حرب الرئيس

* نبيلة الزبير

حينما سؤل الرئيس في حوار الحياة (شباط2006) عن أهم وأصعب قرار في حياته الرئاسية،أجاب بأن قرار أن يصبح رئيسا في العام 78م هو أهم وأصعب قرار إلى اليوم.

 

 

أيعقل أنه خلال ما يقارب 30 سنة، لم يصادف قرارا أكثر أهمية أو أكثر صعوبة..!؟

 

لماذا؟

 

تابعوا معي، وبتصاعد، الاحتمالات التالية:

 

لم يتخذ في حياته الرئاسية أي قرار يتسم بالصعوبة، والأهمية. وهذا الاحتمال غير وارد. لأنه ما من حياة مهنية، أو وظيفية، تخلو من المهام الصعبة.. فكيف لو كانت هذه الوظيفة "رئاسة"!

 

الاحتمال الثاني أنه واجه بالفعل مهاما صعبة، وتحديات حقيقية، لكنه عدَل عن مواجهتها، فكان يضعها على طاولة آخرين معه في الحكم يتصدون لها ويحملون مسؤولياتها وتبعاتها التاريخية. هذا الاحتمال أيضا غير وارد، على الأقل غير وارد كليا، لأنه يحبذ أن يكون هو المتصدر، والآخرون، يظل يدفع بهم إلى وراء الكواليس، لأنه لا نجم يبرق أكثر من ضوء الرئيس.

 

الاحتمال الثالث، أنه في كل تلك المهام الصعبة، لم يكن له قرار، أو معالجة مشرفة، يزهو بها، فما كان أمامه إلا "نكران" تلك المهمة "الصعبة" لأجل "نسيان" المعالجات غير المقبولة. التي لن تشكل له إضافة "بطولية"، وحبذا أنه لم يضطر إليها.

 

الاحتمال الرابع أن كل مهامه "الصعبة"، وبالتالي معالجاته، كانت من قبيل "الاضطرار". أي أنه قضى 28سنة يحل مشكلات "الجلوس" بمعالجات "دفاعية" ولم يجد، داخل الكرسي، وقتا للابتكار. ولم يتخذ قرارات تتعلق بالمستقبل، وفق رؤى، واستراتيجيات. كما ينبغي لرئيس، مستقر فوق كرسي رئاسته. وقد نعرض في سطور لاحقة لنموذج من القرارات، بسؤال ما إذا كان اتخاذها قد شكل خطوة للأمام أم ظل مجرد حل لما سبق وأن خلفه أو تركه خلفه ويشكل ـ لا يزال ـ تهديدا.

 

الاحتمال الخامس: معظم حلوله ومعالجاته، شكلت إضافة إلى خطى يأسى لها. ونحن هنا لا نفترض جزافا، أن هذا الشخص من الإنسانية والآدمية بمكان، يجعله يأسى ويأسف. والحق؛ أن في كثير من سلوكه، ومواقفه، ما لا يمكن أن يُفسر خارج حدود الإنساني، والشعور بالآخرين، والتسامح معهم ـ وفي لغة القانون: التهاون معهم، ولكن؛ لغة القانون، والقانون، يجيء تاليا للسلوك الشخصي. في معظم البلدان العربية. الرئاسة، وطرائقها، حق للرئيس يمارسه بشخصه وبانفراد.

 

لرئيسنا ما لا حصر له، من مواقف أُطلقت عليها أسماء، ونعوتا، تشبع آدميته، مثل: الشهامة، القبلية، الوفاء لأصحابه. يرفّعُهم وظيفيا، وإذا ما انفضح أحدهم في قضية فساد، فإنه يرفعه من هذا الموقع السيادي الهام، ولا يلبث أن يضعه في موقع سيادي أكثر أهمية، في نوع من رد اعتبار، أو كما يحلو للبعض: في نوع من اضطرار. على ألاّ يُفسر ذلك الاضطرار، بأن أولئك الأشخاص "المرفعين" يشكلون تحديا قانونيا، وتهديدا له بسبب من شراكة تربطهم عبر ممارسات غير قانونية بشخصه. القانون لا يشكل تهديدا للرئيس. والأرجح في هذا الاضطرار، أنه بأسباب إنسانية. بتعبير آخر: رئيسنا لا يقوى ـ إنسانيا ـ على رؤية أشخاص، يلقي بهم القانون، خارج أسوار السلطة.

