حكاية الأرصدة المنهوبة
هاني غيلان عبد القادر
هاني غيلان عبد القادر

ذكر المؤرخون بأن من حطموا جدران سجن الباستيل - رغم متانته وضخامة القوة الضاربة التي كانت تحميه - كانوا هم فقراء وجياع فرنسا، ليصنعوا أشهر ثورة في التاريخ المعاصر، ثورة استمرت عقدا من الزمن من أجل الحرية والمساواة والإخاء، بينما كانت (إمبراطورة فرنسا) تأمر بتوزيع الحلويات والبسكويت على الجماهير الغاضبة..

السيناريو نفسه يتكرر في اليمن، فما يحدث اليوم ليس برأيي أزمة ذات أبعاد سياسية أو مرجعية إيديلوجية مطلقاً، كما أنها لا تحمل أهدافاً إقتصادية أو إجتماعية فحسب، بل هي ثورة شاملة نبيلة على منظومة فساد وجهل معفنة تنخر في أوصال مجتمعنا منذ عقود، وهي إضافة لذلك (إنتفاضة فقراء وجياع) ضد سلطة أفقرت شعبها وشردته كي تثرى وتغتني هي بغير وجه حق..

التقارير التي أشارت لتلك الأرصدة البلايينية المكدسة في بنوك ألمانيا وسويسرا وأمريكا، فضلاً عن الفنادق والعقارات والقصور الفخمة بالعديد من كبريات مدن العالم، في لندن ونيويورك وباريس ودبي، وعشرات الأطنان من المجوهرات والذهب المكتنز عبر سنين القحط والمرارة والعوز والحرمان التي عاناها اليمنيون.. تطرح الكثير من التساؤلات المشروعة عن الكيفية التي استطاع بها أولئك العتاولة جمع كل تلك الثروات المهولة في دولة فقيرة كبلادنا..

أهآآآآه، لم نكن فقراء إذاً، بل أغبياء - فقط - حينما صدقنا بأن مواردنا شحيحة وثرواتنا محدودة، وأن الحالة يعلم بها الله ويا دووب تكفي، ولا مفر من الإستمرار في الإقتراض والإستدانة، والمضي في إثقال كاهل المواطنين بالجرع ورفع الدعم عن السلع الإستهلاكية، وزيادة أسعار المحروقات، وترشيد النفقات وربط الأحزمة التي لا تطبق إلا على المساكين أمثالي..

لم نكن نعلم حينها بأن تلك الكروش المنتفخة حتى التورم تخفي الكثير من قصص السلب والنهب والسحت والرشاوى والصفقات المشبوهة، وأن تلك الأرصدة المتضخمة حتى الإنفجار ستحكي لأجيالنا الكثير عن أحزاننا وأوجاعنا وآلامنا، وعن سفالة ووحشية وأنانية أولئك النفر..

تلك إذا قسمة ضيزى، المواطن المسكين يطحنه الغلاء طحناً، وعلي بابا وحاشيته الكريمة تسبح في السمن والعسل.. الفُتات والعِظام وبقايا الموائد المتعفنة لنا، ولهم ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين.. المغترب اليمني يعاني الأمرين اينما ذهب وهو يكافح من أجل توفير لقمة العيش، وحنشان النظام ينامون على أموال لا تحصى ولا تعد في بنوك أوروبا..

فيا أصحاب النضالات المختلقة والبطولات المصطنعة والألقاب الكبيرة والمشاريع الصغيرة، يا من أتخمتم على حسابنا، و شيدتم على خرابنا، وشبعتم على جوعنا، ورقصتم على جراحنا، ومصصتم دمائنا وسكرتم بها حتى الثمالة، يا من سرقتم منا حياتنا إلى الأبد، وقتلتم فينا الإحساس والشعور، أيها الجبناء الأنذال، الان عرفنا فيم كنتم مشغولون، وبم كنتم منهمكون كل تلك السنين، بصمت وهدوء وعزم ومثابرة بل وحرفنة أيضاً، لنهب خيراتنا والسطو على أحلامنا وتطلعاتنا..

منذ سنين القحط وعفاش اللصقة يُلَمِع سيفه ويسرق بذكاء، منذ سنين القحط وعفاش الهمزة اللمزة يجمع ماله ويعدده، يُوزع المناصب ويقسم الغنائم ولا ينسى (خيركم خيركم لأهله)، منذ سنين القحط وعفاش الفطن المنتبه الحساس يسفك الدماء البريئة ثم يصدر (عفوا عاما) عن من يشاء، يستثني منه من يشاء، ولا ينسى أن يذكر معارضيه برواتبهم ومعاشاتهم البسيطة، ويمن عليهم بين الفينة والأخرى أنه لم يقطعها على أساس أنها من حق أبوه، قطع الله لسانه وشل يديه !!

إخيراً - وحتى لا نكون شهداء زور ومشاركين في تكريس الفساد - يجب علينا أن نسعى بكل السبل للمطالبة بإستعادة تلك الأموال المنهوبة وإعادتها إلى خزينة الدولة، فمن أين لهم كل تلك الأرصدة؟ من حقنا كشعب أن نعرف، كما أن من حقنا أن نعيش ونحلم بحياة كريمة لائقة، وأن نقتص من القتلة والسفاحين، ومن اللصوص والفاسدين أيضاً، إذ لا أحد بمقدوره منعنا من القصاص منهم في الدنيا قبل الآخرة: (يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم، هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون).

الشعب يريد (إستعادة الأموال المنهوبة) فلساً فلساً، وتوظيفها في مكانها الصحيح لتوفير عشرات الآلاف من فرص العمل، عبر إنشاء مدن صناعية عملاقة: (مصانع أغذية وحديد وأسمنت وبتروكيماويات، مصانع للغزل والنسيج والجلود، محطات غازية لتوليد الطاقة، محطات تحلية لمياه البحر، منشئات حديثة لتكرير النفط ومشتقاته، مشاريع كبرى لأستغلال الثروة السمكية والحيوانية المعطلة وإستصلاح وري الأراضي الزراعية، شبكات متطورة من الجسور والأنفاق، جامعات عالمية راقية، معاهد فنية ضخمة، مدن سكنية لذوي الدخل المحدود، مستشفيات مجهزة لمكافحة السرطانات والأوبئة وأمراض القلب، مسارح، دور نشر، مكتبات، ....الخ).


في الأربعاء 30 نوفمبر-تشرين الثاني 2011 06:17:29 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://marebpress.net/articles.php?id=12578