تساؤلات بريئة .. وحوار هادئ .. على طاولة المرجعية والحوثيين
كاتب/مهدي الهجر
كاتب/مهدي الهجر

أنا لم اقتل الحسين عليه السلام ، ولم أشهد فتنته ، وأبي لم يقبل ، ولا انا رضيت .. فعلامَ تُحدقُ فيَّ شزرا، وعيناك تَوقدُ شر را..؟ إني أنا اخوك فلا تأبط عليَّ شرا ، ولئن بسطت يدك بالموت اليَّ فسوف اغالبك صبرا وحلما .. لكن في كل الاحوال لن أكون هابيلَ ...

عشتم وعشنا معاً على هذه الارض الطيبة حينا من الدهر لم نكن نفصلكم عنا بكلمة أنتم أو نصطف في المقابل بـ نحن ، وما كان يحدث سوى إثراء للفقه والعقل من ومع شُيُوخ العلم ورجال الفكر حول قضايا تحل دوما في الوسطين الفقهي والفكري عبر حوار رشيد ومتقدم كان يعكس وجود حالة متقدمة وحيوية من الرشد لبيئة المكان وظرفه الزماني ، كانت تَخَللََه واشتهرت المداعبات والنكتة اللطيفة التي انتقلت كموروث تحضر في الاسمار والامسيات .

وظل اليمنيون وساروا يدا واحدة تبني وعلى من عداهم ، كتلة ذات مشيج واخلاط يضبطه نسيج عام لا يتباين ، وهمة ذات ابعاد ، بتعدد يبدع ، وتنوع اكتملت به لوحتهم غاية في الروعة والنسق الجمالي، لم يفترقوا على اللون او العرق او المذهب الذي يُقرِّب لهم بعض المسائل في عبادة خالقهم .

وكان وما زال المذهب الزيدي على رؤوس من ليسوا محسوبين عليه يرفعونه بتقدير وافتخار ، ويعتبرون مؤسسه إماما عظيما يُعتد به .

وعلى تلك الروح والسلاسة تشكل الفقه السياسي والعبادي في اليمن ، مدرسة متنوعة لم تغلق نفسها على نمط ما .. بل وسار الكثيرون من الناس في هذا البلد على المذهب الزيدي في عدد من القضايا والمسائل بعفوية وتلقائية وهم في وسط يُعد مغايرا لهذا المذهب إن جاء التصنيف ، في الوقت الذي لا يُثرِّب عليهم في ذلك احد في مجتمع ترسخ في اعماقه حُب آل البيت و تقدير الامام زيد رضي الله عنه واكرمه .

ورغم ان هناك من حاول ان يشُبها بين يمن أعلى وآخر أسفل أو بنعت الشوافع والزيدية الا انها كانت تذروها الرياح فترتد عليه ولا تفعل .

وقد نشأنا هذا الجيل والذي سبقنا على اريحية واعتقاد أنْ كُلنا سواء في الوطن والدين ، فجامعنا انا مسلم عربي يمني فحسب إن حضرت الهوية كسؤال ، بل تتسع الابتسامة بدهشة واستغراب إن سألك أحدهم عن مذهبك في العبادات ... يُلجمك السكوت ، فأنت سِرت في عمرك ولم تتمذهب على إمام ما وتنغلق عليه بقسوة ، فكلهم أئمة اكرمهم وجزاهم الله عنا وعن الاسلام خيرا .

إذ جميعهم المشهود لهم محل قدوة وهيبة وتوقير ، نعذرهم اقتداء بهم كما ارشدونا إن حسبناهم في امر ما لم يحالفهم الصواب ، فعلى ما قالوا كل يُخطئ ويصيب الا الحبيب صلى الله عليه وسلم .

وما قدموه على اختلافهم وتنوعه يُعد مدارس اسلامية ننهل منها ونحفل بها شكلت ما نسميه اليوم بالتراث الاسلامي .

********

وفجأة حل الغُلو والفرز الحاد وبأدوات جَرَّت معها العنف واستدعت ذاكرة تاريخية لا نحمدها كنا قد غيبناها عمدا .

نعم هناك من ايقظها ودفعها باتجاه التغاير والفتنة ، وكذلك ساعد الفعل ورد الفعل ، وأطراف خارجية إقليمية ودولية كلا يتكئ على ما يعتقد أنه له في هذا الداخلي كأداة حسبها لاستراتيجيته ، أو فضاء اقليمي له ، أو ان له ثمة مآرب أخرى ...

لكنه ـــ ما سبق ــ لا ينفي وجود خلل داخلي بنيوي يعمل ويتجذر في مكوِّن الطرفين نسبته لا تتراجع عن الـ 50% .