 

عند هذه الحدود، وبما لا يشط عن الإنساني، وشخصنة الحكم، واعتبار الحق مطلقا في القرار يمكن تصديق أنه فتح لأشخاص فقراء ومعدمين .. كانوا فقراء ومعدمين ـ مثله ذات يوم ـ فتح لهم أبواب الثراء غير المشروع. ولن تكون أول ولا آخر الممارسات غير المشروعة.

 

كلاكيت أول مرة

 

غير المشروعة بالنسبة لمن؟ بالنسبة لمَ؟ للقانون؟!! والقانون ليش مستعجل؟! ينتظر!!

 

ولأن المساس بالقانون هو مساس بالناس في مصالحهم.. ولأن الناس هم الطرف الآخر في علاقة الحكم. ولأن هذه العلاقة تنتهي كل بضعة سنين. عليها أن تبدأ من جديد وأن تكون شرعية.. لهذا: يمحي كل ما مضى ويبدأ من يوليو 78م. كيف؟ سبحان الله.. نحن لا نسمع: "ستوووب"، فشل المشهد، كما يحدث في السينما حينما يحدث خلل، فقط نسمع: ستاند باي.. كلاكيت أول مرة..

 

الاحتمال التصاعدي السادس: 28سنة، اُستغرقت كلها في عمليات "تجليس" وتطويع لكرسي أو إذا أردتم الصورة لحصان لا يقدر أن يمشي.. يشده من عنقه، ومرة من سرجه، مرة من ذيله..

 

اسمحوا لي بهذا التنويه: في سبتمبر القادم، من العام 2006م، هذه السنة ذاتها، التي نحن فيها، الرئيس ذاته، الذي يحكمنا. ذاهب إلى 17يوليو 78م، لاعتلاء الكرسي. ولا فرق أن يذهب بشخصه، أو بمن ينوب عنه.. ويواصل محاولته في امتطاء الكرسي. ويتساءلون؛ أو بالشعبي: "يفولون": فيه توريث.. مافيش توريث.. توريث..

 

توريث! لأن ما يورث ليس ال"كرسي" مجردا.. وليس أي حكم.. إنه نظام الحكم بكل محمولاته الممتد ظلها إلى سنوات بعيدة قادمة.. لقد أصبحت تلك المحمولات ثقافة، من ذلك الذي يحتاج إلى معالجات اجتماعية داخل الشارع.. معالجات تستهدف الشارع والسلطة معا.

 

(دعك من تنويهه: أنه سيدعم الرئيس الجديد.. هذه مناورة، موضعها ليس هنا..)

 

والمهم: أنه في هذا اليوم "الموعود" سنكون وفق تقويم فخامته، وبحسب عملياته في شد الزمن، والناس، والمعالجات، وإحكامه القبضة. وقبلنا أو لم نقبل بتجاوبنا السلمي (المستسلم) أو تحت التهديد، لن يغادر بنا، ولن يسمح لنا بمغادرة زمنه الشخصي الذي هو يوليو78م.

 

سؤال: أليس هذا هو الشعب الذي حكمه قرابة ثلاثين سنة..!

 

جواب أول: لا.. لم يعد هو!

 

جواب ثاني: الرئيس يعرف أنه لم يعد هو.. لهذا يذهب إلى أبعد حدود التهديد..!

 

فترة اعتراضية

 

الاحتمال السابع.. لا وجود لقرارات صعبة ولا غير صعبة.. لا حاجة بالرئيس لأن يقف أمام مسألة ويقرر.. نحن لا نرى إلا "نتائج". أو وقائع ولا نسأل من أين؟ ما هي القرارات التي أفضت إليها.. يبدو فعلا مافيش قراااااار.

 

هنالك مقولة تتردد بمنطق السياسيين، تختزل الأفعال والطرائق، والقرارات والممارسات إلى عبارة لفظية موجزة هي: العبرة بالنتائج. من الآخر .. من النتيجة: منجز، ما من يمني/ة لم يحلم به.. أعني "الوحدة" الحلم الذي سنصل إليه يوما، ببعض الإصحاحات.

