إلى المُفلسين فكريًا
د. معروف أبوبكر باذيب
د. معروف أبوبكر باذيب

من فضل الله علينا جميعاً، ثم من بركات ثورة التغيير، أن انتشرت بين أوساطنا العديد من مواقع التواصل الاجتماعي. وتميّزت بعض هذه المواقع بوفرة المحتوى الفكري والثقافي، والذي يعود بالنفع والفائدة على القارئ بدرجة أساسية. ومن هذه المواقع المتميّزة، هذا الموقع الأصيل "مأرب برس"، والذي يُشكر القائمين عليه بأفضل كلمات الشكر والثناء، ونسأل الله أن يجعل ذلك في ميزان حسناتهم. كما نشدّ على أيديهم تعبيراً عن احترامنا وتقديرنا لكل ما يقومون به من مجهود لإخراج وإبراز هذه الموقع بهذه الصورة المشرقة، سواءً اتفقنا أو اختلفنا معهم في الرأي.

كثيرةٌ هي المواضيع المنشورة على هذا الموقع.. فمنها الأخبار، والتقارير، والكتابات، والقصائد، والتعليقات... الخ. وتتنوّع محتويات هذه المواضيع بين السياسية، والاجتماعية، والدينية، والثقافية، والاقتصادية، ما يجعل هذا الموقع أشبه بواحة غنّاء، متنوّعة الأشجار، ومتعددة الثمار، يستفيد كل من يلج إلى هذا الموقع بحثاً عن الخبر الصادق أو المعلومة الجيدة أو الرأي السديد، وإن كان من المتصفحين العاديين، فلابد وأن يجد ما يُفيده. فهذا الموقع أصبح بمثابة الحديقة الافتراضية والديوان العنكبوتي لأصحاب الرأي، والرأي الآخر، والقرّاء الكرام.

إلا أنه، وللأسف الشديد، بدأ يكثر في هذا الموقع عدد الأشخاص اللذين لا همّ لهم ولا شُغل إلا تعكير صفو الموقع، وتكدير المزاج العام في الموقع، وكأن الحياة ليست قاسية علينا جميعاً، ونحتاج إلى جرعات "نكد" خاصة. هؤلاء الأشخاص هم حقيقة من النوع المُفلس فكرياً وأخلاقياً، لأنهم تعوّدوا على تلويث هذا الواحة الفكرية الجميلة بتعليقاتهم الجوفاء، وتهكماتهم النابية على كل من يكتب، دون مراعاة لحقوق ومشاعر الآخرين، ودون الانضباط بأبسط أعراف اللياقة والأدب والأخلاق، وقبل ذلك كله دون الخوف من الله. فتجد الواحد منهم يقرأ المقال، وبعد أن ينتهي من قراءته، وربما قبل أن ينهي القراءة، يُضيف تعليقاً تهكمّياً على كاتب المقال أولاً، وكأن بينهما ثأر قديم، ثم يُضيف "كليمات" لا تمت لموضوع المقال بأي صلة، ولا يخلوا تعليقه من اتهام الكاتب بنقص أو ضحالة المعرفة، وضيق الأفق الفكري، ... إلى آخر ما تجود به نفسيتّه الرقيقة ومزاجه العام. وفي بعض التعليقات، تجد الواحد منهم لا يستطيع أن يكتب جملة واحدة خالية من الأخطاء الإملائية واللغوية، والأنكى من ذلك، تجده ينتقد المقال بأنه يحتوي على الكثير من الأخطاء اللغوية والإملائية، وكأنه "سيبويه" زمانه. وصدق فيه قول القائل "رمتني بدائها وأنسلّت". ولو كان هذه التصرف من شخص عامي لكنت أعذرته، ولكن أن يبدر هذا من شخص مثقف وربما جامعي، فهذه سقطة وهفوة من العيار الثقيل. وعلى الرغم من أن الإخوة القائمين على موقع مأرب برس قد وضعوا تنبيه في أسفل كل مقال، وطالبوا بكل أدب واحترام من كل متصفحي مأرب برس واللذين يرغبون في التعليق، بأن يلتزموا بشروط معيّنة في تعليقاتهم، إلا إن البعض "مطنّشين"، والكلام لا يعنيهم.

قد أكون قاسيًا في كلامي هذا على هؤلاء الأشخاص، ولكنها الحقيقة المرّة، وكلمة الحق ينبغي أن نقولها وأن تُقال لهؤلاء الأشخاص، وليس هذا بُغضاً لهم، وإنما حُبّاً لهم، ونصيحة أتمنى منهم أن يتقبّلوها بصدر رحب، ورغبة في أن يرتقوا بأنفسهم وبآرائهم وتعليقاتهم وكتاباتهم، وأعتقد جازماً بأن هذا الموقع لم ولن يكون المكان المناسب لمثل هذه الألفاظ الجارحة، والكلام غير المسئول.

