لماذا يعتبر اليمنيون شعب الله المحتار ؟
بقلم/ طارق عثمان
نشر منذ: 17 سنة و 3 أشهر و 24 يوماً
السبت 02 ديسمبر-كانون الأول 2006 09:52 ص

مأرب برس – خاص

يمشي الموظف الحكومي اليمني في الشارع يكلم نفسه ينتف شاربه يحك راسه يضرب اعمدة النور...يلتفت للي رايح والي جاي ...يتعثر بالباعة على الارصفة ... يتوقف فجأة يتامل الشارع ببلاهة دون هدف يمتص السيجاره بشراهة لايبديها مع عصيرالبرتقال الطبيعي ...يلقي بعقب السيجارة بعد ان وصلت النار الي يديه يدوسها بهستيريا ويتقفز عليها في الشارع كانه يدوس افعى ... يحدث له هذا كل يوم لانه يتوجه الى عمله حيران ..حيران ماذا سيشتري براتب لا يكفي للايجار فقط ..حيران من اين سيجمع حق القات ... حيران ايهما اولى القات ام طلبات الزوجة والاطفال.. حيران هل يكتفي براتبه ام لابد من حق بن هادي... هل يرفع سعر خدماته للمواطنين ام يثبت السعر... حيران هل ما يفعله حرام كثير والا حرام شوية ... انه حيران لانه موظف من موظفي شعب الله المحتار .

يقف السياسي اليمني امام الميكرفون ينفخ فيه يطبطب عليه باصبعه يتنحح يصلح ربطة عنقة يحك راسه يربت على صلعته .. يمسح جبهته بالمنديل ... ثم يعود ثانية لينفخ الميكرفون ويطبطب عليه باصبعه يصلح ربطة عنقه يحك راسة .. يربت على صلعته ... يمسح جبهته بالمنديل ... ثم يحتار.. هل يتحدث عن النزاهة اللامتناهية في وزارته وشخصه الكريم .. ام عن خططه المستقبلية .. ام عن الانجازات الجبارة التي قدمها لليمن .. ام عن المعارضة وتهافتها ام عن التقارير الدولية حول اداء اليمن عموما واداء وزارته ...انه في حيره تحدث له كلما اعتلى المنصة ..... انه مسؤول من مسؤولي شعب الله المحتار ...

يصحو المواطن اليمني يفرك عينيه .. يتثاءب ... يعود للفراش ... ثم ينهض فجاة ويفرك عينيه ويتثاءب ... ويخبط جبهته ... ثم يعود للفراش ... يقفز من فراشه ثانيا بفزع يجلس قليلا ينظر في المجهول ..يتثاءب يخبط جبهته ... يشد شعر ناصيته ... ثم يعود للفراش ... انه حيران هل يكمل مشوارالنوم ... ام يخرج مثل كل يوم ليقف مع الطوابير على الرصيف ينتظر ان تقف سيارة ليؤشر سائقها للجموع التي تقف حامله للمعاول .. وملاعق الاسمنت والمجارف ... وركام الاتربه .. وهموم الدنيا ... ويجري بكل قوته للتختفي السيارة بين الجموع وينطلق السائق مسرعا قبل ان تتحول السيارة الى صفيح مهشم ولا ياخذ احد ... انه حيران هل يستمر في النوم ام يخرج لممارسة هذا الطقس اليومي ... الذي لا ينال منه سوى الكدمات اثناء التدافع للوصول للسيارات والتبرك بلمسها والعودة للرصيف ..انها حيرة تحدث له كل صباح لانه مواطن من مواطني شعب الله المحتار ...

