حتى لا تكون السعودية عزازيل اليمن
محمد العبسي
محمد العبسي
لا تحسن السعودية إلا إيذاء اليمن أو على الأقل إضعافها. كأن الآية القرآنية المنزلة على المنافقين نزلت خصيصاً لوصف العلاقة بين اليمن وجارتها "إن تمسسكم حسنة تسوءهم وإن تصبكم مصيبة يفرحوا بها"

ما الذي أحمده للسعودية حتى أراعي العلاقات الدبلوماسية؟

اللجنة الخاصة وقوائم المرتزقة أم تحويل اليمن إلى حديقة خلفية للمملكة؟ قتل الحجاج اليمنيين مطلع القرن الماضي أم ضم جيزان ونجران وعسير واقتطاع ثلث مساحة اليمن قسراً؟ حرب صعدة أم حرق متسللي خميس مشيط أم استقدام خادمات يمنيات؟ حتى المساعدات السعودية ليست مساعدات من دولة لدولة أو شعب لشعب. كلا. فالمملكة تحرص دائماً على أن تصل أموالها لجيب أحد رجالها في اليمن بالقانون كمناقصة محطة مأرب الغازية أو بدونه كمناقصة ترسيم الحدود. ونظام صالح لا يقصر في الثانية بالذات.

في الحقيقة تعرف السعودية ماذا تفعل بالضبط في اليمن ووفق أي سياسة تتحرك. تعرف أن إعلام المعارضة الذي سيهلل ويفرفش بنقد الشيخ سلمان العودة للمذابح الأخيرة سيغطي ويكتم أي إدانة لاستقبال الملك علي عبدالله صالح كرئيس لليمنيين.

تعرف السعودية أن حسين الأحمر الذي ملأ الصحف اليمنية تهاني بنجاح عملية الأمير سلطان لن يجرؤ على الرد على خبر طرده. وأن حيدر العطاس الذي اتصل بصحفيين لئلا يكتبوا عن محرقة خميس مشيط سينفي ماضيه وأنه كان يوماً اشتراكياً. وأن باسندوة، رئيسنا القادم، سينتقد إعلام النظام الذي "يشوه" صورة السعودية محاولاً إيهامنا، بل خداعنا جميعاً، بالقول إن السعودية تقف وتساند ثورة الشباب!!! (على من تضحكون؟ السعودية التي رفضت توزيع صحيفة الثورة الرسمية في أراضيها ما لم تغير الحكومة اليمنية اسمها مع الثورة) قه، سيدي حسن.

مخطئ من يعتقد أن السعودية تتصرف بغباء لأنها في الأول والأخير تفعل ما فيه خدمة لمصلحتها القومية وبأي طريقة مشروعة كانت أم غير مشروعة يقوم بها على أكمل وجه الريال السعودي القادر على فعل المعجزات في اليمن، حتى أنه جعل صلاحيات محمد بن نايف في وزارة الداخلية اليمنية أكبر من صلاحياته في وزارة أبيه" وفق تصريح تهكمي ظريف لأبي هريرة الصنعاني "قاسم الريمي" نائب تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة.

نعم المشكلة هنا: في رجال السعودية في اليمن. فالمملكة تعرف جيداً أن اللجنة التحضيرية التي انتقدت، بشراسة محارب أحرق سفنه، الموقف الروسي وصفقة الأسلحة الأخيرة مع النظام لن تجرؤ على نقد، وليس إدانة، استقبال الملك عبدالله لصالح وأتحداها. وإن فعلت، بلغة دبلوماسية مهذبة، فلن يكون ذلك على لسان اللجنة ولا على لسان الشيخ حميد وإنما ستكون البورة على لسان سلطان العتواني الذي استنكر بشجاعة، أحييه عليها، خطابات صالح التحريضية من الأراضي السعودية. أما استنكار استقبال الملك عبدالله لصالح فقد نسب لظهر"شباب الثورة" الذين لا يكفي أنهم يواجهون بصدور عارية رصاص صالح وأبناءه وإنما عليهم أيضاً غرم أي موقف تجاه السعودية يجبُن عنه القادة (باستثناء تصريح حورية مشهور) ويقولوه الشباب بذات الشجاعة التي واجهوا فيها رصاص الأمن المركزي.

حتى الشيخ صادق الأحمر، وهو أصدق إخوته، قال للصحوة موبايل يوم أمس "لا ندري كم يريد السفاح علي صالح أن يقتل من اليمنيين قبل مغادرة السلطة ولولا تهاون المجتمع الدولي لما ارتكب كل هذه المحازر". كلام جميل يا شيخ صادق لكن نريد منكم أنتم بالذات موقفاً صريحاً تجاه المملكة التي استقبلت "السفاح". ثم لماذا المجتمع الدولي وليس الأشقاء؟ على الأقل فرنسا وأمريكا وبريطانيا أدانوا المجازر الأخيرة رسمياً، بخلاف أصدقاءكم في المملكة، وطالبوا في مجلس الأمن بفتح تحقيق دولي اعترضت عليه دول عربية على رأسها السعودية (التي تؤيد ثورة الشباب وفق ما تروجه المعارضة!!) و..مصر!!

