الصبري: رحيل الرئيس أصبح فريضة لهذه الاسباب
بقلم/ مأرب برس - سلمان العماري
نشر منذ: 13 سنة و أسبوع و 3 أيام
الخميس 17 مارس - آذار 2011 07:44 م

في قراءة شرعية وسياسية معمقة لمسار الأحداث في اليمن وتطوراتها على الساحة، وما خلفته الثورة اليمنية من تساؤلات أجاب عنها الشيخ عارف بن أحمد علي الصبري القيادي السلفي في حركة الإخوان المسلمين، وعضو التجمع اليمني للإصلاح وأحد نوابه في مجلس النواب عن الدائرة 89 بمديرية بعدان في محافظة إب، وعضو لجنة تقنين الشريعة، ويعمل نائباً لرئيس جامعة الإيمان لإدارة الفروع في محافظات الجمهورية اليمنية، وأستاذ جامعي فيها بالإضافة إلى كونه كاتباً وباحثاً له العديد من الكتابات والمؤلفات منها " القضية الفلسطينية .. قضية المسلمين الأولى ،وعلى الرغم من مجابهة ومواجهة البعض من الصحفيين وغيرهم له من خلال التهكم أو التهجم عليه من التيارات الليبرالية والعلمانية فإن لديه ما يحاجج به ويدفع في مضمار الرؤية والفلسفة التأصيلية الشرعية المدعمة بالأدلة والنصوص فإلى تفاصيل الحوار..

 حاوره : سلمان العماري 

* كيف تقرؤون واقع المشهد اليمني في الأونة الأخيرة بشكل مجمل.

- يشهد اليمن هذه الأيام ثورة شعبية ضد النظام الحاكم تطالب بإسقاطه ، كنظيراتها في تونس ومصر وليبيا ، وهي في نظري نتيجة حتمية ضد نظام استنفذ مقومات البقاء ، بسبب البعد عن الله تعالى وعدم تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية وظلمة واستبداده واستئثاره بالثروة والسلطة وتحويله نظام الحكم في اليمن إلى نظام ملكي أسري إسبتدادي ، وفي سبيل هذا التوريث للسلطة سعى الحاكم إلى التخلص من بعض أعوانه داخل الحزب الحاكم ولا سيما القيادات القائمة بذاتها ، وأخضع الوظائف العامة للمقربين على أساس الولاء الشخصي كما أن الحاكم تخلى عن شركائه في العمل السياسي كالإصلاح الذين وقفوا معه في حروب المناطق الوسطى وفي حرب عام 1994م .

وإقصاء شركائه في الوحدة ، وتعقب معارضيه بالإقصاء والإلغاء والتهميش ، وقيامه بتزوير الانتخابات الأخيرة التي حصل بموجبها على الأغلبية الساحقة مما دعى خصوم النظام إلى التكتل في أحزاب اللقاء المشترك مع ما بين هذه الأحزاب من التباين في المواقف والرؤى الفكرية .

ولأن هذا الحاكم قد تعود على إدارة البلد بالأزمات فدعم الجماعة الحوثية من الخزينة لعامة وشجعها ليخلق في نظره توازناً مع العمل الإسلامي ، وهكذا فعل في اللعب بالأوراق الأمنية باسم الحرب على الإرهاب وكذلك الحراك المطالب بالإنفصال ، وجعل كل أطراف هذه اللعبة بيده ليقنع الأطراف كلها أنه الخيار الوحيد الذي يحسن التعامل مع كل هذه الملفات .

 ومن جهة أخرى تعاني اليمن من فساد مالي وإداري وأخلاقي أدى إلى انتشار الفواحش بشكل كبير ، كما أنه ضاعف من معاناة الشعب اليمني فارتفعت معدلات الفقر والبطالة بصورة كبيرة جداً .

