فاطمة أحمد العاقل، حياة حافلة بالعطاء والإنجازات
حسن حسن إسماعيل
حسن حسن إسماعيل

فوجئ الكثير من المكفوفين والكفيفات ومجتمعنا اليمني عموما بالمصاب الجلل الذي حل بنا جميعا بوفاة الإنسانة الجليلة والمرأة المكافحة إنها الأستاذة العظيمة الفاضلة/ فاطمة أحمد العاقل المربية البارعة والأم الحنونة والإدارية المحنكة والثرية المتواضعة والخيرة، التي بذلت حياتها ووقتها لعمل عظيم غاية في الإنسانية وغاية في الوطنية وغاية في أداء الواجب الأخوي والبر والإحسان، والذي جعل عملها يأخذ كل هذه الأبعاد هو المنهج الذي أتبعته الأستاذة/ فاطمة أحمد العاقل في نشاطها وعملها المتواصل من أجل خدمة أشقائها وشقيقاتها ممن يربطهم بها قاسم مشترك هي الإعاقة، نعم إنها الإعاقة البصرية التي كانت الفقيدة إحدى ضحاياها لكنها لم تهن ولم تستسلم أبداً لقيودها أو الآثار الناتجة عنها بل لقد كانت الإعاقة عند الفقيدة مدعاة للصبر والاحتساب عملا بالحديث القدسي القائل ((إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه فصبر ولم يجزع عوضته بهما الجنة)).

إننا ونحن نودع الأستاذة العظيمة فاطمة العاقل إنما نودع عظيماً من وجهة نظرنا لأنها على الرغم من أنها كانت من ذوي الإعاقة البصرية لكنها كانت أقوى من الآلاف من غير المعاقين والمعاقات وكان من أسهمت في إزالة المعاناة عنهم هم أشد الشرائح الاجتماعية حرمانا، ولأن المنجزات التي حققتها لم تكن منجزات آنية بل كانت انجازات تتصف بالديمومة وتحقق الاعتماد على النفس،

إخراج الآلاف من الكفيفات وهن من فقدن نعمة البصر من حياة الجهل والظلم والعزلة والحرمان والانتقال بهن إلى حياة الكرامة والتمتع بالحقوق والاندماج في المجتمع، في مجتمع ما زالت المرأة فيه محرومة وتعاني من مشكلات وموروثات اجتماعية مختلفة أمر غير يسير، لكنها أي الأستاذة/ فاطمة العاقل شقت رغم ذلك طريقها إلى النجاح والبذل والعطاء.

