|
في لقاء صحفي عقده الدكتور عبد العزيز الدالى وزيرة خارجية ما كا بعرف بـ (جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية) عشية قيام الوحدة, سئل الوزير: هل سيتم ذوبان الشخصية الاعتبارية لجمهورية اليمن الدميقراطية الشعبية في اطار الجمهورية اليمنية المزمع قيامها في 22 مايو 1990م؟
رد الوزير الذي كان يزن كلماته بميزان الذهب, رد بامتعاض: لا علم لي بالموعد, واضاف: أن الوقت غير كاف للأقدام على اجراء ضخم كهذا, فالعملية وفق ما ذهب اليه الوزير في ذالك اللقاء: تحتاج الى اجراءات ادارية و فنية وخطوات توثيقية, تشكل بالمجموع محصلة قانونية, تستوجب الأخطار والأيداع لدى الأمم المتحدة والمنظمات المتفرعة عنها, ولدى جامعة الدول العربية وبقية المنظمات العربية, الأقليمية والدولية, قبل الأقدام على عملية التوحيد بزمن كاف.
امتعاض الوزير الدالي كما عبر عنه يومها, لم يكن من التسارع غير المدروس لخطوات التوحد وحسب, وانما ايضآ من التعتيم الاعلامي الذي واكب الهرولة صوب الوحدة, ومن السرية المطلقه التي جعلت كينونة البلد بيد بضعة ساسة يتصرفون في مصيره, دون تفويض ودون استشاره, ودونما استناد لرأي خبير او قانوي, ولا دبلوماسي او حتى رأي بروتكولي معني بالمراسيم, وكانت النتيجة كما نعيشها حاليآ, وكأني بالدكتور الدالي برده ذاك كان يقرأ ما يدور اليوم!
وقائع اللقاء الذي عقد في مبنى وزارة الخارجية, المبنى الذي كان اول الاهداف السيادية التي قصفتها قوات الوحدة على نحو سادي, عند دخولها عدن في يوليو 94م وبعد التدمير اضرموا فيه النيران .. وقائع اللقاء الصحفي ذاك, نشرت في وسائل الأعلام الدولية, ولم يتنبه للموضوع احد من قيادات الدولة والحزب في ذلك الوقت, وعندما قمنا, في وكالة انباء عدن, باعادة النشر, في خدمة (النشره الخاصة), قامت قيامة (حوشي وجوشي) على الدكتور الدالي الذي استشعر خطورة وضعه, كونه حينها لم يكن قد تعافى بعد بشكل كلي من الأثار السياسية التي طالته حزبيآ أثر احداث 13 يناير 86م المشؤومة, لذا لجأ الينا في الوكالة في محاولة لنفي الموضوع.
النفي أمر لا نستطيع القيام به, اخطرنا الوزير, كوننا طرف ناقل وليس المصدر, وان كنا قد اقدمنا يومها على معالجة الأمر صحفيآ, وفق المعايير في مثل هكذا حاله, وعلى نحو خفف من خطر الأنياب التي كشرت في وجه رئيس الدبلوماسية الجنوبية الذي اثبتت التجربة بأنه كان الأقدر مع قلة من قيادة تلك المرحلة مثل السييلي وسعيد صالح, الذين كانوا يستشعرون خطورة الهرولة والأندفاع غير المدروس صوب الوحدة .. فكانت "صرخة الدالي في واد ونفخة في رماد " كما يقول المثل, وان كنا في وكالة انباء عدن قد حاولنا ترديد صدى صرخة الدالي تلك, ولكن (لاحياة لمن تنادي) ولكوننا من اسهم في نفخ الرماد فقد كان لزاما علينا التخفيف من كمية المتصاعد منه في وجه الوزير الذي حاول الأنتصار للمستقبل الا ان الحاضر كان اقوى منه ومنا جميعا.
تذكرت ذاك الموقف التاريخي المحسوب للدكتور الدالي وانا اقرأ بعض من الادعاءات والافتراءات التي تتناول القضية الجنوبية بشيء من التسطيح, والاستسهال وبشيء من الأسهال المعوي وبشيء مما يستشعروه من تقيؤا الحمل الذي يحاولون وضعه في الجنوب, كل هذا الذي يقوم به هؤلاء يعتبر, امتدادآ لفلسفة الرفاق اشتراكيي الشمال, الذين كانوا, في سالف الازمان, جبهة وطنية, عرفت اختصارا بأسم (جوشي), وعندما تحولوا الى حزب او فرع للحزب عرفوا بـ (حوشي), وكانوا قد احجموا حينها عن الافصاح عن رأيهم في دولة الجنوب, لغرض في نفس يعقوب وتمسكن حتى تتمكن .. اما وان الآيه قد انقلبت, وتمكن رفاق الفرع من رفاق الاصل, والحق الاصل بالفرع, وصار منطوق الشعار (حزبك باقي يا فتاح, شّندي صوتي للأصلاح) وفي زمن الألحاق الذي يحاولون استيراثه, صار الشعب الجنوبي برأي هؤلاء"بدعة".
انتهازيو الأمس المشطور, الذين امنوا اوضاعهم في الشمال من خلال دولة الجنوب, يمثلون القدوه لانتهازيي اليوم الـ (موحد), الذين يسارعون الخطى ومقترحات الحلول للقضية الجنوبية من اجل تأمين مستقبلهم السياسي من خلال القضية الجنوبية شانهم شأن الساعي للفوز ببطاقة الجمهوريين في الأنتخابات, السيد (نيوت غنغرتش) الذي يحاول دخول البيت الابيض بمفتاح فلسطيني عندما ذهب الى القول: بأن الشعب الفلسطيني "مختلق".
تفوهات (غينغرتش) الصحفية لقناة (كوابل) اليهودية في اغسطس الماضي, اذا كانت قد اتت في اطار حملته لمنافسة الرئيس اوباما, ففي اي اطار تاتي حملة هذه الادوات للتشكيك في هوية الوطن والمواطن الجنوبي؟ .. هل تاتي في اطار المنافسة على كرسي البرلمان ام على كرسي الوزارة ؟ والطموح مشروع عندما يكون وفق الضوابط الأجتماعيه والأنسانية بل ومطلوب, لكن عندما يقوم على آمل سرقة وطن وعلى محاولة انكار هوية شعب يتحول الطموح الى شيء آخر, اقل ما يوصف بأنه غير اخلاقي, ولن يوّصل الا الى كرسي الحلاق!!
في الثلاثاء 31 يناير-كانون الثاني 2012 05:52:09 م