كما أن هذا النظام دمر المؤسسات الدستورية وعطلها عن القيام بواجبها وجعلها مؤسسات صورية لا تقدم ولا تؤخر إلا بأمر الرئيس ومنها القضاء ، الذي يراد لمنتسبيه في الفترة الأخيرة أن تكون من منتسبي المخابرات فتحولت الدولة إلى دولة بوليسية قائمة على الحساسية .،ومن جانب آخر فتح الباب على مصراعيه للتدخل الأجنبي في شئون اليمن الداخلية وانتهكت السيادة وصارت السفارة الأمريكية مصدراً للتوجيه ورسم السياسيات وصارت قبلة يرتادها الكثير من الشخصيات والمنظمات والجماعات والأحزاب .في الوقت الذي تحيط أساطيلهم العسكرية باليمن وتتواجد في مياهه الإقليمية .وبناءً على ذلك فقد صار رحيل النظام الفاسد فريضة وضرورة .

*أين يقف أهل العلم والعلماء في بلادنا مما يجري حالياً ، وكيف تفسرون القباين الحاصل في مسألة خروج الشعوب بالتظاهر على حكامها ؟

- لا شك أن الحاكم الظالم المستبد ، قد أوجد من المحسوبية على أهل العلم من يبرر له جرائمه ، فوجد سوائم من المنتسبين إلى العلم والعلماء لاهم لهم إلا التبرير للحاكم فيما يقوم به من الجرائم والمنكرات ، ففي الوقت الذي تخلى فيه الحاكم عن كل واجباته الشرعية فقد معظم شروط الولاية ، يفاجئنا هؤلاء بالمطالبة بحقوق ولي الأمر والسمع والطاعة له ونحو ذلك . ولذلك لا تستغرب إذا سمعت بعض الفتاوى الشاذة المانعة من التظاهر السلمي ضد الحاكم الظالم المستبد .

ومن جهة أخرى فلا يزال في الأمة علماء وأعلام لا يخافون في الله لومة لائم ، وهؤلاء حاضرون في جميع المواقف ولم يتوقفوا عن النصح وبيان الحق للحاكم وغيره ومن هؤلاء هيئة علماء اليمن التي وقفت الموقف المشرف ضد التدخل الأجنبي وبياناتهم الكثيرة حول المنكرات وتجنيد المرأة والكوتا النسائية والوقوف ضد التشريعات المخالفة لأحكام الشريعة الإسلامية وغيرها .ومن ذلك موقفهم القوى مما يجري في اليمن الآن وقد أصدروا بياناً شرعياً يوضح ذلك ، وقد سمع الناس في قناة سهيل والجزيرة المواقف المشرفة التي يقفها رئيس هيئة علماء اليمن فضيلة شيخنا العلامة / عبد المجيد بن عزيز الزنداني .

*وما هو الحكم الشرعي في التظاهر والمظاهرات القائمة التي تجرى في واقع الأمة اليوم لأستعادة الحقوق ونيل الحرية والحصول على الحياة الكريمة .

- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضة شرعية والمظاهرات السلمية التي تطالب بالحقوق المشروعة وتلتزم بالضوابط الشرعية هي صورة من الصور الجماعية فلأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .

*لكن هناك من يحرمها ويعتبرها بدعة ، ومن قبيل التشبة بالكافرين فما رأيكم ؟

- الحكم على الشيء فرع عن تصوره كما هو مقرر عند العلماء ،وأقول لمن يحرمها الحرام ينقسم إلى قسمين المحرم لذاته والمحرم لغيره .،والحرام لذاته : هو ما حرمه الشارع بأصله ووصفه كالقتل والسرقة والزنا والخمر ونحو ذلك .والحرام لغيره : هو ما كان مشروعاً في أصله وحرام بوصفه كأن اقترن به أمر أخر تسبب في مفسدة وأذى فصار حراماً وذلك مثل بيع العنب لمن يتخذه خمراً ، فالبيع جائز في أصله قال تعالى ( وأحل الله البيع حرم الربا) ولكن بيع العنب لمن يتخذه خمراً حرام وهذا التحريم لغيره أي من جهة كون المشتري يشتري العنب لمصنع الخمر .

