السلام عليكم ميثاق شرف
بقلم/ د.عائض القرني
نشر منذ: 14 سنة و 8 أشهر و يومين
الجمعة 24 يوليو-تموز 2009 05:12 م

سبقنا العالم بقرون بالدعوة إلى السلام، فشعارنا دائما (السلام عليكم)، عند اللقاء والوداع في المسجد والمدرسة والجامعة والطريق والسوق نلقى الملك والعالم والأمير والوزير والتاجر والفقير والكبير والصغير فنقول: (السلام عليكم). ندخل المجالس والاجتماعات والمحاضرات والمؤتمرات والندوات، فنقول: (السلام عليكم). نبدأ الخطب والدروس والنصائح والوعظ والبيانات فنقول: (السلام عليكم). إنها ميثاق شرف، وعهد وفاء، وعربون مودة، وعنوان أخوة، وإعلان مصالحة، وإنهاء قطيعة، وبداية صداقة، وتجديد عهد، ودعم ثقة، وعصمة دم، وحفظ نفس، واحترام عرض. وحدها (السلام عليكم) الجملة المعبرة والكلمة الآسرة، والعبارة الصادقة في زرع السلام والأمن والمحبة بين الناس. وحدها (السلام عليكم) العبارة المختارة من بين كل العبارات التي نبدأ بها لقاءاتنا، تدخل على أبيك وأمك وابنك وزوجتك وعمك وخالك وصديقك وعدوك فتقول: (السلام عليكم). إن معناها خذ العهد مني والأمان أن لك السلامة مني على نفسك ودمك ومالك وعرضك، فلا تخف مني فلن يصيبك ضرر ولن يصل إليك مكروه. إن شعار (السلام عليكم) عقد شرعي، ووثيقة اجتماعية، ورسالة ربانية، أتى بها الإسلام قبل ثقافات الأرض، ودساتير الطين، وقوانين التراب: «ومن أحسن من الله قيلا». نحن سبقنا العالم في نشر ثقافة السلام والدعوة إلى المحبة، وغرس شجرة الإيمان والأمن، والله سبحانه هو السلام، ومنه السلام، ويعود إليه السلام، وهو الذي سلّّم على أنبيائه وعباده الصالحين، وتحية أوليائه يوم يلقونه السلام، وتحية أهل الجنة السلام عليكم، وتحية الملائكة على المؤمنين في الجنة السلام عليكم، فلا يجوز لنا أن نهمل هذه الكلمة، أو نبطل هذا الشعار، أو نستبدله بغيره من الكلمات مهما كانت رقيقة أو جميلة، فلا أرق ولا أجمل من (السلام عليكم)، ويجب علينا إحياء هذه الكلمة قولا وعملا، لفظا ومعنى، ظاهرا وباطنا، فننشرها في أنفسنا، بالعفو والمحبة، والصفح والتسامح، ونعلنها في كل مكان، ونجعل عبارات المجاملة والترحيب بعد هذه الكلمة، فكلمة مرحبا، أو أهلا وسهلا، أو صباح الخير، أو كيف الحال؟، أو غيرها، تأتي عند المسلم بعد (السلام عليكم)، وإذا أسقط المسلم كلمة (السلام عليكم) واستبدلها بغيرها فقد غير ثقافته، وتخلى عن شعاره، وتنكر لهويته. ومن جمال هذه الكلمة أن كبار العالم وزعماءه إذا أرادوا أن يحيونا نحن المسلمين قالوا لنا: (السلام عليكم). إن (السلام عليكم) أنشودة عذبة، ونغمة جميلة، وقصيدة حلوة، ومفردة عجيبة آسرة. إنها مفتاح للقلوب، وبلسم للأرواح، وإشراقة للنفوس، وصحوة للضمير. يعجبني المسؤول والعالم والكاتب والشاعر والأديب والمفكر والفيلسوف إذا قال: (السلام عليكم)، حينها أشعر برضا وسكينة وطمأنينة؛ لأنه أمّنني على نفسي ومكانتي من الكراهية والغضب والحقد والأذى والضرر، ولأنه أشعرني بالأخوة والصداقة وحسن التواصل وجميل التعارف. أرجو ألا نسمح لجيلنا بالتنكر لعبارة: (السلام عليكم)؛ ليجعلوا مكانها كلمات مستنسخة عقيمة سقيمة ساذجة باردة، لا تقوم مقامها، ولا تحمل روعتها، ولا تفي بدلالتها، ولا تعبر عن مقصودها. أرجو ألا نتخلى عن هذه العطية الربانية، والمنحة الإلهية؛ لأن فيها علاجا لمشاكلنا ودواء لأمراضنا النفسية، لأننا كلما تغاضبنا وتهاجرنا وتقاتلنا وتقاطعنا وتدابرنا سمعنا (السلام عليكم) فتعود المحبة والوصل والود، فنتسامح ونتصالح ونتصافح ونتعانق ونتآخى؛ لأن (السلام عليكم) ذكّرتنا بالأخوة الإنسانية، والمحبة الإيمانية، والرابطة الإسلامية. إن أجمل عبارة يمكن أن يضعها مجلس الأمن في أول لقاءاته هي: (السلام عليكم)، وأجمل كلمة تكتبها هيئة الأمم المتحدة على مبناها عالية شامخة هي (السلام عليكم). وأخيرا أقول لكم: (السلام عليكم)