الهوية الجنوبية بين الحقيقة والخيال
وليد سلطان الشيباني
وليد سلطان الشيباني

غالبا مانسمع هذه الايام عن الهوية الجنوبية والاعتراف بالهوية الجنوبية وأن الجنوب اليمني ليس يمنياً و إنما جنوباً عربياً. وهناك من تبنى هذه الرواية وقد ظهرت بعض المصادر التي يستند عليها هؤلاء تقول أن اليمن لم يكن موحداً في دولة طوال التاريخ والجنوب ليس بيمني حتى بلغ الحال بالبعض إلى القول أن عبدالفتاح اسماعيل وأهل تعز القاطنيين باليمن الجنوبي هم من أبدلوا اسمه من الجنوب العربي إلى اليمن الجنوبي وقد قام أهل تعز بعملية تحريف لهوية الجنوب وتعددت الروايات من هنا وهناك وسأقوم بتفنيد بعض هذه الروايات في هذا المقال.

لدي علاقات جيدة مع بعض العناصر المنتمية للحراك وتواصل دائم معهم وأستمع إليهم وأقرأ مقالاتهم وأنظر لحججهم وكان أكثر مالفت انتباهي مقالة طويلة جداً لشخص وصف نفسه أنه دكتور بالتاريخ وقام بالكتابة عن الجنوب متحدياً كائنا من كان أن يزعم بأن الجنوب يمني وناكرا أنه على مر العصور اجتمع اليمنان (الشمالي والجنوبي) في بلد واحد. هذا المقال أثار في العديد من التساؤلات فقد كنت بدأت أصدق محتواه ولكني قلت لنفسي لن آخذ كلامة كقرآن منزل سأقوم بالبحث في الموضوع. وبعد قليل من البحث أسفت أني كدت أصدق كلامة المنمق ومع المزيد من البحث والحديث مع بعض السياسين الجنوبين من أمثال : محسن العمودي و د. عزة عقيل عالمة الآثار اليمنية ومستشارة متحف اللوفر الفرنسي تجلت لي بعض الحقائق وقبل أن أسردها اتصلت بأحد قيادي الحراك تلفونياً وسالته قبل أن أكتب هذه المقالة وقلت له: انتم تنكرون أن الجنوب يمني هل كلامي صحيح؟ قال: نعم, لم يكن الجنوب يمنياً قط وذكر لي (حسب كلامه) أن سورة سبأ نزلت عن الشمال وسورة لقمان عن الجنوب فما كان مني غير أني ضحكت وشرعت في كتابة هذا المقال.

من منا لايعرف امرؤ القيس ولم يقرأ أشعاره وهو من أصحاب المعلقات السبع المشهورة. لمن لايعرف أصل امرؤ القيس فهو شاعر يمني حضرمي يعتقد أنه ولد حوالي سنة 500 م وقد لقبة الرسول (ص) بالملك الضليل وقد أنشد شعراً وهو في دمون (وادي في حضرموت) يقول فيه:

 تطاول الليل علينا دمون – إنا معشر يمانيون – وإنا لأهلنا محبون.

 كان امرؤ القيس حضرمي فخور بهويته اليمنية منذ أيام الجاهلية وقبل ظهور الاسلام بينما يأتيك اليوم اناس يتبرؤون من هويتهم اليمنية ويطالبون بهوية مغايرة وهي الهوية الجنوبية مثلما طالب بها العطاس بعد اجتماع القاهرة.

 لننظر إلى شاعر آخر وهو عبد يغوت من مذحج نجران والتي هي أيضا يمنية فقد قال:

 أبا كربٍ والأيهمَـينِ كليهِـما وقيسا بأعلى حضرموت اليَمانيـا

ونرى تسمية كبار الشعراء في الجاهلية لحضرموت سواء من امرؤ القيس أو من عبد يغوت بأنها يمنية وليس حضرموت فقط وإنما نجران أيضا فيقول عبد يغوت في رثاء نفسة بعد الأسر وقد كان سيدا في قومه:
وتضحكُ منّي شيخةٌ عبشـميَّـةٌ كأنْ لم تَـرَ قـلبيْ أسيراً يَمانيا.