والمحرمات لذاتها قد فصلها ربنا تعالى قال سبحانه "وقد فصل لكم ما حرم عليكم" ،وليس عندنا دليل يدل على حرمة المظاهرات بذاتها .،وأما القول بأن المظاهرات بدعة لأنه لم يرد دليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم فعلها .،فالنبي صلى الله عليه وسلم ( من أحدث في أمرنا هذا ماليس منه فهو رد )

وبالاتفاق فإن البدعة لا تكون إلا في الأمر الديني ولا تكون البدعة في الأمور الدنيوية والعلماء يقولون الأصل في الأمر الديني الاتباع والأصل في الأمر الدنيوي إلا ابتدع .،والمظاهرات بالنظر إلى ذاتها من الأمور الدنيوية ومن مسائل العادات والأصل فيها الأمور الدنيوية الإباحة . ولذلك لا تستقيم المطالبة بالدليل على جواز المظاهرات لأن الأصل فيها الإباحة .،لكن من أدعى عدم الجواز فعليه بالدليل لأنه قوله هذا على خلاف الأصل أما المجيز فلا يطالب بالدليل لأنه باقٍ على الأصل .

وأما القول بأن المظاهرات تشبه بالكافرين فلا شك أن التشبه بالكافرين محرم شرعاً لقوله صلى الله عليه وسلم : (من تشبه بقوم فهو منهم ) فما هو ضابط التشبه بالمحرم ، التشبه المحرم هو التشبه بالكفار فيما هو من خصائصهم ومن عاداتهم ، وعباداتهم وسمتهم وأخلاقهم وذلك مثل حلق اللحي وإطالة الشوارب وأن يلبس المسلم لباس القساوسة أو قبعة اليهود أو تعليق الصليب ونحو ذلك .وأما المظاهرات فهي من الأمور الشائعة التي لم تعد من خصوصيات قوم من الكافرين بأعيانهم حتى يقال : إنها من التشبه بالكافرين .

وبذلك يتضح لكم أن المظاهرات ليست بدعة ولا هي من قبيل التشبه بالكافرين ، وليس عندنا دليل يدل على حرمتها بذاتها فتعين القول بأنها من الوسائل المباحة .

*وهل يلزم من إقامة التظاهرات شروط حتى تكون مشروعة ؟

- نعم لا بد للقول بمشروعية المظاهرات من توفر بعض الشروط لأنها وسيلة والوسائل تأخذ أحكام المقاصد فالمظاهرات قد تكون جائزة وقد تكون ممنوعة فالوسيلة المؤدية إلى واجبه واجب والوسيلة المؤدية إلى حرام محرمه .والشروط اللازمة لمشروعية هذه المظاهرات هي :أن يكون هدف المظاهرات مشروعاً كالمطالبة مثلاً بتحكيم شرع الله وتطبيق أو المطالبة بإقامة العدل ورفع الظلم ورد الحقوق إلى أهلها .. ونحو ذلك من المطالب المشروعة .وأن لا يصاحبها منكر من المنكرات كالاعتداء على الأشخاص أو الممتلكات العامة أو الخاصة أو تعطيل مصالح الناس ، أو اختلاط الرجال والنساء والرقص والغناء الماجن والآلات الموسيقية المحرمة أو رفع شعارات مخالفة لأحكام الإسلام أو المطالبة بالانفصال ونحو ذلك .

أن لا تؤدي هذه المظاهرات إلى حدوث منكر مسار أو أكبر من المنكر الذي أو تغييره كأن يؤدي إلى تولية حاكم مماثل للقائم أو أسوأ منه وهكذا .فمتى حصلت هذه المظاهرات بهذه الضوابط الشرعية فلاشك أنها صورة من صور الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والمشارك فيها مأجور غير مأزور وهو بعمله هذا في سبيل الله تعالى .أما من رفع مطالب غير مشروعة كالمطالبة بحكومة مدنية لا تحتكم إلى الإسلام فهذه ردة عن الإسلام .ومن خرج للاعتداء على الآخرين أو المرأة التي تختلط بالرجال الأجانب فهي في سبيل الشيطان .

* قد يقول أحدهم إن المظاهرات والتظاهر يتنافي مع الأمر بالصبر على ولاة الأمر وإن جاروا فما قولكم ؟

