الاتفاق مع الحوثي ..هل يهدد الأمن الإقليمي؟
بقلم/ أحمد محمد عبدالغني
نشر منذ: 13 سنة و 10 أشهر و 12 يوماً
السبت 15 مايو 2010 04:24 م

قبل الإعلان عن وقف العمليات العسكرية وإنهاء الحرب السادسة في صعدة (11 فبراير 2010م) كانت السلطة الحاكمة في اليمن، قد أضافت إلى شروطها الخمسة شرطاً سادساً ينص على التزام الحوثيين بعدم الاعتداء على أراضي المملكة العربية السعودية، حيث أثار هذا الشرط جدلاً واسعاً في الأوساط الصحفية والسياسية - محلياً وإقليمياً - لأن ضبط الحدود مع الجيران وحمايتها من الاختراقات هو في الأساس من مهام الدول وليس من مهام الجماعات أياً كان موقعها أو طبيعة الصراع القائم بينها وبين الدولة المركزية التي يجب أن تكون هي المعنية في اتخاذ الترتيبات العسكرية والأمنية اللازمة مع دول الجوار وذلك في ضوء الاتفاقات الثنائية الموقعة بين الحكومات، وفي ضوء نصوص القانون الدولي المتعلقة بتنظيم العلاقات الحدودية البرية والبحرية والجوية بين الدول..

ولهذا كان من الطبيعي أن يثير مثل ذلك الشرط، الشكوك والتساؤلات حول أهداف من صاغوه وتبنوه وقدموه بتلك الصورة المريبة..

فهناك من رأى أن هذا الشرط هو إشارة تأكيدية بأن الطرف الآخر أصبح في مستوى الند ويملك من القوة ما يجعله قادراً على القيام بمغامرات انفرادية تجاه الجيران وتكرار ما حدث من مواجهات عسكرية مع القوات المسلحة السعودية..

وهناك من قال إن هذا الشرط هو رسالة للحوثيين أنفسهم مفادها أن سيطرتهم على المناطق الحدودية التي أداروا من خلالها المعارك والمواجهات، أصبحت تُمثل أمراً واقعاً وبالتالي سيكون التعامل معهم على هذا الأساس..

وهناك من نظر إلى هذا الشرط باعتباره (زنقلة سياسية) أرادت منه السلطات اليمنية التلويح لبعض الأطراف الإقليمية أنها قادرة على التعامل مع الحوثيين وتوظيف قدراتهم وطموحاتهم في الاتجاه الذي يجعلهم مصدر قلق للآخرين، وبالتالي فإن على تلك الأطراف أن تضع في حسبانها عدم تجاهل الدور الذي يجب أن تقوم به السلطات اليمنية في أية ترتبيات أو تفاهمات تجريها تلك الأطراف مع الحوثيين بصورة مباشرة أو غير مباشرة..

وبالطبع جاءت الخطوات اللاحقة لإعلان وقف الحرب السادسة تؤكد أن كل الاحتمالات واردة، حيث لم تظهر حتى الآن أية معالجات حقيقية من شأنها إزالة كل الأسباب التي كانت وراء اندلاع الحروب الست الماضية، ولم تظهر كذلك مؤشرات التعامل بإرادة جادة مع نتائج تلك الحروب وآثارها ومخلفاتها المادية والمعنوية، ويبدو من مسار التطورات أن الحكومة تتجاهل وبصورة متعمدة أهمية الحلول السياسية لقضية صعدة، فهي لم تقم حتى الآن بأية خطوات من شأنها إعادة الاعتبار لمفهوم الدولة ووظائفها ومسئولياتها الوطنية..