يا إخوة والله إن جمال عبدالناصر أكثر يمنية منا جميعاً. مؤخراً انتشر، بشكل واسع، في الفيس بوك مقطع فيديو للراحل جمال عبدالناصر يتحدث بنبل عن الثورة اليمنية ومما قاله "إن جيزان ونجران أراض يمنية" وهو ما لا يقوى على التفوه به في سره لا شيوخ الثورة ولا قادتها العسكريون ولا النخب السياسية وإن كان هذا من الماضي السابق لمعاهدة جدة.

ومع كل ذلك، وبرغمه، أنا أعذر السعودية وأتفهم قلقها المشروع: نصف المطلوبين أمنياً موجودون في اليمن بمن فيهم محمد عسيري منفذ محاولة اغتيال محمد بن نايف، توحد قاعدة السعودية واليمن، المخدرات والأسلحة وشريط حدودي كبير، رجلها المدلل حسين الأحمر "طلع عميل لليبيا"، نخبة من أهم معارضي صالح ذهبوا إلى إيران وهذا كاف لإثارة حفيظتها، حتى علي محسن الذي وصفه تقرير في اللوموند الفرنسية بأنه "حاكم الاحتياطي السعودي في اليمن" لم يعد خافياً على أحد علاقته الوثيقة بقطر. 

 أدرك جيدا أنه لا يوجد في السياسة، وفي العلاقات بين الدول، عدواة أو خصومة بالمطلق ولا كره وحب. أي دولة كبيرة كالسعودية ستضع أمنها ومصلحتها فوق كل اعتبار. ثم هل عليها أن تنجز ما عجزنا نحن عنه؟ على العكس أنا أرى استقبال صالح ومرافقيه، وبعض معارضيه، للعلاج سلوكاً إنسانياً تشكر قيادة المملكة عليه. مشكلتي مع السعودية في تعاملها مع اليمنيين باحتقار: هناك (بنظام الكفيل) وهنا (بعملاء ومرتبات اللجنة الخاصة) وتقويض أي مشروع حقيقي لإقامة دولة. لكن حالياً مشكلتنا هنا: مع رجال السعودية في اليمن. هؤلاء هم الأحق بالنقد من قيادة المملكة وهم المطالبون باتخاذ موقف وليس الشباب الضابح الذين يدعون في المغارم وينسون عند تشكيل المجلس الوطني.

لتدركوا أن مشكلتنا الحقيقية مع رجال السعودية في اليمن، وليس مع قيادتها فحسب، اسمعوا هذا الغزَل. يقول الشيخ حميد الأحمر في مقابلته مع الشرق الأوسط "إن من أهم صفات خادم الحرمين الشريفين أنه رجل صادق يحب الصدق والصادقين ويكره الكذب والكاذبين، وهو رجل صاحب دين لا يمكن أن يظلم أو يرضى بالظلم". الله الله لا فض فوك يا أبى دلامة لكن يا شيخ حميد أليس استقبال جلالة الملك لصالح، في هذا التوقيت، معناه انه راض أو على الأقل غير معني بضحايا مجزرتي كنتاكي والقاع وأكثر من 77 شهيد في 3 أيام؟

سيقولون هذا ليس كلام الشيخ ولكنه كلام الصحفي عرفات مدابش. حسناً. في أبريل الفائت قال الشيخ حميد لعكاظ السعودية بالحرف الواحد "إن كلمة الملك عبدالله ستكون ملزمه لنا وسنعمل بها". ويبدو أن الملك عبدالله قد قال كلمته بوضوح باستقبال صالح: هذا هو رئيسكم الشرعي المنتخب. (يا حسرة على البيان التملقي والمتمسح الذي قال إن إعلام بقايا النظام يشوه صورة المملكة ويسيء إليها!!)

والآن هل على محمد العبسي أن يقول للملك عبدالله يا جلالة الملك الموقر علي عبدالله صالح لم يعد يعنينا والشرعية الثورية أسقطت الشرعية الدستورية، أم أن الدور والمسئولية التاريخية والاجتماعية واللقاءات اليومية بالسفراء تقتضي أن يقول ذلك حميد الأحمر ورجال السعودية في اليمن والذين هم جزء من قيادة الثورة والمجلس الوطني شئنا أم أبينا. إن كان علي مسئولية الكلمة، كصحفي مغمور وضابح، فقد قلته ورزقي على الله. على حميد الأحمر، وبقية رجال السعودية، أن يقولوه لجلالة الملك ورزقهم على الله وليس على اللجنة الخاصة.

والسلام.

*عزازيل: الاسم المسيحي للشيطان وهو عنوان رواية شهيرة

Absi456@gmail.com


في الخميس 22 سبتمبر-أيلول 2011 08:46:20 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://marebpress.net/articles.php?id=11683