- المراد بولي الأمر في جميع النصوص الشرعية هو الحاكم المسلم الذي يحكم بالكتاب والسنة ويلتزم بالإسلام عقيدة وشريعة ، وأما من لا يحكم بالإسلام فليس بولي للمسلمين ولا ولاية لدى على مسلم .والمراد بالصبر على ولاة الأمر هو عدم الخروج عليهم بالسلاح إذا وقعت منهم بعض المظالم وهذا إذا كان الخروج عليهم سيؤدي إلى مفاسد أكبر من الظلم الذي وقع منهم .وأما تقديم النصح للحاكم وأمرهم بالمعروف ونهاهم عن المنكر فذلك من الواجبات الشرعية ولا يتنافى مع الأمر بالصبر عليهم .والمظاهرات المنضبطة بالضوابط الشرعية كما قدمنا هي صورة من صور الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .والأدلة على ذلك كثيرة منها : قوله صلى الله عليه وسلم سيد الشهداء حمزة ورجل قام إلى سلطان جائر فأمره ونهاه فقتله وقوله عليه الصلاة والسلام : (أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر) .

*ما الحكم الشرعي في الاعتداء على المتظاهرين ؟

- لقد عظم الله تعالى شأن المسلم وحرم الاعتداء عليه بأي نوع من أنواع الاعتداء ففي الحديث الشريف : ( لزوال الدنيا جميعاً أهون عند الله من سفك دم أمرئٍ مسلم بغير حق ) .وقوله عليه الصلاة والسلام : لا يزال المسلم في فسحة من دينه مالم يصب دماً حراماً) .وفي الحديث : الربا أثنان وسبعون باباً أدناها مثل أن ينكح الرجل أمه وإن أربا الربا استطالة الرجل في عرض أخيه المسلم ) .وما دام المتظاهرون يمارسون المظاهرات بالضوابط الشرعية فالاعتداء عليهم من المحرمات وبعد جريمة عمدية لا تسقط بالتقادم .ويحرم على أصحاب الولايات أمر من تحتهم بالاعتداء على هؤلاء المتظاهرين ، كما يحرم على الجنود تنفيذ هذه الأوامر لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ) .

*وماذا عن اعتبار المظاهرات خروجاً عن ولي الأمر وفق ما يعتقد البعض ، ويراها اخلالاً بحقوقه الشرعية ؟

- الجواب على هذا السؤال من وجوه .

الوجه الأول :في التشريع الإسلامي ينقسم الحكام إلى ثلاثة أإقسام .

القسم الأول : الخليفة الراشد لقوله صلى الله عليه وسلم ( فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي ) وهؤلاء يحرم الخروج عليهم ومنازعتهم في الأمر وتجب طاعتهم بالمعروف ومناصحتهم ونصرتهم ويحرم التشهير بهم .

القسم الثاني : الامام الظالم لقوله صلى الله عليه وسلم ( سيكون أمراء فتعرفون وتنكرون فمن عرف برئ ومن أنكر سلم ، ولكن من رضي وتابع ، قالوا : أفلا نقاتلهم ؟ قال : لا ما صلوا ) .

والمقصود بالأمام الظالم هنا هو الذي لا يزال ملتزماً بالحكم بالكتاب والسنة ، ولكن تقع منه بعض المعاصي ويقع من بعض الظلم للرعية ، لكن لا يصل به الأمر إلى حد الخروج عن الإسلام ومن كان هذا شأنه فأحكام كما يلي :

لا تجوز توليتهم ابتداءً والرضا بهم ابتداءً يعد خيانة لله ولرسوله وللمؤمنين لأن الله يأمرنا بأن نؤدي الأمانات إلى أهلها والظالم ليس من أهل الولاية قال تعالى ( إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها) .فإذا ولي العدل المستجمع لشروط الخليفة أمر المسلمين ثم طرأ عليه الفسق ومنه الظلم بعد ذلك فهؤلاء الظالمون آثمون وعاصون لله تعالى وهم متوعدون بالعقوبة من الله سبحانه كما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم (ما من عبدٍ استرعاه الله رعية فلم يحطها بنصحه إلا لم يجد رائحة الجنة . وقوله عليه الصلاة والسلام : ( ما من ولي يلي رعية من المسلمين فيموت وهو غاش لهم إلا حرم الله عليه الجنة ) .

وبالنسبة لحال الرعية مع الحاكم الظالم فيجب له الطاعة في غير معصية الله تعالى لقوله صلى الله عليه وسلم : (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ،ولا يجوز لأحد أن يقر الحاكم الظالم على ظلمه ومتابعتهم في ظلمهم والواجب إنكار ما يحصل منهم من الظلم كل بحسب والعاجز يجب عليه إنكار ذلك يقلبه الذي يقتضي حرمة متابعة الظالم في ظلمه ومن أنكر عليهم بلسانه فذلك الإنكار من أفضل صور الجهاد كما في الحديث الشريف (أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر) .

