ما يجبُ أنْ يُقالْ !!
بقلم/ دكتور/عبدالباري دغيش
نشر منذ: 14 سنة و 5 أشهر و 26 يوماً
الأربعاء 30 سبتمبر-أيلول 2009 06:46 م

هناك استنتاج يمكن للمرء استشرافه دون صعوبة تُذكر،وذاك أن دعوات الانفصال الجهوي الجنوبي التي ترفعها وتنادي بها بعض الأصوات تحت مسميات عدة من شأنها إحداث انفصال مذهبي حتمي لو قُدر لهذه الدعوات النجاح،والعكس صحيح بالنسبة لدعوات الانفصال المذهبي الشمالي سينتج بدوره انفصال جهوي حتمي وربما متعدد ، .

ونحن نرى أن مصلحة اليمن وشعبها، الآنية والمستقبلية، رغم أية سلبيات ، وكذلك هي مصلحة الجوار العربي في الخليج والجزيرة ، بل ومصلحة الأسرة الدولية مرتبطة جوهريا باستقرار اليمن ووحدته،وأية خيارات أخرى من شأنها الإتيان بالطوفان .. لذلك يجب أن يعود دعاة التفكك والتجزئة المذهبية والجغرافية إلى سباتهم ويجب تدعيم بناء الدولة اليمنية الحديثة الباسطة نفوذها على كل الأرض اليمنية تحت سقف الجمهورية والوحدة والديمقراطية المحققة للعدالة والمساواة والمحفزة للتنمية المستدامة والشاملة لكل أجزاء الوطن بجهاته ومحافظاته المختلفة,, وتلك هي الشروط الضرورية لإيفاء الدولة اليمنية بمسئولياتها الداخلية تجاه مواطنيها وإيفائها بالتزاماتها الخارجية في تدعيم وحفظ السلام الإقليمي والدولي،وإلا فإن اليمن كما قال أحدهم ساخرًا أو مُجداً بأن حدودها الجديدة ستكون شمالاً الحوثيون، ومن الجنوب الحراك،ومن الشرق القاعدة،وغرباً القراصنة.. فهل يُعقل الذهاب إلى مصير معتم كهذا ؟ - يجب أن لا تُسلِّم اليمن لهذا المصير المجهول المحزن !!- ثم هل يطيق العالم تحمل بؤر توتر ولا استقرار جديدة جنوب الجزيرة العربية وعند باب المندب وعلى شواطئ خليج عدن والبحر الأحمر؟ .         

وتتضاعف اليوم مشاكل اليمن جراء التوترات في الجنوب وحروب شمال الشمال( صعدة وحرف سفيان)وحروب الجوار(الصومال) وتتعاظم الصعوبات بسبب موجات النزوح واللجوء، لذلك فإن اليمن اليوم أحوج أكثر من من أي وقت مضي،بالإضافة إلى المعالجات الجذرية لأسباب النزوح واللجوء والتوترات، إلى الدعم العاجل والطارئ، وتقديم المساعدات الإنسانية من أجل حماية حياة مئات الآلاف من النازحين ، كما هي الحاجة ملحة أيضاً لدعم جهود التنمية والمساعدة في حل مشكلة البطالة ومكافحة الفقر وغيرها من المعضلات التي تهدد الاستقرار والسلم الأهلي والاجتماعي بشكل مباشر أو غير مباشر، وهنا تبرز بجلاء أهمية وحيوية دعم المجتمع الدولي ومساعدات الأشقاء والأصدقاء والمنظمات الإنسانية.

غير أنه ومن مقتضيات الحكمة في هذه اللحظات الحرجة من عمر التجربة اليمنية أن نساعد أنفسنا أولاً - نحن معشر اليمانيون- بوحدة الصف والالتقاء على حماية حاضرنا ومستقبل أجيالنا من الوقوع فريسة الحرائق المشتعلة هنا وهناك،، فالخارج–القريب قبل البعيد- إن أراد مساعدتنا، التزاماً بواجباته الأخوية والإنسانية، ستذهب جهوده أدراج الرياح،إذا لم تتوفر الإرادة الوطنية الجامعة في الداخل لمساعدة أنفسنا أولاً عبر إدارة خلافاتنا بشكل عقلاني ثم بإنتاج الشراكة الوطنية المحققة للمصلحة العامة،ولمواجهةمصير التحول إلى مشكلة مزمنة وأوراق (كروت)ضغط على طاولة اللعبة الدولية؟

إننا نرى البداية في إعمال جوهر دعوة فخامة الأخ الرئيس الصالح الأخيرة في كلمته بمناسبة أعياد الثورة اليمنية للمعارضة وللجميع في الوقوف صفاً واحداً في مواجهة التحديات الخطيرة الملمة بالوطن،،تلك الدعوة الصادقة الحريصة هي بحاجة إلى بعض التعزيز بإشارات ايجابية من الحاكم تجاه اللقاء المشترك باعتبار الأخير شريكاً أساسياً فاعلاً في المنظومة السياسية والمجتمعية اليمنية،،وإنْ اختلفنا وتنافسنا كأحزاب، يجب أن لا تعمينا حمى التنافس عن الاعتراف بالأخر المختلف وحقوقه،،علينا جميعاً نبذ الأحقاد،،وتمثل قول الله سبحانه وتعالى:

 (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)(8)المائدة 

إن توجيه إشارات صادقة من النظام (إطلاق سراح المعتقلين !!) ستعزز هذا التوجه الرئاسي بوحدة الصف،،وإذا كانت هناك ضرورة لحجز أو تقييد حرية أي شخص فلنعمل ذلك وفقاً للقانون في النور تحت نظر الأشهاد وأمام الجميع.