إنني أحترم كثيراً كل من يخالفني في الرأي، وأتطّلع إلى سماع الرأي الآخر أو التعليق المخالف، لأستفيد وأصحح نفسي إن كنت مخطئاً، أو لأصوّب ما يقول إن كانت حُجتي أقوى، طالما وأن النقاش حول موضوع معين أو قضية ما، يقوم على حقائق وبراهين وحجج يعرضها ويقدّمها كل طرف، دون الخوض في التهكّم الشخصي أو التشكيك في نوايا الطرف الآخر، لأن الاختلاف في الرأي لا يفسد في الودّ قضية، والاختلاف لا يعني الخلاف بأي حال من الأحوال. إلا أنني أشعر بالأسى عندما أقراء تعليقاً يحتوي على كلمات نابية أو احتقار لرأي كاتب المقال أو قدح في نواياه ونوايا الآخرين، بل إنني أعتبر أن من يسلك هذا السلوك، مريضٌ نفسياً، ومفلسٌ فكرياً وأخلاقياً، لأن ردّه أو تعليقه لم ينبني على حجة وبرهان، ولم يُفد الآخرين بتعليقه التهكّمي، على الرغم من أنه قد يكون كسب بعض السيئات، وخاصة عندما لا يكون في رده أو تعليقه النابي مثقال ذرة من خُلق.

أقول لهؤلاء الأشخاص، وأنصح نفسي أولاً، بأن ما نقوله وما نكتبه ليس بالشيء الهيّن أو البسيط، فهذه الكلمات نحن مسئولين عنها أمام الله أولاً (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد)، وهذه الكلمات إما أعتقتنا وإما أسقطتنا على وجوهنا في نار جهنم والعياذ بالله. فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول (ثكلتك أمّك يا معاذ، وهل يكّبُ الناس في النار على وجوههم – وفي رواية، على مناخرهم – إلا حصائد ألسنتهم!). كما أنني أتسائل، وربما غيري الكثير، ما الضير في أن يكتب الواحد منا تعليقه على أي مقال بلغة حصيفة ومهذبة، لإبداء رأيه حول ما كُتب، سواء كان رأيه هذا موافقاً أو مخالفاً لرأي الطرف الآخر؟ لماذا يُصّر البعض على إظهار نفسه بمظهر الإنسان الجَلِفْ الذي يضيق ذرعاً بآراء الآخرين، ويُكيل لهم الشتائم والاتهامات؟، مع العلم بأن هذه التعليقات لا تحمل رأياً مخالفاً، ولو كان كذلك لاحترمناه، وربما أخذنا به لو كان صواباً، إلا أن العديد من تلك التعليقات عبارة عن تهكّم وقذف وقدح للطرف الآخر، وشتّان بين الرأي والتهكّم. ويجب أن لا يغيب عن أذهاننا عند قول أو كتابة أي كلمة، قول الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم (الكلمة الطيبة صدقة)، وقوله (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليقل خيراً أو ليصمت).

إننا نعيش هذه الأيام أجمل، وأقسى أيام حياتنا... أجمل: بما تحمله رياح ثورة التغيير من عبير المحبّة، ونسائم الحرية، والتطلّع إلى غدٍ ومستقبل أفضل. وأقسى: لما نعانيه من ظلم فئة يصدق فيهم قول الإمام علي كرّم الله وجهة (إخواننا بغوا علينا)، فئة ما تزال جاثمة على صدورنا وعلى صدر هذا الشعب الأصيل، فئة ما تزال تُمارس شتى أنواع الاضطهاد والظلم والعقاب الجماعي على كل من في قلبه مثقال ذرة من حرية وعزّة وكرامة من أبناء هذا الشعب الصابر. ولئن كانت ثورة التغيير، موجهة في الأساس ضد النظام الفاسد، إلا أنني أدعوا أن تشمل هذه الثورة المطالبة بتغيير كل فساد في قلوبنا وأخلاقنا وألسنتنا، حتى يتحقق فينا قول الله تعالى (إن الله لا يُغير ما بقوم حتى يُغيروا ما بأنفسهم).

أرجوا من كل قلبي أن يُحمَل كلامي هذا على محمل الحب للجميع، والصدق في النصيحة، ويشهد الله أنني لا أقصد شخصاً بعينه بغمز ولا لمز، فإن أصبت في كلامي فمن الله، وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان، وقبل أن أختم، أهدي لكم هذه الأبيات المتواضعة:

يقول بن بوبكر خذ من خبر *** وافهم معاني القول في هذي القصيده

(لابد من صنعاء وإن طال السفر) *** لابد من صنعاء وإن كانت بعيده

باهديك يا جوهر مقال مُعتبر *** واتبع نصيحة خوك من أرض السعيده

خذ من كلامي لك... لي فيه العبر *** واترك خسيس القول من أهل المكيده

لا يستقيم المرء في دنيا البشر *** من دون أفعال وأخلاق حميده

والقصد شف ذا قول ع بالي خطر *** إن ما نفع اليوم!، بكره با نعيده

والختم صلوا ع النبي زين البشر *** وادعوا إله الكون أن يرحم عبيده

أتمنى للجميع صوماً مقبولاً وذنباً مغفوراً. وإلى لقاء قريب مع مقال آخر إن شاء الله. والله من وراء القصد.

mbyemen@gmail.com


في الإثنين 08 أغسطس-آب 2011 11:00:49 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://marebpress.net/articles.php?id=11265