والحاكم الظالم إن عم ضررة واستطار شره وأصبح ميؤوساً من إصلاحه وأمكن عزله بدون أن يؤدي إلى فتنة أو منكر أكبر من المنكر المترتب على بقائه وجب عزله .

فإذا عجز الناس عن عزله أو كان عزله سيؤدي إلى منكر أكبر حرم الخروج عليه بالسلاح لما يترتب على ذلك من الفساد الكبير .

ولكن منع الخروج في هذه الحالة لا يمنع من محاسبته والإنكار عليه باللسان بل ويجوز الإنكار عليه علناً في نحو المظاهرات بالضوابط الشرعية لقوله تعالى ( لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظُلم ) وفي الحديث عند أبي داوود وصححه الألباني : ( عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشكو جاره فقال : اذهب فاصبر فأتاه مرتين أو ثلاثاً : فقال : اذهب فاطرح متاعك في الطريق ، فطرح متاعه في الطريق فجعل الناس يسألونه ، فيخبرهم خبره ، فجعل الناس يلعنونه فعل الله به وفعل ، فجاء إليه جاره فقال له : ارجع لا ترى مني شيئاً تكرهه ووجه الاستدلال بالحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الرجل المظلوم أن يخرج متاعه إلى الطريق ليعلم الناس بمظلته لعل جاره يرجع عن ظلمه وحال الناس اليوم في المظاهرات أنهم يخرجون للإعلان عن مظالمهم لعل هؤلاء الحكام يلقون عن الظلم ويردون الحقوق إلى أهلها .

فالمظاهرات بهذا الاعتبار ليست من الخروج المنهي عنه فالخروج المنهي عنه هو الخروج بالسلاح إذا أدى إلى منكر أكبر .

والمنع من الخروج المسلح ليس من باب الرضا بالظلم ولا الإقرار به ، ولكنه هنا من باب احتمال المفسدة الصغرى لدفع المفسدة الكبرى .لأن في الخروج بالسلاح غالباً من المفاسد والفتن والشروح أضعاف أضعاف ما يترتب على بقاء الحاكم الظالم .

ولذلك قلنا متى أمكن الخروج على الظالم وعزله بدون مفاسد تعين عزله .

وهنا أبينه على ما جاء في حديث حذيفة رضي الله عنه عندما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أنه سيكون هناك أئمة لا يهتدون بهدية ولا يستنون بسنته فقال حذيفة : كيف أصنع يا رسول الله إن أدركت ذلك ؟ قال تسمع وتطيع للأمير وان ضرب ظهرك وأخذ مالك ).. فهذا أمر بالطاعة مع ظلم الأمير وهو من باب الأمر بالصبر على الفتنة الخاصة لدفع الفتنة العامة لأن أخذ المال وضرب الظهر لأفراد الرعية فتنة خاصة والخروج بالسلاح ووقوع القتال وسيلان الدماء فتنة عامة .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى : ولم تخرج طائفة على ولاة الأمر إلا وكان ما أفسدوه بالخروج عليه أعظم مما ظنوه من الصلاح ) .

فالأمر بالصبر في حديث حذيفة رضي الله عنه هو من باب دفع المفسدة الكبرى باحتمال المفسدة الصغرى .

وهذا بخلاف الاجتزاء لهذا الحديث في كلام المانعين من الخروج في المظاهرات وهو اخراج له عنه سياقه الذي يشعر بأن هؤلاء يواصلون لبقاء الظلم .

وهنا أبنه كذلك على مسألة في غاية الأهمية وهي : أن تحريم الخروج على ولاة الأمر الشرعيين إذا وقع منهم الظلم بالسلاح ، لا يلزم منه الرضا عنهم والتسليم ببقائهم .

وهنا ابنه على أن الخروج في مظاهرات تطالب ببقاء الحاكم الظالم حرام بالإجماع حرام بالإجماع وهي خيانة لله ولرسوله وللمؤمنين .