ومن المثير للانتباه أن تظهر السلطة في حالة من الجنون تجاه الاتفاق الذي أبرمته المعارضه مع جماعة الحوثي قبل اكثر من شهر (8 إبريل 2010م)، الأمر الذي جعل الخطاب الرسمي لا يتوانى يومياً في الحديث عن أحزاب المعارضة ووصفها باللاوطنية والعمل ضد المصلحة العامة والتحالف مع من يسميهم إعلام السلطة بقوى التخلف (جماعة الحوثي) وذلك في سياق التعبئة ضد أحزاب اللقاء المشترك، والتسويق إقليمياً بأن هذه الأحزاب هي التي تدعم الحوثيين وتقوي من شوكتهم ليظلوا مصدر تهديد للآخرين، وبالطبع فإن السلطة تتحاشى الخوض في التفاصيل الحقيقية للاتفاق نفسه، لأن ذلك يعريها ويكشف هرطقاتها ويؤكد أنها هي التي تريد أن يظل الوضع في صعدة مصدر خوف وقلق على المستوى المحلي والإقليمي..

فالاتفاق أكد على دعم الجهود الرامية إلى تطبيع الأوضاع بمحافظة صعدة في إطار معالجة وطنية شاملة، والسلطة ربما لا تريد ذلك، بل تريد أن تبقى الأمور في حالة عائمة ينطبق عليها القول الشائع (لا تشلوني ولا تطرحوني)..

والاتفاق أكد على أهمية وضرورة الحوار الوطني لمعالجة المشكلات، والسلطة لا تريد ذلك بل تريد حواراً مشروطاً تديره بأسلوبها المعتاد وتحقق من خلاله أجندتها الخاصة، بعيداً عن الأجندة الوطنية الشاملة.. والاتفاق أكد على التعدد والتنوع في إطار الوحدة ومبدأ التسامح والقبول بالآخر وترسيخ مبدأ المواطنة المتساوية وسيادة القانون، والسلطة تحس بالألم حينما تسمع عن هذه القضايا سماعاً، فما بالك عندما يكون الحديث يستهدف تطبيقها والعمل بمقتضاها في واقع حياة الناس ومعاشهم..

والاتفاق أكد على أهمية مشروع رؤية الإنقاذ، والسلطة تشعر بالارتباك والدوخة والإغماء حينما يتحدث الناس عن هذا المشروع ، لأن السلطة لا تعترف بأن هناك أزمة وطنية أصلاً، وبالتالي لا تريد أن ترى أمامها من يعمل على تشخيص هذه الأزمة بكل أبعادها أو يقدم المعالجات والحلول اللازمة لها..

وفي الحقيقة إذا كانت الحكومة اليمنية قد اعترفت رسمياً بالحوثي كواقع فرض نفسه عبر شرعية القوة من خلال اتفاقية الدوحة (فبراير 2008م) ومن خلال الاتفاقات الأخرى التي لم يعلن تفاصيل محتوياتها كما هو الحال بالنسبة لاتفاق وقف الحرب السادسة، فقد كان الأولى أن تنظر السلطة إلى الدور الذي تقوم به أحزاب اللقاء المشترك نظرة إيجابية، لأن هذه الأحزاب استطاعت من خلال ذلك الاتفاق أن تدفع بجماعة الحوثي خطوات متقدمة نحو العمل السياسي المدني والالتزام به، وهو مالم تستطع الحكومة تحقيقه أو تعمل على فرضه وإلزام الحوثيين به عبر كل الاتفاقات السابقة..

ولذلك فإن الحملة الإعلامية الشرسة التي وجهتها السلطة أخيراً ضد أحزاب المشترك تعني أن هذه السلطة لا تؤمن بالنضال السلمي وتريد أن تدفع الناس نحو انتهاج العنف للمطالبة بحقوقهم وفرض أنفسهم كواقع يجب التعامل معه..

وبالتالي فإن هذه السلطة وبهذه السياسات غير الرشيدة تبدو وكأنها لا تريد أن تبقي أوضاع صعدة في حالة قابلة للاشتعال فقط، ولكنها تعمل أيضاً وبصورة خاطئة لأن يتحول اليمن كله إلى بؤرة صراعات متأججة ومصدر قلق دائم للآخرين..

Ahmdm75@yahoo.com