سأترك الشعر قليلا وسأرد على دكتور التاريخ الذي يفتي للحراك ويكتب لهم مقالات بأن اليمن لم يتوحد في دولة واحدة قط.

(شمر يهرعش) كان من أشهر ملوك الدولة الحميرية وحسب الكتب التاريخية فقد كانت دولته في القرن الثالث الميلادي تسيطر على طرق التجارة المؤدية من عدن إلي ظفار ومن صنعاء إلى مكة ونستطيع أن نستخلص من هذا أن طرق التجارة هذه كانت حدود مملكته.

الملكة (أروى بنت احمد الصليحي ) ملكة المملكة الصليحية التي قامت في اليمن لم تكن اليمن موحدة على زمانها فقط وإنما عهد إليها الخليفة المنتصر بالله الإشراف على الدعوة الفاطمية في عُمان والهند.

إذا لم يقنع كل ماذكرت من يطالبون بالهوية الجنوبية وأن الهوية اليمنية دخيلة عليهم أقول لهم :أن اليمن دفع بالمئات والآلاف وعشرات الآلاف من الشهداء عبر التاريخ لتوحيد اليمن ولحريتها وكان الإمام المتوكل على الله اسماعيل بن القاسم قد قام بمحاربة الأتراك العثمانيين وإخراجهم من اليمن لتكون اليمن أول دولة عربية تتخلص من الإستعمار العثماني وامتد نفوذة من ظفار إلي قرب مكة. وكانت عبر التاريخ كل المناطق هذه تسمى اليمن مهما أتى عليها من حروب وتقسيمات وظهور سلاطين.

أما ما يشاع عن أن اليمن الجنوبي اسمة بالأصل الجنوب العربي فقد قامت بريطانيا بتسميته اتحاد الجنوب العربي في 1962 وعند دمج عدن بالاتحاد في سنة 1963سميت اتحاد إمارات الجنوب العربي. ثم أصبحت عدد الولايات المكونة لاتحاد الجنوب العربي 17 ولاية بإضافة سلطنة العوالق وبجانبها كان هناك محمية الجنوب العربي التي تم إنشاؤها في 1963 وتتكون من السلطنة الكثيرية, سلطنة المهرة, السلطنة القعيطية, ولاية الواحدي وأخيرا سلطنة يافع العليا.

فإذا أردنا وصف الهوية الجنوبية فهي هوية فرضها الإستعمار على اليمن أما إذا أردنا أن نوصف الهوية اليمنية فهي الهوية الحقيقية منذ فجر التاريخ منذ أيام دولة حمير وماقبلها وحضارة الدولة الرسولية وهي ماكان يتغنى بها الشعراء مثل امرؤ القيس منذ أكثر من خمسة عشر قرناً قبل أن يولد على سالم البيض أو العطاس وغيرهم ممن يطالبون بهوية جنوبية بعيداً عن الهوية اليمنية.

رداً مني على الحراك أو كل من يقول أن الجنوبي اليمني ليس بيمني أتمنى أن يردوا على امرؤ القيس الحضرمي الفخور بأنه يمني عندما يقول إنا معشر يمانيون وإنا لأهلنا محبون فلماذا تنكروننا ولماذا تنشرون ثقافة الكره والحقد على كل ماهو يمني وتريدون إبراز هوية دخيلة على الهوية الأصلية التي يفاخر فيها الأجداد منذ عشرات القرون.