ففي الحديث الشريف : "من استعمل على عصابة رجل وفي القدم من هو أرضى لله منه فقد خان لله ورسوله والمؤمنين" .

ففي الحديث دليل على أن من استعمل رجلاً صالحاً في ولاية من الولايات مع وجود آخر هو أصلح منه فقد خان الله ورسوله والمؤمنين فكذلك الذي يطالب ببقاء الظالم فالأولى والأحرى فهو خائن لله ولرسوله وللمؤمنين وبذلك أؤكد على أن الخروج في مظاهرات للمطالبة ببقاء الظالم حرام بالإجماع وخيانة لله ولرسوله وللمؤمنين .

ومن جهة أخرى فليست مشكلتنا اليوم في حقوق ولي الأمر لأن هؤلاء الحكام قد جعلوا لأنفسهم بعض حقوق الإله فضلاً عن حقوق ولي الأمر ولكن المشكلة اليوم في شروط وواجبات ولي الأمر والمأمول من العالم أن لا يتحدث عن حقوق ولي الأمر إلا في سياق الحديث عن شروط ولي الأمر وواجباته لأن معظم الحكام اليوم صاروا نسقاً يجب تجاوزه .

*ماذا عن الولايات القائمة في العصر الحاضر وبلدان العالم الإسلامي ، وهل تنطبق عليهم مواصفات الولاية الشرعية التي تحدثت عنها؟

- هناك مبدأن هامان في السياسة الشرعية .وهما مبدأ المشروعية ، ومبدأ الشرعية

مبدأ المشروعية أي السيادة العليا والحكم الأعلى والمرجعية العليا وهذه لله وحده فالمتفرد بالخلق هو وحده المتفرد بالأمر ،فالدستور الذي يحكم به الخلق هو دين الله تعالى .

أما مبدأ الشرعية فهو السلطان والسلطان للأمة أي أن الأمة هي التي تختار من يحكمها فالسيادة للشرع والسلطان للشعب وفي ضوء ذلك فإن الحاكم مجرداً جبر مع هذه الأمة ووكل عنها مهمة حراسة الدين وسياسة الدنيا به .والولايات في المنظور الإسلامي من قبيل الواجبات وهي من واجبات الكفاءة، بمعنى أنه متى وجد الكفؤ الأمين الذي يقوم بواجبه على أكمل وجه فقد حصل المقصود ، ويسقط الاثم عن الأمة .ومتى وصل إلى ولاية الأمر من لا يحسن ويخل بواجباته الشرعية فالأمة مطالبة بإصلاحه أو الاتيان بمن يتحقق به المقصود من حراسة الدين وسياسة الدنيا بالدين .

ولأجل ذلك لا بد أن تجتمع في ولي الأمر شروط تؤهله للقيام بواجباته منها الإسلام والعقل والبلوغ والذكورة والشجاعة ، والعدالة وأن يكون عالماً مجتهداً .

والملاحظ في معظم الحكام في عصرنا الحاضر أنهم فاقدون للشرعية ابتداء ودواماً وانتهاء فالأنظمة الحاكمة اليوم في بلادنا العربية لا تمثل الشعب ، لأنها إما أنظمة ملكية وراثية مستبدة أو أنظمة جاءت عن طريق القوة والانقلابات المسلحة ، أو أنظمة جاءت عن طريق انتخابات صورية مزورة .

وبذلك فهذه الأنظمة لا تمثل الأمة ولا رضى للشعب في اختيارها .

ومن جهة أخرى فإن هؤلاء الحكام الظلمة الغاصبين المستبدين لا تتوافر فيهم من شروط الخليفة إلا الذكورة، فهم لا يقومون بواجباتهم الشرعية بل صار كثير منهم عقبة كؤوداً أمام الحكم بما أنزل الله وصاروا نسقاً يجب تجاوزه.. هذا هو الحال في هؤلاء . فلاهم الذين حكموا بالشرع ولا هم الذين ضمنوا حقوق الشعب.ٍ

*الشعوب خرجت اليوم لمناهضة الحكام واسقاط الحكومات والأنظمة ، ترى ما الأسباب الرئيسية التي تقف خلف هذا الخروج والتظاهر؟