بدأت مشوارها الحافل بالعطاء والإنجازات في خدمة شريحة المكفوفين في مركز النور للمكفوفين في بداية التسعينيات عندما كانت تقدم أجهزة التسجيل وأشرطة الكاست المسجل عليها الكتب الثقافية والعلمية ونسخ المصحف الكريم، ثم الانتقال إلى توفير الخدمات الصحية بمساعدة شقيقتها الطبيبة وفحص النظر لكل كفيف مقيم أو منتسب إلى مركز النور للمكفوفين بهدف تقديم الخدمة العلاجية لمن لا يزال لديهم أمل في الشفاء وعودة البصر إليه، ونظراً لخدماتها الجليلة التي بدأتها الفقيدة فقد أجمع المكفوفون على انتخابها رئيسة للجمعية اليمنية لرعاية وتأهيل المكفوفين في نهاية عام 1992م، حيث انتقلت بالجمعية إلى مرحلة النشاط والعطاء وتقديم العديد من الخدمات الجليلة للمكفوفين والتعريف بالجمعية ودورها على المستوى الوطني والخارجي، ولأن التعليم كان الأولوية التي يتصدر اهتماماتها فقد عمدت إلى تأسيس أول مكتبة سمعية للمكفوفين في جامعة صنعاء وأخرى في مقر الجمعية تم تزويدهما بأحدث التجهيزات استفاد منهما المئات من المكفوفين ولا تزال خدمة هاتين المكتبتين مستمرة إلى الآن، غير أن البداية الحقيقية الذي بدأته الأستاذة فاطمة العاقل على مستوى الدورتين الإداريتين في إدارة الجمعية اليمنية لرعاية وتأهيل المكفوفين هو فتح دورات تدريبية للنساء الكفيفات في مقر الجمعية لتدريبهن على عدد من المهارات وكانت الفرصة حينها سانحة لانضمام الكفيفات إلى الجمعية بسبب وجود الأستاذة/ فاطمة العاقل على رئاسة الجمعية، مما أتاح للكثير من النساء الكفيفات الالتحاق بالجمعية، وكانت رغبة الكثير من النساء الكفيفات وأسرهن في الحصول على مؤسسة خاصة بالنساء تقوم على رعايتهن وشعورها بأن عدم وجود مثل هذا المشروع قد يتسبب في حرمان الآلاف من الكفيفات من الحصول على الخدمات التعليمية جعلها (رحمها الله تعالى) تسارع إلى أيجاد معهد خاص للكفيفات يتيح للكثير منهن الالتحاق بالتعليم ويزيل الأعذار العالقة بأذهان أولياء أمور الكفيفات، وبالفعل فقد تحقق هذا الحلم للأستاذة /فاطمة عندما حصلت على مبنى من وزارة الإدارة المحلية في عام 1995م ليكون معهد للكفيفات وكانت الفرحة لديها كبيرة وسارعت في تجهيزه وتهيئته ليكون صرحاً علمياً وإنجازاً من منجزاتها العلمية العظيمة للكفيفات على مستوى الوطن، وصار قربها من مشكلات الكفيفات ومعاناتهن أقرب من أي وقت مضى وشعورها بأن الكفيفات أكثر حرمانا من الوصول إلى حقوقهن وكانت تفكر من منطلق المثل القائل (ما حك جلدك غير ظفرك)، فقد بادرت إلى تأسيس منجز من منجزاتها العظيمة ألا وهو تأسيس جمعية الأمان لرعاية الكفيفات في عام 1999م هذا الصرح الشامخ الذي وصل إلى مرحلة من النجاح المنقطع النظير بعد مرور ما يقارب عقد ونصف تقريبا من الزمن أتسم بالمثابرة والجهود المضنية التي بذلتها الفقيدة يوما بعد يوم وسنة بعد سنة حتى أصبحت جمعية الأمان جمعية نموذجية تقدم الكثير والكثير من المشاريع البناءة والحديثة ليس على مستوى الكفيفات فحسب بل ولجميع المكفوفين على مستوى الوطن اليمني، فقد توسعت خدمات الجمعية توسعا ملحوظا ليشمل نشاطها خدمة جميع المكفوفين، ولعل الكثير من المكفوفين يتذكرون جيدا مدى تحقق الحلم الذي كانوا يطمحون إليه عندما تم توفير مطبعة بطريقة برايل للمكفوفين يتم طباعة المناهج الدراسية للمكفوفين لأول مرة على مستوى اليمن وهو المشروع الذي لم تحققه أي من وزارة التربية والتعليم أو وزارة الشؤون الاجتماعية حتى الآن، رغم أنه يندرج ضمن اختصاصات الوزارتين كون هذا المشروع يحتل أهمية كبيرة في حياة المكفوفين التعليمية، ولا ننسى سعي المرحومة إلى إيجاد أول معمل للكمبيوتر للمكفوفين مزود بالبرنامج الناطق ليصبح الكفيف والكفيفة في بلادنا معايش للتقنية الحديثة ومستفيد من كل جديد، وكذلك توسعها بتأسيس سكن للطالبات الكفيفات في كلاً من صنعاء وتعز وإب مزود بكافة التجهيزات من أهم المنجزات التي تم إنجازها شجعت على إثر ذلك الكفيفات للالتحاق بالتعليم، وأيضا توفير وسائل المواصلات لنقل الطالبات من منازلهن إلى المدارس لإدماجهن ضمن مدارس التعليم العام بأحدث الوسائل والأساليب من الجوانب المشرقة في إنجازات الأستاذة/ فاطمة العاقل،