فأين كانت عقول وتفكير والرؤى البعيدة عند من تحتكر بالقول والفعل مركز المرجعية .؟

ـــ يقول الاخوة الحوثيون وبعض مرجعيتهم في صنعاء أن هناك من عمل ويسير الآن على بنائها طائفية مذهبية وتحديدا عند دماج صعدة ، وأن تلك خطوطا حمراء تستفز المجتمع ، وتستدعي على اليمن أطرافا اقليمية تجد في نفسها على امنه ووحدته وثقافته وتراثه ، فضلا وهذا الاهم ان ذلك سيمثل اعاقة حقيقة للدولة المدنية ومؤسساتها الهدف المنشود والذي هو قلق واحتقان المرحلة الآن .

والحق ولا زالت الشواهد على قارعة الطريق وفي الصدى ان من يتهمهم الحوثيون بذلك كانوا هم من بَكَّرَ قبل غيرهم منذ حين في تحذير النظام والاطراف من خطورة تحريك او اللعب بهذه الورقة .

لكن .... أليسوا الحوثيين ومن خلفهم بعض المرجعية في صنعاء مَن دشنها قبل غيرهم على الارض مذهبية ، وفرزا على الطائفة والارض بسبلٍ شتى منها المباشر والغير مباشر ؟

ألم يعلنوا عن انفسهم بمسمى ( الحوثيون ) وأشهروه بالقول والفعل حركة سياسية مذهبية مناطقية تتجه نحو تسييج والسطو على مربع جغرافي بعينه ، بصرخة وااا..حُسيناه ... ويا لثارات كل مظلمة تاريخية وقعت ... واللعنة على كل من لم يكونوا معهم .... في استدعاء ممنهج للماضي الغابر وتوظيفه جورا للاقتصاص من الحاضر والمستقبل ، في الوقت الذي تتعزز وتستقوى بإيران كسند وظهير خارجي.

وفي المقابل تبلور وتشكل المغاير الحاد الآخرـــــ لسنا الآن في محله بتفصيل ـــ على فكرة انتهت بمجسم ، له صراخ ، منه أنه لوحده اهل السنة والجماعة ومن يسير على خطى السلف ، ومن عداه فمبتدعه ، واستدعى هو الآخر نمطه التاريخي والذاكرة التي استيقظت ....

وقَّعَّدَ له أسس وموجهات منها ينطلق في ادارة صراعه وكُلُهُ اشتباك ، ، في الوقت الذي تعزز هو ايضا بالسعودية كظهير خارجي في مواجهة المد الايراني .

فمن منكما ايقظ وأتى بالآخر ، واستدعى الخارج علينا ، حجورية دماج ، أو شيعة ضحيان ؟.. أو قد يكون كليكما في لحظة ما عبرتما .... ليست العبرة بمن سبق بقدر ما هي ... ماذا حصل.. وعلى ماذا .... ؟

لكن ثمة ما يؤخذ عليكم اكثر مما عليهم على اعتبار انكم رضيتم بالعملية السياسية وبخطوط وخطوات المجتمع المدني والسبيل العصري في بناء الدولة والمجتمع .

ثم لماذا ترفضون السلفية كفكرة ومُكوِّن وحركة تعمل في الفكر والمذهب والمجتمع وترضونها لأنفسكم ؟

... ألستم تعملون على تعليم خاص لكم ، وعلى قنوات واذاعات واعلام مغلق عليكم فحسب ؟ وأن لا يساكنكم و يجاوركم في صعدة وما جاورها غيركم ؟

ثم تستحضرون الحسين عليه السلام والسيدة زينب والعباس بطقوس غريبة عنا وبمشهد بكائي عجيب ومع ذلك سكت الناس ولم يناقشوكم قراءة التاريخ وينابذوكم برايهم على اساس ... حق كلا وما يعتقد ويُفكِّر ... فلماذا تنفعلون على المقابل الآخر حينما يستدعي ذاكرته ورايه التاريخي ، ويدافع عن الصحابة الكرام كواجب واعتقاد اجتمعوا وساروا عليه مع اوائلكم وخَلَفهم حتى جئتم فأفسدتم اللبن ؟

فمن الذي يؤسس للكراهية ، ويُشرعن ويبني للطائفية ، ويكسر السياج ، ويُلحد بالخصوصية ، وأسس المواطنة ؟

هل تقبلون بان نلتقي على اسس دستورية ، وقوالب قانونية ، بان يكون المذهب لمن يطلبه والفعاليات معه ، لكن تحت سقف الوطن وحدوده ، في وئام ونسيج وثوابت لا يتعرض له رأي ، او يُسيء له فرز سواء كان على اساس الرأي او المذهب او اللون او الجغرافيا ،أو ......