- الأسباب كثيرة .وأهمها أن هذه الأنظمة دخلت في حرب مع الله تعالى فأفسدت علاقتها مع الله وتنكرت لشريعته وتحاكمت إلى غير منهج الله تعالى وعادت أولياء الله تعالى لأنهم يقولون ربنا الله ، وتجاوزت الحد في ظلم العباد، فكان لزاماً ألا تتخلف عنهم سنة الله تعالى في إهلاك الظالمين فإن الله تعالى ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته ومن جهة أخرى أفسدت العلاقة مع الخلق أعني مع شعوبهم فقتلوا وقتلوا وظلموا ، وقيدوا حرياتهم الشرعية ، وفتحوا المجال واسعاً أمام الإباحية وأفقروا الناس وارتفعت معدلات البطالة . حتى صار معظم الناس لهم خصومة مع هذه الأنظمة التي ظلمتهم، فلا هؤلاء الظلمة أفلحوا في دين ولا دنيا ، أورثوا شعوبهم فقراً وضعفاً وهواناً وذلاً ، فكان لزاماً أن يخرج الناس ثائرين ضد هذه الأنظمة، وبصورة أدق صارت الثورة ضد هؤلاء الذين استفقدوا مقومات البقاء فريضة وضرورة .

*في بلادنا خرج الشعب وثار الشباب للتظاهر من أجل إسقاط النظام ورحيل الرئيس وتردد عند البعض أن اليمن ليست تونس أو مصر فما الذي ترونه ؟

- صحيح أن اليمن ليست تونس ولا مصر ، لكن هناك قاسماً مشتركاً بين الأوضاع في البلاد العربية كلها ، وهو عدم الاحتكام إلى شريعة الله تعالى على تفاوت من بلد إلى آخر ، وكذلك الظلم والاستبداد والاستئثار بالثروة والسلطة ، ومن المنظور الشرعي فإن هذه الأنظمة فقدت شرعيتها والواجب عليها أن تتخلى عن الحكم ولا يمنع من الخروج عليها سوى العجز أو الخوف من أن يؤدي الخروج إلى منكرات أكبر من بقائها .

ومع ذلك فإننا نؤمن بأن الله عز وجل غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون وهذا يستدعي أن تقوم بقية الحكومات التي لم تطالها الثورات برد الحقوق إلى نصابها فيحكموا بشرع الله تعالى فيضمنوا الحكم بالشرع ، ويضمنوا حق الشعب .

ومع ذلك فأنا أظن أن هذه الأنظمة العربية فاقدة الشرعية ستتهاوى تباعاً ، وفي وقت قياسي وأن الأمة تسير بفضل الله تعالى نحو الخلافة على منهاج النبوة كما بشر بذلك خير خلق الله صلى الله عليه وسلم الذي بشر بأنه سيكون بعد الحكم الجبري خلافة على منهاج النبوة .

* يتحدث الرئيس عن الآثار المترتبة على رحيله من حدوث الفتن وتمزق اليمن إلى دويلات ودخولها في حروب أهلية فما رأيكم ؟

- الرئيس يدرك أن معظم أبناء الشعب اليمني لا يثقون به وأصواتهم مجتمعة على المطالبة برحيله وإسقاطه لأنهم يرون بقاء مفسدة وتعيق مصالحهم وأنه السبب فيما يحدث لهم من الظلم . ولأن الرئيس عجز عن إصلاح ما أفسده خلال فترة حكمه ، وعجز عن إقناع الناس أنه سيحدث إصلاحات مرضية لجأ إلى تخويفهم بالآثار المدمرة المترتبة على ذهابه من الانفصال (مفسدتين) مفسدة بقائه في السلطة أو المفاسد المترتبة على رحيله كما يزعم ، وكأنه يخيرنا بين القبول به أو الطوفان .

وقناعتي أن ذهابه ورحيله من الضمانات الكبيرة لحماية وحدة اليمن وأمنه واستقراره لأنه هو الذي أوجد الحوثيين وأوقف الحرب معهم في كل مرة يوشك الجيش على القضاء عليهم وبيده ملف الحراك المطالب بالانفصال وملفات الإرهاب وبذهابه ستفقد هذه الملفات من يغذيها ويحركها .

وأما الشعب اليمني فلا عدالة له مع الوحدة والأمن والاستقرار ، وقد وحد مواقفه ضد نظام الرئيس .

