|
في أول إفادة رسمية أمام أعضاء الكونجرس قال مدير المخابرات المركزية الأمريكية CIA الجنرال ديفيد بيترايوس "إن تنظيم القاعدة في جزيرة العرب ومقره اليمن هو الأخطر على مستوى العالم أكثر من باكستان وأفغانستان". ومرت هذه الإفادة الخطيرة دون أن تثير انتباه، أو فزع، أحد في اليمن وكأن بيترايوس يتحدث عن خصوصيات أمريكية لا تعنينا كيمنيين!
أشعر بالإهانة الشخصية من حديث مدير أقوى جهاز مخابرات في العالم عن بلدي بوصفها حزام ناسف! أشعر بالخزي والإحباط أكثر من ردة فعل الرأي العام اليمني. لا أحد: لا النخب الحزبية ولا المستقلة، لا الليبراليون ولا الإسلاميون، لا القبائل ولا المدنيون، لا حراس الشرعية ولا حماة الثورة. لم يصدر حتى الآن أي بيان، من فرد أو مؤسسة يمنية، للرد أو التعليق على تهمة بيترايوس. لقد صمت الجميع -حتى الذين ينكرون وجود القاعدة أصلا- والصمت إقرار.
منذ عقود وحامل الجواز اليمني يُهان في المطارات الدولية بسبب الجهل والفقر والمرض وتالياً العمليات الإرهابية وسمعتها. لست متأكداً إن كانت حوادث اهانة حامل الجواز اليمني ستزداد بسبب تصريح بيترايوس إنما ماذا فعلت المعارضة لصون عِرْض الجواز الذي أذله علي عبدالله صالح 33 سنة؟ لا شيء. ولا حتى بيان!! لا الديناصورات الذين يلتقون السفير الأمريكي كل يومين احتجوا بكلمة ولا الوفود الرسمية طلبت من البنتاجون مجرد توضيح. يا هؤلاء قولوا شيئاً. يا CIA من حقنا كيمنيين أن نعرف حيثيات حكمكم وتقيمكم لبلدنا ؟
حتى المجلس الوطني "أعلى كيان ثوري!" لم يقم بالرد أو التعليق ولا التعبير عن وجهة نظره عن حجم القاعدة في اليمن ونشاطها. لا أيد ولا رفض. كيف إذن طمأن العالم بمستقبل الحرب على الإرهاب؟ كأن بيترايوس قال كلامه في أُذن أوباما خلسةً. لاحظوا أن المجلس الذي تجاهل تهمة بيترايوس التي نقلتها وسائل إعلام الكرة الأرضية وطافت بها حول العالم أصدر بياناً فدائياً للدفاع عن مملكة الأحرار السعودية من إساءة إحدى صحف النظام التي تطبع 5 ألف نسخة!! والمعارضة المنشغلة بما يكتبه محمد المقالح بالفيس بوك لـ1000 قارئ تجاهلت نفس التهمة التي تناقلتها كبرى وسائل الإعلام على لسان رئيس الاستخبارات السعودية الأمير تركي الفيصل قبل يومين "اليمن كان وما زال ساحة لتنظيم القاعدة وهو في تزايد" وطبعاً لن ترد عليه (وهل تجرؤ على أمراء آل سعود) أو تتهمه بالعمالة كحال الصحفي عبدالرزاق الجمل!
كان رد فعل الرأي العام اليمني على كلام محمد حسنين هيكل مُشرفاً ورجولياً. أما كلام بيترايوس والأمير الفيصل فلن تسمعوا عليهما نخساً. قال هيكل "ما يجري في اليمن ليس ثورة" وضرب على الوتر الحساس: "القبيلة". ثلاثة أسطر فقط كانت كافية لإثارة الغرائز الدفاعية لدى الشارع اليمني نخبةً وعامة. والسؤال الذي لا ينبغي أن نخجل منه هو: أيهما أولى بالرد والنقاش هيكل أم بيترايوس؟ أيهما كلامه أكثر تأثيراً وخطراً: من رأى اليمن، وثورة شعبه، على هيئة قبيلة حاشد أم من رآها فرصة لتنظيم القاعدة؟ أيهما يشغل منصباً حساساً حالياً وكلامه يرسم سياسات دول؟ هيكل الذي كان في بلاط عبدالناصر ثم سجون السادات ثم طارود مبارك أم قائد القوات المركزية الأمريكية ثم مدير CIA ؟ الإجابة واضحة. كلام هيكل يظل رأياً ووجهة نظر بينما كلام بيترايوس هو مزيج معقد من معلومات استخباراتية واستجوابات وعمليات تنصت ومراقبة عبر الأقمار الصناعية تتعامل معها أمريكا بوصفها حقائق مؤكدة. حتى الزمان والمكان: كان هيكل يتحدث بشكل ارتجالي وعفوي على الهواء مباشرة بينما كان كلام بيترايوس معداً سلفاً ومقدماً لجلسة خاصة في مجلس الشيوخ وبالتالي فقد صيغ بعناية واحتراس. وهذا يؤكد، مع الأسف، أن الرأي العام في اليمن عاطفي وموجه وسطحي وبحاجة إلى "توظيب مكينة"!