إن أكثر مايقلقني من الوضع في الجنوب اليمني هو مايقوم به الحراك من مغالطات سواء في التاريخ اليمني وإنكار الاصل اليمني وهو عار على كل من يقوم به أو في التعبئة الخاطئة للأجيال الناشئة وتعبئتهم على ثقافة الكره والحقد فنرى مابين الفينة والاخرى اتصالات ترد على قناة الجزيرة يكون المتحدث من اليمن الجنوبي ويحكي عن معانات اليمن الجنوبي فيرد المذيع ولكن اليمن كلها اليوم في ثورة ضد هذا النظام الذي أذى ودمر وسحق كل اليمنيين فيكون الرد هؤلاء يمنيون وهذا شأنهم الخاص أما نحن الجنوب العربي فليس لنا أي دخل فيهم. نرى من هذه الردود مقدار التعبئة الخاطئة خصوصا للنشء فقد حكي لي أحد أصدقائي وهو من الشحر في حضرموت أنه ذهب للبقالة فكان هناك ولد صغير يريد أن يشتري بعض الحلويات وعندما أراد ان يحاسب صاحب البقالة نقصه المال فقال لصاحب البقالة لماذا أسعارك مرتفعة بهذا الشكل فرد عليه صاحب البقالة: إذا خرج الدحباشي من بلادنا بترجع الشوكولاتة ببلاش وبمثل هذه التصرفات يتم زرع الكره والحقد في الاطفال منذ المهد. لدي جار حضرمي من تريم حكي لي أنه عندما نزل إلى تريم تعجب من الوضع قال إذا لقى الأطفال في الشارع أي شخص من المحافظات الشمالية يركضوا خلفه صارخين شمالي شمالي دحباشي دحباشي وفي أحيان يقذفوه بالحجارة وهذه بعض النتائج التي تتولد لدى الجيل الجديد في جنوبنا اليمني. وخلال تصفحي للعديد من مواقع الحراك أرى مطالبة بحملات تطهير المدن الجنوبية من الدحابشة وحث الناس على أذية اي شمالي موجود باليمن الجنوبي.

 إخواني بالحراك التعبئة الخاطئة وبأسلوب ممنهج وبث ثقافة الحقد والكره هذه تخلق مشاعر لاتنطفئ أبداً ولن تقتصر بالمستقبل على الشماليين وإنما قد تتحول لثقافة مناطقية أيضاً قائمة على مبدأ المفاضلة حسب الانتماء فقد عانى الجنوب اليمني فيما بينه من نعرات طائفية ومناطقية يتم الآن شحذها وتوجيهها ناحية كل ماهو من اليمن الشمالي أو لكل جنوبي ينادي بالوحدة أو حتى بالفيدرالية وهذا قد يسبب بتفجير الأوضاع مستقبلا بشكل كبير مضر بكافة الأطراف وسيعيق فرصة بناء أي دولة مدنية سواء استمرت الوحدة أو الفيدرالية أو حتى حدث انفصال.عندما أتحدث مع بعض المنتمين للحراك أرى منهم سياسة إقصائية وقمع لكل يمني جنوبي ينادي بحل القضية الجنوبية في إطار الوحدة أو فيدرالية متعددة الاقاليم ويتم اتهامه بالخيانة والعمالة والدحبشة (مصطلح "جنوبي دحباشي": للجنوبيين المؤيدين للوحدة) وسياسة التخوين هذه خطرة على أي وضع سيقوم بالمستقبل. كل هذا سببه نظام ظالم مجحف دمر لحمة الشعب ونكس تاريخة وحطم واستمر بالحكم بسياسة بث الفتنة بين مكنونات الشعب وتصور أنه بهذا يديم حكمه ولكنه أجهض على حكمه وكاد أن يجهز على البلد.

