نهار , فتلسعنا نيران حقده ولا تأتينا نسماته أبدآ , وظلت هكذا شائعات بعيدة عن منطق العقل وجوهر الأمور ,وتوالت الأحداث حتى صرنا علي يقين أن رجل بهذه الشرور لا يمكن له أن يسجل موقفآ مشرفآ قد يحسب له يوم من الأيام , لكننا ومع كل ذلك لم نغلق باب الأمل في هذا الرجل يومآ ,حتى جاء يوم الرابع من إبريل 2011م ,يوم الإثنين الدامي حيث سفكت دماء أبناء تعز وبدم بارد ومتعمد, فقتل وجرح من الثوار يومها العشرات ,في مجزرة لن نغفرها للصوفي ومرتزقته أبدآ ,فقد مارس القتل يومها مراد العوبلي وإبنه وكثير من بلاطجتهم في وضح النهار وبكل تباهي ,وكل ذلك حدث والمدعو الصوفي على رأس هرم السلطة المحلية للمحافظة , ولم يحرك ساكنآ ولم يندى له جبين , واستمرت جرائم العوبلي وقيران ومن بعدهم ضبعان ,فكانت جريمة الحقد الأسود ,جريمة هلوكست ساحة الحرية بتعز في التاسع والعشرين من مايو 2011م ,وجاء إلينا الصوفي بعد سفر مريب ليبحث للقتلة عن أعذار ومبررات واهية لا يقبلها عقل عاقل أو ظمير إنساني حر , بل وذهب إلى أبعد من ذلك حينما ذهب ليدافع عن قتلة الأحرار والحرائر , يدافع عنهم في محافل جينيف بسويسرا وأمام مفوظية حقوق الإنسان تحديدآ وليمنع يومها وبمساندة بعض أنظمة القمع العربية إرسال بعثة تقصي حقائق كانت على وشك أن تشكل لهذا الغرض, بل أن الصوفي ذهب إلى أبعد من كل هذا بكثير ,عندما سمح لنفسة ومن معة من أذيال النظام في المجلس المحلي ,بأن يكونوا جزء أساسيآ من أدوات حرب ظالمة شنت على تعز المسالمة بكل قوة ووحشية وحقد أعمى لا يبرره منطق ولا يقبل به إلا من لا يعنيهم دماء أبناء الوطن وأرواحهم البريئة, ......

قد أكون أطلت عليكم ,لكنني لم أتجنى ولم أسهب في نفس الوقت ,فما يجب أن يقال من مقدمات لفظح الصوفي وجرائمه ,لن تستوعبه المواقع ولا صفحات الصحف ..

وأجدها هنا مناسبة اليوم ونحن على بعد ساعات فقط من إحياء ذكرى الإثنين الدامي ,لأتوجه بسؤال : هل يحق لنا أن نطالب بخلع هذا السفاح وأعوانه بعد كل هذه الجرائم البشعة؟مجرد تساؤل نوجهه ببراءة للمعنيين في الأمر بدء برئيس الجمهورية ومرورآ برئيس حكومة الوفاق وانتهاء بوزيري الدفاع والداخلية والإدارة المحلية ؟وإن كنا نمتلك الحق في ذلك , فلماذا لا تستجيبون إذآ لمطلبنا المشروع العاجل ؟!

وأخيرآ نهمس في أذن كل معني منهم جميعآ,أننا في تعز على مشارف الإنفجار العظيم ,وإننا كذلك لم نعد أبناء الحالمة التي يستوجب علينا حلمنا الصمت الأبدي على المظالم ,ونحذر في نهاية المطاف من اختبار قدرتنا على التحمل ,فالأمر لم يعد يحتمل ,وتعز التي تعرفونها قد ملتكم جميعآ وملت وعودكم الزائفة الكاذبة.....ولصبرنا هذا حدود ,وماهكذا يجب أن تكافأ تعز وأبنائها الأبطال .والله من وراء القصد .


في الجمعة 13 إبريل-نيسان 2012 09:13:54 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://marebpress.net/articles.php?id=15079