ولا يغفل أحد الخطوات التي كانت تتبعها الفقيدة وتدرجها في تحقيق النجاحات، فبعد أن تمكنت من تقديم خدماتها المتميزة للكفيفات أتيح لها خدمة المكفوفين من الذكور وذلك عند أن قامت وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل بإسناد مركز النور للمكفوفين بصنعاء إلى جمعية الأمان للكفيفات لأدارته والإشراف عليه وتقديم الخدمات والعناية اللازمة المناسبة، حيث نجحت الفقيدة وجمعية الأمان من الانتقال في المركز إلى نقلة نوعية ومتميزة على المستوى التعليمي والثقافي، إن الحديث عن هذه الإنجازات ليس كأي منجزات لأن برامج المكفوفين وإمكانياتهم باهظة التكاليف وبحاجة إلى خبرة عالية في نقل المعلومات والتدريب على الأنشطة والمشاريع والدقة في التخطيط والتنفيذ.

ولم يقتصر نشاطها على شريحة المكفوفين فحسب بل أمتد نشاطها ليشمل المعاقين ومنظماتهم، فقد أتيح لها من خلال لقاءاتها المتكررة بهم من خلال حضورها ومشاركاتها في مختلف الأنشطة والفعاليات التي تقيمها بعض الجمعيات المعنية بقضايا الإعاقة السمعية والبصرية والحركية والذهنية أن تطلع الأستاذة فاطمة العاقل على مدى معانات المعاقين عموما ودرجة الحرمان لدى الكثير منهم مما جعل هذه المعانات لدى المرحومة محل اهتمام دفعها إلى تأسيس مؤسسة خذ بيدي عام 2009م لتستطيع من خلال هذه المؤسسة تقديم كل ما يمكن تقديمه للمعاقين والمعاقات مستفيدة بذلك من تجاربها السابقة مع من فقدوا نعمة البصر وبالفعل فعلى الرغم من حداثة مؤسسة خذ بيدي إلا أنها قدمت الكثير من الخدمات، لكنها كانت تدرك أنها ما زالت في بداية الطريق أمام احتياجات المعاقين الضخمة وبأعدادهم الكبيرة وقد حالفها الحظ قبل أن تغادر الدار الفانية أن تؤسس هذه المؤسسة وترفدها بالكوادر الكفأة والقادرة على مواصلة تقديم الرسالة التي أنشئت المؤسسة من أجلها وكأن الله جلت قدرته أراد أن تبقى كل منجزاتها حية بعطاءاتها المستمرة لتبقى صدقتها الجارية مستمرة عند الله إلى ما يشاء.

استعراض المزيد من المنجزات بحاجة إلى مقالات وكتب وهو أمر مطلوب ليكون ذلك نموذج يستفيد منه من يريد التعرف والغوص في أعماق هذا العمل الإنساني العظيم الذي تحقق على يد امرأة كفيفة أبت إلا أن تكون كالشمعة التي تحترق لتضيء للآخرين وكالنحلة التي تعطي الشهد لغيرها حبا في مرضات الله وإيمانا منها بأداء واجبها الوطني في الإسهام في بناء وطنها ومجتمعها.

، وهنا لا يسعنا ونحن نودع إنسانة غالية على قلوبنا جميعا إلا أن نترحم عليها وقلوبنا تقطر دماً ونحن نفارق من عايشناها كل يوم وكانت لنا أختاً وأماً حانية، فحزننا اليوم هو حزن على من فقد أخته أو أمه وربما أكثر من ذلك لكن هذه سنة الحياة، فكل نفس ذائقة الموت ويبقى أن نترحم على روحها الطاهر راجين منه جلت عظمته أن يسكنها فسيح جناته وإنا لله وإنا إليه راجعون.


في الإثنين 23 يناير-كانون الثاني 2012 05:31:01 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://marebpress.net/articles.php?id=13412