ان تكون هناك خطوطاً حمراء ، يعاقب من يتجاوزها بأقصى عقوبة ..

نعم في المحصلة هي في نصوص دستورنا ، لكن بقصد تعزيزها وإعادة قراءتها من جديد على مسمع ومرأى الحاضر ، وليتعزز فينا حب الوطن وقيم الاخوة والوحدة الاجتماعية والوطنية ، ولنشهد على ذلك الله اولا ثم الاخضر واليابس ومن يشهد على هذا الكوكب ..

**********

هب سيدي وسليل من نَودُّه اكثر ونعتقد حبه عبادة .... أن الكرة صارت في الملعب إليك وانت على هذه الطباع ، وقد رأيت توأمك في العراق وسوريا كيف حاله وحال غيره معه عندما أحل بهم ما رأيت أنت وشاهدت وبكيت أنا ... لحظة استغل على حين غفلة ثقبا ضيقا ولج منه في مرور عابر وسريع ويوشك أن يغلق الثقب .

هل رأيت طيشا ورعونة وحقدا يقترب في الشبه من بعض توأمك .. بل قل ضيق افق وقلة راي وتفكير تجاه عواقب الغد لدى عابر نزق؟

أتحسبها سجيتي ، أخصني بها ، وأقصيك ؟

ابدا معاذ الله .. فقد رضيناها لمن كان ... بَكَرَ وحشَّد وعبأ .. ليهنأ بها على انفي وعيني وله مني أن احرسها له ما دامت في طوره وزمنه حتى توافيني الفرصة فأسابقه عليها وعلى نفس الضوابط والشروط وقواعد اللعبة ..

وأنت يا سيدي ... يا سلالة من حُبُهُ في اعتقادي عباده ... نعم أرضها لك ، ليس على قاعدة أنك بها أحق على البطنين والسلالة أبدا ، إنما على من يقول الشعب عند الاقتراع ان هذا او ذاك عندي ازكاكم وعلى قواعد تعلمها ...

أما اكرمنا فهي عند الله وهو بها أعلم ، وهي ليست محل شجار .

لكني المحُ في عينيك شهوة المغامر والرغبة الجامحة للقفز ... والمح بين عينيك ومدفونا في عمق ابتسامتك أمرا يُريبني ، ويُحرك في مجامعي الخوف .

أنظر في وجهك ، وبين عينيك فأجدك لست انت سيدي الحسين وحبيبي الامام زيد والآل الكرام ..

أنا لا ارى سوى الشستناني ، وقم والنجف ، والجعفري والصدر وجيش المهدي ، واللطم والنشيج .... واللعنات والقذف والسب هداياك تصلني كل صباح وغروب .

أخشى سيدي وحبيبي... رغم هذه صورتك .... أن أعود ذات غُروب الى اهلي محمولاً وقد نقََّبَ الدريل كل ظهري وصدري يبحث عن خبيئته .

أو أعود الى صاحبتي من ذات غيبة حسبتني ، والرعب بعيني ، وشفتاي تحجرت ، وأنا مجبوب (مقطوع) ... يا حسرة الاولين والآخرين ومصيبة الدنيا والدين، ويا قصة الخريف والشتاء والفصول الاربعة ..

سيدي وحبيبي ... رغم هذه صورتك ، والله لا ابغضك ولا اناصبك العداء .

أريد أن آمنك أولا ، فهبني نحوك سبيلا لأطمئن ، ثم علِّمني كيف احبك ..وأنا على استعداد لأدفن ما امتلأ في ذاكرتي عنك .

أرجوك ... تمهل واتئــــد ، ثم توازن ، وعاود الكرة في قراءة المشهد وإعادة التقييم من جديد .

فأنت لست وحدك ، ولا القابليات لك ، ولن تستطيع ما فعلت أن تلوِّنها أو تأتي بها اليك قبيلا ، ولست انا ولن اكون يوما حسيرا الى قربك اتلوى يثنيني وجع الدريل إذا نهضت .

قلت توازن واتـئــد وأعد الكرة سترى ان هذه الارض لنا كلنا ، وانك ان احسنت فانت انا ، على بر وبحر وارض وبين سماء وماء .

دمك في وريدي ووجعك جراحا تنزف دمي ..

ارجوك الف ارجوك ..يكفي وإلى هنا وحسبك ... لا تباعد اكثر .. توقف لا تبني الحواجز والسدود .


في الثلاثاء 03 يناير-كانون الثاني 2012 11:03:49 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://marebpress.net/articles.php?id=13174