يحمل الطفل اليمني حقيبته تنحني قامته تحتها يخرج من منزله يتجه صوب المدرسة ... يتسكع في الطريق ويعبث بالعلب الفارغة في الشارع .. يفرقع كراتين العصائر المعلبة بالقفز عليها وينثر ماتبقى فيها على ملابسه .. يلاحق السيارات ... ينط على الاولى في طريقه .. ثم يقفز للثانية المتجه بعيد عن مساره .. يقفزمن السياره وتسحبه قليلا على الارض ينهض ينفض ترابه ثم يتوجه الى المدرسة .. وعند بابها يقف يقدم خطوة ويؤخر الثانية هل يدخل ويجلس في الفصل ويستمع للدرس ويجلس في الفسحة يده على خده وغيره يتراكضون نحو البقالة والبوفية ودكانة الالعاب ليشتروا ما يشاؤؤون يتردد هل يدخل ليضع يده على خده ام يتوجه لاقرب اشارة مرور ويقف عندها ويمد يده للسائقين ام يعبي قناني فارغة من الماء ويبيعها في الجولة .. انه في حيرة تتكرر معه كل يوم دراسي ... لانه طفل من اطفال شعب الله المحتار...

يكتب كلمة ... يشطبها .. يكتب غيرها . ثم يشطبها ... ويكتب الثالثة ثم يتأملها بعمق يثور و يمزق الورقة .ياخذ القلم يضعه خلف اذنه .. ينزعه و يحشره في انفه .يدخله في فمه يلوكه ثم يكسره ويلقيه في السله ..يضع يديه المتشابكتين مخدة لقفاه ويستند للكرسي وينسى نفسه ...يعود ثانية يكتب سطرا ثم يشطبه ... ويكتب غيره ثم يشطبه .. يكتب بسرعه دون تفكير يكمل الصفحة يعود لقراءتها... يمزق الورقة ويعود.يكرر التمزيق والتكسير والحشر ... ..لانه في حيرة هل يرضى ضميرة .. ام يرضى حكومته.. هل ما كتبه فيه مخالفات ستجعله من زوار المحاكم والسجون ام انه تجنب المنزلقات الخطرة ... تتملكه هذه الحيرة كلما حاول كتابة مقال لانه صحفي من صحفيي شعب الله المحتار..

يحزم حقائبه يلفلف اوراقه ويجهز نفسه للرحيل ليلقى الاهل والاحبة فجأة يبعثر الاوراق وينثر الملابس .. يتنهد .. يتحسر يذرف الدمع يبتلع الغصص .. ينتحب ويرتمي على الفراش حتى الصباح .. وينتظر حتى ياتي المساء..ليمارس تعذيب النفس اللذيذ ...ويكرر الامر ذاته انه في حيرة هل يترك بلاد الغربة ويعود لوطنه واهله واسرته ومعهما .. المشاكل والمعاناة والنصب والاحتيال والفساد واللهث وراء لقمة العيش دون طائل ام يجلس يتكسب اللقمة الحلال .. ويعاني معها لوعة الفرقة والبعاد ولواعج الشوق هل يجيب داعي " ارجع لحولك " ام ان المسألة ستنقلب " مهلنيش "

انه في حيرة لانه مغترب من شعب الله المحتار .

تفرح ... تضحك ... تبتسم ... تقف امام المرأه تسرح شعرها ... ثم تتنهد تتحسر تبكي بحرقه ...تفكر بالحب والكراهية بالاخلاص والخيانة ... تتجه صوب التلفاز تفتح قناة اغاني صاخبة ثم فجأه .. تفتح قناة اقرا للتتابع حلقة لعمرو خالد ... انها في حيرة هل تتزوج بالكهل الخليجي الثري الذي تقدم لها والذي معه ستصبح الاشياء التي كانت تعتبرها مستحيلة حقائق ماثلة في لحظات . وتتمكن من معالجة والدها الذي اصبح مرجعا في علم الامراض .. ام ترفض وتصر على الزواج بالشاب الجامعي العاطل الذي يحبه قلبها والذي لا يملك ثمن كرراريس المحاضرات ... انها حقا محتارة فهيا فتاة من فتيات شعب الله المحتار ...

الجميع حائرون المسؤول والموظف الطفل والشيخ والفتاه المواطن والمغترب ... الا يستحق ان يكون الشعب اليمني هو شعب الله المحتار ..