-ما رأيكم فيمن يطالب بإقامة حكم مدني قائم على المبادئ الغربية التي لا تقر بسيادة الشريعة الإسلامية ؟

- لا شك أن المطالبة بالإحتكام إلى غير الإسلام أو إقامة حكومة لا تحتكم إلى شريعة الله كفر وردة عن الإٍسلام .

وهؤلاء إن وجدوا فليسوا من المسلمين وضررهم وخطرهم على هذه الثورات أشد من ضرر هذه الأنظمة المستبدة الذي ثار الناس والشعوب ضدها .

 -ماهي رؤيتكم المستقبلية لما يحدث في بلادنا ، وهل تتوقعون تنحي هذا النظام ومن يخلفه؟

- لا شك أن ما يحدث اليوم في اليمن ، خير كبير وجهاد بالكلمة في وجه نظام ظالم فاسد مستبد وأتوقع أن النتيجة في اليمن ستكون أفضل منها في مصر وتونس مع اعترافي بما حصل من الخير الكبير في مصر وتونس .

وذلك لوعد الله تعالى بأن يجعل اليمن دار إيمان وفقه وحكمه إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها كما هو مستفاد من خير النبي صلى الله عليه وسلم بقوله الإيمان يمان والفقه يمان والحكمة يمانية . وبقوله صلى الله عليه وسلم : "إني لأجد نفس الرحمن من قبل اليمن" .

وأتوقع رحيل هذا النظام ، لكنني أدعو الرئيس أن يبادر بالتخلي عن الحكم وتسليمه طواعية لمصلحته ومصلحة أسرته ومصلحة أبناء الشعب .

*ما هي توجيهاتكم للنظام ، وتوجيهاتكم للشعب اليمني كافة ، والمتظاهرين خاصة ؟

- أدعوا النظام إلى التنحي فوراً وتسليم السلطة ليضعها الشعب فيمن يصلح لها ، لمصلحته بالدرجة الأولى وحقناً للدماء ولرفع المعاناة عن أبناء الشعب ثم أدعوه إلى حسن الصلة بالله تعالى والتوبة من الذنوب صغيرها وكبيرها والتحلل ممن ظلمهم ورد الحقوق إلى أهلها فإن الله يغفر الذنوب جميعاً ويقبل التوبة عن عبادة .

كما أدعوا الجميع إلى الالتزام بالإسلام عقيدة وشريعة والحرص على موافقة الشرع في كل عمل وذلك بالرجوع إلى الموثوقين من أهل العلم وسؤالهم عن الحكم الشرعي فيما يقومون به .

وكذلك إخلاص النية لله تعالى وذلك ليكتب الله تعالى لهم الأجر والثواب ويتقبل عنهم أعمالهم ويوفقهم لما فيه الخير ويرفع عنا وعنهم هذه الغمة .

- رسالة أخيرة ؟

- أدعو نفسي وأخواني جميعاً في كل بلاد المسلمين إلى حسن الصلة بالله تعالى والثقة بنصره والتضرع إليه بالدعاء والاستغفار والتوبة من جميع الذنوب صغيرها وكبيرها ، والالتزام بالإسلام عقيدة وشريعة وادعوا الجميع إلى الحذر من سرّاق الثورات من أولئك الذين يرفعون شعارات ومطالب الغرب الصليبي الداعية إلى إنشاء حكومات مدنية وديمقراطية بدساتير علمانية تلغي سيادة الشريعة الإسلامية وتجعل السيادة العليا للإنسان وللمواثيق الدولية والإعلانات العالمية والقيم الغربية الليبرالية. فإن الغرب عامة وأمريكا خاصة يريدون أن يفرضوا علينا بالسياسة ما عجزوا عن فرضه بالقوة العسكرية ومع اعتقادي بأن ما يحصل في البلاد العربية من هذه الثورات هي مقدمة لقيام خلافة على منهاج النبوة إن شاء الله تعالى إلا أنه لو حصل ما يريده الغرب من علمنة دساتيرنا وانتهاك سيادتنا فإن بطن الأرض خير لكل مسلم من ظهرها .

والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون .

وأسأل الله تعالى أن يحفظ علينا ديننا ووحدتنا وأمننا واستقرارنا.