ما أتمناه هو أن تستمر الوحدة ليس بشكلها الحالي وإنما على شكل حكم محلي واسع الصلاحيات أو فدراليات متعددة وأن تعالج جميع القضايا اليمنية العالقة وعلى رأسها القضية الجنوبية التي هي قضية يمنية بامتياز. ومن هنا أنا لا أستطيع أن ألوم بعض الشباب المتحمس لتبنيه خطابات أو هوية مغايرة عن الهوية الحقيقية وأنما ألقي باللوم على المثقفين اليمنيين والمتعلمين وعلماء التاريخ والمؤرخين الذين لم يتصدوا لهذه الحملات المجحفة لمحو الهوية اليمنية مقابل هوية مغايرة. فإذا لم يتحرك العلماء والمثقفون ليثقفوا الناس بتاريخهم وهويتهم فماذا افادنا علمهم؟ هناك مسؤولية تاريخية وأخلاقية على الجميع بتوعية الشباب والجميع الذين جهلوا بهويتهم بأن يردوهم إلى المسار الصحيح ويؤسفني أن يلجأ الحراك إلى الطريقة الميكافيلية (الغاية تبرر الوسيلة) للوصول لهدفهم مهما كان الثمن حتى ولو اضطروا الى تزوير الحقائق. فهم يريدون أن تنفصل اليمن بأي شكل ويذكرون أسباب عدة لمطالبتهم بالانفصال منها أسباب طائفية (أنهم لايريدون وحدة مع زيود رغم أن غالبية اليمن الشمالي سنة) وأسباب مناطقية (ببثهم الكره تجاه الشمال وأخص أهل تعز بقولهم إن أهل تعز هم من بثوا الفتنة بين الجنوبيين وجعلوهم يقتتلون فيما بينهم البين) وأسباب متعلقة بالهوية (إن الشماليين يمنيون أما الجنوبيون فليسوا بيمنيين) وأسباب ثقافية ( وهي أن ثقافة الجنوبيون مختلفة عن الشماليين وهذة حقيقة أريد بها باطل فالجنوبيون مختلفون بثقافتهم عن بعضهم البعض أيضاً وهناك مناطق في اليمن الشمالي متوافقة ثقافيا مع الجنوب أفضل من الجنوب مع بعضه البعض) وهناك سبب أن الجنوب كان فيما مضى دولة منفصلة (وأقول لهم إذا كان الجنوب اليمني في فترة ما دولة منفصلة فقد كان دولة موحدة أيضاَ في مامضى ولفترة أطول ولاتقارن مع فترة مايطلق عليه الجنوب العربي الذي فرضه الإستعمار كما شرحت سابقا) وهناك أسباب أخرى عديدة يتم ذكرها ولا أرد عليها غير بقول الرسول (ص) عندما حدثت فتنة بين المهاجرين والأنصار فسمعهم الرسول (ص) فقال: مابال دعوة جاهلية وامرهم قائلا: دعوها فإنها منتنة.

إخواني بالحراك المفاضلة والتكبر على الشمالي ونعته بالمتخلف الهمجي الدحباشي وغيرها من الصفات هي من التكبر وقد قال الرسول (ص): "لا يدخل الجنة من كان في قلبة مثقال ذرة من كبر" رواه مسلم. ختاما: الجنوب والشمال يمني وهويته يمنية شاء من شاء وأبى من أبى وهذا بشهادة التاريخ.

ملاحظة: أنا رجل اقتصاد بحت متخصص بأسواق الأسهم والبورصات العالمية وإدارة الأصول وليس لي أي علاقة بالدراسات التاريخية ولكن مارأيته من كتابات خصوصا من الحراك جعلني أبحث وأكتب هذا المقال. ولطالما كنت مع حق تقرير المصير للجنوب اليمني ومتفهم لمطالب الحراك وكنت أقسمت على نفسي إذا لم تعد الثورة بعد نجاحها الحقوق والمواطنة المتساوية والعدالة لليمنيين الجنوبيين قبل الشماليين فسأنخرط مع الحراك وأطالب بانفصال الجنوب عن الشمال ولكن تعمد الحراك تزييف الحقائق والتاريخ للوصول لهدف الانفصال هو ماجعلني أعيد النظر في مصداقيتهم وأن البوادر تظهر أنهم قد يبنون نظاماً قائماً على التفرقة وخصوصا بعد تخوينهم للجنوبيين الدعاة للفدرالية او الوحدة.

walidsashaibani@hotmail.com


في السبت 03 ديسمبر-كانون الأول 2011 03:57:15 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://marebpress.net/articles.php?id=12626