حقاً ما أحوجنا إلى لم الشمل !! إنِّ الأمن القومي كل لا يتجزأ : هو أمن الوطن والمواطن على السواء وفقاً للقانون، فالغاية لا تبرر الوسيلة والأهداف المشروعة يجب تحقيقها بوسائل وطرق مشروعة،والحكومة ومؤسساتها وأجهزتها هي القدوة والمثل الأعلى للجميع.. نقول أننا في دولة تؤمن بحرية الرأي والتعبير وهذه حقيقة وأمر واقع مع بعض التحفظات :مثلا تصريح المصدر المسئول حول موضوع قناة سهيل الفضائية الخاصة هل ينسجم مع توجهاتنا؟؟ ،،أليس من الأفضل أن تكون كلمة الرئيس في مؤتمر نقابة الصحافيين اليمنيين الأخير عنواناً مرجعياً لتوجهات السياسة الإعلامية الرسمية بشكل عام ، ما الذي سيحصل لو بثت قناة سهيل برامجها من الأراضي اليمنية؟ ستحل جزء من البطالة وستسهم في تطوير التجربة الديمقراطية التي نقول حقاً بإنشائها وبناءها لبنة لبنة في اليمن، والتي أساسها وجود الأخر المختلف عنا، لا كما نشتهي نحن.. الديمقراطية التي في ظلها تتحول الصراعات التناحريه إلى صراعات سلمية تنافسية تكفلها وتقرها الدولة بكل مكوناتها ويعترف بها المجتمع وطيفه السياسي والحزبي كوسيلة للتبادل السلمي للسلطة،، الديمقراطية التي تكفل للأخر الإعراب عن نفسه وحقوقه بالطرق السلمية: عبر الصحافة المرئية والمسموعة والمكتوبة وعبر تشكيل المنظمات والأحزاب السياسية وغيرها من الوسائل السلمية القانونية وتلك هي الممارسات المشروعة في ظل الديمقراطية ،،. 

ولذلك يكون واجب الجميع الوقوف صفاً واحداً ضد كل من يرفع السلاح في وجه الدولة وقواتها المسلحة، أو ضد من يمارس العنف أو ضد من يعرقل بناء مؤسسات الدولة ويمنع بسطها لسلطتها على أي جزء من أجزاء الوطن..الديمقراطية التي تعني قبول من يُسمعنا مالا نشتهيه وما لا يعجبنا، كي نصحح أنفسنا أولاً ،ولأننا نعترف بحاجة اسمها معارضة سلمية ونعترف أن هناك صراع حتمي في المجتمع يجب أن يخاض بطريقة ما، نفضلها سلمية، كي لا تفسد الأرض، وكي لا تُنتهك الحقوق، أو تُقتل الأنفس، وتُدمر العمران،، فالديمقراطية جاءت لتحل إشكالية مزمنة في تاريخ الأمم بتحويل الصراعات التناحريه المدمرة إلى صراعات سلمية لا تناحريه،وتلك وظيفتها،،فهل نحن بها قابلون ؟؟ ،،. 

إن الاعتراف بالخطأ والسعي لتصحيحه دليل قوة.. حقاً ما أحوجنا إلى رص الصفوف وتوحيد الرؤى والمواقف تجاه التحديات الخطيرة والمريبة التي تواجه الوطن راهناً،، قد نختلف مع الأخر المعارض أو حتى الموالي في البرامج والأساليب والطرق المؤدية إلى تحقيق الأهداف، ولكن يجب أن لا نختلف في حقه في الإعراب عن نفسه بالطرق السلمية التي يراها هو لا نحن، وقبل أي شيء وقبل كل شيء يجب أن لا نختلف مطلقاً في بقاء وسلامة السفينة-الجمهورية اليمنية- تلك التي نحن جميعاً أبناء الشعب اليمني بكل توجهاتنا ومشاربنا المختلفة والمتعددة بحارتها وركابها،وربانها اليوم هو الرئيس علي عبد الله صالح(حفظه الله) والمنتخب في سبتمبر2006م من قبل حوالي ثلاثة أرباع الناخبين من أبناء الشعب اليمني في انتخابات شارك بها وأعترف بنتائجها اللقاء المشترك رسميا،،انتخابات راقبها العالم وقال عنها بأنها كانت تنافسية جداً في واقع حال بلد مازال يخطو خطواته الأولى على طريق الديمقراطية،،وغداً سيكون رئيساً غيره من أبناء الشعب اليمني : يدخل عبر بوابة الانتخابات وصناديق الاقتراع، وليس عبر الحق الإلهي المُدِّعى، أو عبر فوهات البنادق .. يجب أن تبقى اليمن السفينة بكل أجزاءها سليمة مبحرة صوب الغايات الوطنية الكبرى،وان تعرجت بنا المسارات، أو علت في مسيرتنا الأمواج، أو اشتدت في وجوهنا هبوب العواصف..تلك أمانة في عنق كل يمني، بل وكل عربي لان اليمن هي المختبر الأول لحلم الوحدة، كما هي المهد الأول للعرب،وذلك في نظري ما يجب أن يقال !! .

*عضو مجلس النواب