تجاهل النظام لإفادة ديفيد بيترايوس له أسبابه الانتهازية. فالقاعدة هي "الدجاجة التي تبيض ذهباً" لنظام صالح والـ"بعبع" الذي يقلق الأسرة الدولية من اليمن. أما أحزاب المعارضة فلا يوجد سبب لصمتها المجاني. على العكس كانت فرصة مهدرة لمن يفترض به تقديم نفسه كبديل لصالح في الحرب على الإرهاب. لقد تعامل المشترك والمجلس الوطني مع إفادة مدير CIA وكأنها دعابة من ياسر اليماني أو تصريح عاكس خط لعبده الجندي الذي يحظى باهتمام المعارضة وقناة سهيل أكثر من ديفيد بيترايوس الرجل الأول أمريكياً في ملف القاعدة.
هل يظن قادة المعارضة أن ديفيد بيترايوس يمزح أم أنه مندس؟ أم أن نظام صالح خدعه وضلل الـ CIA ! وهذه أكثر الأطروحات الغبية الشائعة في المزاج والوسط المعارض. هناك من يعتقد أن الولايات المتحدة الأمريكية تعتمد كليةً على أجهزة الاستخبارات اليمنية، أو العربية، في معلوماتها عن القاعدة وأعضائها وأنشطتهم! هناك من يعتقد أن غالب القمش بجهازه الخردة وعمار محمد عبدالله صالح بجهازه النصف مسمكر يزودان ويتلاعبان بمعلومات أجهزة بحجم ومؤسسية الـ CIA والـ FBI ومكتب الأمن القومي ومكتب الاستطلاع القومي ودلتا فورس وقيادة العمليات الخاصة المشتركة JSOC و113 مؤسسة أمنية واستخباراتية أمريكية ضخمة؟ غباء!
تظن المعارضة أنها تؤذي صالح بالتشكيك بحجم قاعدة اليمن بينما هي تخدمه. منذ سنوات تقول للدوائر الغربية "صالح يكذب عليكم" غافلة عن حقيقة أنها وهي تتهم صالح بالكذب تكون قد اتهمت الدول الغربية بالغباء! سياسي لامع قال في جنيف إن قاعدة اليمن كذبة فصعق الحضور! حتى القاضي حمود الهتار الذي قدم نفسه لمادلين اولبريت بوصفه رجل دين تنويري يحاور المتشددين ويعيد دمجهم في المجتمع كمواطنين صالحين وذهب إلى الغرب ليلقي محاضرات عن تجربته الخارقة خرج فجأة متقمصاً شخصية مقدم برنامج للكاميرا الخفية ليقول بخخخخخ!! إنه مقلب. لا يوجد قاعدة في اليمن. إنهم مرتزقة عند علي صالح ولديهم مرتبات رئاسية. وااااوا كم هو مقنع. سيغمى عليّ اعتقد الهتار أن أحداً في الغرب سيصدقه بعد اليوم. إذ ربما غفل أنه يدين نفسه وتاريخه الشخصي قبل إدانته صالح ونظامه.
هذا الاستسهال شائع جدا. عقب مقتل الشيخ أنور العولقي نقل الإعلام العالمي تعليقات بعض قادة المعارضة وشباب الثورة. وكلها تقول نفس الشيء بطريقة مختلفة "القاعدة من صنع صالح، القاعدة كذبة.. الخ هذا الهذر"! شعرت بالغثيان من تصريح عضو اللجنة التنظيمية العليا للثورة مانع المطري قال"إن العولقي كان أداة في يد الحكومة لترويع الغرب وأرادوا تحسين صورتهم في الغرب بعد كل أعمال القتل التي ارتكبوها". هل يدخل هذا الكلام عقل؟ أيهما أداة في يد الحكومة: أنور العولقي المطارد من 2007م والذي قدم حياته في سبيل ما يؤمن به أم من وقّع قبل عام اتفاقاً سياسياً في 17 يوليو (عيد الجلوس؟)! أنور الذي قتلته أمريكا وابنه أداة في يد الحكومة مقابل ماذا يا مانع؟ فيزا لكور العوالق أم بدل سفر للجنة؟ أريد منكم أن تغمضوا أعينكم وتتخيلوا المشهد: كم من اليمنيين يبيع ما أمامه ووراءه من أجل فيزا؟ كم من اليمنيين يغسل الصحون ويتبهذل للزواج بأمريكية من أجل الحصول على جنسية ركلها أنور العولقي بقدميه احتراماً لقناعته. لا أؤيد أنور العولقي ولكن علينا أن نكون محترمين ومنصفين!
تصوروا لو قام أحدهم بتجهيز ملف بتصريحات معظم قادة المعارضة وكثير من شباب الثورة عن القاعدة كتصريحات المليكي وباسندوة والهتار الخ ووضع أمام كل عضو من أعضاء الكونجرس نسخة ما ردة فعلهم؟ هل سيصدقون القاضي الهتار أم سيعتمدون كلام الجنرال ديفيد بيترايوس حرفياً؟ تصوروا بيترايوس نفسه يقرأ تصريح مانع المطري، الذي وصفته وكالة رويترز بأحد منظمي الاحتجاجات، فيبتسم ويقول في نفسه: هل هؤلاء هم البديل لعلي عبدالله صالح؟؟
أسمع صوت ارتطام الملفات بالأرض!!
في الإثنين 14 نوفمبر-تشرين الثاني 2011 10:15:22 ص