أبو الاحرار.. لو كان حياً
بقلم/ الحسن الجلال
نشر منذ: 13 سنة و 11 شهراً و يومين
السبت 24 إبريل-نيسان 2010 06:30 م

> يوم من الدهر لم تصنع أشعته... شمس الضحى بل صنعناه بأيدينا

من منا لا يعرف من هو محمد محمود الزبيري..؟!، لا أعتقد أن هناك من لا يعرفه.. فالزبيري هو «أبو الأحرار».. صوت الثورة وديوانها، ولطالما هزت قصائده الثورية قصور الإمامة، وبثت الرعب في قلب النظام البائد، الذي قارعه الزبيري بكل شجاعة وقوة وإيمان، مسجلاً بذلك أروع صفحات النضال الوطني.

الزبيري أحد صناع ثورة ٢٦ سبتمبر، وأبرز شهدائها لم يتوقف نضاله عند بزوغ فجر الثورة وتحققها، بل إستمر حتى كان استشهاده في ظل الثورة التي كان أحد حماتها..، وكان من القلة الذين صنعوا تأريخهم بأنفسهم فخلدوا في ذاكرة الشعوب، وعند الحديث عن الشهيد الزبيري سنحتاج حتماً إلى مجلدات كاملة لننصفه ببعض حقه.. فأمثاله من الذين ضحوا بكل شيء من أجل الوطن، وعاشوا لحظة انتصار الوطن دون أن يفكروا في تقديم كشف حساب ليعوضهم الوطن عما ضحوا به، بل واصلوا تضحياتهم في انتصاره ليعمدوه بدمائهم.. هؤلاء تدين لهم شعوبهم بأجيالها المستمرة.. بالحق والعرفان..، وهو ما ندين جميعنا به للزبيري.. ولن يكون أبداً إطلاق لقبه على أحد الشوارع والمدارس كافياً لسداد دينه علينا وإيفائه حقه..

هذا الحديث البسيط عن الزبيري قد يجده البعض خالياً من أية مناسبة تستدعيه، وكأننا في حاجة لمناسبة لذكر من ضحوا بحياتهم لإنقاذنا.. ومع ذلك هناك ما هو أكبر من المناسبة، هناك إستلاب لحق هذا الرجل علينا، وتشويه لغاية نضاله وتضحياته واستشهاده.. هناك جريمة ترتكب في حقه باسم هذا الوطن وكل من فيه..، جريمة يتجرع عواقبها وآثارها نجله عمران.. إبن «أبي الأحرار» الذي تجاوز عمره الــ(٤٥) عاماً وما يزال عاطلاً عن العمل.

هذه العبارة التي تختزل كل تفاصيل الجريمة البشعة التي ارتكبت باسم الوطن في حق الشهيد «محمد محمود الزبيري».

ليس هذا وحسب بل حتى معاش والده الذي لا يتجاوز السبعين ألف ريال مهدد بوقف صرفه لابنه الذي ليس له مصدر للعيش سواه!!.

أليست هذه مناسبة كافية للحديث عن الزبيري؟، ألا يكفي أن يكون إبن أبرز صناع تأريخ اليمن الحديث وثورته، مهدداً بالعوز.. حتى نخرج عن صمتنا قليلاً.. ذلك الصمت الذي لو إحترفه الشهيد الزبيري مثلنا لتغير تأريخ الوطن عما هو عليه الآن..

عندما رفض الزبيري إحتراف الصمت صنع تأريخ اليمن الحديث وهندس ثورته المجيدة، أوليس هذا كافياً لنتعلم أن لا نصمت، وأن نقول: إن ما يحدث لعمران محمد محمود الزبيري جريمة بكل المقاييس؟.. هل كان الزبيري خاطئاً عندما أحب الوطن ورفض احتلاب الثورة -التي شارك في صنعها وفيها وليس فيها فقط- في وقت كان هو ومن صنعوها معه الأحق باحتلابها.

إن بعضاً ممن شاركوا في الدفاع عن صنعاء في حصار السبعين هم اليوم يتنعمون بخيرات الثورة التي لم يشاركوا فيها أو في صناعتها، بينما الثوار والأحرار وأبناؤهم يعيشون على الكفاف مهمشين وملقين خارج خيرات الوطن كأقداح مكسورة.

أليس الوطن اليوم هو بعضاً من صنيعة هؤلاء أو آبائهم؟!.. لا يريد عمران أن يكون رئيساً لدولة أو لحكومة أو وزيراً أو قائداً عسكرياً كبيراً.. يريد وظيفة تشعره أن والده الذي لم يره بوعي قط كان محقاً في تقديم نفسه فداءً لهذا الوطن..، أمن الظلم أن يحسن الوطن لعمران إحساناً كوالده؟!.

لماذا كل أبناء رجالات الدولة وأقاربهم إبتداء من رئيس الجمهورية وانتهاء بوزراء ومسؤولين عسكريين ومدنيين سابقين يحتلون مناصب مرموقة في الدولة ما كانوا على الأرجح ليحتلونها لولا مكانة آبائهم في الدولة، فهل في هؤلاء الآباء من هو ند للزبيري أو مثيل له؟!، لا.. لأن أمثال الزبيري وأنداده إما شهداء وإما مهمشون، فلماذا إذن لا ينال إبن الزبيري وأباه أفضل من آباء هؤلاء جزءً يسيراً مما ناله هؤلاء الأبناء؟.. وإذا كانت مكانة الآباء ونضالاتهم هي المعيار في تولي الأبناء للمناصب الكبرى في الدولة، فإن أولى الأبناء بذلك هم أبناء الثوار؛ لأن آباءهم هم من صنعوا الثورة، وكتبوا تأريخ الوطن الحديث ومن يصنع الأحداث أكبر مكانة ممن يحافظ عليها..، ومع ذلك لا يريد عمران وغيره من أبناء الثوار سوى وظيفة تكفل لهم في حياتهم عيشاً كريماً في وطنهم وتحمي أبناءهم بعد مماتهم فهل هذا كثير..؟!!.