 

هل "الوحدة" قرار..!؟ هنالك سيل من الدماء، والديون، والبيوت المعطبة. ألم يكن وراء كل ذلك ولو قرار صعب واحد..؟ والله.. رئيسنا رااااس.. لكن راس.. ولا تصعب عليه بلاد..! حضرت (سنة92) خطابا حيا للرئيس، من تلك الخطابات أو المكاشفات التي تعنيه وأصحابه في المؤتمر. ولا يبثها الإعلام بالطبع.. شرح ربما على سبيل التبرير كيف أنه (المقصود رجاله) لم يكد يحرك الدبابة في مكانها.. نحركها لتنظيفها .. نزلت علينا الأقمار الصناعية.. وأسئلة وجن وهدار.. مابتفعلوا .. ما بنفعل شي.. ورجعنا الدبابة مكانها.. وانتقل لصدام يخطئه وينتقد فعلته، في اجتياح الكويت.. ويسرد عن نفسه، كيف حرك الدبابة باتجاه الجنوب في82م وتعجبك قدرته على جذب السامع في تلك التوصيفات التي يطلقها على نفسه: "واحد أمي.. وجه الدبابة ويالله..!" ثم ينتهي من وصف ال"واحد أمي" إلى واحد يفهم في الشرائع الدولية وأنه كي تجتاح دولة أو تضمها إلى دولتك، لابد من موافقات، وهيئة أمم، وشرعية دولية.

 

هذه المكاشفة قد لا تعني شيئا بذاتها، لكن، إذا كان قد طالعك تصريح للرئيس أدلى به في الشهور الأولى لوحدة 90م، ولا زالت الكاميرات تلتقط الأحضان والعناقات والأعراس الوحدوية وهو يصرح في نفس الجماعة المخصوصة بالمكاشفة عن أن "الأخوة" (يقصد المسؤولين من الطرف الآخر "الجنوب") نهبوا في شهرين فقط ما لم ننهبه هنا في الشمال من سنة 48م إلى اليوم. أليست هذه تعبئة مبكرة لأجل حرب قادمة لا ريب..؟! هذه المكاشفات أو التعبئات لابد لها أن توصل متتبعا بذهنه للشك إن لم يكن للجزم، بأن حرب 94م لم تكن إلا امتدادا لحرب أو مناوشات 82م وأن ما بينهما كان خطوات أو: معالجات تكتيكية.

 

كانت خطوة قادة الجنوب باتجاه الوحدة هي خطوة هرب إلى الأمام.. واقع انهيار الاتحاد السوفيتي، خوف عودة حكم السلاطين، خوف شبح 86م، الخ.. صحيح. أسأل عن فخامته.. هل كانت خطوته للهرب من أمام.. أم من الخلف. رحم الله الرائعين جارالله عمر وعمر الجاوي.. كان مكتوب على جبين كل منهما: "جبهة وطنية" تنرفز الرئيس، فينبش ماضي الجبهة الشعبية، وقتال قعطبة.. الافتراض: أنه لم تكن الجبهة الشعبية هي ما يعنيه الرئيس بل الجبهة الوطنية التي لا تزال على قيد الحياة بهذين العملاقين.. ويقصد اتحاد الأدباء والكتاب.. أول صرح وحدوي.. رحم الله الاتحاد أجهز عليه وبدووون قرار..

 

بلى هنالك قرار.. كيف توافقونني أنه ليس ثمة قرار..!! قرار ترسيم الحدود مع الجارة/ السعودية إنه القرار الذي لم يجرأ عليه ستة حكام، من الإمام "يحي" إلى فخامته.. وجرأ عليه هو.. هل لو سؤل في الأيام الأولى للمعاهدة ولا يزال مجلس النواب يصطف ويصفق له (يحمل مسؤولية القرار بأثر رجعي) بفقه: من أكلك قال أخوك.. هل كان سيرد ولو بزهو يستعيره من المصفقين من أنه قرار صعب.. قبل النتائج المخيبة..

 

 

على أية حال، ولأن العبرة بالنتائج، لن يختلف الأمر، أن يقدم لنا كشفا بقرارات من ذلك القبيل: كشف ممحي، بإرادة أو بغير إرادة.. أو أن يقف بنا عند العتبات الأولى 78م.

 

هل انقطعت شعرة معاوية في يد الريس

 

من قبل انتخابات 99م كانت قد أفلست مبررات بقاء فخامته في السلطة جماهيريا. ولم يعد إلا مبرراته الشخصية، بافتراض أنه كلما أفلس جماهيريا، كلما ازداد تشبثه بالكرسي، تشبثا بمحاولة أن يفعل شيئا، قبل أن يذهب، ويذهب غباره باردا. هذا إذا لم تلاحقه عبارات الذم كما لاحقت العهد البائد ـ حكم آل حميد الدين.

 

ما كان أغناه عن مناورة 17 يوليو المنصرم، ظن البعض أنه يفجر "قنبلة" اختبار، بينما لم يكن لتفجيره ذاك دوي "طماشة" وبعد ساعات (أقل من 70ساعة)، فيما سمي انتفاضة الديزل، أعلنت الكاميرات سقوط "القائد الرمز"!! مشهد مريع لرئيس على قيد الحكم.

 

كان لصدام حسين يوم 9 نيسان 2003م. أن يردد في نوع من التربيت على النفس، أنه هكذا هي الحرب، انتصارات وهزائم، وهكذا هم الخونة.. إنه ما ردده على أية حال كثير من "الصداميين" وهم يرون القائد الرمز ـ صورة الحاكم ـ يضرب بالأحذية.

 

ما الذي يقوله رئيس، أمام مشهد شبيه، هو بطله "الرمز"، يحدث على مرأى ومسمع منه، ومن العالم. في 20-21 يوليه 2005م تعرض شخصيا وليس فقط "الرمز" لاحتمال السقوط في الحرب.

 

على الشعب أن يسلم نفسه للكرسي

 

حرب الرئيس لم تكن بدايتها طبعا في يوليو 2005م ولا في مخاطرة الرئاسة "بمحلل" 99م. ولا في خذلان الشريك "الإصلاح" 97م إيذانا بانفراد جديد (يتصعد بعد سبتمبر2001).ولا في "حاصل حرب 94م" التي تم الإعداد لها ما يزيد عن عقد.

 

حرب الرئيس بدأت 78م. وعلى كلا البعدين:

 

البعد الأول حرب مع الكرسي.

 

البعد الثاني: الاستعداد والجاهزية للحرب من أجل الكرسي. كلنا نعرف كيف من وقت مبكر، استبعد عددا من قادة المعسكرات الوطنيين، واستبدلهم بأفراد من أسرته، وأعوانه، في تأهب دائم، للتصدي؛ ليس فقط لأي انقلاب، بل لأي متغيرات تزيحه ديموقراطيا.

 

اليوم يلتقي البعدان في خط واحد.

 

اليوم أصبحت الحرب مكشوفة، وقراراتها معلنة. ورهن استجابة الشعب لتهديدات فخامته.

 

التهديد صريح، وواضح: إما الكرسي وإما الحرب.

 

محمد سيادي بري، كان ظالما، لكن وضع بلاده ـ الصومال ـ في عهده كان أفضل.. وظلم الحاكم هو أفضل من ظلم الحروب..

 

خلو لنا الكراسي.. مالكم ومالها.. الجمل يسير هادئا لكن: إذا أحد نكشه من خلف نكشه صغيرة يهييييج، ما عد يبسر حد ولا يفرق بين حد وحد أمامه..

 

الخ.. الخ من تهديدات صريحة ومباشرة وفي أكثر من مناسبة، وبدون مناسبة

 

فقد رصيده عند الشعب، كل الشعب بما فيه قطاع القوات المسلحة، الجيش والأمن.. لكنه لا يزال يراهن على هذا القطاع. ويشتغل على تعبئته وتحريضه وشده إلى خندقه ليل نهار: الناس يكرهونكم، هنالك من يتربص بكم، يحقد عليكم. إنه يختلق لهم أعداء من الهواء، وعداوات، وأشباحا..

 

كأنه على وشك أن يستحدث منابر وصحفا، مهمتها الإساءة للعسكر، لأن الأدلة التي يطالعهم بها من خطاب لآخر، ويحرضهم بموجبها ليست كافية. وأخشى ما أخشى؛ أن يتطوع أحد، أو طرف، بتصعيد ما، وبسبب من ذلك الإلحاح في خطابات فخامته، يستثمر تلك الخطابات التحريضية على أسوأ وجه، وينطلق منها إلى أعمال عنف، وقنص، واعتداءات، تطال أبرياء في قواتنا المسلحة، ليصدق وهم أنهم مستهدفون.

 

هل سيتوجب على الأمهات، أن يبدأن حملة مقاومة، ويتصدرن منابر وصحفا، يناشدن فلذات الأكباد، ألا ينجروا وراء هذه المكايدات، وأن يرفضوا أن نقع جميعا، حكاما ومحكومين، عساكر ومدنين في خندق الريس.

 

أختم بأمنية

 

أن يكذب المستقبل القريب أوهام العداوة، والمخاوف، والخنادق، والحرب..

 

خاصة وأنه لا يزال أمام الرئيس ما يفعله غير الخيار المسلح، ليخرج منتصرا.


في السبت 15 إبريل-نيسان 2006 11:52:28 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://marebpress.net/articles.php?id=150